FYI.

This story is over 5 years old.

الاوسكار

فيلم The Favourite.. نساء يحكُمن مملكة الأرانب

حصل الفيلم منذ قليل على10 ترشيحات للأوسكار
the-favourite-olivia-colman
Yorgos Lanthimos/Twentieth Century Fox

تحذير: لا تكمل القراءة اذا لم تشاهد الفيلم بعد.

Prologue: "لقد فقدتُ 17 طفلًا، بعض منهم وُلد دمـًا، وبعض آخر بدون نَفَس، والآخرون عاشوا معي لمدة قصيرة جداً."
هذه العبارة مأخوذة من فيلم The Favourite (المفضلة) على لسان آن ستيوارت، ملكة حكمت انجلترا مع بدايات القرن الثامن عشر. الفيلم يعرض حالياً حول العالم، والذي حصل منذ قليل على 9 ترشيحات للأوسكار، فحصل يورجوس لانثيموس ترشيح أفضل مخرج، كما حصلت أوليفيا كولمان ترشيح أفضل ممثلة، كما حصلت كل من ريتشيل وايز وإيما ستون على ترشيحين لأفضل ممثلة دور ثان، فقد برعت كل منهما في أداء شخصيتي أبيجيل وسارة من خلال لغة الجسد ونبرة الصوت وحركة العين، كما أدت ستون دور الفتاة البريطانية بشكل مقنع للغاية.

إعلان

ويروي الفيلم قصة الملكة (آن) المريضة بالنقرس، والصراع الخفي بين سيدتين داخل البلاط الملكي من أجل الفوز بتفضيل الملكة الشخصي. هاتان السيدتان هما (سارة تشرتشل) صديقة الملكة منذ الطفولة، وابنة عم سارة (أبيجيل هيل) التي كانت تعمل خادمة في القصر الملكي. الفيلم يُعرض في شكل أوبرالي حيث تم تقسيم الحكاية إلى 8 فصول أو Acts، هذا الشكل يلائم المرحلة التاريخية التي يتحدث عنها الفيلم حيث نشأت الأوبرا كلون فني جديد.

Act I: نساء يحكمن البلاد
خلال الفيلم، نشاهد الأرانب في غرفة الملكة، والبط وجراد البحر في سباقات للجري، وحفلات رقص بين رجال الدولة ونسائها، يحدث هذا داخل القصر الملكي، ولا نشاهد أياً من مشاهد الحرب بين انجلترا وفرنسا، أو حياة المواطنين الإنجليز، في محاولة للإغراق في تفاصيل الواقع الملكي الذي قد تصل حكاياته لحد الهزل لما يحدث داخل أروقته.

نجح الفيلم في كسر الصورة النمطية عن كواليس الحياة الملكية المنمقة داخل الملابس والقصور الفاخرة واللغة المحافظة، حيث دغدغ الفيلم كل هذه الصور التي لطالما رسمتها السينما في أذهاننا عن شكل الملوك والأمراء الذين يتحدثون بشكل لا يمكن أن نصفه بـ (العيب أو غير اللائق)، بل أظهر الفيلم ملكة عادية تسب وتلعن وتصاب بشره تناول الطعام، ثم تتقيأ في أحد الأباريق الملكية الفضية بعد أن امتلأت معدتها. تدور قصة الفيلم حول ثلاث نساء والصراع الدائر بينهم على السلطة والحب والسيطرة، مع تهميش لدور الذكور خلال أحداثه، فالرجال ليس لهم أي دور محوري في تغيير مجرى الأحداث، إلا أن هذه المركزية تأتي بعد صراع، لانراه، نجحت فيه النساء أن تفلت من قبضة مجتمع ذكوري.

1548168324308-the-favourite-review2

ريتشيل وايز وإيما ستون. Twentieth Century Fox

Act II: يورجوس لانثيموس
ربما يكون هو المخرج الذي أعاد للسينما اليونانية بريقها العالمي مرة أخرى بعد المخرج كوستا جافراس. فرغم أن لانثيموس أخرج 6 أفلام طويلة فقط إلا أن الإشادة العالمية لاحقته، وحازت أفلامه جوائز عالمية مثل جائزة Un Certain Regard Award من مهرجان كان عام 2009 عن فيلمه Dogtooth. كما أن فيلمه The lobster قد حصل على ترشيحات الأوسكار والجولدن جلوب والبافتا عام 2017. ولعل جعل أفلامه الثلاثة الأخيرة بالانجليزية والاعتماد على نجوم عالميين هو ما سهل انتشار أعماله على المستوى العالمي. The Favourite، هو الأقرب في طرحه لما يمكن اعتباره فيلمـًا جماهيرياً، مقارنة بأفلامه السابقة مثل Dogtooth أو The lobster ، فشخصيات هذه الأفلام والسياق الذي تعيش فيه قد يكون غير مفهوم أو مألوف لكثيرين، كما أن الشخصيات تواجه تحديات يمكن اعتبارها غير طبيعية أو غرائبية، في حين أن فيلم The Favourite، أكثر وضوحاً ومباشرة. الكوميديا في أفلام لانثيموس سوداء تدور حول صراعات السلطة، أي سلطة. ولا يغير لانثيموس أسلوبه في تقديم الجنس كأحد العناصر الأساسية في أفلامه، فالجنس يتماس دائماً مع السلطة.

إعلان

Act III: جنس مقابل سُلطة
يُظهر لنا الفيلم أن ملكة انجلترا تمارس الجنس مع صديقتها سارة، كما أنها تمارسه مع ابيجيل. قد نرى الأمر صادماً للحظة، لأننا لا نعرف شيئـًا عن كواليس الحكم، لا نرى الملوك إلا عند إلقاء خطاباتهم، لكننا لا نستطيع رؤيتهم في غرف نومهم، في لحظات ضعفهم، ولا لحظات الشهوة عندما تتملك عقولهم قبل أجسادهم. لا نرى أن السلطة أحياناً قد يتم مقايضتها مقابل لحظة من المتعة الجسدية. فالملكة وإن تزوجت سابقاً من أمير الدنمارك إلا أنها تشتهي النساء، ربما لتعويضها عن وفاة زوجها وربما لأنها تحب ذلك، لا نعلم، لكن ما نعلمه جيدًا أن الفيلم لم يرسم لنا شخصياته ملائكية أو شيطانية.

ربما لم تكن هي الملكة الأذكى في تاريخ انجلترا، فالصورة التي رسمها لانثيموس جعلتنا نرى شخصاً عاديـاً يحمل داخله لحظات كثيرة من الضعف رغم جُل السلطة التي تمتلكها، فتبكي مثل الأطفال إذا ما هجرتها سارة لساعات. ربما لم يظهر هذا مع شخصيتي سارة وأبيجيل، وهذا ما ميز شخصية آن، فهي إنسانية أكثر من المرأتين الأخريين. فسارة وأبيجيل تجسدت فيهما ملامح الذكورة التي تشتهي السلطة أكثر من الملكة ذاتها ورئيس وزرائها وزعيم المعارضة. صورة الملوك التي نعرفها وإن تناقضت بين القسوة والرحمة، فهي دومـًا صورة صارمة حاسمة، وهذا لايختلف إذا ماكان الملك ذكرًا أو أنثى، لكن هذا لم يظهر مع آن التي كانت في كثير من أوقاتها ضعيفة والحسم أبعد ما يمكن وصفها به، ربما لأنها كانت تشعر أن القصر الواسع ليس مكانها.

Act: IV: الصورة السينمائية والموسيقى
استخدامه للعدسات الواسعة أو العريضة، تحديدًا عدسة عين السمكة أو Fish eye، كان الهدف الأساسي منه كما يقول لانثيموس هو محاولة إظهار المساحات الشاسعة التي يقطنها أفراد قلائل، فتجد الملكة تعيش في غرفة شديدة الاتساع، وتسير في ردهة لا نهاية لها. تعطي هذه العدسات إحساس الـ distortion، وهو الإيهام بأن صورة ما تأخذ بُعدًا وشكلًا يختلف عن شكل العدسات العادية التي تُشعِر المشاهد بأن الصورة طبيعية أو حقيقية. وهنا يبين لانثيموس أن الفيلم قد يبعث داخل المشاهد الشعور بالخوف من الأماكن المغلقة، رغم اتساع مساحات الغرف.

إعلان
1548167627190-screen

لقطة من الفيلم.

1548167741552-screen2

لقطة من الفيلم

ما يميز أفلام لانثيموس أنه يعتمد على الإضاءة الطبيعية، الصادرة من الشمس أو ضوء النهار، أو ضوء صادر من الشموع، وهذا ماظهر في كثير من المشاهد الداخلية في القصر، حيث تم تصوير كل المشاهد الليلية على ضوء الشموع مما أضفى إحساساً بالحقيقة والواقعية، ويمكن هنا مقارنة هذه المشاهد باللوحات المرسومة في نفس العصر حيث استخدام الشمع كمصدر للضوء، على سبيل المثال لوحة الرسام الهولندي جيريت فان هونثورست، صانع الكبريت.

1548167776458-Gerrit_van_Honthorst_-_De_koppelaarster

لوحة صانع الكبريت لجيريت فان هونثورست، المصدر ويكي كومونز.

الصورة السينمائية في كثير من المشاهد تشعر وأنها لوحة مرسومة على يد فنان إيطالي، ويمكن مشاهدة لوحات رسامي هذه المرحلة ومقارنتها بالحالة التي صنعها مدير التصوير روبي ريان. فيمكن أن نقارن ما صنعه بواحدة من أشهر لوحات كارفاجيو، نداء القديس ماثيو.

1548167826673-michelangelo-merisi-da-caravaggio-the-calling-of-st-matthew-1599-1600

لوحة نداء القديس ماثيو للرسام كارفاجيو، المصدر ويكي كومونز.

في مثل هذه اللوحات يعتمد الفنان على خلق حالة من التناقض/ contrast، إذ يتلاعب بالضوء والظل داخل لوحته فيما يعرف باسم (Chiaroscuro)، وهو أسلوب اشتهر به رسامون كُثر من بينهم كارفاجيو ورامبرانت. هذا الأسلوب متبع في السينما أيضاً منذ فترة بعيدة، فقد ظهر في السينما التعبيرية الألمانية في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي، ثم الفيلم الأسود (Film Noir) الذي سيطر على صناعة السينما خلال فترة الحرب العالمية ومابعدها، ويمكن ملاحظة الـ Chiaroscuro في معظم المشاهد الداخلية للفيلم. أما الموسيقى فقد ساعدت على الانخراط في أحداث الفيلم سريعاً، وكأنها إعادة لإنتاج كلاسيكيات الموسيقى في القرن السابع والثامن عشر التي ألفها موسيقيو عصر الباروك مثل باخ وفيفالدي وهيندل، وهو العصر الذي اشتهر بقدر من الارتجال في صناعة الموسيقى. كذلك فموسيقى الباروك تركز على حالة حسية واحدة، فمشاعرنا أثناء سماعها تكون كموجة واحدة لا تتغير على عكس موسيقى المرحلة التالية التي قادها بيتهوفن وموتسارت. نجح مؤلف موسيقى الفيلم Johnnie Burn بشكل كبير في خلق هذه الحالة الأحادية التي تشعر فيها بوجود الموسيقى في الخلفية لكنها لا تؤثر على التركيز مع الفيلم.

Act: V: ترشيحات الأوسكار
من ضمن الجوائز التي حصل عليها الفيلم في ترشيحات للأوسكار، بالاضافة إلى التي أشرت إليها في المقدمة، تم ترشيح الفيلم لأفضل تصوير وأفضل سيناريو أصلي، وترشيح أفضل مونتاج، وأفضل تصميم إنتاج، وأفضل أزياء. هذا هو التعاون الثاني بين لانثيموس مع أوليفيا كولمان وريتشيل وايز، حيث اشترك الثالوث سويـًا في فيلم The lobster. بطلة الفيلم الرئيسية، كولمان، ملكة انجلترا، حصلت مؤخرًا على جائزة الجولدن جلوب كأفضل ممثلة، كما أنها مرشحة حالياً لجائزة البافتا (جوائز الفيلم البريطاني) عن دورها كأفضل ممثلة، كما حصل الفيلم على 11 ترشيح آخر للبافتا. على المستوى الشخصي أتمنى أن يحصل لانثيموس وكولمان على جائزتي أفضل مخرج وأفضل ممثلة، بالإضافة إلى جائزة أفضل فيلم.

Epilogue
آن: سارة، قولي سلامـًا للأرانب الصغار
سارة: لا، هذا مقزز
آن: من فضلك
سارة: لا، أنا أحبك، لكنني لن أقوم بذلك
آن: لو أنكٍ تحبينني ….
سارة: للحب حدود
آن: لا ينبغي أن يكون للحب حدود

كانت الأرانب هي صديق آن الحقيقي الوحيد، وربما كانوا مملكتها الحقيقية التي لم يتصارع فيها الأطراف من أجل السلطة، فكانت الأرانب هي الأقرب لها، المفضلة، في عرش شعرت وهي تعتليه أنها حمامة مقيدة تريد أن تحلق بعيدًا على أنغام كلمات أغنية Skyline Pigeon التي انتهى بها الفيلم مع صوت إلتون جون.