سياسة

لن يتغير شيء -ماذا يقول العراقيون عن زيارة البابا لبلدهم

هي رسالة سلام فقط، فلن يتغير القانون أو الوضع على الأرض بعد وقبل الزيارة
pope iraq
Photo by Ashwin Vaswani on Unsplash

 بعد 15 شهراً من تعليق كافة الرحلات الدولية بسبب وباء فيروس كورونا، سيزور البابا فرانسيس العراق بين الخامس والثامن من مارس، في زيارة هي الأولى من نوعها لهذا البلد.

وقد عبر البابا سابقاً عن قلقه الشديد لوضع مسيحيي العراق وغيرهم من الأقليات العرقية التي تعرضت للقتل والتعذيب، والخطف والاغتيال وأعمال العنف الطائفية التي انتشرت بعد الإحتلال الأمريكي للعراق، ومن بعدها حكم داعش، حيث تم احراق وتدمير أديرة وكنائس بشكل ممنهج، ويقول المسيحيون الذين بقوا في العراق إنهم يُعاملون مثل مواطنين من الدرجة الثانية، وكثير منهم يعتبرون أن الهجرة خيارهم الوحيد. وبحسب الإحصائيات، فقد انخفض عدد مسيحي العراق من مليون ونصف المليون شخص في عام 2003 إلى ما بين 150 ألف شخص و400 ألف شخص، من أصل نحو ٣٩ مليون نسمة عدد سكان العراق.

إعلان

وبحسب ترتيبات الزيارة المعلنة، فسيزور البابا كل من بغداد والموصل ومدينة أور الأثرية. في بغداد، سيتم اقامة قداس في كنيسة سيدة النجاة التي تعرضت لتفجير إرهابي في نوفمبر 2010، كما سيزور الموصل ومنطقة سهل نينوى المحيطة بها التي سيطر عليها تنظيم داعش في 2014، والتي تعتبر من أهم المناطق المسيحية في شمال العراق. وقبل نهاية الزيارة، سيتوجه البابا إلى مدينة أربيل، كبرى مدن إقليم كردستان التي لجأ إليها عدد كبير من المسيحيين بعد هجمات تنظيم داعش على بلداتهم.

على الرغم من سعادتهم بهذه الزيارة، إلى أن كثير من المسيحيين الذين تحدثت معهم، لم يشعروا أن هذه الزيارة ستغير أي شيء على الأرض. الناشطة الشبابية لوديا ريمون، 27 عاماً من البصرة، رأت أن زيارة البابا مهمة على المستوى الروحاني، ولكنها لن تحقق أكثر من ذلك: "لا اتوقع أن يحدث تغيير حقيقي على الأرض. لا نزال نعاني من الوضع الأمني بعد ٢٠٠٣ واستهداف المكون المسيحي بصورة مباشرة من قبل الميليشيات والتنظيمات الإرهابية. التمييز مستمر، سواء في المناصب الحكومية، أو في فرص العمل. كما أننا كنساء نتعرض للكثير من التهديدات والتخويف بسبب عدم ارتداءنا للحجاب."

لوديا، التي نجت من محاولة اغتيال العام الماضي بسبب مشاركتها في التظاهرات الشعبية ضد الحكومة، تشير إلى أنها لا تزال وغيرها من الناشطين تتعرض للتهديد: "الوضع الأمني لا يزال غير مستقر، والانتهاكات تمس جميع العراقيين، وإن كنا كمسيحيين نتعرض لظلم أكبر بسبب عدم وجود أي شخصية مسيحية وازنة في الحكومة تمثلنا وتحاول الاستماع لمطالبنا."

إعلان

ويشغل المسيحيون 5 مقاعد في البرلمان من أصل 329 مقعدًا، ونادرا ما كانت تضم الحكومات العراقية السابقة وزراء مسيحيين. وكان رئيس كتلة ائتلاف الكلدان في البرلمان العراقي هوشيار قرداغ، اعتبر أنه من الضروري رفع عدد المقاعد النيابية المخصصة للمكون المسيحي داخل مجلس النواب العراقي، وإرجاع ثقة المواطن المسيحي في العملية السياسية القائمة في العراق، منتقداً عدم وجود نواب ممثلين عن الكاكائية والأرمن في البرلمان.

النائب في البرلمان العراقي يونادم كنا يقول خلال مقابلة معه أنه يأمل أن تساعد زيارة البابا للعراق في تحقيق وعود الحكومة تجاه المسيحيين وأن تتوقف عن التمييز على أساس طائفي وأضاف: "هناك تمييز اليوم في كل الوظائف، لأن الوظائف كلها على خلفية المحاصصة السياسية الحزبية والطائفية والقومية، والمسيحين خارج الحسبة."

وعن أهمية زيارة البابا في هذا الوقت، يضيف: "زيارة قداسته ذات طابع ديني وانساني ورسالة تضامن مع الشعب العراقي، وستعطي زخماً معنوياً كبيراً. ولكنها لن تغير من وضع المسيحيين، الذين هم جزء من المجتمع العراقي، فإذا كان الكل بخير فهم أيضاً بخير. يجب توفير الأمن والاستقرار والازدهار وفرص العمل والعيش الكريم والعدالة الاجتماعية وفرض سلطة القانون واستعادة هيبة الدولة وبناء دولة المؤسسات، وليس دولة إقطاعيات الأحزاب والجماعات المسلحة والسلاح المنفلت. هذه مطالب العراقيين ككل، وتحقيق ذلك يقع على عاتق الحكومة وليس من اختصاصات قداسته."

لا اعتقد أن شيئاً سيتغير بقدوم البابا إلى العراق لأنني متأكدة بأن السياسيين سيحتالون عليه مثلما يحتالون على ملايين العراقيين

ومن المقرر أن يلتقي البابا بالمرجع الشيعي علي السيستاني في داره في النجف لبحث الحوار بين الأديان وقضايا الحد من التطرف ونبذ الكراهية ومؤازرة سكان المناطق المحررة من داعش. وكان البابا فرانسيس قد زار الإمارات في فبراير ٢٠١٩، وتم توقيع وثيقة "الأخوة الإنسانية" لمحاربة التطرف مع شيخ الأزهر أحمد الطيب.

المحامي يوليوس بطرس، من السليمانية شمال العراق يقول أنه منذ سقوط صدام حسين عام 2003 تم الهجوم على عدد كبير من الكنائس في مختلف أنحاء العراق: "كل الطوائف المسيحية كانت تشعر بالرعب، والكثير من المسيحيين أجبروا على اتباع العادات والتقاليد الإسلامية في الوسط والجنوب، والبعض كان يخفي هويته الدينية خوفاً التمييز والإساءة." ويشير يوليوس أنه على الرغم من تحسن الوضع الأمني، إلا أن كثير من المسيحيين يشتكون من وجود نظرة اجتماعية سلبية عنهم "بشكل عام، يتم التعامل مع المسيحي على أنه شخص منحل اخلاقياً لأنه يشرب الكحول والنساء لا ترتدي الحجاب مثلاً."

إعلان

إعادة بناء الموصل: المرحلة الحرجة بعد داعش

وقد تعرض المسيحيون للقتل والاضطهاد خلال فترة احتلال الموصل من قبل تنظيم داعش في عام 2014 الأمر الذي أجبر آلاف العوائل على المغادرة إلى كردستان وكركوك وبغداد. وقد قام التنظيم بقتل رجال دين وقساوسة ونسف عشرات الكنائس والأديرة والمدارس، التي تعود للطائفة المسيحية، ومصادرة منازلهم وعرض ممتلكاتهم داخل مزادات باعتبارها غنائم لـ "الدولة الإسلامية."

فيفان، التي تقيم في كندا تتحدث عما دفعها للهجرة خارج العراق: "في عام ٢٠٠٨، ومع انتشار حوادث القتل والعنف الطائفي، قررنا ترك بغداد والتوجه إلى كردستان أنا وزوجي وأبني وبناتي الاثنين. في الطريق أوقفنا مسلحين تابعين لتنظيم القاعدة، ولا زلت بعد هذه السنوات أسمع صوت أحد المسلحين وهو يقول "كل الرجال في السيارة ينزلون الينا ومعهم البطاقة الشخصية." نزل ابني وزوجي من السيارة ولم يعودوا، وعلمت لاحقاً أنه تم قتلهم."

بعد قتل زوجها وأبنها، غادرت فيفان العراق إلى الأردن وحصلت على لجوء في كندا: "لا حياة في بلد يتواجد به الإرهاب بكل مكان، ولا انوي الرجوع للعراق بعد خسارتي لابني وزوجي، الذين تم قتلهم فقط بسبب دينهم. لا اعتقد أن شيئاً سيتغير بقدوم البابا إلى العراق لأنني متأكدة بأن السياسيين سيحتالون عليه مثلما يحتالون على ملايين العراقيين."

وعلى الرغم من مرور أكثر من 3 سنوات على هزيمة داعش، ما زال الكثير من النازحين المسيحيين مترددين بالعودة إلى منازلهم في الموصل، في ظل تباطؤ عمليات إعادة الإعمار. وبحسب بعض الأرقام، فقد كان عدد المسيحيين في الموصل يبلغ 50 ألف نسمة قبل حكم داعش، ولم يرجع منهم منذ هزيمة التنظيم سوى نحو 100 شخصًا.

حَنون، موظف حكومي سابق يتحدث عن مصادرة منزله في البصرة من قبل أفراد تابعة لمليشيا مسلحة ولم يستطع فعل أي شيء: "تم تزوير الأوراق الأصلية، طالبت بحقوقي ولم تأخذ المحكمة بالاعتبار كل الأوراق التي قدمتها وتثبت أن البيت لي رغم أنني أملك سند الملكية الأصلي وكل ما يثبت أنه بيتي. هذه واحدة من انتهاكات كثيرة يعيشها المسيحيون في العراق، نحن أبناء العراق الذين نُسمى اليوم بأقليات." وعن زيارة البابا يضيف: "زيارة البابا فرانسيس رسالة سلام فقط، لن يتغير القانون أو الوضع على الأرض بعد الزيارة. بشكل عام الوضع الأمني والصحي والاقتصادي في العراق لا يزال فوضوياً."

"لقد تم استهداف المسيحيين بشكل خاص من قبل مجموعات ارهابية وعصابات والتجاوز عليهم وعلى ممتلكاتهم، هذا بالإضافة إلى خطاب الكراهية الموجه ضدهم، وضعف مؤسسات الدولة وغياب المساءلة، ولم يعد أمام كثير منهم سبيل للحياة الكريمة سوى الهجرة،" يقول عضو المفوضية العليا لحقوق الإنسان علي البياتي ويضيف: "في ظل هذا الوضع تمثل زيارة البابا للعراق خطوة مهمة وتاريخية للتأكيد على ضرورة حماية ثروة التنوع الديني والعرقي والفكري في العراق. ولكن التغيير الحقيقي على الأرض يحتاج قوانين وخطوات وسياسات، وحتى تغيير سلوك لبعض من هم في مراكز القرار تجاه أبناء البلد الواحد والتعامل مع الكل على أسس انسانية ووطنية بعيدًا عن التمييز."

وعلى الرغم من تخوف البعض من الوضع الأمني في البلد، فقد أسفر هجومان انتحاريان في بغداد عن مقتل 32 على الأقل في يناير، قال البابا إنه على دراية بهذه المخاطر، وأشار أن سبب زيارته للعراق أثناء الوباء تهدف إلى الوقوف إلى جانب الشعب في هذا الوضع: "سيرون أن البابا موجود في بلادهم. أنا راعي الناس التي تعاني." وكان البابا الراحل، يوحنا بولس الثاني، أراد في عام 2000، زيارة مدينة أور العراقية الأثرية، التي يعتقد أنها مسقط رأس النبي إبراهيم، إلا أن المفاوضات مع الحكومة العراقية لم تنجح، ولم يتمكن من تنفيذ الزيارة.