أنغامي منصة واسعة الشهرة، تعرفتُ على خدمة البث الموسيقي من خلالها في عام ٢٠١٥ عندما كان معظم أصدقائي في بيروت يحفظون أغانيهم المفضلة على التطبيق. بدت فكرة بث الموسيقى معقدة ومكلفة في ذلك الوقت، إلا أن امكانية الوصول لأي أغنية بدت خاصية مغرية.
اليوم، يستمع حوالي ٧٠ مليون مستخدم للموسيقى عن طريق تطبيق أنغامي. ولأول مرة في المنطقة، أصبحت شركة أنغامي في مطلع شهر آذار أول شركة تقنية عربية تصل الى قائمة سوق البورصة في نيويورك بعد اندماجها مع شركة الاستحواذ فيستاك. هناك الكثير من التطلعات حول مستقبل أنغامي كشركة تقنية من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وكحاضنة للموسيقى العربية والجمهور العربي بالدرجة الأولى.
تحدثت مع إيلي حبيب- وهو الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي للتكنولوجيا في أنغامي، عن رحلته في مجال ريادة الأعمال وعن الموسيقى والتقنية في العالم العربي منذ عصر الآيباد وصولًا الى العملات الرقمية.
VICE عربية: مرحبًا إيلي، سعيدة برؤيتك عبر الشاشة. بداية دعنا نلقي نظرة على أنغامي في ٢٠١٢. قبل حوالي عقد من الزمان، كيف كانت تبدو كفكرة آنذاك؟
إيلي حبيب: شكرًا للاستضافة، ما أتذكره أننا كنا في رحلة تزلج، وأثناء الرحلة لم يكن لدينا أي أغاني جديدة على الآيباد فشعرنا بالملل من تكرار نفس المجموعة. رأينا فرصة في عالم تطبيقات الهاتف المحمول، ورغبنا بالعمل على شيء نستطيع صناعته في المنطقة- وهو أمر قد يبدو ساذجاً عندما أفكر فيه الآن، ولكن شركتي السابقة كانت تُدار من لبنان في حين أن الفريق التقني كان يعمل من روسيا ولم أرغب بإعادة هذه التجربة. في البداية، قمنا بإنشاء شركة اسمها Think Big -هذا اسم الشركة من دون مزاح - وفي الحقيقة هي الشركة التي صنعت بداية أنغامي.
حققنا ٣٣٠ ألف مشترك في العام الأول، ولم نكن نعلم الكثير عن قطاع المستهلكين. بعد الوصول إلى هذا العدد بدأنا باستيعاب أننا تورطنا بشكل ايجابي، وأن القادم قد يحمل في طياته تطورات هائلة، وأخذت أنغامي كفكرة وكواقع تتشكل شيئا فشيئاً. وعندما أصبحنا جاهزين أردت لها أن تنطلق من بيروت وتبقى في المنطقة. والآن نحن نبني على هذه الرؤية ونريد أن ننتج تجربة ثقافية ونستثمر في صنع محتوى وموسيقى وبرامج صوتية عربية جديدة.
أنغامي أحد الرواد في مجال البث الموسيقي في المنطقة قبل دخول اللاعبين الكبار الآخرين إلى السوق. كيف تعاملتم مع المنافسة المتزايدة على مدى السنوات القليلة الماضية؟
المنافسة هي تأكيد أننا نقوم العمل الصحيح، ولكن لا أظن أن المنافسة كبيرة على عكس ما تبدو. في الثلاث المراتب الأولى أكبر منافسينا هم قراصنة الموسيقى، ونحن نبحث عن طريقة لقرصنة القراصنة. أنغامي ليست عبارة تطبيق وخدمات فحسب، ولكن ايضًا منصة للفنانين، ومساحة لمشاركة أعمالهم. لا يمكن للفنانين رفع موسيقاهم مباشرة على أبل ميوزك أو غيرها، لأن هذه المنصات تتعامل مع شركات تسجيل وهذا ليس رائجًا في المنطقة. كان علينا صنع منصة تتيح الفرصة للفنانين المستقلين في الأردن والكويت والسودان وغيرها من البلدان أن يتمكنوا من مشاركة موسيقاهم.
أردنا إنشاء مجتمع للفنانين العرب ودفعه إلى الأمام. ومن أجل تحقيق هذه الأهداف عملنا على تسهيل تجربة المستخدم، وتعاقدنا مع حوالي ٣٦ شركة هاتف نقال حول المنطقة لتسهيل الإشتراك للمستخدمين وهذه تفاصيل لا تكترث لها الشركات الأجنبية. لقد استغرقنا الكثير من الوقت والجهد، ولكن نمونا في عام ٢٠١٩ كان الأضخم على الإطلاق بنسبة ٤٠٪. بالتالي عندما أقيم رؤيتنا وأهدافنا أرى أننا نتقدم بشكل جيد مقارنة بالمنافسة الحالية.
ما الذي فاجأك فيما يتعلق بسلوك المستخدمين في استهلاك الصوتيات والموسيقى في العالم العربي؟
كنا نظن أن المستخدمين الذين يستمعون إلى الموسيقى العربية لديهم الكثير من الأشياء المشتركة، ولكن اكتشفنا لاحقًا أنه استنتاج مبسط. لم نفهم سابقًا حجم كتالوج الموسيقى العربية- لم يكن هناك كتالوج أساسًا. عندما بدأنا بجمع البيانات فهمنا أن الموسيقى العربية مجزأة جداً، لا توجد موسيقى عربية موحدة. يستهلك الناس الكثير من موسيقاهم الإقليمية الخاصة بثقافتهم المحلية و"بعض" الموسيقى العربية الرائجة، ولكن حتى ما هو رائج بالنسبة لي في لبنان، ليس هو نفسه في السعودية. هناك الكثير من الأنواع الموسيقية مرتبطة بسياق محلي خاص. وجدنا كذلك أن هناك أفق واسعة للمواهب الشابة الذين يمارسون أساليب جديدة من الموسيقى مثل المزج بين الهيب هوب والموسيقى المحلية، وهناك اقبال من المستمعين حيث يجدون أن هذه الموسيقى تمثلهم.
أعلنت مؤخرًا عن تسجيل أنغامي في قائمة NASDAQ- مما يجعلها أول شركة تقنية عربية تقوم بهذه الخطوة، وصفت هذا بأنه "الفصل الثاني" للشركة، ماذا يوجد في الفصل الثاني؟
الكثير سيحدث في الفصل الثاني. جمعنا ما يقرب 26 مليون دولار في السابق، والآن سيكون لدينا 100 مليون دولار. هناك الكثير من الفرص للتوسع الإقليمي في مناطق مهمة بالنسبة لنا، ولكن في نفس الوقت الموسيقى العربية لديها القدرة على النمو إلى ما وراء الشرق الأوسط. نحن نطمح للوصول إلى المتحدثين باللغة العربية في المهجر، هذه الفئة مهمة جدًا، ولكننا لم نعطيها تركيزًا كافًيا بعد.
كما سنسعى لبناء المنتج الذي نمتلكه ولكن سنركز خصوصًا مع الراديو، ما اسميه راديو 2.0. الراديو لم يتطور أبدًا، لا يزال كما هو لذلك نرى فرصة لصنع نقلة نوعية من تجربة الراديو. نعلم أن الراديو هو مزيج من أصوات مختلفة كالدي جي، والمضيفين، والموسيقى. اكتشفنا الجزء الموسيقي على أنغامي، والآن نسعى لدراسة الاجزاء الغير موسيقية. تطور أنغامي يصاحبه راديو 2.0 او إعادة اختراع الراديو، حيث نريد تمكين الناس من إنشاء قنوات إذاعية خاصة بهم على أنغامي. بدأنا بإطلاق راديو لايف خلال الجائحة يسمح للناس الاستماع إلى الموسيقى معاً، وسنبني على هذه التجربة لتمكين المستخدمين من إطلاق راديو خاص بهم حيث يستطيعون التحدث ووضع الموسيقى والتفاعل مع مستمعين آخرين على المنصة. هذه رؤيتنا لما يمكن أن يصبح عليه الراديو. سَنَجْربُ الكثير من التصورات، البعض قد ينجح والبعض سَيَفشل. نطمح كذلك للاستثمار ليس فقط في نشر المحتوى ولكن بصناعته في المنطقة سواء كان موسيقى، برامج، بودكاست.
هناك حوالي 57 مليون تراك على أنغامي، و 1% منها باللغة العربية، ولكن هذا النسبة الضئيلة تشكل 50% من إجمالي البثوث، هل تتجه أنغامي لدعم الفنانين العرب وصناع البودكاست والمحتوى الصوتي المستقلين؟
نريد أن يكون الفنانين قادرين على تحصيل فوائد مادية جيدة، وبناء حضور مستدام على المنصة. لهذا، سنقوم بتقديم الإرشاد العلمي للإنتاج الفني من خلال البيانات التي نملكها. بإمكاننا معرفة ما يطلبه المستمعون والأساليب التي تمكن الفنانيين من الترويج لأعمالهم ونشرها لجمهور أكبر. نريد أن نستثمر في صناعة الموسيقى التي نعتقد أنها مطلوبة في المنطقة، ومن ثم يمكننا أن نبني عليها. نريد أن نرافق الفنانين في الساحة ونعمل على ذلك من خلال فريق من المختصين الذين يعملون على إيجاد وسائل توليد المردود المادي للفنانين سواء من خلال تقوية علاقتهم بالجمهور، أو إقامة حفلات موسيقية، أو صناعة أعمال مميزة. عملية الربح والنمو المستدام تشاركية إذا لم ينمو الفنانين في المنطقة، لن ننمو نحن.
ماذا عن الكفاءات التقنية في المنطقة، ما مدى صعوبة أو سهولة استقطاب المواهب؟
هذه أحد المشاكل التي واجهتنا وهي كيفية العثور على الكفاءات العملية، وهي مسألة صعبة للشركات التقنية في المنطقة. في البداية، بدأنا بتوظيف الأشخاص الذين لديهم تجارب مختلفة في مجال التكنولوجيا، وحاولنا العمل معنا على بناء المنتج، ولكن بعد ذلك اكتشفنا أننا كنا نفعل ذلك بشكل خاطئ، لأن لديهم الكثير من المعرفة التي عليهم نبذها قبل الانخراط في أنغامي. كنا بحاجة للعثور على أشخاص جدد وتعليمهم المهارات اللازمة للنمو داخل أنغامي. ذهبنا إلى الجامعات مباشرة للعثور على مواهب جديدة، واستثمرنا فيهم معرفيًا لمدة عام ومن ثم نحصل على الانتاجية المرغوبة. ما يقرب 90% من العمل في أنغامي هو حصيلة الجهود التي بذلها الموظفين حديثي التخرج و99% من الفريق هم من دول عربية مختلفة.
وفي عملية النمو والتوسع، هل ستفتح الشركة المزيد من المكاتب الإقليمية والدولية؟
نعم، في شمال أفريقيا خصوصاً في المغرب، كما نستعد لافتتاح مقر أكبر في أبوظبي قريبًا، بجانب مكاتبنا في بيروت، دبي، الرياض، القاهرة. وهناك سنكون قادرين على تنويع فريقنا بشكل أكبر. هدفنا أن نصبح يونيكورن (1 مليار دولار) ليس بسبب العدد ولكن بسبب الطموح في أن نتمكن من صنع شيء ضخم من المنطقة، يمكن أن ينمو ويجذب الناس لكي يكونوا جزءًا من الرحلة من خلال العمل معنا، صنع الموسيقى، شراء الأسهم، الترويج لنا. رؤيتي تتلخص في خلق تجربة مستدامة في العالم العربي، من شأنها أن تفتح المجال لإنشاء المزيد من شركات التكنولوجيا التي ترغب في النمو من المنطقة إلى العالم.
ماذا عن العملات الرقمية -خصوصًا مع الضجة العالمية حول الـNFTs؟
سمحنا للمستخدمين بالدفع على أنغامي بالبيتكوين في عام 2014 أو 2015، قمنا بهذه التجربة ثم اوقفناها، لم تكن جاهزة بعد. أعتقد أن هناك فرصة في الـNFTs يجب اقتناصها، نحن الآن في دورة جنونية، ولكن في نهاية المطاف أعتقد أنه سيكون هناك شيء مؤثر وأكثر استدامة يمكن أن يخلق وسيلة لكسب المال من الموسيقى والمنتجات الرقمية، وهذا شيء أبحث بنشاط للمشاركة فيه وتقريبه للمنطقة من خلال أنغامي.
أخبرنا عن وقت صعب عليك في أنغامي. بالنظر للخلف، ماذا ستقول لنفسك؟
اووه الكثير. أتذكر أثناء الانطلاقة ظهرت شركة بنفس رؤية أنغامي وحينها شعرت بالخطر، ولكني استمريت بتذكير نفسي والفريق أننا نعرف المنطقة أكثر من أي شركة أخرى، ولدينا تركيز قوي على هذه الميزة. من الفترات الصعبة كذلك هي المرحلة التي كنا على وشك الدخول في صفقة استحواذ، ولم أرغب بذلك وكان علي الوقوف أمام فريق كامل وأن اطلب منهم بذل أقصى جهودهم كي نستطيع النمو مستقلين. قضاء وقت مع فريق العمل أمر هام يمدني بالطاقة ويشعرني بالمكافأة التي أحتاجها للاستمرار. أيقنت كذلك أن علينا التصالح مع فكرة الفشل -كعرب- وهذا ما يمدنا بمرونة أكثر في التعامل مع عملية التعلم: إنشاء، فشل، تعلم، تكرار. أريد أن أخبر نفسي في الماضي بأنه لا بأس من الشعور بالخوف أحيانًا. الأمور تأخذ بعض الوقت للوضوح ولكن الاستمرار بالتركيز والعمل مع فريق مجتهد سيحصد نتائج بالتأكيد.
ما هي الشكاوى المتكررة التي تتلقاها حول خدمات أنغامي؟
الشكوى الأكبر هي "لماذا لا يكون الاشتراك مجاني؟" وهذا شيء مستمر نقوم به منذ البداية وهو التثقيف. عندما بدأنا، كنا نعرف أن مستقبل الموسيقى سيكون من خلال البث، عمليات تحميل ملفات الموسيقى التقليدية غير قابلة للنمو، ولكن في نفس الوقت في المنطقة الناس معتادون على القرصنة. ما يهم هو إقناع الناس أن الفن والموسيقى ليست مجانية، ونحن بحاجة إلى مكافأة الفنان في مقابل ما يقدمه. الموسيقى يجب أن تكون قانونية ومدفوعة، وللقيام بذلك نحاول القيام بالكثير من التسهيلات مثل دعم الفترة التجريبية على التطبيق، وإضافة رصيد البيانات بالتعاون مع شركات الاتصالات. بدأنا بالترويج للمستخدم أن التطبيق يوفر الوصول إلى ملايين الأغاني التي يمكنك الاستماع اليها، ثم أدركنا أن ذلك غير نافع في تقريب السعر مقابل الخدمة. لاحقًا قمنا بإخبار المستخدم أن سعر بث وتحميل جميع الموسيقى هو سعر كوب من القهوة. بمجرد خلق علاقة حب بين العلامة التجارية والمنتج سيعي المستخدم القيمة التي يتلقاها. أما بالنسبة للمنتج نحصل على الكثير من ردود الفعل على التطبيق، في بعض الأحيان، خذلنا مستخدمينا بمحاولة تعقيد الأمور، ارتكبنا أخطاء مبتدئة، وبعضها لأننا كنا فريقا صغيرًا، نعتذر عنها بصدق. أنغامي اليوم هو أفضل بكثير مما مضى.
في مدونتك الجديدة كتبت أن أحد أهم الدروس المستفادة هو "السرعة مقابل المثالية" إلى ما الذي تشير؟
السرعة هي نقيض المثالية هذا ما أعنيه. أنا لا أؤمن المثالية. المثالية تحتاج الكثير من الوقت، وهذا يؤخر عملية الخروج بمنتج قد يكون غير مكتمل، ولكن لديه بعض القيمة. البناء السريع في العلن مخيف، ولكنه الوسيلة المثلى للتطوير والحصول على ردود فعل من المستخدم. الفكرة لا تعني شيئاً من دون التنفيذ والبناء، ولذلك فإن السرعة في التنفيذ مهمة كي تتأكد من أن ما تريد فعله. نصيحتي للرواد في المجال أن يجربوا وينطلقوا في العلن، ويفكروا بالسرعة في التنفيذ، لأن الأمر الجوهري لا يتعلق بمقدار المال الذي تحصل عليه من المستثمرين، بل بعدد الناس الذين يستخدمون منتجك.
ما هو برأيك القاسم المشترك في المؤسسين الذي خاضوا تجارب فاشلة؟
لا بد أَنْ أَكْتبَ مدونة حول ذلك. أنا أبحث باستمرار عن مؤسسين فشلوا في السابق. أعتقد أن أكبر حاجز أمام المؤسسين في ريادة الاعمال هو الغرور- وهذا لا يمكن سحقه إلا بالفشل. عندما تفشل تعي الحاجة لتَرْك غرورِكَ، والتركيز على التعلم بشكل أفضل. الأشخاص الذين قاموا بتجربة واحدة ونجحوا ما زالوا يملكون العديد من النقاط العمياء. بالمجمل، الجميع يخاف من الفشل. نحن لم نتعلم أن تجارب الفشل عامة تصقل الشخصية. لا بأس أن تفشل في شيء واحد، فسوف تنجح في شيء آخر.
ما هي الأغنية التي تستمع اليها مرارًا وتكرارًا على أنغامي (غير فيروز)؟
أتابع الفنانين الجدد كثيرًا. ولكن على مدى الأسبوع الماضي أكثر أغنية إستمعت إليها هي Empire State of Mind لـ أليشيا كيز.