IMG-20201024-WA0005

 @wisemanshooting 

مجتمع

صفحة ”ماشي عزية“ للتصدي للعنصرية ضد النساء في المغرب

الأمر أشبه برمي حجرة في بركة راكدة لا تسمح لموجات الارتطام بالتنقل على سطح الماء

"لماذا لا نرى بطلة مسلسل أو فيلم سمراء على الشاشة المغربية؟" تسأل هدى فونو، ٢٥ عامًا، عارضة أزياء ومدربة العارضين المبتدئين في مجموعة من وكالات عرض الأزياء من المغرب، والتي قررت رفع اللثام عن العنصرية والتنمر اللذان تتعرض لهما النساء والفتيات ذوات البشرة السوداء في المغرب عبر إطلاقها لصفحة ماشي عزية على إنستغرام في نوفمبر العام الماضي. من خلال هذه الصفحة تتحدث هدى عن واقعها اليومي وتجاربها التي تخوضها بصفتها فتاة سوداء في بلد عربي، في ظل غياب للمؤثرات السوداوات بشكل عام في المنطقة.

إعلان

في مقابلة مع هدى تخبرني أنها اختارت اسم ”ماشي عزية“ -أنا لست عزية-، لتقول أن الاستعمال اليومي لهذه الكلمة وغيرها مثل عَزِيَة، كَحْلوشة، دْرَاوِية، عَبْدَة، عَنْطِيزَة ذات الدلالات السلبية في المغرب لنعت الأشخاص ذوو البشرة السمراء أو السوداء، جعل من هذه الألفاظ أمرًا عاديًا بمرور الوقت بالرغم من وقعها القوي في نفوس من يتلقونها.

"نحن نعاني من عنصرية لغوية قوية في بلدنا، وهذا يأتي إمّا عن قصد أو من دون قصد. هدفي هنا هو نشر الوعي بخصوص استعمال هذه الكلمة، وتقديم منصة تسلط الضوء على العنصرية التي نواجهها كنساء كل يوم. وأيضاً أسعى إلى تغيير الصورة النمطية بخصوص المرأة السمراء والسوداء، سواء تعلق الأمر بجمالها أم بقدراتها، وإلهام الفتيات والنساء السمراوات والسوداوات ليتركن بصمتهن ويفرضن وجودهن في المجتمع."

عند القيام بجولة على الحساب، ستلاحظون أن المحتوى المعروض يسلط الضوء على أكثر العبارات العنصرية شيوعًا في الثقافة المغربية، مع التركيز على قوة الصورة والفيديو من أجل تمرير رسائل ضمنية تشجع النساء من ذوات البشرة السوداء على إظهار جمالهن الطبيعي دون فلترات أو تعديلات، وكذلك مناهضة العنصرية على أساس اللون من خلال زوايا ورؤى فنية تعبيرية، وتكسير الصور النمطية المرتبطة بمعايير الجمال البيضاء التقليدية.

Houda.JPG

هدى فونو، جميع الصور مقدمة منها.

تضيف هدى: ”أحاول أن أسلط الضوء من خلال منشورات الصفحة على الكلمات أو الأفعال العنصرية التي يعج بها مجتمعنا والتي عودنا أنفسنا على تجاهلها حتى أصبحت جزءًا من ثقافتنا. كما أنني أنشر بصفة مستمرة صورًا لفتيات ونساء ذوات بشرة سمراء أو سوداء باستايلات مختلفة، بين من لها شعر مجعد أو قصير، أو جسم ممتلئ أو نحيفة، إلخ. بهذه الطريقة سيتعود الناس بمرور الوقت على مصادفة صور مغايرة للصور التي نراها عادة على إنستغرام. ويصبح من الطبيعي رؤية امرأة سوداء على مواقع التواصل الاجتماعي.“

إعلان

في الوقت الذي يمثل فيه الأشخاص من ذوي بشرة سمراء وسوداء نسبة ١٠٪ من العدد الإجمالي لسكان المغرب بحسب آخر الإحصاءات، فإن المغاربة لا يزالون ينظرون بعنصرية مع أصحاب البشرة السوداء. والأمر يصبح أصعب إذا كنا إمرأة، فالعنصرية والتمييز تصبح مضاعفة. هذا بالإضافة إلى أن معايير الجمال التقليدية في البلد تستثني تمامًا لون البشرة الأسود أو الشعر المجعد وتمجِّد البياض، لهذا نرى الفتيات والنساء المغربيات يتسابقن على كريمات التبييض من أجل الظهور بمنظر أكثر جمالًا، بالرغم من احتواء هذه الأخيرة على مواد كيميائية خطيرة على الجلد والشعر مثل الهيدروكينون والزئبق غير العضوي والرصاص. 

هذه العنصرية المنغرسة في ثقافة وطباع المغاربة، ولو بشكل ضمني أو من دون قصد، هي في الأصل نِتاج لسنوات من الاستعمار عانى فيها البلد من استبداد وعبودية البيض الغربيين الذين كانوا يعاملون السكان الأصليين -ذوو البشرة الداكنة- كعبيد لديهم. لتنتقل هذه الصورة عبر الأجيال وتلتصق بهؤلاء الأشخاص صفات الدونية لا لشيء سوى لأن جسدهم يفرز صِبغة الميلانين أكثر ممن يتوفرون على بشرة أفتح. 

IMG_7315.JPG

 هذا التمييز جعل من المغرب واحدًا من أكثر الدول عنصرية في العالم، بالرغم من أن البلد قد حظر العبودية بشكل قاطع منذ عام ١٩٢٢. وتعلق هدى على هذه النقطة: ”نحن نعاني بالأساس من عنصرية لغوية متجذرة في ثقافتنا والكلمات التي نستعملها في حياتنا اليومية، ليس فقط تجاه النساء ذوات البشرة السوداء، ولكن اتجاه المرأة بشكل عام. بحيث يتم التنقيص منها ومن قدراتها في المجتمع من نواحي عديدة. بالرغم من خروج العديد من المبادرات التي تهدف إلى دحض هذه الأفكار لحيز الوجود، إلّا أن الطريق نحو التغيير لا يزال طويلًا ومحفوفًا بالعقبات. إذا كانت المرأة تتواجد في الدرجة الدنيا من السلم الاجتماعي، فما بالك بالمرأة ذات البشرة السوداء."

إعلان

 وتضيف: ”أحاول ما أمكنني أن أُغير ما أقدر عليه في محيطي، وتوعية الناس بضرورة الانتباه إلى ما يقولونه والتفكير مليًا قبل التفوه بأي حماقات. أدرك أنه من الصعب لمس تغيير جذري بين ليلة وضحاها، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بعادات مترسخة في ثقافتنا. الأمر أشبه برمي حجرة في بركة راكدة لا تسمح لموجات الارتطام بالتنقل على سطح الماء."

IMG-20201212-WA0028.jpg

@wisemanshooting

 وعن تركيز المبادرة على المجال الفني والإعلامي بالدرجة الأولى، تقول هدى: ”الإشكال الحقيقي هو انعدام تواجد أي مؤثرين أو مشاهير في مختلف المجالات يحملون بشرة داكنة في المغرب. نحن نشاهد أفكارًا ترسخ العنصرية تجاه الإنسان الأسمر يوميًا على شاشاتنا دون أن يرجف لنا جفن، وهذا هو الخطير في الأمر. لماذا يتم الإتيان بشخص أسمر وأسود لتصوير دور الخادم، أو الصديق المخبول والمغلوب عن أمره؟ لماذا لا نرى بطلة فيلم على الشاشة المغربية؟ طبعًا نحن نتوفر على طاقات سمراء هائلة في مجالات عديدة، لكنهم لا يمثلون إلا قلة قليلة مقارنة بما نراه بشكل دائم على قنواتنا.“

العديد من متابعات الصفحة اللواتي تحدثت معهن يؤكد على أهمية حساب "ماشي عزية" في إظهار حجم العنصرية وتأثيرها على حياة النساء. تحكي سارة، ١٩ عامًا: "ليست لدي قصة واحدة، بل ملايين القصص التي تروي العنصرية التي واجهتها منذ نعومة أظافري. ابنة خالتي كانت دائمًا تناديني غابون من بين الكثير من الألفاظ المسيئة الأخرى." وتتحدث عن الأثر التي خلفه تعرضها لمثل هذه الأفعال العنصرية: "ألمي النفسي يفوق الوصف. لقد اضطررت أن أتابع حالتي مع طبيب نفسي مختص حتى أتمكن من التغلب عن جميع تلك العقد النفسية التي خلفتها سنوات من التنمر والتعليقات المؤذية."

أما نسرين، ٢٠ عامًا، فتشير إلى أنها عاشت كل حياتها بالتنمر والعنصرية والتجريح اللفظي. "منذ صغري وأنا أتعرض لعنف نفسي من طرف عائلتي وأقرب الناس إلي. الأمر جدًا صعب عندما ينعتك أفراد عائلتك بالعزية“ أو المعزة أو الجدية وغيرها من الكلمات التي لم أفهم معناها الضمني إلا بعد تقدمي في السن. صراحة لا تزال مثل هذه العبارات تجعل روحي تنزف ألمًا لا يحس به سواي. لو حكيت لك عن جميع قصصي مع التنمر لما كفاني مداد العالم بأكمله."

وتشير نسرين لا تزال تواجه صعوبة في تقبل جسدها كما هو: "لقد جعلتني عائلتي أكره نفسي، حاربت هذا الشعور بداخلي لسنوات، لكن بمجرد سماعي لإحدى العبارات العنصرية، تطير كل تلك الثقة في النفس التي بنيتها مع الريح. حقًا الأمر أصعب مما يبدو عليه."

كيف يمكن العمل على الدلالات العنصرية في المنطقة العربية، تقول هدى: "من أجل التغيير، يجب أن نبدأ أولًا بتكسير الصور النمطية حول الجمال. على الآباء والأمهات تجنب الضغط على بناتهن من أجل التشبع بمعايير الجمال العالمية، مثل تمليس الشعر وتبييض البشرة ووضع عدسات لاصقة ملونة. كل واحد منا جميل بطريقته، وهذا ما يجب على الجميع فهمه واحترامه. كما أن علينا أن ننتقد أي تنمر لغوي أو عنصري نصادفه في حياتنا اليومية وجعل الآخر يطرح الأسئلة حول تصرفاته. الاعتراف بوجود هذه العنصرية وعدم نكرانها هو السبيل من أجل محوها."