صحة نفسية

سألنا طبيب نفسي عن كيفية التعامل مع الرفض الإلكتروني

القبول ليس واجباً، والرفض ليس ممنوعاً ولا يجب اعتباره إهانة
الرفض

Unfortunately, we are sorry to inform you that…/We regret to tell you that you were not selected for the position of ..

خلال السنوات الماضية تلقيتُ العشرات والعشرات من نوعية هذه الرسالة التي تقول (يؤسفنا ابلاغك أنه لم يتم إختيارك للمنحة التي قمت بالتقديم عليها) حتى تبلدتْ، وصارت هذه الرسالة اعتيادية كرسائل الاشتراك في خدمة القضاء على الحشرات والقوارض مع الشركة التي لا أتذكر اسمها. ولكن لم يكن التعامل مع هذه الايميلات سهلاً علي في البداية، فلا يمكنني نسيان أول مرة كان الرفض مُرسلاً لي عبر البريد الإلكتروني، لم أفهم الأمر جيدًا، لأن إنجليزيتي كانت "بعافية شوية" لكنني فهمت كلمتي Unfortunately و We regret. لم يخذلني تعليمي في هذه المساحة، وأكملت قراءة باقي محتوى الرسالة على مضض، رغم أن قدرًا مزيفاً من الثناء والشكر قد ظهر من قِبل مرسلي الايميل من قَبيل أن جميع من تقدموا لهذا المكان كانوا على قدر عالٍ من الحرفية والشغف، وأن مهاراتهم تؤهلهم للمكان، مع وضع لمسة التعاطف السخيفة في النهاية بتمنياتهم لي بالنجاح والتوفيق، وأنني سأكون ضمن اهتماماتهم حال ظهرت فرصة جديدة لديهم -طبعاً هذا لم يحدث أبدًا بعدها، لم أتلق من هذه المؤسسة أي شيء منذ ذلك الحين.

إعلان

سواء كان الرفض عبر الـ الايميل بعد التقديم على منحة دراسية، أو وظيفة، أو منحة مالية للسفر أو عمل مشروع، فإن صيغ الرفض تبدو متشابهة إلى حد كبير، خاصة عندما تكون منح دراسية تحاول فيها المؤسسات المانحة ألا توضح أسباب الرفض معللين الأمر بأن الأعداد المتقدمة ضخمة للغاية ولا يمكن الإجابة على أسباب رفض كل متقدم على حدة. وسواء كنت متإملاً بالحصول على تلك المنحة أو الوظيفة، أو أنك أرسلت سيرتك الذاتية بالصدفة أو مللاً، فأن تلقي ايميلات الرفض سيؤثر سلباً على تقييمنا لأنفسنا.

الألم النفسي الذي يأتي نتيجة الرفض لا يختلف كثيرًا عن الألم الذي نشعر به نتيجة إصابة عضوية جسدية

وتشير دراسة نشرتها المؤسسة النفسية الأمريكية عام 2012 بعنوان ألم الرفض الاجتماعي إلى أن الألم النفسي الذي يأتي نتيجة الرفض لا يختلف كثيرًا عن الألم الذي نشعر به نتيجة إصابة عضوية جسدية. فالرفض هو ملمح من ملامح الإقصاء المجتمعي، وهذا يتعارض مع شعورنا الغريزي بالرغبة في الانتماء لكيان ما الذي يعتبر جزءًا رئيسياً من التطور التاريخي الإنساني. اتفقت المكتبة الوطنية الأمريكية للطب مع هذه النتائج من خلال دراسة نشرت عام 2016 تؤكد فيها " أن المرضى الذين لديهم ميولًا انتحارية، يحملون أفكارًا أكثر حول الرفض المجتمعي."

من أجل فهم كيفية التعامل الرفض الالكتروني، تحدثت مع الدكتور علي شوشان، الطبيب والمعالج النفسي، خريج كلية طب جامعة القاهرة ومدير أحد مراكز العلاج النفسي بالقاهرة. الرفض أفضل من التجاهل في رأي الدكتور شوشان، فيمكن لجهة عمل ما أن ترفض شخص ما عن طريق رسالة إلكترونية، لكن تجاهل الشخص وعدم إعلامه بالرفض أو القبول هو الأمر القاسي في المسألة كما يقول: "الرفض في النهاية يحمل تجاوباً من الطرف الأخر. ومن حق الجهة التي تَرفض أن تبدي أسبابها في الأمر ومن الممكن أن تحتفظ بذلك الأمر، لكن على الأقل يجب التواصل مع الشخص الذي تم رفضه، واحتراماً له ينبغي توضيح الأسباب."

إعلان

ويضيف شوشان: "عادة ما يشعر الشخص المرفوض عند تلقيه هذه الايميلات أن روبوتاً قام بالإجابة عليه، إذ أنه لا يشعر بالتقدير في الرد. الأمر يشابه رسالة الرد الأوتوماتيكية Auto-response. بمعنى آخر، الشعور بأن التواجد الإنساني في الرسالة مفقود. إلا أن هذا الأمر يمكن التغلب عليه بإضافة لمحة أو عنصر شخصي في الرسالة الإلكترونية، مثل وضع الاسم الشخصي، فنحن لسنا ماكينات في النهاية."

توضيح سبب الرفض في بعض الأحيان قد يكون محرجاً للشخص، وهنا يعتبر عدم ذكر الأسباب أفضل بالتأكيد

وبسؤاله عن ثقافة الرفض في العقل الجمعي العربي، وربطها بالإهانة بشكل عام، يشير الدكتور شوشان: "هل يوجد عقد مكتوب يمنع رفضك من وظيفة أو منحة مثلًا؟ هل أثناء تقديمك لهذه المنحة أخبرتهم أنني سأقدم للمنحة ولا ترفضوني؟ القبول ليس واجباً، والرفض ليس ممنوعاً ولا يجب اعتباره إهانة." يقترح الدكتور شوشان التعامل مع الرفض بأكثر من طريقة، من بينها التماس الأعذار سواء لذاتي أو الجهة التي رفضتك ويضيف: "قد أكون غير مناسب أو مؤهل حالياً للعمل مع هذه المؤسسة، أو هناك مهارات معينة تنقصني. يجب أن يعلم الشخص المرفوض أن الأمر ليس شخصياً في النهاية، ليس موجهاً لذاته. كما أن توضيح سبب الرفض في بعض الأحيان قد يكون محرجاً للشخص، وهنا يعتبر عدم ذكر الأسباب أفضل بالتأكيد."

ماذا عن مرحلة ما بعد الرفض، وكيفية التعامل مع هذا الموقف، هل الرد على الرسالة -سواء رد عصبي أو ديبلوماسي- سيشعرنا بالراحة مثلاً؟ يشير الدكتور شوشان أن الأمر يتعلق بتفضيلاتنا الشخصية، إذا يمكن لكل شخص فعل ما يحلو له سواء بالرد بلطف، أو بشكل سخيف، في النهاية الرد يعبر عن الشخصية والحالة النفسية التي يمر بها كل منا. "الأمر يتعلق بما يقوم به الغالبية في المجتمع، وهو الإجابة على الرسالة بالشكر، هذا هو الطبيعي الذي شكله الوعي المجتمعي، لهذا في حال قام أحدهم ببعث رسالة تحمل قدرًا من الإهانة مثلًا، فهذا سيكون فيه خروج عن القاعدة التي رسمتها الحدود المجتمعية." ولكن برأيي إذا كان ذلك سيشعرك بالراحة، لم لا؟

إعلان

في كل مرة كنت أظن أنني أُرفَض من قبل شيء جيد، لكنني كنت في الواقع أُوجه نحو شيء أفضل

يقول الكاتب الأمريكي ستيف مارابولي في كتابه (تأملات في الحياة والتجربة الانسانية) Unapologetically You: Reflections on Life and the Human Experience: "في كل مرة كنت أظن أنني أُرفَض من قبل شيء جيد، لكنني كنت في الواقع أُوجه نحو شيء أفضل." قد يكون في هذه المقولة الكثير من التفاؤل، ولكنها الطريقة الأفضل للنظر للموضوع. فرفضك من جهة معينة لا يعني أبداً أنك غير جيد، هناك الكثير من الأمور والاعتبارات الأخرى التي يفكر فيها صاحب الشركة أو مقدم المنحة، أنت كشخص أو كمجموعة مهارات ليست بالضرورة أهمها.

الدكتور شوشان يقول أن أفضل طريقة للتعامل مع الرفض الأولى من خلال التركيز على فكرة أن الرفض لیس شخصیاً وأنه الشخص "المرفوض" لیس الوحید الذي تم رفضه في العالم، والأهم هو التعامل مع الرفض بأنه جزء لا يتجزأ من حياة معاشة بالكامل وأنه موجود في كل خطوة مهمة في حياتنا وهو ليس دائماً شيء سلبي. ولا تختلف هذه النصائح مع ما طرحته الطبيبة النفسية ألیسون جافي التي ترى أن الشخص "المرفوض" علیه أن یأخذ وقته الكافي من أجل التعافي من هذا الشعور، كما أضافت أن الرفض هنا یجب تحویله لشيء إیجابي حیث یمكن أن یحول الشخص هذا الأمر لفرصة أو تحدي لتطویر الذات، وتكرار المحاولة مرة أخرى، وعدم التوقف عند حد الرفض مرة واليأس، بل المثابرة حتى یصل الفرد للقبول الذي یبتغیه. في دراسة أجراها عدد من الباحثين بجامعة ستانفورد، تم التوصل إلى أن تغییر منظور التفكير الخاص بالشخص المرفوض یساعد على تعامله مع الرفض، وقامت الدراسة بطرح نوعین من الأشخاص، شخص يمتلك عقلیة غیر مرنة وشخص يمتلك عقلیة ناضجة. أما الشخص الناضج فهو القادر على التعامل مع خبرة الرفض أنها فرصة للتعلم والتغییر أما الشخص الغیر المرن فیلوم نفسه على الرفض أو الجهة التي قامت برفضه. لذا نصحت الدراسة أن یغیر الفرد من طریقة تفكيره حتى يتعافى من هذا الشعور. سؤال أخير تردد كثيرًا في ذهني حول صيغ الرسائل الإلكترونية المبعوثة من المؤسسات، إذ أنها تكون بنفس الشكل والمحتوى تقريباً، وكان سؤالي لماذا؟ فكان رد الدكتور شوشان هنا متعلقاً بالمتقدمين أنفسهم الذين يقومون بنفس الطريقة: "غالبية المتقدمين يكتبون نفس الأشياء في السير الذاتية، ويقومون بإرساله لكل المؤسسات المانحة دون جعلها بشكل شخصي موجه لجهة ما، إذًا لماذا نتوقع شيئًا مختلفاً من الجهة المانحة أو جهة العمل التي تقوم بعمل نفس الشيء حيث كتابة صيغة واحدة لكل المقبولين وصيغة أخرى لكل المرفوضين. فالجميع مشغولون في نهاية الأمر. "

لمدة ست سنوات كان الرفض رفيقاًلي في محاولاتي للدراسة بالخارج والحصول على درجة الماجستير، فقد بدأت رحلتي في التقديم على المنح الدراسية منذ 2010، كان عمري حينها 23 عاماً، تلقيت أكثر من 15 ايميل رفض بمعدل مرتين أو ثلاثة سنوياً لمنح دراسية من أوروبا والولايات المتحدة حتى جاء عام 2015 كنتُ قد قررت أن منحة ما هي الأخيرة التي سأتقدم إليها، وإذا تلقيتُ الرفض مجددًا يجب أن أغير طريقة تفكيري، والبدء في مشروع آخر. لكن المفاجأة وقعت في فبراير 2016 وتلقيت رسالة تقول:

We are pleased to inform you of your selection as…..

أخيرًا هناك كلمة سعادة في الرسالة، أدركت حينها أن الرفض الذي صاحب رحلتي خلال السنوات كان أفضل كثيرًا من القبول في سن أقل ثم التعثر في الدراسة التي لطالما حلمت باستكمالها، وحصلت على درجة الماجستير بعد أن أتممت عامي الثلاثين. كل شي بوقته حلو. ربما.