حين شاهدتُ محمد صلاح في حفل توزيع جوائز الاتحاد الدولي لكرة القدم؛ قفز إلى ذهني مقابلة تليفزيونية قديمة أجراها اللاعب بعد أشهر قليلة من بداية مسيرته الاحترافية في بازل السويسري عام 2012. في هذه المقابلة كان صلاح يتحدث بحزن عن رفض مسؤولي الزمالك انتقاله إليهم قادمًا من فريق المقاولون العرب، وعلى الرغم من أنه كان قد وضع قدميه بالفعل في أوروبا، وكان يشارك مع فريقه بازل في المنافسات الأوروبية أيضًا؛ إلا أنه كان يشعر بمرارة لا تخفى لرفض النادي المصري الشهير التعاقد معه.
بعد ست سنوات من هذه المقابلة، وقف صلاح في حفل توزيع جوائز الأفضل في العالم حاملًا بين يديه جائزة بوشكاش بعد اختيار هدفه في شباك إيفرتون الأجمل في عام 2018، وقف هادئًا وواثقًا ومتحديًا في الوقت ذاته يقول للحضور: "سعيد بهذه الجائزة، وأتطلع إلى الجائزة الأخرى." في إشارة إلى جائزة أفضل لاعب في العالم التي ذهبت في النهاية إلى الكرواتي لوكا مودريتش. لوهلةٍ، تتراءى أمام أعيننا المفارقة بين الواقعتين؛ في الأولى كان صلاح وهو في عامه العشرين ساذجًا غير مُدرك أهمية الانتقال إلى أوروبا وإلى نادٍ مثل بازل يتيح له المشاركة في دوري الأبطال أو الدوري الأوروبي. وفي الواقعة الثانية ولّت السذاجة وحلت محلها الكياسة والنضج. هكذا تبدو الأمور في ظاهرها لكننا إذا دققنا النظر سنجد الأمر خلاف ذلك.وهذا الموقف الذي قد نصفه بالسذاجة، وأقصد الحزن على عدم الانضمام إلى الزمالك رغم الانتقال إلى أوروبا، يتشابه مع رغبة صلاح في التتويج بجائزة الأفضل في العالم، وعدم الاكتفاء بجائزة أفضل هدف وما سبقها من جوائز لا تحصى خلال الموسم الماضي. يُحرك صلاح في الموقفين السابقين، في نسختيه المحلية والعالمية حالة فريدة وغير مألوفة في الملاعب العربية من الشَرَه والنهم الكروي، تجعله يغضب إذا فاته أي شيء مهما كان صغيرًا. وإذا أغُلق في وجهه أي باب حتى لو فُتحت بعده أبواب أخرى أكبر، مثل حزنه على عدم الانتقال إلى الزمالك أثناء تواجده في بازل. ومثل حزنه وغضبه الشديد إذا أضاع فرصة سهلة في مباراة ولو كان قد سجل فيها أكثر من هدف.هذا الشَرَه وتلك الشهية المفتوحة التي لا تشبع أبدًا من النجاحات، وتستصغر كل شيء دون القمة هي المحور الرئيس في مسيرة صلاح الكروية، وهي التي تدفعه بقوة إلى تحقيق نجاح تلو الآخر دون أن يتطرق إليه الإحساس بالشبع الكروي كما يقولون، هذا الإحساس الذي يتسرب إلى أقرانه في مصر والدول العربية سريعًا فيكتب لمسيرتهم الكروية نهاية مبكرة، أو يجعلها محكومة بنجاحات صغيرة لا تتجاوز في الأغلب نطاق المحلية.
إعلان
كيف تطور؟
لا يُدلل على هذه الرغبة المتقدة في تحقيق النجاح إلا متابعة كيف تطور صلاح فنيًا وبدنيًا خلال رحلته الأوروبية، فلاعب المقاولون العرب حين ودّع مصر قاصدًا سويسرا في بداية المطاف لم يكن يملك الكثيرَ من الأسلحة الفنية التي تؤهله إلى بلوغ القمة. منذ موسمه الأول، أو بالأدق منذ مباراته الأولى لا تُخطئ عين ما يملكه صلاح من سرعة فائقة، ومن بعض المراوغات المميزة التي تظهر بين الحين والآخر لكن على الجانب الآخر كانت هناك نقاط ضعف كثيرة.على سبيل المثال، لم يسجل صلاح في موسمه الأول في أوروبا مع بازل إلا خمسة أهداف في الدوري خلال 29 مباراة وصنع 4 أهداف. وبلغ إجمالي ما سجله هذا الموسم في مختلف المسابقات 10 أهداف خلال 50 مباراة محلية وأوروبية. وكان معتادًا في هذا الموسم أن نرى صلاح يركض بالكرة بأقصى سرعة ويتجاوز اللاعبين ثم حين ينفرد بالمرمى يسدد الكرة خارج الشباك.وبعد عام التعثّر في تشيلسي، يمكن أن نلاحظ بداية تحسّن المعدل التهديفي للنجم المصري خلال نصف الموسم الذي معارًا في صفوف فيورنتينا الإيطالي حيث سجل صلاح 6 أهداف خلال 16 مباراة وصنع 3 أهداف في منافسات الدوري. وفي الموسمين التاليين مع روما واصل صلاح تطوره، وسجل 29 هدفًا في الدوري خلال 65 مباراة، ونجح في صناعة 21 هدفًا؛ قبل أن ينفجر في الموسم الماضي ويسجل 32 هدفًا في 36 مباراة بالدوري الإنجليزي.كانت اللمسة الأخيرة عيبًا ظاهرًا وجليًا في أداء صلاح في البدايات، ولتطويرها وزيادة حصيلته التهديفية كان مطالبًا بتطوير العديد من الأمور؛ أن يسدد على المرمى بشكل أفضل. وأن يلتحم بقوة مع المدافعين ويستخلص الكرة منهم ولا يسقط أرضًا عند أي مواجهة، وأن يتقن ألعاب الهواء ويجيد التعامل مع الكرة برأسه، بالإضافة إلى كل ذلك كان صلاح في حاجة إلى تعلم الهدوء أمام المرمى لتجنب إهدار المزيد من الفرص السهلة. كل ذلك بدأ يتحقق بالتدريج وبمثابرة وجهد وحصص تدريب إضافية كثيرة. في موسمه الأول مع روما بدأ يسدد كثيرًا. وجاءت أربعة من أهدافه من تسديدات بعيدة المدى. وفي موسمه الثاني مع الذئاب سجل أيضًا أربعة أهداف من تسديدات، وسجل أخيرًا هدفه الأول بالرأس.
لا يُدلل على هذه الرغبة المتقدة في تحقيق النجاح إلا متابعة كيف تطور صلاح فنيًا وبدنيًا خلال رحلته الأوروبية، فلاعب المقاولون العرب حين ودّع مصر قاصدًا سويسرا في بداية المطاف لم يكن يملك الكثيرَ من الأسلحة الفنية التي تؤهله إلى بلوغ القمة. منذ موسمه الأول، أو بالأدق منذ مباراته الأولى لا تُخطئ عين ما يملكه صلاح من سرعة فائقة، ومن بعض المراوغات المميزة التي تظهر بين الحين والآخر لكن على الجانب الآخر كانت هناك نقاط ضعف كثيرة.على سبيل المثال، لم يسجل صلاح في موسمه الأول في أوروبا مع بازل إلا خمسة أهداف في الدوري خلال 29 مباراة وصنع 4 أهداف. وبلغ إجمالي ما سجله هذا الموسم في مختلف المسابقات 10 أهداف خلال 50 مباراة محلية وأوروبية. وكان معتادًا في هذا الموسم أن نرى صلاح يركض بالكرة بأقصى سرعة ويتجاوز اللاعبين ثم حين ينفرد بالمرمى يسدد الكرة خارج الشباك.وبعد عام التعثّر في تشيلسي، يمكن أن نلاحظ بداية تحسّن المعدل التهديفي للنجم المصري خلال نصف الموسم الذي معارًا في صفوف فيورنتينا الإيطالي حيث سجل صلاح 6 أهداف خلال 16 مباراة وصنع 3 أهداف في منافسات الدوري. وفي الموسمين التاليين مع روما واصل صلاح تطوره، وسجل 29 هدفًا في الدوري خلال 65 مباراة، ونجح في صناعة 21 هدفًا؛ قبل أن ينفجر في الموسم الماضي ويسجل 32 هدفًا في 36 مباراة بالدوري الإنجليزي.كانت اللمسة الأخيرة عيبًا ظاهرًا وجليًا في أداء صلاح في البدايات، ولتطويرها وزيادة حصيلته التهديفية كان مطالبًا بتطوير العديد من الأمور؛ أن يسدد على المرمى بشكل أفضل. وأن يلتحم بقوة مع المدافعين ويستخلص الكرة منهم ولا يسقط أرضًا عند أي مواجهة، وأن يتقن ألعاب الهواء ويجيد التعامل مع الكرة برأسه، بالإضافة إلى كل ذلك كان صلاح في حاجة إلى تعلم الهدوء أمام المرمى لتجنب إهدار المزيد من الفرص السهلة. كل ذلك بدأ يتحقق بالتدريج وبمثابرة وجهد وحصص تدريب إضافية كثيرة. في موسمه الأول مع روما بدأ يسدد كثيرًا. وجاءت أربعة من أهدافه من تسديدات بعيدة المدى. وفي موسمه الثاني مع الذئاب سجل أيضًا أربعة أهداف من تسديدات، وسجل أخيرًا هدفه الأول بالرأس.
إعلان
وكذلك شهد الموسم الثاني لصلاح مع الفريق الإيطالي إسناد الضربات الثابتة والركنيات إلى اللاعب المصري الذي تطور في تنفيذها بشكل كبير. وفي الموسم الماضي الذي سجل فيه صلاح 44 هدفًا في مختلف المسابقات، جاءت 8 أهداف من تسديدات، وهدفان من رأسيتين.
ولم يطوّر صلاح قدراته التهديفية فحسب لكنّه اكتسب مع الوقت مرونة تكتيكية واضحة. ويمكن الإشارة إلى النصف الثاني من الموسم قبل الماضي (2016 – 2017) كنقطة البداية لتوظيف صلاح في مراكز مختلفة؛ فبدلًا من الاكتفاء باللعب على الجناح الأيمن، بدأ صلاح تدريجيًا يلعب خلف المهاجم في بعض المباريات، وكذلك وظّفه مدربه السابق لوتشانو سباليتي في مركز المهاجم في مباريات أخرى، وعلى الرغم أن صلاح لم يكن في أفضل حالاته الفنية حين ابتعد عن مركز الجناح إلّا أن اللعب في تلك المراكز أكسبه مرونة وساعده على تطوير العديد من نقاط الضعف.على سبيل المثال، بعد الدفع به في قلب الهجوم كان صلاح مطالبًا بتسلّم الكرة وظهره إلى مرمى الخصم، وهو أمر لم يعتده كثيرًا طوال مسيرته لكنّه أتقنه في فترة قصيرة، واصبح يجيد استخدام جسده للفصل بين المدافعين والكرة. كذلك ساعده هذا الأمر على أن يزداد صلابة وقوة في الالتحام مع المدافعين. ويمكن أن نرى ثمرة ذلك واضحة في الموسم الماضي مع ليفربول حين بات صلاح قادرًا على انتزاع الكرة من أقوى مدافعي البريميرليج والتفوق عليهم في الالتحامات. أصبح صلاح حاليًا من أكثر مهاجمي العالم تكاملًا وخطورة رغم أنه كان قبل ست سنوات فقط بعيدًا للغاية عن نجوم الصف الأول.طور صلاح قدراته حتى بات قادرًا على انتزاع الكرة من أقوى مدافعي البريميرليج والتفوق عليهم في الالتحامات، أصبح صلاح حاليًا من أكثر مهاجمي العالم تكاملًا وخطورة رغم أنه كان قبل ست سنوات فقط بعيدًا للغاية عن نجوم الصف الأول.
إعلان
مصر الجديدة
لا تملك مصر، على الرغم من أنها البلد الأكثر تتويجًا ببطولة أمم إفريقيا، سجلًا بارزًا في الملاعب الأوروبية. لا يطرق اللاعبون المصريون أبواب الاحتراف الخارجي كثيرًا. وحين يخرجون لا يكمل كثير منهم مسيرته ويقرر العودة إلى مصر سريعًا، والبعض الآخر يتفرغ إلى الخلافات والمشاحنات أو ينصرف ذهنه عن الكرة إلى أشياء أخرى.منذ بدايته في أوروبا، كان صلاح محددًا وواضحًا. يريد أن يصل إلى مرحلة لم يسبقه إليها أحد. كان يقول ذلك منذ أشهره الأولى في بازل متسلحًا بالنَهم المعتاد والرغبة التي لا تخمد في تحقيق النجاح. ومع كل هدف يسجله الدولي المصري، وكل خطوة يخطوها إلى الأمام كانت الكرة المصرية تكسب أرضًا جديدة في الخارج. صورة اللاعب المصري غير الملتزم الذي لا يُطيق التمرينات الشاقة ويتأفف منها ولا يصبر أو يتحمل المشاق بدأت تتغير بشكل تدريجي، وساهم في ذلك أيضًا بشكل أقل لاعبين آخرين مثل أحمد المحمدي ومحمد النني.
لا تملك مصر، على الرغم من أنها البلد الأكثر تتويجًا ببطولة أمم إفريقيا، سجلًا بارزًا في الملاعب الأوروبية. لا يطرق اللاعبون المصريون أبواب الاحتراف الخارجي كثيرًا. وحين يخرجون لا يكمل كثير منهم مسيرته ويقرر العودة إلى مصر سريعًا، والبعض الآخر يتفرغ إلى الخلافات والمشاحنات أو ينصرف ذهنه عن الكرة إلى أشياء أخرى.منذ بدايته في أوروبا، كان صلاح محددًا وواضحًا. يريد أن يصل إلى مرحلة لم يسبقه إليها أحد. كان يقول ذلك منذ أشهره الأولى في بازل متسلحًا بالنَهم المعتاد والرغبة التي لا تخمد في تحقيق النجاح. ومع كل هدف يسجله الدولي المصري، وكل خطوة يخطوها إلى الأمام كانت الكرة المصرية تكسب أرضًا جديدة في الخارج. صورة اللاعب المصري غير الملتزم الذي لا يُطيق التمرينات الشاقة ويتأفف منها ولا يصبر أو يتحمل المشاق بدأت تتغير بشكل تدريجي، وساهم في ذلك أيضًا بشكل أقل لاعبين آخرين مثل أحمد المحمدي ومحمد النني.
صلاح قبل مباراة منتخبا مصر وروسيا في مونديال 2018 - التقطت الصورة بواسطة أيمن عارف
وسارت جنبًا إلى جنب مع نجاحات صلاح في أوروبا، نجاحات أخرى على الصعيد الدولي مع المنتخب المصري، فبعد غياب عن كأس الأمم الإفريقية ثلاث نسخ متتالية عاد الفراعنة إلى البطولة مجددًا ووصلوا إلى المباراة النهائية وكانوا على مقربة من التتويج باللقب. كما نجح منتخب مصر في الصعود إلى كأس العالم في روسيا بعد غياب عن المونديال منذ عام 1990، وكان صلاح هو كلمة السر في كل تلك النجاحات.صار ابن الـ26 عامًا رمزًا للكرة المصرية. يجذب إليها الأعين ويرتقي بها درجات إلى الأمام، وفي الوقت نفسه يمنح الأمل إلى ناشئيها ولاعبيها المحليين الذين يتطلعون بفخر إلى هذه التجربة، ويأملون في تكرارها. بات لمصر وجه كروي جديد أمام العالم أجمع.
إعلان
المستقبل لمن؟وصل صلاح للقائمة النهائية في ترشيحات أفضل لاعبي أوروبا والعالم، لكنّه عجز عن التتويج بأي منهما، وذهب اللقبان إلى لوكا مودريتش. ولكن صلاح يمتلك فرصة كبيرة للفوز بأحد اللقبين- أو كلاهما- مستقبلًا إذا نجح في الحفاظ على ما قدمه الموسم الماضي
إذا كان صلاح قد نجح خلال الموسم الماضي في الوصول إلى قمة المجد الكروي محققًا العديد والعديد من الألقاب الفردية، فإن كل هذا بات جزءًا من الماضي الذي تطويه الكرة سريعًا بأحداثها وبطولاتها المتتالية. ويبدو التحدي الآن أمام صلاح شديد الصعوبة، فهو مطالب في المقام الأول بالاستمرار في نفس المكانة التي وصل إليها ضمن صفوة لاعبي الكرة على مستوى العالم، ثم التطلع إلى ما فاته خلال العام المنقضي وبالتحديد جائزتي أفضل لاعب في العالم وأفضل لاعب في أوروبا.
صورة صلاح بجانب أساطيرة الكرة العالمية في متحف سان بطرسبرج، روسيا - أيمن عارف
وصل صلاح إلى القائمة النهائية في ترشيحات الجائزتين السابقتين، لكنّه عجز عن التتويج بأي منهما، وذهب اللقبان كلاهما إلى لوكا مودريتش لاعب ريال مدريد الإسباني. ولكن صلاح يمتلك فرصة كبيرة للفوز بأحد اللقبين- أو كلاهما- مستقبلًا إذا نجح في الحفاظ على ما قدمه الموسم الماضي لأسباب متعددة في مقدمتها أنه، ولأول مرة منذ عشر سنوات تم إنهاء احتكار السيطرة الثنائية للبرتغالي كرستيانو رونالدو والأرجنتيني ليونيل ميسي، على لقب الأفضل في العالم؛ ما يفتح الباب أمام صلاح وغيره للانقضاض على اللقب في المواسم المقبلة.ويبدو أن ثنائية ميسي ورونالدو التي سيطرت على أغلب الألقاب الفردية عالميًا وأوروبيًا في السنوات العشر الأخيرة في آخر فصولها مع تقدم الثنائي في العمر. كمّا أن الانطلاقة المثالية لليفربول هذا الموسم، وتربعه منفردًا على صدارة ترتيب الدوري الإنجليزي بعد انقضاء ست جولات، قد ترفع من أسهم صلاح إذا ما تمكن الريدز من الفوز بلقب البريميرليج في نهاية الموسم. لكنّ كل هذا مرهون بألا تنطفئ تلك الشعلة التي تحفّز صلاح داخليًا، وتجعله متحرقًا للانتصارات ومتشوقًا للنجاح تلو النجاح دون توقف. ألا يشبع أبدًا مهما هزّ الشباك ومهما تضاعفت نجوميته ومهما زادت أيضًا أرصدته البنكية.
إعلان
والأهم من كل هذا درس آخر، يحتاج صلاح إلى بذل جهد كبير للتغلب عليه وتخطيه. يرتبط بقدرة اللاعب على التعامل مع الضغوط المتراكمة التي تُفرض عليه في بعض اللحظات. وعلى الرغم من تحلّي صلاح بقدرٍ واضح من الهدوء، وعلى الرغم من تجاوزه بعض المواقف الصعبة في مسيرته أبرزها ركلة الجزاء الحاسمة في مباراة مصر والكونغو؛ إلا أنّه ظهر خلال مواقف أخرى غير قادر على التعامل مع الضغوط، وفقد ما اشتهر به من هدوء واتزان وانعكس ذلك على أدائه داخل الملعب.في كأس العالم على سبيل المثال، كان يواجه ضغطًا كبيرًا لعدم جاهزيته بدنيًا بشكل كافٍ بسبب الإصابة التي تعرض لها في مباراة نهائي دوري أبطال أوروبا أمام ريال مدريد، وكان يتعرض لضغوط أخرى أكبر بسبب الأزمات التي نشبت بينه وبين مسؤولي اتحاد الكرة المصري قبل المونديال وأثناء المعسكر في مدينة جروزني الروسية.
صلاح في مباراة منتخبا مصر والسعودية بمونديال 2018 - أيمن عارف
ويمكن مشاهدة انعكاس هذا على أداء صلاح داخل الملعب، خاصة في المباراة الأخيرة أمام السعودية تلك التي كان فيها متجهمًا غاضبًا حتى عندما هز الشباك. ظهر وكأنه يلعب بنصف طاقته ولا يريد استكمال المباراة. ومع انطلاق الموسم الحالي، تعطلت ماكينة أهدافه قليلًا، ومع تألق السنغالي ساديو ماني زميله في ليفربول بدأت الأعين تلتفت إلى غيره؛ هنا فقد صلاح مجددًا تركيزه.ظهر غاضبًا ومنفعلًا في أكثر من مرة، منها على سبيل المثال حين عجز عن هز الشباك في مباراة باريس سان جيرمان في افتتاح مشوار الفريق بدوري أبطال أوروبا، فبعد مغادرة صلاح أرض الملعب وبعد أن تمكن البديل روبرتو فيرمينيو من تسجيل هدف الفوز في الوقت القاتل ظهر صلاح غاضبًا للغاية ومنفعلًا، وألقى بزجاجة المياه التي كانت بين يديه أرضًا.كذلك في تلك المباريات التي لم يعرف فيها الطريق إلى الشباك، كان صلاح متشوقًا إلى التسجيل إلى حد جعله يبالغ في الفردية في بعض المواقف، وفي كل مرة تصله الكرة كان يسعى لتقديم لمحة مميزة وإذا أخفق في واحدة منها يُكرر الأمر مجددًا، وكأنه في اختبار شخصي لإثبات الذات ولإثبات أنه ليس "لاعب الموسم الواحد" كما يردد البعض.في تلك المواقف، اتضح درس آخر شديد الأهمية. وهو أن تلك الجذوة المشتعلة بداخله التي تدفعه إلى مزيدٍ من النجاح والتألق؛ تحتاج في بعض الأوقات أن تخمد نيرانها قليًلا دون أن تنطفئ. تحتاج أن يتحكم فيها صلاح لا أن تتحكم هي فيه داخل الملعب وخارجه، وأن يعلم أن الكرة قد تعانده حينًا وتطاوعه في أحيان أخرى، وأنها متى عاندته فلن تعود إلى رحابه إلا بالهدوء والاتزان وبالصبر معهما.