FYI.

This story is over 5 years old.

علم

هل يمكن تفسير الأحلام على أساس علمي؟

حكى لي صديقي عن كابوس رأى فيه كائناً جاثيًا على صدره ويمنعه من النُطق أو الحركة، فاتفقت معه على بشاعة الكابوس، قبل أن أكتشف أنه حالة مرضية معروفة تُدعي "شلل النوم"

قبل ما يقرب من ثلاثة أعوام تركت عملي في مجال الهندسة المدنية. لم أكن أحب المجال ولا الهندسة التي درستها عُنوة، قررت حينها أن أفعل ما أحب وأنتقل إلى مجال كتابة المحتوى، لكنني لم أكن أعرف نقطة البداية، فحاولت أن أرسل مقالات إلى بعض المواقع المهتمة بالمحتويات الأدبية والثقافية، لكن محاولاتي باءت بالفشل، وتسلل إليّ الغضب والقلق على مستقبلي، لأنني لم أُرِد أن أعود إلى المجال الهندسي، وفي نفس الوقت لا أعرف كيف أتركه وأذهب إلى غيره. في أحد الأيام ذهبت إلى مكان يشبه الكهوف، بأرضٍ صخرية رطبة قليلًا، وظلام في الطُرقات، ثم جلست أمام صاحب العمل، الذي اتضح أنه "باتمان." لم أعرف ماذا عليّ أن أفعل في ذلك الوقت، فقدمت له سيرتي الذاتية، ثم سألني عن خبراتي السابقة وهل أجيد العمل على الحاسوب أو تحدث الإنجليزية بطلاقة، فقلت له أنني أفعل كلاهما بسهولة، فقرر تعييني وذهبت لأتسلم "بدلة العمل." كانت البدلة خاصة بمُساعد وزميل وشريك باتمان "روبين" وبعد أن قررت ارتدائها اكتشفت أن مقاسها أصغر من مقاسي، فاستيقظت شاعرًا بالغضب لأنني لم أفز بالعمل بسبب وزني الزائد، وكان الحُلم يُشير بوضوح إلى كوني قلقً من ألا أجد فرصة مناسبة للعمل.

إعلان

ذات مرة جلسنا - أنا وأصدقائي - في بيت صديقنا الذي يستضيفنا كلما سنحت لنا الفرصة، خاصةً بعد أن التزم كلٌ منا بحياته وعمله ولم يعد هناك متسعًا كبيرًا من الوقت للقاء، ناقشنا في الجلسة الكثير من المواضيع الجدلية والماوارئيات، مثل عوالم الجن والعفاريت، وهو أحد المواضيع المُحبب مناقشتها ليلًا حتى يبدو الأمر مثيرًا لا أكثر. تطرق النقاش كذلك إلى علاقة الفراغات بالشياطين وعالم الأحلام الذي يتداخل مع كل ما ذُكر، حيث يُقال أن ما يحدث في الحُلم إذا كان شرًا يُعتبر أضغاث أحلام من الشيطان ذاته. حكى أصدقائنا عن أحلامهم وكوابيسهم، أحلام القوة المطلقة، وكوابيس الخوف الكبير، مثلما حكى صديقي عن حلم رأى فيه كائنًا جاثيًا على صدره ولم يتمكن من النُطق، اتفقت معه على أنه كابوس مزعج، قبل أن أكتشف بعد البحث والقراءة أنها حالة مرضية معروفة، يُطلق عليها علميًا "شلل النوم - Sleep Paralysis" وهي حالة من الاختناق تحدث في وقت "حركة العين السريعة - Rapid Eye Movement" أو باختصار (REM)، وهي حالة من النوم العميق تتوزع مراحلها على مدار وقت النوم، وسبب شلل النوم أن النائم يبدأ الخروج من هذه الحالة لكنه لا يزال في حالة الارتخاء العضلي، مما قد يُعرضه لبعض الهلاوس مثل الشعور بكائن يجثم على صدره ويمنعه من التنفس، أو بعدم القدرة على الحركة تمامًا، في حالة أشبه بالشلل.

وقص علينا صديقًا آخر أحد أكثر الأحلام شيوعًا، وهو حلم أنه تأخّر على الامتحان، وكان امتحان اللغة العربية ووجد أن من يمتحنه هو أباه، وهو ما فسره أصدقائنا على أنه إحساس بعدم الأمان يستحوذ على صديقنا، وقال البعض أنه يكره أباه، وهو ما كان حقيقيًا إلى حدٍ ما، وضحكنا قليلًا قبل أن يُخبرنا صديقنا الآخر عن أحلامه، ويقول أنه يشعر دائمًا بالسقوط من أعلى سطح بناية ما، وهو يُعتبر أيضًا أحد أكثر الأحلام شيوعًا بين معظم البشر. شخصيًا، حلمت كثيرًا أننى أسقط من أعلى، حتى وإن كنت واقفًا على رصيف ارتفاعه عن الأرض لا يزيد عن 30 سنتيمترًا، إلا أنه في لحظة يرتفع بسرعة شديدة، حتى أرى المارّين في الطريق صغارًا كالنمل، ثم أبدًا بالسقوط. وفسّر أصدقائي الحُلم على أنه عدم اتزان في الحياة بشكلٍ عام، وهو ما صدقته وقتها لأنني بالفعل كنت أمرّ بوقت عصيب، بغض النظر عن كوني أعاني من الخوف من الأماكن المرتفعة. لكن تفسيرات الأحلام المبنية على أساس نفسي ما جذب انتباهي بالفعل وأصبحت مولعًا بها، حيث أن جميعها - في تلك الليلة - دارت حول الأوقات العصيبة والخوف، فهل يوجد بالفعل ما يُمكننا أن نطلق عليه أحلام التوتر؟

إعلان

خلال البحث عن فكرة أحلام التوتر وما علاقتها بما نمر به في العالم الواقعي ومدى تأثير الإثنان على بعضهما البعض، وجدت كتابًا لعالم الاجتماع العراقي على الوردي اسمه "الأحلام بين العلم والعقيدة" يتحدث فيه عن الأحلام وتاريخها، ويقول إن الإنسان منذ بداية تطوره وهو يفكر في أحلامه وتفسيرها، حيث كانت بعض القبائل البدائية تتعامل مع الحلم وكأنه حقيقة، أي أن النائم حينما يستيقظ من الحلم حانقًا على أحد أبناء قبيلته لأنه احتد عليه أثناء الحديث في الحلم، فإنه يظل حانقًا عليه في العالم الواقعي دون التفرقة بين عالم الأحلام والحياة اليومية باعتبارهما متصلان.

الوصول متأخرًا إلى الفصل أو الامتحان، وهو حلم متكرر قد يحلم به من تجاوز عمره أعوام الدراسة والمُذاكرة، وقد يعني هذا الحلم أنك تستعد إلى الدخول في مرحلة جديدة من مراحل حياتك -كما ذكرنا سابقًا-، وقد تكون غير مستعد لهذه المرحلة مما يُسبب القلق والتوتر

قسّم د. الوردي تفسير الأحلام إلى ثلاثة مدارس، الأولى تتعلق بالتفسير الروحاني أو المدرسة الصوفية -إذا كان بإمكاننا أن نُطلق عليها-، والتي يعتقد أصحابها دائمًا أن الأحلام إما أنها منحة من الله أو عقبة من الشيطان، والمدرسة الثانية هي مدرسة الفلاسفة اليونانيون القدماء مثل أرسطو، وهي مدرسة عقلانية على النقيض من المدرسة الأولى تمامًا، حيث يفسرون الأحلام تفسيرًا منطقيًا، باعتبارها شرحًا لما دار في الحياة اليومية، مثل أن يشعر الإنسان بألم أو لذة خلال يقظته، ثم يحلم بها حتى تظهر له بوضوح، مما يعني أن العقل يعرض ما حدث خلال اليوم.

لكن ما يحدث خلال اليوم يُمكن أن يظهر في الأحلام بشكلٍ رمزي، مثل أن يرتطم الحالم بجدار خرساني لأنه تألّم أثناء اليوم ولم يشعر، أو أن يقضي وقتًا لطيفًا تحت المطر إذا شعر بلذة أثناء اليوم ولم يفطن لها. ثم ظل العلماء والفلاسفة متمسكين بنظرية أرسطو، حتى جاء العالم النمساوي الشهير سيجموند فرويد حتى يُضاف بكتابه "تفسير الأحلام" أبعادًا جديدة، حيث ربط الأحلام بالعقل الباطن أو اللاشعور، وهو يخفي ما لا يفكر به العقل الواعي أثناء يومه، وهو ما يعرض رغبات العقل ومشاعره وأحاسيسه أثناء الحلم، مما يؤكد على ربط الحياة اليومية بالأحلام، في إشارة إلى أن الأحلام ليست إلا استمرارًا لحالة اليقظة.

إعلان

نُشرت دراسة عام 2016 في "جريدة علم الأعصاب - The Journal Of Neuroscience" تُفيد بأن الأحلام تُمثّل نمط من موجات المخ تأتي من ذاكرتنا، وكلما تعلقنا بأمرٍ ما كلما حلمنا به، وهو ما قاله فرويد من قبل، بأن الأطفال عادةً ما يحلمون بأنهم حصلوا على الدراجة أو اللعبة التي أرادوها وهم مُستيقظين، والجائع يحلم بقطعة من اللحم، أو الخبز في المثل الشعبي، والحبيب تزوره محبوبته المفتون بها، وبالطبع ذكرت الدراسة فكرة أحلام التوتر، وهي لا تُعتبر كوابيس حيث أنها أقل وطأة منها على الحالم، وتحدث بسبب تسلل التوتر إلى عقلنا الباطن أو اللا شعور خلال الحياة اليومية، بسبب ضغوط العمل أو الدخول في مرحلة جديدة من الحياة -مثل التخرّج أو الزواج- وتتنوّع هذه الأحلام في أحداثها وتفسير تلك الأحداث، ونستعرض منها الأشهر:

الوصول متأخرًا إلى الفصل أو الامتحان، وهو حلم متكرر قد يحلم به من تجاوز سنه أعوام الدراسة والمُذاكرة، وقد يعني هذا الحلم أنك تستعد إلى الدخول في مرحلة جديدة من مراحلى حياتك -كما ذكرنا سابقًا-، وقد تكون غير مستعد لهذه المرحلة مما يُسبب القلق والتوتر.

التعرّي في مكان عام، وهو حلم مقلق قد يحرّج البعض من ذكره بأريحية، وتُعتبر الملابس درعًا يُبقينا محميين وآمنيين، لذلك قد يترك الحلم بالتعرّي في مكان عام شعورًا بالعار أو الانكشاف أو الهشاشة، وقد يعني الحلم أن الحالم يواجه مشكلة في علاقاته الحميمة، سواء داخل أو خارج غرفة النوم.

وقوع الأسنان، أحد الأحلام التي تبعث في النفس شعورًا خانقًا ومُقبضًا، ولها في المأثور الشعبي معانٍ كثيرة سمعت منها أنه يعني فقدانك لأحبابك، وهو أمر باعث للرُعب، لكن تفسيره وفقًا لعلم النفس يُشير إلى أن الحالم يشعر بفقدان السيطرة على حياته.

إعلان

المُطاردة، وهو أيضًا حلم شائع، تشعر فيه أنك مُطارد من قِبل مجموعة من البشر أو الحيوانات أو الحشرات أو حتى الكائنات الخرافية، وهي طريقة عقلك في حل المشكلات، حيث تحاول أنت أن تتجنّب شيئًا هامًا وكبيرًا في حياتك وأنت مستيقظ، فيصوره لك عقلك على هيئة أحد الكائنات المذكورة أعلاه، وقد يساعدك الحلم بالفعل على التخلص من الخوف في مواجهة تلك المشكلة التي تحاول الهرب منها.

فقدان السيطرة على السيارة أثناء القيادة، وهو حلم مُخيف نظرًا لتخيّل ما قد يُخلّفه الأمر داخل نفس الحالم بعدما يستيقظ، وقد يعني أن الحالم يفقد السيطرة على طريق نجاحه، ويثير بعض الأسئلة الخاصة بتحمّل المسؤولية ومحاولة التمسّك بالسيطرة على زِمام الأمور.

السقوط من أعلى، وهو أكثر الأحلام شيوعًا بين الناس، وضمن الأكثر تكرارًا لدي بشكل خاص، ويعني أن الحالم يشعر بعدم اليقين فيما يتعلق بأمور حياته، ولا يجد الدعم الكافي ممن حوله، أو أنه يفقد السيطرة فيما يتعلق بعمله أو مكان عمله.

موت أحد معارفك، وهو حلم لا يعني بالضرورة أمرًا سلبيًا، بل قد يعني أن علاقتك بهذا الشخص تتغيّر للأفضل، أو للأسوأ في بعض الأحيان، الموت عمومًا في الأحلام يعني التغيير.

وبالطبع هُناك الكثير من الأحلام الأخرى التي قد تُعتبر أحلام توتر، مثل فوات القطار أو الطائرة، أو نسيان أمرًا هامًا في حياتك مثل طفلك في مكان ما وتركه، وهي أحلام تعني في مجملها أنك مُقدم على مسؤولية جديدة لكنك تخاف ألا تنجح في حملها، والأحلام بشكلٍ عام مثيرة للتأمّل، وقد تُنبأ بمشروع أدبي مثل كتاب "منامات عم أحمد السمّاك" لخيري شلبي أو "أحلام فترة النقاهة" لنجيب محفوظ، ومن الممكن أن تؤدي إلى وجود أبحاث ودراسات جادة حول ماهيتها وعلاقتها بحالات النفسية والذهنية للبشر، لكنها في النهاية تظل مساحة من تحقيق المستحيل، الذي لا نتمكن من تحقيقه - أحيانًا - في حياتنا اليومية.