تحقيقات

ضحايا نبع السلام ...جثث للبيع في مزادات الواتس آب

تساوم بعض الجهات المعارضة الأهالي في تل أبيض ورأس العين شمال سوريا، بدفع المال للحصول على جثث أحبائهم، حيث تراوحت المبالغ بين 7 إلى 10 آلاف دولار مقابل كل جثة
syria

الصورة لسميرة في مدينة الرقة- تصوير رنا الأحمدي.

"قتلوا ابنتي وهددونا بحرق جثتها إن لم نشترها،" بهذه الجملة لخصت سميرة السيدة الأربعينية من مدينة "تل أبيض" شمال شرق سوريا تفاصيل مقتل ابنتها البكر" ميديا" على يد فصائل الجيش الوطني السوري، في مدينة كري سبي، كما يفضل الأكراد تسميتها منتصف نوفمبر الماضي. وتقول سميرة التي رفضت الكشف عن اسمها الأخير واسم ابنتها الضحية ذات الثلاثة والعشرين عامًا والنازحة إلى مدينة الرقة لـ VICE عربية: "تفاجأت قبل ثلاثة أشهر بفيديو وصور لابنتي، ملقاة بين جثث في براري تل أبيض. لقد كانت موظفة في أحد مؤسسات المدنية للإدارة الذاتية الديمقراطية."

إعلان

والتقت VICE عربية بالأرملة سميرة في مدينة الرقة التي تعيش مع أطفالها الثلاثة ووالدتها المسنة في منزل متواضع استأجرته في حي المشلب بعد فرارها وعائلتها من آلة الحرب وفقدانها لمنزلها ومحل الخضرة الذي كانت تقوت منه قوت عائلتها قبل ستة أشهر في تل أبيض. وتابعت وهي تتأمل في هاتفها النقال صور قديمة لابنتها كانت قد احتفظت بها في ذاكرة الهاتف: "بدأت العملية التركية بقصف جوي على المدينة بأكملها وبقذائف الهاون والدبابات والمدافع التي انهالت على البيوت ودمرتها على رؤوس ساكنيها هرع المدنيون للهرب خوفاً، وميديا كانت حينها في عملها ولم أتمكن من العثور عليها وسط موجات النزوح الكثيفة التي خرجت من كري سبي. تأملت وقتها أن تكون قد تمكنت من الفرار بعيداً عن نيران الحرب."

بعد رحلة بحث عن ميديا دامت شهراً تلقت الأرملة سميرة رسالة عبر تطبيق الواتس آب من رقم تركي يساومها على جثة ابنتها وتضيف: "حدثني قاتل ابنتي في مكالمة هاتفية انه وزملائه المسلحين قتلوا عدداً من النساء والرجال ومن بينهم ابنتي ميديا التي تعرفت عليها من ثيابها. كانت ملقاة على الأرض ودمائها قد تشربها التراب وطلب مني أن أحضر بنفسي لاستلام رفاتها مقابل 6 ألاف دولار لكني لا أملك المبلغ، ولم أثق بكلامه أيضاً ولم استلم جثة صغيرتي."

جثث للبيع
وبصوت تهدج بالبكاء، سردت شاهة، سيدة في العقد السابع من العمر النازحة من مدينة سري كانيه أو (رأس العين) التي التقتها VICE عربية في مدينة عامودا شمال شرق سوريا رواية مقتل ابنها سردار أحمد، وتضيف: "جئنا لمدينة عامودا بعد نزوحنا من سري كانية مع زوجة سردار وطفلتيه، وقبل حوالي 120 يوم، عاد ولدي سردار للمنزل ليتفقده ويجلب ثياباً شتوية لنا ولأطفاله وبعض الأغراض، ولكن فقدنا الاتصال به بعد ذلك."

إعلان

بعد أربعة عشر يوماً من غياب إبنها، تلقت هاتف الأب سليمان أحمد رسالة من رقم خلوي تركي عبر تطبيق الواتس اب يبلغه بأنه قاتل ولده. قام الأب المفجوع بإخراج هاتفه النقال من جيبه ويريني الرسائل وتسجيلات الصوتية التي أرسلها له شخص اسمه "أبو مصعب الديري" وهو حسب ما معروف عنه، مسلح في فصيل أحرار الشرقية وهو أحد الفصائل المنضوية في الجيش الوطني السوري المعارض: "راسلني الديري وهددني بحرق جثة سردار مقابل شرائي لها بمبلغ سبعة آلاف دولار وطلب مني إرسال شخص لاستلامها عند محطة "حمدو" للوقود في مدخل مدينة سري كانية،" يقول رواية والد الضحية بعد مكالمة صوتية أجراه مع الديري، ويضيف: "أرسل لي صورة ولدي بجسد مبتور الرأس مضرج بالدماء، بعد أن طلبت منه ارسالها لأتأكد إن كان هو سردار، ومن خلال ثيابه تأكدت من شخصيته." خوف الأبوين من فقدان إبن آخر للعائلة المؤلفة من خمسة أشخاص منعهما من المغامرة وشراء جثة سردار، 35 عاماً، الأب لطفلتين اللتين لا زالتا تتأملان عودة والدهما.

وتابعت فايس التسجيلات الصوتية لأبي مصعب وهو يتحدث عن ست جثث يحتفظ بها في محطة حمدو وقال إن بعضها لفتيات. وفي تسجيل صوتي آخر حصلت عليه من بعض الأهالي، يكشف الديري أنه يقوم بتفقد جيوب ضحاياه بعد قتلهم، ويقوم بمراسلة عائلاتهم، ويفتح مزاده الالكتروني برقم كبير يبدأ بمبلغ العشرة آلاف دولار، لينتهي إلى سبع أو ست الآف دولار مقابل كل جثة.

نشطاء يوثقون حالات مماثلة
واحتلت تركيا والمجموعات السورية المعارضة المسلحة الماضي في التاسع من أكتوبر مدينتي تل أبيض ورأس العين عبر عملية نبع السلام بعد طرد قوات سوريا الديمقراطية واحتلت القوات التركية وفصائل المعارضة السورية الموالية لها مدينتي سري كانية وتل ابيض ضمن العملية العسكرية التركية المسماة نبع السلام والتي أعلنت دول عربية وغربية رفضها لها وطالبت انقرة بالانسحاب.

وتعتبر الحكومة التركية قوات سوريا الديمقراطية وهي تحالف بين مقاتلين أكراد وعرب ومسيحيين والتي سيطرت على شمال شرق سوريا بعد انسحاب دمشق منها، عدوًا لها، لها لاسيما بعد إعلان تلك القوات ادارة ذاتية في المناطق الواقعة تحت سيطرتها وهي مدن ذات غالبية كردية كعفرين وكوباني ومدن وبلدات ريف محافظة الحسكة وهو ما يقلق أنقرة. وبدأت الانتهاكات التي واكبت عملية نبع السلام بالظهور وسط ادانة وتحذيرات أممية لتركيا والفصائل الموالية لها من قتل على الهوية وخطف وتنكيل بالجثث عبر الفيديوهات التي كان يبثها مسلحو الفصائل وقادتهم على صفحاتهم الخاصة على فيسبوك أو تويتر.

ويعتبر سردار وميديا من بين عشرات الحالات التي وثقت من قبل نشطاء واكبوا الانتهاكات التي أدانتها منظمات حقوقية دولية ودول اوروبية وأخرى عربية. وكشفت رنا هباش، الناشطة الحقوقية من مدينة الرقة التي تعمل مع منظمة حقوق الإنسان في الفرات في الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا لـ VICE عربية عن توثيقها لثماني حالات مشابهة لعملية قتل وابتزاز ذوي الضحايا وأضافت: "ثلاث عائلات من كري سبي وأثنين من سري كانية وثلاثة من سلوك، تلقت رسائل مماثلة، وطالبوا الأهالي بدفع المال للحصول على جثث أحبائهم، وتراوحت المبالغ بين 7 إلى 10 آلاف دولار مقابل كل جثة."

كما تحدثت وليدة حسن، الرئيسة المشتركة لمنظمة حقوق الانسان في الادارة الذاتية الكردية لـ VICE عربية عن توثيقهم حالتين مماثلتين لشابين من مدينة رأس العين وأضافت: "المجموعات المتشددة ضمن التشكيلات العسكرية السورية المعارضة ارتكبت جرائم مشابهة في مدينة عفرين، واليوم ترتكبها بحق من بقي من أهالي رأس العين وتل أبيض، وقد أرسلنا ملفات موثقة بشهادات أهالي الضحايا للمنظمات الإنسانية الدولية والأمم المتحدة." ولا تزال الانتهاكات مستمرة في مناطق نبع السلام وغصن الزيتون في عفرين المدينة الكردية الواقعة شمال غرب سوريا والتي احتلتها تركيا ومسلحو المعارضة السورية في مارس 2018 بحسب حسن، حيث شهدت المدينة انتهاكات بحق من بقي من سكانها الاكراد من قتل وخطف واعتقال ومصادرة ممتلكات والاستيلاء على منازل المدنيين وممتلكاتهم.

وحمل مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة حكومة أنقرة المسؤولية عن عمليات إعدام نفذتها فصائل المعارضة المدعومة تركيا بحق المدنيين والمقاتلين من قوات (قسد) الأسم المختصر لقوات سوريا الديمقراطية . وكشف روبرت كولفيل، المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في تصريحات صحفية أن مكتبهم حصل على لقطات تصور عمليات القتل التي نفذها مقاتلو فصيل أحرار الشرقية الذي يتبع الجيش الوطني السوري المعارض. وحذرت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير نشرته على موقعها الالكتروني الخاص في نوفمبر من تورط تركيا وحلفائها من المجموعات السورية المسلحة في عمليات قتل غير قانونية واعتقالات تعسفية وتهجير غير مشروع شمال شرق سوريا.