1559113924200-ramadan-illustration
رمضان

لماذا يكره البعض شهر رمضان؟

يصبح تواجد النساء في الأماكن العامة سبباً لشعور الرجل المسلم بأن صيامه قد نَقص، ويتعمدون إسماع النساء عبارات تحرّش مثل: اللهمّ إني صائم، والبعض يُطالبنا بارتداء الحجاب أو ملابس فضفاضة

"ما حكم بيع الطعام في نهار رمضان للكافر؟" كان هذا عنوان لفتوى دينية نشرتها صحيفة "المصري اليوم" المحلية قبل عدة أيام وهو ما اعتبره كثيرون "حضاً على الفتنة والتمييز." اعتذرت الصحيفة لاحقاً، وقامت بإيقاف المحرر المسؤول، ولكن هذا الخبر جدد النقاش حول التمييز الذي يتعرض له غير المسلمين أو المسلمين غير الصائمين خلال شهر رمضان.

إعلان

ليس صحيحًا أن جميع المسلمين/ات يحبّون رمضان وينتظرونه من العام إلى العام. فبعضنا يكرّه السلوكيات المرتبطة بالشهر الكريم. إما لأننا مُجبرات/مجبرين على التظاهر بالصيام، أو لأن الغالبية العظمى من الصائمين يتوقفون عن العمل ويأجلون كل شيء لبعد انتهاء رمضان. أو بسبب الزحام أوقات الإفطار وكثرة العزائم، أو بسبب التوقُّف شبه التام للحياة بسبب الحالة العامة التي يفرضها المسلمون على الآخرين والأخريات، مثل غلق المحال التجارية حتى الإفطار، أو غلق محال الطعام والكافيتريات، وإيقاف خدمات توصيل الطعام للمنازل إلا في موعد الإفطار. في هذه النقاط، نحاول تفسير لماذا يكره البعض هذا الشهر.

نبذ غير الصائمين
في البلدان العربية ذات الأغلبية المُسلمة، هناك افتراض أن جميع المسلمين يصومون شهر رمضان إلا مَن لديهم/ن رُخصة شرعية للإفطار: كالحيض والسفر والمرض، والحمل والرضاعة. لكن ذلك ليس صحيحًا. هناك مسلمون/مسلمات لا يصومن/ون شهر رمضان لأسباب مختلفة. منها أسباب عقائدية كأن يكون الشخص لا يدين بالإسلام إلا ظاهريًا تجنبًا للعنف. ومنها أسباب مرتبطة بمشقة العمل والمهن التي تتطلب قوة جسدية، ومنها أسباب شخصيّة تماماً لعدم رغبة الشخص في الصيام لأيام معينة أو طوال الشهر.

نظرًا لهذا الافتراض بوجوب الصيام لمَن ليس لديهم/ن رخصة شرعية للإفطار، هناك حالة شبه عامة في البلدان العربية من نبذ ووصم المُفطرين/ات والقبض عليهم/ن من قبل السلطات الأمنيّة، ففي المغرب مثلاً، ينص الفصل 222 من القانون الجنائي على عقوبة قد تصل إلى ستة أشهر وغرامة مالية على المسلمين المفطرين في رمضان "دون عذر شرعي."

إعلان

هذا ما يدفَع بعض المسلمين/ات للتظاهر بالصيام علنًا والإفطار سرًا. فالكثيرون والكثيرات مكرهون/ات على الصيام بسبب الضغط المجتمعي والديني، خاصة الأطفال والمُراهقين/ات الذين/اللاتي يتم إجبارهم/ن على الصيام تحت ذريعة تعويدهم/ن من الصغر عليه. كما أن بعض المُدخنين/ات كذلك يصومن/ون بالإكراه، تجنبًا للوصم بضعف الإرادة أمام السجائر.

هذا الوصم يُلاحق كذلك المُفطرين والمُفطرات يدفع مَن لديهم/ن رخصة شرعية للإفطار على التظاهر بالصيام، أو تجنّب الطعام والشراب في العلن. وأكثر هذه الحالات الموصومة هنّ النساء هنّ النساء الحائضات. فالوصمة مُضاعفَة بسبب اعتبار الحيض نفسه أمرًا مُخزيًا يجب إخفائه، بداية مِن شراء الفوط الصحيّة، ومرورًا بسؤال قد يدفع الحائض للتظاهر بالصيام خجلًا، ووصولًا إلى إنكار الحق الشرعي للحائض في الإفطار. ويعتبر ذلك شكلًا من أشكال الإكراه على الصيام.

شهر رمضان يرفع نسب التمييز
من المفترض أن يكون رمضان شهراً لنشر المحبة والإخاء والتسامح، ولكن نشهد خلال الشهر ارتفاعاً في نسب التمييز ضد غير المسلمين خلال شهر رمضان من خلال إنكار حقهن/م في الأكل والشرب من منطلق "مراعاة مشاعر الصائمين" وقد يصل الأمر لتعرض غير الصائمين للعنف. أغلب الطوائف المسيحية يصوم أفرادها عن اللحم والدجاج معظم شهور السنة، لكنهن/م لا يُطالبون المسلمين بمراعاة مشاعرهن/م، ويتم تقديم هذا الأطباق في المطاعم خلال فترات صيام المسيحيين/ات. يجعلنا ذلك نسأل لو كانت المشاعر حِكرًا على المسلمين/ات، أو إن كان مبدأ "مراعاة مشاعر الصائمين" ما هو إلا مصطلح أخف وطأة من مصطلح التمييز الديني.

إعلان

يتم استغلال الصوم لتطبيع العنف
يشهد شهر رمضان كل عام ارتفاعاً بالعنف المادي واللفظي، ويتم بالعادة "تطبيع" هذه السلوكيات وربطها بأثر الصوم. وتشهد الكثير من البلدان ارتفاعاً في أعداد المعنفات في شهر رمضان، اللواتي يتعرضن للعنف المباشر من قبل الآباء أو الأزواج والإخوة خلال الساعات الأخيرة قبل الإفطار.

كما يتوسع العنف لخارج البيت، حيث يصبح تواجد النساء في الأماكن العامة سبباً لشعور الرجل المسلم بأن صيامه قد نَقص، ويتعمدون إسماع النساء عبارات تحرّش مثل: (اللهمّ إني صائم). والبعض يُطالبنا بارتداء الحجاب أو ملابس فضفاضة لإخفاء أجسامنا، بسبب الضغط الاجتماعي الذي يعتبر أجسام النساء فتنة للصائمين ولذلك يجب تغطيتها. كما تنتشر على الإنترنت مقولات وصورًا تُرسّخ هذا التصوّر وذلك التحيُّز الجنسي. فيتحوّل رمضان إلى جرعة مكثّفة من العنف الجنسيّ ضد النساء.

ربط الصيام بالامتناع عن الطعام والشراب فقط
هناك فكرة خاطئة أن صيام رمضان هو امتناع الفرد عن الطعام والشراب فقط. لكن ذلك ليس صائبًا. فالصيام يشمل الامتناع عن أذى الغير، بما في ذلك التنمّر على المُفطرين/ات، أو الإكراه على الصيام، أو تعطيل مسارات العمل في الأماكن الحكومية وغير الحكومية والتحجج بالصيام؛ ما يؤثر سلبيًا على مصالح الآخرين/الأخريات. ويشمل الأذى إنكار حق غير المسلمين/ات في الأكل والشُرب بحجة مراعاة مشاعر الصائمين وغيرها من مظاهر التمييز الديني، ويشمل التحرّش الجنسي ضد النساء أو انتقاد ملابسهن سواء كنّ محجبات أم لا. الصيام عن الأذى هو اعتبار رمضان شهر خلوّة المرء بنفسه وتأمله/تأملها في حياته/ها دون أن ينعكس ذلك على أشخاص حولنا.

رمضان ليس رخصة لممارسة التنمّر والتمييز
لا يدور الكون حول المسلمين وحول شعائر الإسلام وأركانه. هناك أفراد آخرين وأخريات يعيشن/ون في هذا العالم ولا يُدينون بالإسلام، (حتى لو في الخفاء فقط لأسباب على رأسها عدم وجود حريّات دينيّة في بلداننا). وكَون رمضان شهر فضيل له في نفوس معظم المسلمين/ات مكانة كبيرة، لا يجعله رُخصة لممارسة التنمّر والتمييز ومُلاحقة الأشخاص لمجرد أن رمضان بالنسبة لهن/لهم لا يتمتع بهذه المكانة. وبسبب أنه شهر التسامح كما يُقال، فيجب ألا يتم التمييز ضد غير المُسلمين/ات بأي شكل وعدم إنكار حقهن/م في الأكل والشرب تحت أي ظرف. فرغم أن صيام شهر رمضان من أركان الإسلام الخمسة، إلا أن لكل إنسان الحق في صيامه، ولكل إنسان الحق في الامتناع عن الصيام دون أن تكون الأسباب محل نقاش.

في النهاية، لو كنّا مؤمنين ومؤمنات بوجود الله، فلا يجب أن نتألّه عليه. بمعنى أنه لا يجب أن نُحاسب البشر على معتقداتهم/ن الدينية ولو بدوا/بدون مُسلمين ومُسلمات. ولنتذكر دائمًا أن الدين لله، والوطن والحقوق والحريّات للجميع.