سينما

حفل الأوسكار 2021 .. ملل وصوابية سياسية يشبهان حال العالم الآن

لم يفز أي من الأفلام العربية المرشحة على الرغم من جودتهما وأهمية والقضايا التي يتطرقان إليها
Brody-Nomadland
فرانسيس ماكدورماند، بطلة فيلم "نوماند لاند" -Searchlight Pictures

لم أتوقف عن التثاؤب، ليس لأنني أشاهد اجتماعاً لقمة الرؤساء العرب في الجامعة العربية، لكن بسبب رتابة إيقاع حفل الأوسكار الثالث والتسعين الذي انتهى منذ ساعات. كثير من الأفلام المرشحة للأوسكار لم تكن متاحة في قاعات العرض بسبب جائحة كورونا، وهذا أثر بشكل كبير على الحفل هذا العام الذي كان يشبه بقاعات السينما الفارغة.

تم ترشيح فيلمين من العالم العربي، "الهدية" لفرح النابلسي في فئة الأفلام القصيرة من فلسطين، وفيلم "الرجل الذي باع ظهره" لكوثر بن هنية من تونس. لم يربح أي منهما، على الرغم من جودتهما وأهمية والقضايا التي يتطرقان إليها. في فئة الفيلم القصير، حصل فيلم Two Distant Strangers من إنتاج "نتفليكس" على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم قصير. والفيلم يحكي قصة مصمم غرافيك أسود يحاول العودة إلى منزله في نيويورك ويتعرض لمواجهة متكررة مع شرطي أبيض. وذهبت جائزة أفضل فيلم غير ناطق بالإنجليزية للفيلم الدنماركي Another Round.

إعلان

ولعل سؤالًا عبثيًا يجول في عقلي عن السينما العربية التي تترشح من حين لآخر في هذه الفئة، لكنها لا تنال هذا الشرف. متى يمكن أن يحصل فيلم عربي على التمثال الذهبي؟ وما الذي نحتاجه كي نصبح على منصات التتويج؟ هل ينقصنا المهارات؟ هل تنقصنا الإمكانات المادية؟ المواهب التمثيلية؟ أم كل الموضوع يتعلق بالتأثير السياسي؟ ما يزال الفيلم الجزائري "Z" هو الفيلم العربي الوحيد الذي حاز على جائزة أوسكار لأفضل فيلم أجنبي وأفضل مونتاج في عام ١٩٧٠. 

الصوابية السياسية كعادة الأوسكار يجب أن تظهر في الصورة، وهذا العام هي صوابية تحاول أن تكون عادلة وترضي الجميع. فمثلًا فيلم Mank الذي رُشح لعشر جوائز، حصد اثنين فقط. توزيع الجوائز هذا العام صار متوازناً عدديًا، فلم نشاهد فيلمًا واحدًا يحصل على ٢٠ أوسكار في نفس الليلة. بالضبط مثل كوتة التمثيل في برلمانات العالم العربي للمرأة والشباب والأقليات، لينتهي الفيلم نهاية سعيدة تُرضي الجميع ويهنأ الجميع بنوم هادئ.

وبحسب التوقعات، فازت كلوي جاو مخرجة فيلم Nomadland، بجائزة أفضل مخرجة، لتصبح ثاني امرأة في تاريخ الأوسكار تفوز بالجائزة في فئة الإخراج بعد كاثرين بيجيلو التي نالت الجائزة عن فيلم The Hurt Locker عام ٢٠٠٨. وتعتبر كلوي أول امرأة غير بيضاء تنال التمثال الذهبي، وهذا يطرح سؤالًا جديدًا، هل فازت جاو بالأوسكار لأنها مخرجة جيدة أم لأنها مخرجة جيدة ذات أصول أسيوية؟ جاو قدمت للسينما ثلاثة أفلام طويلة وأربعة أخرى قصيرة. 

كما حصد الفيلم، الذي يتحدث عن سكان المقطورات الأميركيين الذين يعيشون على الطرق بعدما خسروا كل شيء خلال الأزمة المالية، على جائزة أفضل فيلم، بعد أن اقتنص جوائز الغولدن غلوبز والبافتا خلال الأشهر القليلة الماضية، وحازت فرانسيس ماكدورماند بطلة الفيلم على جائزة أفضل ممثلة، وهي واحدة من الممثلات البارعات في تقديم أدوار متنوعة على مدار تاريخها الفني الذي يمتد لأكثر من ثلاثين عامـًا، حصدت فيها ٤ جوائز أوسكار في التمثيل والإنتاج.

إعلان

المفاجأة في هذا الحفل بالنسبة لي كانت بفوز أنتوني هوبكنز بجائزة أفضل ممثل، فجميع الأنظار كانت تتجه نحو فوز تشادويك بوزمان، الذي رحل عن عالمنا في أغسطس الماضي، لكن العجوز الويلزي المخضرم اقتنص الجائزة للمرة الثانية بعد أن حصدها أول مرة في عام ١٩٩١ عن دوره الرائع بتجسيد شخصية هانيبال ليكتر في فيلم The Silence of the Lambs.

وفاز البريطاني من أصل أوغندي دانييل كالويا بجائزة أفضل ممثل دور ثانٍ في فيلم  Judas and the Black Messiah، وهو فوز مستحق بجدارة، كما فاز الفيلم بجائزة أوسكار أخرى لأفضل أغنية. فيلم Soul حصل على جائزتي أوسكار أفضل فيلم رسوم متحركة وأفضل موسيقى. وحصل فيلم Ma Rainey’s Black Bottom كذلك على جائزتي أوسكار، وهو يحكي قصة مطربة البلوز الأمريكية السمراء ما ريني. وحصلت الكورية الجنوبية، يو يونغ يون، على أوسكار أفضل ممثلة مساعدة عن دورها في فيلم "Minari."

اختيار النجوم الذين يقدمون الفقرات افتقد خفة الظل المعتادة، ولا أعلم هل التحدي كان في اختيار الممثلين أم كتابة نص الحفل نفسه؟

أحد أهم سمات حفل الأوسكار في تاريخه أنه يعبر عن شكل الـ show business في هوليوود وبرودواي، فالاهتمام بالفائزين قد يكون بقدر أقل من التركيز على الفقرات الغنائية والكوميدية، وحضور الفنانين المحببين لنا في قاعة واحدة لمدة ثلاث ساعات. هذه التوليفة الدعائية أصبحت جزءًا أساسيًا في حفل كل عام، وعلى الرغم من محاولة المنظمين إعادة هذا الرونق لحفل اليوم، من خلال استضافته في محطة "يونيون" للقطارات في لوس أنجلوس، بالإضافة إلى مكان الحفل التقليدي في "دولبي ثياتر"، إلا إنهم لم ينجحوا في ذلك.

إعلان

ما زلتُ شخصياً غير قادر على تقبل فكرة عدم وجود مُقدِم للحفل، إذ أن تعليقات مقدمي الحفل صارت جزءًا لا يتجزأ من نجاح خلطة الأوسكار. ولكن الحدث تحول لموجز أنباء، أو مؤتمر صحفي تُعلن فيه مجموعة من الأسماء. كذلك اختيار النجوم الذين يقدمون الفقرات افتقد خفة الظل المعتادة، ولا أعلم هل التحدي كان في اختيار الممثلين أم كتابة نص الحفل نفسه؟ في النهاية النتيجة واحدة، ملل لمدة أكثر من ثلاث ساعات.  

كما كانت كلمات الفائزين بالأوسكار أطول من المعتاد، ففي الأعوام الماضية، كان الفائز يتحدث لدقيقة مثلًا ثم تبدأ الموسيقى في العزف، وتنتهي الكلمة. اليوم ثرثر الفائزون واختفت الفقرات الفنية المعتادة، فصارت الكلمات غير مؤثرة لأنها مكررة، وذكرتني بكلمات حفلات التأبين.

وطبعاً، لم يخلُ الحفل كعادته من الكلمات الخطابية عن نشر قيم الحب والسلام، وكراهية الكراهية، ومساعدة الآخرين. لكنها أصبحت مثل مشاهد القتل في الحروب وخطب الشجب في الجامعة العربية. هذه المرة لم يقل الكلمات الرنانة نجمة كبيرة مثل أوبرا وينفري، قالها الفنان تايلر بيري الفائز بجائزة جان هيرشولت للعمل الإنساني، فلم تكن مؤثرة ولا أظنها ستحقق انتشارًا كبيرًا على الإنترنت.

وقال بيري "أملي أن نعلم أولادنا أن يرفضوا الكراهية، لا تكرهوا أي شخص. أرفض أن أكره شخصًا لأنه مكسيكي أو أسود أو أبيض أو من الـ LGBTQ. أرفض أن أكره شخصًا لأنه من الشرطة أو لأنه آسيوي." إنه أمر مثير للشفقة حقاً أن نتحدث في ٢٠٢١ عن عدم كراهية الآخرين، ينبغي أن يكون أمراً مفروغاِ منه - لكن لنعترف أنه من الصعب عدم كراهية الشرطة، هذا الأمر سيحتاج الكثير من الخطابات.

باختصار، لم يخسر أحد أي شيء حال قررتم النوم في تمام الثانية عشرة صباحًا. لم يحدث أي مفاجأة مدوية، ولم يقال أي تعليق كوميدي أو مؤثر قد يتذكره أحد. لم أضحك أو أبتسم لمدة تجاوزت الـ ١٨٠ دقيقة، بل قمت بمشاهدة بعض مقاطع فيديو لـ (بيلي كريستال) من حفلات الأوسكار السابقة ليمر الوقت.