Header (9)
مقالات مرآة

كيف نتخطى الصدمات النفسية بعد التعرض لحادث مؤلم؟

تجربة الطلاق أو إنهاء العلاقات العاطفية قد يثير في النفس نفس مشاعر من أقلع عن الإدمان لتوه كالضياع والوحدة والحزن

ظهر هذا المقال بالأصل على مرآة.

الإجهاد هو نتيجة علاقة معقدة بين المتطلبات التي يحتاجها الفرد وبين قدرته الشخصية لسد هذه المتطلبات، ويقول البروفيسور ستيفن بالمر، أحد كبار الخبراء فى مجال الاجهاد النفسي في بريطانيا ومدير مركز إدارة الإجهاد النفسي، أننا إذا تعرضنا لخطرٍ ما سيفرز جسدنا هرمونات الإجهاد كالأدرينالين والنورادرينالين والكورتيزول في مجرى الدم مع الأحماض الدهنية والسكريات، مما يساعد على أداء الأنشطة التي تتطلب قوة بدنية فائقة كرفع سيارة لإنقاذ طفل، وهذا يتم لفترة محدودة فقط لإتمام المهمة، لكن ما يحدث أن جسدنا ومع شعورنا بأعراض الإجهاد يظل يفرز هذه الهرمونات دون توقف، مما يضعف جهاز المناعة مع تنامي في أعراض إجهاد ما بعد الصدمة كالتعرق وخفقان القلب وغيرها، مما يضعنا في حالة تأهب لخطر محدق طوال الوقت.

إعلان

صدمات الحياة الشائعة

صدمة الولادة والإجهاض:
تشير الأبحاث إلى أن أكثر من 55% من النساء اللاتي خضعن لدراسة آثار الصدمة من جراء العمليات القيصرية شعرن أن تجربتهن كانت مخيفة لدرجة تحقق أعراض إجهاد ما بعد الصدمة والبعض أظهر توافقًا مع مؤشرات الاكتئاب أيضاً. وهذا ما أكده الدكتور مصطفى محمد السيد، الطبيب النفسي بمستشفى العباسية: "هناك العديد من الحالات لأمهات وصلن لمرحلة من الاكتئاب أو الصدمة عقب الولادة أفقدتهم القدرة على مواصلة الحياة دون مساعدة طبية، وأحيانًا وصل الأمر لمحاولتهن الانتحار."

صدمة فقدان الأحبة
جمال فوزي، 45 عامًا، موظف ووالد لثلاث أطفال، توفي طفله الأصغر غرقًا أثناء المصيف، استغرق تجاوزه هذه الصدمة ثلاث سنوات أو هكذا ظن جمال. لكنه وفي أحد أيام تسوقه هو وزوجته، وضع خمس زجاجات من العصير فواجهته زوجته بالأمر ولاحظ فجأة أنه مازال يتسوق لعائلة من خمسة أفراد لا أربعة، واستغرق الأمر معه سنتين إضافيتين حتى استطاع الاعتراف بصدق أنه أعاد استثمار عواطفه لابنه المتوفي فى وقائع الحياة اليومية. 

تذكر جلادينا مكماهون في كتابها "التكيف مع صدمات الحياة" رأي الاستشاريون المتخصصون بحالات الفقد والذي شجع على التحدث قدر الإمكان عن مصيبتهم في التفكير بها ورؤيتها في الأحلام، مما يساعدهم على مواجهة الحقيقة، كذلك حضورهم مراسم الجنازة وزيارة مقبرة المتوفى، فحقيقة أنه لا يمكن الالتفاف حول مشاعر الحزن بل يجب المضي من خلالها، فإن الألم المتناسى أو المكبوت غالبًا ما يعاود الظهور في أول فرصة.

صدمة الطلاق وإنهاء العلاقات العاطفية:
كانت "ميديا" في الأسطورة الإغريقية مشعوذة وابنة للملك "كولشيس" وكانت تعلق أهمية كبرى على صفة الإخلاص، التقت بـ"جيسون" ووقعت في حبه، وكمكافأة له على وعوده بالوفاء والإخلاص خدعت والدها واستولت له على صوف الخراف الذهبي. وتزوجا وظلا سعيدين إلى أن اكتشفت خيانة جيسون لها ورحل معها. تألمت ميديا وغضبت لعدم إخلاصه لها حتى أنها قررت تدمير كل ما يذكرها بزوجها السابق حتى ولديها.

إعلان

هكذا بمثال فج شديد وصادم يمكن أن نرى إلى أي مدى يمكن أن يذهب بنا الغضب عندما لا تنتهي العلاقة بشكل صحيح وهذا ما تراه كلير هيرشمان، استشارية ومعالجة نفسية بلندن، حيث تضيف أن تجربة الطلاق أو إنهاء العلاقات العاطفية قد يثير في النفس نفس مشاعر من أقلع عن الإدمان لتوه كالضياع والوحدة والحزن.

ربما تكمن المشكلة بالنسبة لأحد الأطراف في مواجهته للبدائل، كأن يبقى وحيدًا ويعاني شعور الوحدة مما يدفعه للاستمرار في علاقة غير سليمة وهنا سيدرك أن المعركة الحقيقية بينه وبين نفسه في تعلم كيفية الاعتماد على النفس دون الحاجة لتوزيع اللوم وإلقاء التهم.

صدمة العنف المنزلي والاعتداء الجنسي:
تقول سهى رمضان السيد، 57 عامًا، ربة منزل: "تزوجت قبل أن أنهي تعليمي الجامعي وكان زوجي طيبًا إلى أن حملت في أول طفل لي بعد ثلاث سنوات زواج، أصبح عصبيًا وعنيفًا، طوال الوقت ظننت أن العيب في دائمًا كما ظننت منذ طفولتي. ولو قمت بالشكوى سيتدبر المجتمع أمري ولن يجد مشقة في إيجاد مبرر للعنف والخيانة. حتى طلب ابني الكبير، 14 عامًا، أن ننهي هذه المأساة ونرحل بعيدًا عن أبيه. بعد رحيلنا واجهنا العديد من الأعراض النفسية أنا وأبنائي، تنوعت بين التبول اللا إرادي ونوبات القلق المفرط والخوف من الأماكن المفتوحة واضطرابات النوم ونتابع جميعنا مع أطباء نفسيين."

العنف ضد النساء يسبب الموت والإعاقة أكثر مما يسببه السرطان وحوادث الطرق والحروب، وبشكل خاص للفئة العمرية بين 15 و44. كثير من النساء اللواتي ينجين من علاقاتهن العنيفة يواجهن نفس أعراض الجنود عند عودتهم من الحرب، فيستخدم الاستشاريون التقنية ذاتها في استشارة الصدمات لمساعدتهن. وهذا هو تحديدًا ما يُستخدم مع الناجيات من الاعتداءات الجنسية واللواتي يعانين أيضاً ربما لبقية العمر من إحساس خفي بالذنب سببه المجتمع الذي يلقي باللوم دائمًا على الضحية بدلًا من معاقبة الجاني.

إعلان

صدمة الحوادث الجماعية والحروب:
أُجريت دراسة على أكثر من 10,000 شخص، بمن فيهم أفراد الشرطة وعمال البناء، ممن سارعوا لمساعدة موظفي مركز التجارة العالمي في تفجيرات 11 سبتمبر عام 2001. وأظهرت هذه الدراسة أن نحو 75 في المئة منهم لم يعانوا من أية مصاعب طويلة الأمد. وهذا يعني أن طبيعة الحادث تؤثر بشكل مختلف على الأفراد، كما يمكن أحيانًا للأعراض أن تتأخر في الظهور.

معظم الأفراد محل الدراسة ظهر لديهم تأثيرات نفسية قصيرة الأمد، استطاعوا التعامل معها بمساعدة العديد من الجهات المهتمة بالجانب النفسي. لذلك وجب على الجمعيات والمؤسسات المحلية والدولية أن تنتبه للنتائج النفسية لمن عايشوا ظروف حادثة جماعية أو شاركوا بها خاصةً إن كانوا من ذوي المهن التي تتطلب المشاركة الفعلية والاحتكاك المباشر بركام الحادث كالاطفائيين وأفراد الشرطة وعمال البناء والهدم وغيرهم.

وينصح الأطباء النفسيين بمحاولة تجنب مشاهد إعادة الحادثة بوسائل الإعلام المختلفة، حتى لا تؤجج أعراض ما بعد الصدمة، تحديدًا لمن يعانون من بعض أنواع الرهاب أو ذوي الحساسية العالية تجاه الأحداث والأماكن. وهذا ما يجب مراعاته مع الناجين من حادثة انفجار مرفأ بيروت المروع وعدم افتراض أن فئة ستتأثر أكثر من غيرها لأنه افتراض سابق لأوانه.

مراحل الصدمة

يقول الدكتور أحمد فهمي، أخصائي الطب النفسي بمستشفى العباسية، أن الصدمات النفسية بوجه عام تنقسم إلى ست مراحل متتالية، لا تحدد بمدد زمنية بعينها تبعًا لظروف الشخص النفسية وهي: الإنكار، الغضب، الحزن والوحدة، المساومة، التقبل والعودة للحياة بمعنى جديد. وتوضح جلادينا ماكماهون في كتابها "التكيف مع الصدمة" أن الأعراض الشائعة لإجهاد ما بعد الصدمة هي التعايش مع وميض الماضي والتهيؤات والأفكار التي تقتحم الذهن واضطرابات النوم وتحدد هذه الأعراض بدقة في عدد من الأعراض أهمها: الغثيان، البرد، رجفة، تبول لا إرادي، لا مبالاة، خفقان بالقلب، أزمة صدرية، إغماء، صداع، صعوبة في النوم، طفح جلدي ونوبات ذعر.

مصادر دعم لتجاوز الصدمات النفسية  والتكيف معها

  1. مصادر ذاتية: يجب على الفرد محاولة معرفة  الرغبات والاحتياجات النفسية له ووضع الحدود بينه وبين الآخرين وكيفية إبداء الرفض بطرق واضحة ومفهومة وكذلك طلب المساعدة إن احتاج لها.
  2. مصادر جسدية: الاهتمام بالصحة الجسدية وتنظيم مواعيد النوم والتغذية الصحيحة مع الحفاظ على الرياضة بشكل يومي يساعد على التئام الجرح النفسي والتكيف معه بشكل أسرع.
  3. مصادر نفسية: العمل على خلق علاقات صحية جديدة  وممارسة الهوايات يهيئ النفس لاستعادة الثقة والقوة والشعور بالتمكين.
  4. مصادر شعورية: على الشخص الساعي للتكيف مع صدماته ألا يخجل من التعبير عن المشاعر المختلفة وألا يحاول إخفائها خاصةً المشاعر كالبكاء والغضب والحزن وغيرها.
  5. مصادر روحية حسب حاجة الفرد للتواصل مع مصادر دينية أو روحية.
  6. مصادر مادية: إيجاد عمل مناسب يجعل الإنسان أكثر استقلالية وتدعم ثقته بنفسه خاصةً إذا كان يمر بأزمة أو صدمة حياتية.
  7. مصادر حالية: من المفيد أن يفكر الفرد بشكل إيجابي فيعدد مهاراته الحالية وصفاته الإيجابية.
  8. مصادر مستقبلية: وضع خطط لتنمية الفرد ومهاراته على الصعيد المهني والشخصي يجعل الشخص في حالة اطمئنان لبيانه من خطة مستقبلية تنتظر التنفيذ.
  9. مصادر دعم خارجي: الأهم هو عدم الخجل من طلب المساعدة والتوجه إلى طبيب نفسي عندما تصبح الحياة فوق قدرتنا على التعامل معها لوحدنا.
  10. 1.