ألعاب فيديو

كيف أصبحت جرائم الحرب أداة للترفيه واللعب؟ حول لعبة "ستة أيام في الفلوجة" ونداءات منعها

الغاية التجارية هي التي تحكم في النهاية، دون أي إعتبارات أخلاقية أو موضوعية
ac25-MAR-six-days-1
CREDIT: VICTURA

لطالما مثّلت منطقة الشرق الأوسط أرضية خصبة لألعاب الحروب، هذا ليس بالأمر الجديد، وقد اعتاد عليه الجميع-وإن كانت عاديته هي أصلاً جزء من المشكلة. لقد أصبحت الإحالة إلى المنطقة فحسب كافية في بعض الأحيان دون الحاجة إلى تسمية بلد معين بحد ذاته خاصة مع الألعاب ذات القصص"الخيالية والأصلية" التي تزعم أنها مبنية على أحداث حقيقية مثل لعبة Call of Duty Modern Warfare التي تحدثت عن إستخدام الأسلحة الكيمياوية في منطقة عربية بدون تسميتها، ولكنها تحيل بشدة إلى السياق السوري. 

إعلان

ارتباط ألعاب الحروب بتصورات أو أحداث واقعية هو أمر خلافي وأخلاقي كبير، بين الداعمين لحرية نقل هذه القصص وبين الرافضين لاستغلال معاناة الشعوب لتحقيق مآرب ربحية. لعبة Six Days in Fallujah أو "ستة أيام في الفلوجة" والتي تم الإعلان عنها مؤخرا نجحت في وقت قصير في إثارة غضب الكثيرين الذين طالبوا بوقف تطوير اللعبة، ومنع صدورها والمطالبة بإعتذار رسمي من الإستوديو المسؤول عنها.

اللعبة من إنتاج Highwire Games وVentura وتتمحور حول أحداث الفلوجة في نوفمبر 2004 والتي تعتبر من أعنف فترات الغزو الأمريكي للعراق منذ 2003 وأشدها دموية. ولم يخفى إختيار الذكرى الـ18 لحرب العراق للإعلان عن اللعبة عن أحد، فقد تعمد الناشر فعل ذلك من باب المقاربة التاريخية لأحداث اللعبة.

تمثل هذا الإعلان في فيديو قصير وديمو لأسلوب اللعب مع تعليقات من بعض جنود المارينز الذين شاركوا في العملية آنذاك، بإعتبار أن شهاداتهم هي دليل على رغبة المطور في مقاربة تجارب الجنود في الحقيقة مع تلك التي سيخوضها اللاعبون. تم أيضًا الإستماع إلى بعض شهادات من سكان الفلوجة ممن علقوا وسط النزاع، وقد تم إدراج هذه الشهادات في نهاية الفيديو، الذي ينتهي بمشهد فزع عائلة عراقية بعد أن داهم الجيش الأمريكي منزلهم.

يمكن معالجة المشاكل الكبيرة التي تطرحها اللعبة من زوايا عديدة. أولاً، كيف يسمح بتحويل حدث مؤلم وتراجيدي أودى بحياة مدنيين عراقيين مسالمين إلى منصة ترفيهية تفاعلية للاعبين؟ قد يقول البعض أنه من المهم طرح هذه القصص الإنسانية والكتابة عنها، إلا أن الأمر الأساسي يتعلق بكيفية هذا الطرح. نحن لسنا أمام محاكاة واقعية أو أمام وثائقي قابل للّعب كما وصفه المطورون. التفاصيل التي تنقلها اللعبة ليست حقيقية أو صحيحة، اللعبة هي فقط محاكاة ترفيهية وسطحية لما حدث في الفلوجة تحاول التسويق لنفسها على أنها تجربة واقعية عميقة ولكنها تفشل في ذلك. 

إعلان

اللعبة هي فقط محاكاة ترفيهية وسطحية لما حدث في الفلوجة تحاول التسويق لنفسها على أنها تجربة واقعية عميقة ولكنها تفشل في ذلك

الفيديو الإعلاني للّعبة يتنقل بين شهادات المارينز الأمريكيين الجدية وبين الحديث عن أسلوب اللعب المبتكر وعن تغير بيئة الفلوجة مع كل محاولة إقتحام لمنازل المدنيين "لتطهيرها" من الأعداء - الأعداء في هذه الحالة هم أهل البلد، وليس الجنود الأمريكيين. هذه اللعبة لا تكترث بنقل أحداث الفلوجة، هي فقط تستغل هذا السياق التاريخي من أجل إقحام زاوية نظر أحادية الجانب في لعبة حرب الهدف الأول والأخير منها هو الربح.

طبعا، لا يمكن الحديث عن السياق التاريخي دون الإشارة إلى القضية الأساسية التي تطرحها حرب العراق حول وقائعها وأحداثها وهو ما لن يكترث المطور في نقله. اللعبة تصور الفلوجة على أنها ساحة حرب بين من يتم وصفهم "بالإرهابيين" وبين الجنود الأمريكيين مع بعض المدنيين العالقين، في حين أن الأمور أكثر تعقيدًا من ذلك بكثير.

لقد اقترفت الولايات جرائم حرب في المدينة، وقامت بقتل المئات من المدنيين، ومنعت العديد منهم من مغادرة المدينة، كما استخدمت واشنطن أسلحة دمار شامل محرمة دوليًا كالفسفور الأبيض، واليورانيوم المنضّب، وقد أظهرت الأبحاث أن أعداد وفيات الأطفال والتشوهات، وأعداد المصابين بالسرطان وسرطان الدم بسبب هذه الأسلحة تجاوزت تلك التي أبلغ عنها الناجين من القنابل الذرية التي ألقيت على هيروشيما وناجازاكي في عام 1945.

حين سؤاله عن هذه الأحداث و صعوبة محاكاتها في اللعبة، وصف بيتر تامت المسؤول عن الإستوديو الناشر حرب العراق بالـ"مثيرة للجدل" ليست جريمة حرب، ولا أنها كارثة إنسانية، هي فقط سياق مثير للجدل. ولم يتوقف هنا، بل أعلن كذلك أنه اللعبة تهدف لتعليم اللاعبين التعاطف "أن يتعاطف اللاعبون مع الجنود الأمريكيين المشاركين في المعركة." التعاطف مع القاتل!

في مقالة منشورة على موقع IGN تقول أنيتا سركيسيان، الناقدة الإعلامية والمديرة التنفيذية لـ Feminist Frequency أنه من خلال مطالبة اللاعبين بالتعاطف مع الجنود الأمريكيين "فإن ستة أيام في الفلوجة تقوم مجدداً بتعميم ثقافات الشرق الأوسط وتجريدها من إنسانيتها في وسائل الإعلام، وخاصة ألعاب الفيديو." وتشير إلى أن اللعبة تعترف بسقوط ضحايا عراقيين و"لكنها لا تقدم أي سياق حول حقيقة أن أبطال القصة هم في الواقع يقتلون أشخاصًا يدافعون عن أنفسهم وعن وطنهم."

ولكن هذا الموقع نفسه طرح الفيديو الإعلاني للّعبة لاحقًا وبصورة حصرية، هنا، نجد وبطريقة مباشرة رسالة مفادها بأن الوعي بمعضلة اللعبة ومطالبة اللاعبين بمنعها غير مهم أمام الجانب التسويقي والربحي، تماما كمطوري اللعبة ومحاولتهم قولبة أحداث الفلوجة كسياق درامي يجب معالجته والتعاطف مع ضحاياه في حين أن الغاية التجارية هي التي تحكم في النهاية، دون أي إعتبارات أخلاقية أو موضوعية.

لحد الآن، جمعت العريضة التي تطالب بمنع اللعبة حوالي ١١ ألف توقيع مع إتساع رقعة الحوار حولها على مواقع التواصل الإجتماعي ومدونات اللاعبين والمطالبة بالتعامل الجدي مع مثل هذه الألعاب، لأنه في حال تم اصدار اللعبة في نهاية المطاف، فهذا سيعني مواصلة سياسة المعالجة المتكررة والمهينة لمطوري الألعاب الغربيين للشرق الأوسط من أجل بضع ساعات من الترفيه واللعب.