Feminst at work 01
مرأة

نسويات في أماكن العمل: هل تعطل النسوية مسيرتك المهنية؟

قيل لي أنني سأهرب من اسرتي وبلدي للخارج لأنني نسوية، ومرة أخرى قيل لي أنني ملحدة

كنت قد أتممت مرحلة الماجستير في نوفمبر 2019، وأعرف خلال سنوات دراساتي العُليا أنه بمجرد حصولي على الدرجة العلمية ستكون عودتي إلى سوق العمل أسهل نسبيًا. كنت على علم بأن تعريفي لنفسي كنسوية ونشاطي العام من أسباب استبعادي من أماكن عمل قد أكون مؤهلة لها. لكن صورتي العامة جعلت من ذلك مستحيلًا. فلا أحد يوّظف نساء يُعتقد أنهن "مثيرات للمشاكل." لا أحد يوظّف النسويات بسهولة. كان بحثي في مجالات أخرى أعلم أن فرص قبولي فيها أقل. في إحدى المحاولات، انقسمت المقابلة نصفين: نصف مقابلة عمل، ونصف مواعدة. فصلهما سؤال وجهه إليّ المدير مُتصفحًا حسابي على فيسبوك: "إنتي بقي موافقة إن الستات تمارس الجنس من غير جواز؟" في 8 مارس، يوم المرأة العالمي، قررت الحديث مع نساء من العالم العربي عرّفن أنفسهن كنسويات عن الأفكار والصور النمطية المرتبطة بهن وأغرب الأسئلة التي تم سؤالها لهم عند التقديم على مقابلة عمل أو وظيفة.

إعلان

امرأة نسوية + حديث عام عن التحرش = إقصاء
حديث النساء عبر الإنترنت عن العنف الجنسي كآلية بديلة لتحقيق عدالة لا تحققها قوانين البلدان العربية، تسبب في اعتبار هؤلاء النساء مصادر إزعاج ومشاكل، خاصة في نطاق العمل. فتكون النتيجة إما الضغط عليهن للتوقف عن النشر أو إقصاءهن تمامًا عن العمل. وهي نقطة يغفلها الكثيرون ممَن يتهمون النسويات بحب الظهور (visibility) واستخدام قضايا العنف الجنسي في جلب الشهرة، فهؤلاء النساء يدفعنّ ثمن حديثهنّ العلني عن التحرش، سواء بالتنمر والسخرية أو بالتخلّص منهن للحفاظ على "سمعة المكان." تقول ربى*، 26 عامًا، نسوية مصرية: "كنت بشتغل في منظمة حقوقية معروفة وكنت بتكلم على الإنترنت عن شخص حقوقي متحرش. المدير قالي أبطل أكتب لو عاوزة أستمر في الشغل."

أما علا، 21 عامًا، نسوية ليبية فتقول: "كنت أعمل في وظيفة مع عدد من الشباب. وقررت الحديث عما تعرضت لهم من تحرش من قبلهم على تويتر، هاجمني الشخص المعني هو وجماعته، حكوا عليا كل حاجة ماتنقالش وألفاظ سيئة، و"التهمة" الأولى هي نسوية وعاهرة رغم أنني ما تطرقش للشخص إنما للفعل نفسه، بعدها اقصوني من شغل كان مع كم واحد فيهم. حتى المنظمات النسوية يتم اقصائي منها لأني متحررة جدًا على قولتهم. ولو توظفت، عادة يكون اللي وظفني يعرف النقطة هذي عني فياخد راحته معي ويضايقني، بحيث انه يعرض مخدرات أو كحول بمعنى نجي نقضي وقت معاه. أتحدث طوال الوقت عن قضايا الإنسان والحرية والقمع، لكن هم ما يتذكروش منها إلا النسوية. وأه، متعارف على إنني كوير، فهذا يخلي رغباتهم الجنسية في أماكن العمل أكثر حدة وغرابة."

تبقى المشكلة عدم التقبل الشعبي لمصطلح نسوية، فيتم ربطه بكل ما هو "سلبي أخلاقياً" -بحسب تعريف بعض فئات المجتمع- الإلحاد، والانحلال الأخلاقي، انسلاخ الهوية، المسؤولية عن هروب الفتيات خارج بلادهن

أنتِ نسوية، إذن أنتِ ملحدة
تتوالى أيضًا السخرية والاتهامات للنسويات في أماكن العمل ويتم عادة وضع صور نمطية جاهزة ليس لها أي علاقة بالحقيقة، كما تخبرني آمنة، 32 عامًا، نسوية خليجية: "يتعمد بعض الزملاء التهكم على موضوع النسوية والنسويات والتعرض لشخصي بالرغم من أن علاقة العمل رسمية. مثلًا، قيل لي انني سأهرب من أسرتي وبلدي للخارج لأنني نسوية، وهذا امر من نسج الخيال. ومرة أخرى قيل لي أنني ملحدة، لأن البعض يربطون النسوية بالإلحاد لسبب ما. تبقى المشكلة في بلدي -كما هي في سائر الخليج- عدم التقبل الشعبي لمصطلح نسوية، ربما ينتج عن عدم فهم، ربما بسبب الصِدام الفكري، والتباس المفاهيم، أو عدم وجود حوار جاد، فهي تُقارن بكل ما هو "سلبي أخلاقياً" -بحسب تعريف بعض فئات المجتمع- الإلحاد، والانحلال الأخلاقي، انسلاخ الهوية، المسؤولية عن هروب الفتيات خارج بلادهن، أو الزواج من أجنبي (البعض يُعيب على الخليجية الزواج من غير مواطن)."

لا لتوظيف النسويات
ما أن يعرف أرباب العمل أنك نسوية تستخدم الإنترنت في نشاطها العام، يصبح توظيفك مُحال. أغلبهم يتصورون النسويات كنساء متهورات، لا يأبهنّ بسير العمل، يطلقن أحكام خاطئة تشوّه صورة مكان العمل. المؤسسات والمنظمات الحقوقية ليست استثناء لقاعدة كهذه، كما تخبرني بادية، 30 عامًا، نسوية مصرية: "كنت مقدمة على وظيفة في منظمة حقوقية ولم أسمع أي رد منهم، رغم أنني كنت overqualified على الوظيفة والشروط المطلوبة ولكنني قمت بالتقديم لأنني كنت عاطلة عن العمل في تلك الفترة ومحتاجة أي مصدر دخل. لاحقاً، عرفت إنهم وظفوا واحدة أقل مني خبرة. فسألت صديق بيشتغل هناك بشكل شخصي عن السبب فكانت إجابته إن "المؤسسة عندها سياسة (غير معلنة) انهم مش بيشغلوا نسويات، علشان عارفين لو حد ضايقهم هيعملوا لهم فضايح ودوشة. يعني الحل لتجنب حدوث المشاكل هو انهم مايشغلوش حد هيفضح المشكلة، مش انهم يمنعوا حدوثها من الأساس أو يوجدوا حلول لمعالجتها." نكات ذكورية وتنمر
كونك نسوية في مكان عملك هو مدعاة للسخرية. يكفي أن مع كل حديث عن النساء، يُنادي عليكِ أحد زملائك. كأنه استدعاء لنسويتك وتربص لرأيك؛ لإقحامك في نقاشات لا دخل لها بمهام وظيفتك. تقول بيسان جابر، 29 عامًا، نسوية فلسطينية تعيش في الأردن:"أول ما يعرفوا انك نسوية بصيروا يستدعوكي (بالمزح) إذا أرادوا الحديث عن الزواج أو شي بخص العلاقات. اول جملة بتسمعيها من الناس بس يعرفوا انك نسوية خصوصي بالأردن هي "اه انت مع حقوق النسوان و كذا، هي جمل بحذ ذاتها فيها كتير سخرية ضمنياً. كتير مرات في شغلي السابق لما بختلف مع زميلة الي في الفريق بيحكي زميلي "لازم تتوافقي معاها لأنه بنت مش انت مع حقوق المرأة؟ انتو بنات لازم توقفوا مع بعض." هالشي طبعًا بس دليل على جهلهم بما هي النسوية أصلاً." من لبنان، تقول منال، 28 عامًا : "كنت بشتغل في منظمة ذات توجه حقوقي ومكنتش مندمجة مع زمايلي الرجالة بسبب أدائهم الذكوري والتنمر على نسويتي. فقررت اتجنبهم. مديرتي لامتني واتهمتني بإن توجهاتي النسوية مأثرة سلبًا على بيئة العمل وروح الفريق." لم يستقر الرجال، هل نحن النسويات نحبهم أم نكرههم؟ عادة يتهم الرجال النسويات بأنهم كارهات للرجال. لكن عندما لا يعرفون شيء عن كونك نسوية، سيتهمونك بأنك تحبين الرجال وتحاولين التواجد في "أماكن الرجال" لأنك تريدين شيء ذو طابع جنسي، كما تقول إيمان عمارة، 40 عامًا، نسوية جزائرية مقيمة حاليًا بفرنسا: "كمهندسة، طلبت اتابع شغلي بنفسي في المواقع. بس لما بتشتغلي في مكتب هندسي تعملي كل حاجة إلا انك تروحي الموقع، لأن المهندسات ما بيروحوش مواقع البناء. ولكنني صممت وما كانوش فاهمين وقالوا عايزة تنزل الموقع اللي كله رجالة، وفاكرة نفسك مين. كان فيه تعامل ساخر لأني كنت بالنسبة لهم المهندسة اللي عايزة تنزل وسط الرجالة مع غمز ولمز." للإجابة عن سؤال عنوان المقال: ليست النسوية سببًا في تعطيل مسيرتنا المهنية. مَن يعطلها هم أشخاص واعين/واعيات بأن قيمنا النسوية تشكل تهديد ما عليهم/ن. قد يكون التهديد نابع من الخوف من النقد، وقد يكون لتبنيهم قيمًا ذكورية، فيسارعون/يسارعنّ بالتسفيه من نسويتنا كوسيلة هجوم استباقية. على مر التاريخ، كانت النساء اللواتي لديهنّ أفكار مختلفة صيدًا لمجتمعاتهن. فلا، ليست الأزمة كما يصورونها أننا غاضبات وغير مهنيات نضر بسير العمل. الأزمة هي أننا تجرأنا على الاختلاف عنهم/ن، والأزمة أننا لا نضحك على نكاتهم الذكورية، ولا نغض نواظرنا عن الانتهاكات. الأزمة أن وجودنا في محيطهم يُشعرهم بعدم راحة. يخافون من أحكامنا عليهم، ويستبقون إطلاق الأحكام علينا؛ لنظل في خانة دفاع مستمرة عن أنفسنا وعن نسويتنا، وبالتالي يجعلون أماكن العمل ساحات حرب مُضافة إلى معاركنا الشخصية والعامة كنساء وكنسويات، يُضيفون ضغطًا إلى ضغط العمل. هؤلاء هم الأزمة، ليس نحنُ وليست نسويتنا.

*جميع الاسماء مستعارة ما عدا ايمان وبيسان.