AR_PerfectStrangers_Main_Vertical_4x5_RGB_PRE__1_

نتفليكس.

مقال رأي

اصحاب ولا أعزّ.. فيلم روائي رومانسي متهم بهدم قيم المجتمع

غضب مُتكرر ومحفوظ مع كل محتوى نبَش في قبر النمطية التي يسمونها تعميماً "الثقافة العربية"

خسوف قمر. أصحاب وعزومة عشا. كاندوم. خيانات زوجية. نبيذ مع ملوخيّة بالأرانب. وظهور خاص لكيلوت منى زكي. 

هذه التشكيلة من التفاصيل ظهرت في فيلم "اصحاب ولا أعز" الذي أثار ضجة واسعة منذ لحظة عرضه على نتفليكس قبل أيام، ووصل الأمر بتقدّم أحد المحامين ببلاغ للنائب العام المصري ضد المُنتج محمد حفظي يتهمه بالسعي "لهدم الدولة" و"زعزعة الاستقرار الداخلي" ومطالب بمنعه من العرض لأنه يتنافى مع القيم المجتمعية.

إعلان

الفيلم هو أول فيلم عربي من إنتاج نتفليكس بالتعاون مع المنتج المصري محمد حفظي، ورجل الأعمال اللبناني ماريو حداد، والمنتج العالمي جيانلوكا شقرا. وهو النسخة العربية من الفيلم الإيطالي Perfect Strangers الذي دخل موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية كأكثر فيلم قُدم بنسخ عديدة حول العالم.

الفيلم من إخراج اللبناني وسام سميرة، ومن بطولة الفنانة والمخرجة اللبنانية نادين لبكي، الفنانة المصرية منى زكي، الفنان الأردني إياد نصار، والفنانين اللبنانيين جورج خبّاز، عادل كرم، فؤاد يمين، وديامان أبو عبود.

يدور الفيلم حول مجموعة من الأصدقاء المقيمين بلبنان، يجتمعون لمشاهدة خسوف القمر من منزل أحدهم وزوجته. الجميع متزوج عدا رجل واحد. تبدأ حبكة الفيلم تدريجيًا عندما تسخر إحدى الزوجات من زوجها لأنه حريص على ألا ترى هاتفه. وحينها شاركتها الأخريات تخوفاتهن من خيانة الأزواج واتفقن في لحظة أن يضع كل منهم هاتفه على طاولة العشاء وعند وجود أي إشعار أو مكالمة سيتطلع عليها الجميع. ارتبك الأزواج وشعر كل منهم بأنه في مأزق صعب، لكن الإحراج دفعهم لترك هواتفهم. أما الزوجات فكنّ مدفوعات بالثقة. تبدأ اللعبة الغريبة التي هي فخ نصبه كل منهم لنفسه، لتتكشّف الحبكة مشهد وراء مشهد، ونعرف أسرار الحاضرين/الحاضرات.

على الرغم من إعجاب كثيرين بالفيلم كقصة وتمثيل، وجدت أغلبية المناقشات الرافضة والغاضبة من الفيلم طريقها لأسطح مواقع التواصل الاجتماعي، وهو غضب مُتكرر ومحفوظ مع كل محتوى نبَش في قبر النمطية التي يسمونها تعميماً "الثقافة العربية" والتي هي بحسب هؤلاء مجرد مجموعة معايير قائمة على الذكورية والعنف ولا تحترم الحريات الشخصية. لماذا الغضب؟ لنحاول تحليل بعض التفاصيل التي تم ذكرها في هذه الجدالات:

إعلان

الشتائم: لا أعرف شخصًا عربيًا واحدًا (مهما كانت هويته الاجتماعية) لا يسبُ ويلعن، حتى لو اضطر للسباب باللغة الإنجليزية لأنها "أشيك." ولا أعرف شابة عربية لم تسمع كلمات جنسية في الشارع بهدف التحرش بها جنسيًا، أو أُرسل لها صور قضيب ذكري على رسائلها من رجال غرباء. كل الكلمات الواردة في الفيلم، كلمات يومية ومستعملة في البلدان العربية وليس فقط في لبنان. ما تم ذكره في الفيلم من "ألفاظ خارجة" هو نقطة في بحر السُباب العربي منذ أيام الشعر الجاهليّ.

النساء العربيات لا تخون: هناك أيضًا اتهامات بأن الفيلم "ضد القيم العربية" بسبب وجود شخصيات نسائية متعددة العلاقات الجنسية. ورغم أن الحبكة تُعطي مُبررًا دراميًا لكل منهنّ، إلا أن الغضب مستمر، ويستمر معه الإنكار. هناك حالة من الإنكار أن النساء أيضًا تُمارس الخيانة، تمتد للتسامح مع خيانة الرجُل لأننا تربينا أن الخيانة حكر على الرجال الذين يشعرون باستحقاق على أجسام النساء في العلاقات. ويمتد هذا الاستحقاق إلى شعورهم بالتهديد وعجزهم عن تخيل أن النساء قادرات على الخيانة شأنهنّ شأن الرجال، وأنه لا ضمان –أبدًا- ألا يتعرض أي منهم للخيانة من شريكته.

إعلان

المثلية: هناك إنكار ممزوج برهاب المثلية الجنسية يرفض الاعتراف بوجود أشخاص ذوي وذوات ميول جنسية مختلفة، وأنهم حولنا وقد يكونون أقرب الأقربين لكنهم خائفين وخائفات من المجتمع والقانون. إن الرعب الحقيقي الذي كشفه الفيلم هو رعب الحقيقة ومواجهة الواقع. نجح الفيلم في تقديم صورة الرجل المثليّ العربيّ دون تنميط أو مبالغة. ولم توحي التصرفات أو الملابس أو نبرة الصوت ولغة الجسد بالميل الجنسي للشخصية. وذلك أمرًا واقعيًا ومناسب لثقافتنا العربية المصابة برهاب المثلية. فحتى هذا التنميط للرجال المثليين، يعتبر رفاهية في الحياة الواقعية، التي تنبذ الرجال إن لم يتصرفوا "بخشونة" وليست لديهم علاقات نسائية متعددة حتى لو في إطار الخيانة، كما ظهر من خلال ردود أفعال الأبطال على إياد نصّار عندما ظنّوا أنه مثليّ.

التفاهم بديلًا للعنف: المشهد الذي يتناقش فيه الأب (ج) مع ابنته حول رغبتها في المبيت عند صديقها واحتمالية ممارستهما الجنس، أسس لفكرة التفاهم بديلاً للعنف السائد مع النساء والفتيات في البلدان العربية إن تم التشكك في سلوكهنّ أو تصرفهنّ في أجسامهنّ بما لا يتفق مع المعايير المجتمعية.

إعلان

قدّم الفيلم نموذج للأب المتفهّم الذي ترجع له ابنته في قرار مثل ممارسة الجنس بدون زواج، ولا يُعنّفها. مجتمعاتنا التي تحكمها الذكورية وتطفح منها الأبوية في القوانين والسياسات والمجتمع، لا تتخيل وجود رجل غير عنيف مع النساء. لا تتخيل وجود رجُل مؤمن بحرية ابنته في جسمها ويُشاركها مخاوفها وترجع له في اتخاذ قراراتها، فيُشجعها على عدم الإقبال على فعل إن لم تكن مرتاحة له بنسبة ١٠٠٪، ويُعطيها سلطة القرار النهائي. هناك من اعتبر الأب من قبل البعض "ديوث أو بقرون" وهي صفات تُنفي الرجولة عن الشخص وتُحقّر منه وتنبذه اجتماعيًا لأنه لا يتفق مع المعيار السائد عن الرجولة التي يساوونها بالعنف والسيطرة على النساء. ولكن في المقابل، عبّرت الكثير من النساء العربيات عن استجابتهم العاطفية القوية تجاه تعامل الأب مع ابنته وكيف كانت ستتغير حياتنا تماماً كنساء لو وجدنا الدعم والثقة من الأهل وليس فقط خوف وشك وتعنيف.

الكحول: بعض الأشخاص أغضبهم مشاهد شرب الكحول والنبيذ لأن حسب قولهم: المجتمعات العربية لا تتناول الكحوليات بهذا الشكل. أعزائي، نحنُ نشرب الكحول في بلداننا "عادي." في الأغلب، لا يوجد سهرة عربية خالية من المُسكِرات ومُذهبات العقل مهما كانت الطبقة الاجتماعية للأشخاص. ما لم يكُن ضمن ثقافتنا العربية هو "الجمع بين النبيذ والملوخية." لا ننصحكم بتجربة ذلك في المنزل.

إعلان

كيلوت منى زكي
أكثر الأمور المُضحكة هو الثورة غير المفهومة على الفنانة منى زكي بسبب مشهد خلع السروال الداخلي (الكيلوت). عبّر الكثير من الجمهور عدم فهم سبب خلع الكيلوت، وذلك لأن العلاقات الجنسية النصيّة أو الـ(Sexting)، رغم شيوعها في مجتمعاتنا، إلا أن أغلبها لا يتخلله فانتازيا جنسية كأن يطلب طرف من الأطراف الأخرى فعل شيء جنسي كخلع السروال أو استخدام ألعاب جنسية في سياقات غير جنسية خلال لقاء عائلي أو اجتماع عمل مثلًا.  "عشان هذا الكيلوت" تقدّم محامي مصري ببلاغ للنيابة العامة يتهم المنتج محمد حفظي بالتعاون مع جهات أجنبية لزعزعة استقرار الأمن القومي المصري وتسريب مفاهيم اجتماعية تهدف لهدم المجتمع.

بمجرد عرض الفيلم، أصبح "كيلوت منى زكي" ترينداً، وكان هناك مئات التعليقات على حسابات منى زكي على مواقع التواصل الاجتماعي، تتهمها بسوء اختيار الدور. وتعليقات أخرى على حسابات زوجها الفنان أحمد حلمي، تطالبه بطلاقها أو تتهمه بالدياثة. وفي الحقيقة ليست تلك المرة الأولى التي يتعرض فيها للتنمر من جمهور زوجته واعتباره ليس رجلًا بما يكفي ليمنع زوجته من "تمثيل" مشاهد حميمية.

متى يتم التفريق بين الفنان كشخص وبين الدور الذي يقدمه، خاصة لو كانت امرأة؟ ساهمت نقابة المهن التمثيلية في الإجابة عن سؤالي ببيان يدعم الفنانة منى زكي. ولكن الوصم الأخلاقي للفنانات بسبب الأدوار التي يقدّمنها عادة مصرية أصيلة تكررت في أكثر من عمل سينمائي، وخاصة عند تقديم الفنانات لأدوار نساء تُمارس الجنس برضائية أو تتصرف في جسمها دون عقاب مجتمعي وقانوني. الأزمة ليست في كيلوت منى زكي. الأزمة في الكيلوت الذي يُشكّل الحريات الجنسية الممنوعة على النساء في البلدان العربية.

العبرة بالنهاية
بعد كل الدراما، يعود الجميع في الفيلم لحياته وممارسة أسراره وخياناته، بعدما اكتشفنا في المشهد قبل الأخير أنهم لم يلعبوا اللعبة أصلًا، وكانت الأحداث كلها تخيّلية عن ماذا سيحدث لو انكشفت الأسرار ورُفع الستار عن الخيانات. أما رمزيّة الخسوف، فهي الحقيقة التي تنكشف في ظروف مُحددة. فالقمر ليس جسمًا مُضيئًا إنما يعكس نور الشمس الساقط عليه. كشفها الفنان إياد نصار في بداية الفيلم عندما قال أن الخسوف هو الوجه الحقيقي للقمر: معتم ومظلم. ينتهي المشهد الأخير بالقمر مُنيرًا مرة أخرى بعدما تحرّكت الأرض من الخط المستقيم بينه وبين الشمس. هكذا انتهى الفيلم كما بدأ، وهكذا ستستمر الازدواجية العربية بعد الضجة المُثارة حول الفيلم. ويبقى الحال كما هو عليه.