image_6483441 (10)
رمضان

لماذا تضطر النساء المسلمات لتزييف صيامهنّ خلال دورتهنّ الشهرية؟

"نهرّب شوكولاتة وبسكويت لبعضنا دون أن يلاحظ أحد، نختبئ بالحمام لدقائق ونأكل بسرعة"

"ألغيت الفسحة المدرسية منذ بداية رمضان، توقّف المقصف المدرسيّ عن بيع الأطعمة وكأنه لا وجود لنا، فلا خيار أمامي سوى إحضار طعام منزلي والتسلل تحت طاولتي لأكله، أشعر بالحرج لوجودي في مدرسة لا تحترم حقوقنا الشرعية."

تخبرني وداد، 17 عاماً، إحدى الطالبات الثانوية التاسعة في الأحساء في المنطقة الشرقية من السعودية تعقيباً على قرار أصدرته مديرة المدرسة تحذيراً للحائضات من الإفطار علانية وتوعّداً بالعقاب للمجاهرات.  

إعلان

لم تمض ساعات على انتشار الرسالة حتى أصبحت محور حديث التويتر لعدة أيام بردود فعل متباينة فتحت جبهة حرب بين مؤيدي القرار ومعارضيه. تقول وداد: "يمتلكني الغضب لتأييد المجتمع الذكوري للقرار على مواقع التواصل، هذه المرة الأولى التي يصادف دوامي الدراسي شهر رمضان، لم أعط اهتماماً للموضوع كوني في مدرسة شابات وأحقيتنا بالأكل معروفة، لكن القرار الصادر من امرأة تحيض حالها كحالنا وتعلم جيداً الآلام الجسدية والنفسية وحقنا الديني بالإفطار خلال الدورة الشهرية التي أسمتها "عذر طّبي" صدمني جداً. رُفض اعتراضي بحجة تحريم الأكل أمام الصائمين دون تقديم دليل ديني واضح."

ولكن لماذا تضطر النساء المسلمات خلال دورتهنّ الشهرية تزييف صيامهنّ بالرغم من أحقيّتهن الدينية بأكل ما يحلو لهنّ كامل اليوم؟ 

يعفي الدين الإسلامي المرأة من ممارسة الشعائر الدينية بما فيها الصيام خلال فترة الحيض والنفاس، إذ يحرُم على الحائض والنفساء الامتناع عن المفطرات بنية الصيام (مع وجوب قضاء الصيام لاحقاَ). وهذا يعني أنه لا أحقية للمرأة باختيار الصيام من عدمه بعكس المرضى، وكبار السن والمسافرين الذين يشملهم العفو من الصيام بحال اختاروا ذلك. النصوص واضحة وصريحة ولا ثغرات لتمرير حجج تحت غطاء ديني، فلماذا يتقبّل المجتمع الإسلامي إفطار المسافر والمريض، دون النساء المتّهمات بتهديد إيمانيات الصائمين؟ ولماذا يتم تحميل كل الذنوب على المرأة؟

قبل أيام، انتشر فيديو بالسعودية لمعلمة تُثني على صيام طالبات في الصف الثالث الإبتدائي لا يتجاوزن العشر سنوات، ليردّ أحد المغردين قائلاً بأنه قرار عديم الرحمة لتحميلهنّ ما يفوق طاقتهنّ الجسدية. وفي الأردن نشرت مجموعة طلبة جامعيين لائحة تُلزم الطالبات بلبس الفضفاض وعدم وضع المكياج داخل الحرم الجامعي احتراماً لمشاعر صيام الطلاب. وفي اليمن هوجمت مجموعة نساء لتنظميهن أول إفطار جماعي لفتيات عدن، بتعليقات تصفهنّ بالخطر على المجتمع، خدش الحياء وغيرها.

إعلان

"العمل في رمضان هو الأسوأ،" تقول نهلة السلمي، 31 عاماً، ممرضة في أحد المشافي السعودية وتضيف: "في كل رمضان أدعو ألا يصادف موعد دورتي مناوبتي الصباحية لأن ذلك يعني أسبوع من الجحيم الأحمر. أخرج من منزلي مبكراً لا وقت لتناول الفطور وإذا نسيت شرب الماء فهذا يعني سأقضي 6 ساعات صائمة تماماً كغيري، فحتى بالمستشفى المليء بالمرضى المباح إفطارهم، لا ترين أحداً يأكل علانية، تتحول برادات المياه في الممرات إلى تحفة لا يقربها أحد كي لا يُرمق بنظرات الغضب. حتى زميلاتي المسيحيات يضطررن للصيام كالجميع، فكيف يمكنني وأنا مُسلمة الافطار في نهار رمضان؟ في بعض الأوقات، أصوم اليوم كله خلال دورتي الشهرية، ومع ذلك أنا مجبرة لقضاء هذه الأيام لاحقاً."

ما يحدث داخل المستشفى تعيشه الكثير من النساء في الدول العربية التي تقيّد حرية الأفراد الدينية وتفرض عقوبات صارمة على المجاهرين بمن فيهم المرأة الحائض بتهمة انتهاك حرمة رمضان، فيعاقب القانون السعودي المجاهرين بالسجن والجلد، وتختلف العقوبة بين السجن والغرامة المالية في باقي الدول العربية، وفي المغرب الإفطار العلني يعد جريمة، المجاهر بالإفطار دون عذر شرعي، يعاقَب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة. قد لا تلتزم بعض الدول بتطبيق العقوبات بشكل صارم، ولكن ذلك لا ينفي وجودها. 

إعلان

لا يوجد أي دليل ديني يقتضي بمعاقبة غير الصائمين لعدم امتثالهم لشعيرة دينية، وعندما سئل ابن باز-مفتي السعودية- عن إفطار المرأة المعذورة شرعاً في نهار رمضان أجاب:  "من أفطر في رمضان للعذر فإنه يفطر سرًا كالمرأة التي لا يُعرف أنها حائض، فيكون أكلها سراً وشربها سراً حتى لا تتهم بأنها متساهلة، أما إذا وكانت بين جماعة من النساء يعرفون أنها حائض فلا حرج عليها أن تأكل عندهم وتفطر؛ لأنه يعرفون حالها، والمرأة التي لا يعرف من حولها أنها حائض، فإنها لا تأكل عندهم ولا تشرب؛ لأن هذا يسبب تهمتها بأنها متساهلة بأمر الله وأنها لا تصوم رمضان."

يقوم كثيرون باستخدام هذه الفتوى حتى مع عدم استنادها لأية نصّ ديني، وعلى الرغم من أنها لا تجيب على الكثير من الأسئلة، مثلاً: لماذا يعامَل الحيض بسريّة لا تُفشى إلا أمام النساء؟ ولماذا تم إشراك المجتمع بالحكم على المرأة بتهمة التساهل فيما هو حق شرعي منصوص ورخصة مفروضة، وإن كانت مسألة التستّر تكمن بخشية أحكام المجتمع وفرضياته، فيأتي التساؤل الأساسي: هل يصوم المسلمون والمسلمات لله أم للناس؟

رفيف، 23 عاماً، طالبة جامعية، تتحدث عن موقف مسيء تعرّضت له أختها الأسبوع الماضي في السعودية تقول: "طلبت أختي ديلفري من أحد المطاعم في نهار رمضان، لتفاجئ باتصال المندوب وهو يشتمها لأنها مفطرة بعد أن رمى الطعام على عتبة الباب كي لا تأكله. لم أقبل بالتصرّف المهين، نشرت الصور على مواقع التواصل وطالبت الشركة المسؤولة بمعاقبته وبالفعل قدّموا لي الاعتذار وفصلوه فوراً، وهذا أفضل قرار لمن ينصبون أنفسهم أوصياء على النساء." (حذفت رفيف المنشور بعد أن قامت الشركة بحل الأمور وفصل الموظف).

إعلان

تضيف رفيف أن جامعتها تغلق كافة المطاعم، ولكن ذلك لا يمنعها من الأكل والشرب خلال دورتها الشهرية. تقول: "أحضر معي القهوة، هذا حقي الطبيعي ولا أخجل منه، لا أتعمّد الأكل أمام الصائمين بس ما أحرم نفسي عشانهم، هدف الصيام هو تعويد النفس على الصبر ولن يُجرح ذلك صيام المسلم قوّي الإيمان. أنا مع تغيير القوانين والسماح بعمل المطاعم لوجود عدّة فئات يُشرع لها الإفطار، فلا يمكن تعميم الصيام على الكل." 

تمنع معظم الدول العربية عمل المطاعم والمقاهي نهار رمضان، ومنها الكويت التي تعاقب المجاهرين بمبلغ لا يتجاوز مائة دينار وبالحبس لمدة لا تتجاوز شهر أو بإحدى هاتين العقوبتين. كما يجيز القانون معاقبة المطاعم والمقاهي التي تفتح أبوابها خلال شهر رمضان،  وعليه تُغلق المطاعم والمقاهي في الكويت أبوابها مع صلاة الفجر، وتعاود العمل قبل آذان المغرب من خلال خدمات التوصيل فقط. وطالب ناشطون على تويتر تحت هاشتاغ قانون_المجاهرة_بالإفطار_غير_دستوري بإلغاء قانون معاقبة المجاهرين بالإفطار، معتبرين أنه يتعارض مع حرية الإنسان خاصة مع وجود مسلمين وغير مسلمين في الكويت.

إعلان

"في كل رمضان، يتم ارسال ايميل رسمي للموظفين بمنع الأكل بالمكتب. يأكل غير المسلمين في البانتري بكل أريحية، وتدّعي جميع الموظفات المسلمات صيامهنّ طيلة ساعات العمل بمن فيهنّ أنا، تمكّنت موظفة واحدة من كسر حاجز الأكل علانية أمامهم لكون الفريق الذي تعمل معه لا يضم عرباً فهي محصّنة من إطلاق الأحكام عليها،" تقول أسماء الشمّاع، 27 عاماً، تعمل بقطاع التمويل في الكويت.

تضيف أسماء: "لا اضطر ادعاء الصيام في البيت خلال دورتي الشهرية، فأهلي متفهّمين، ولكن عندما لمحني أحد الرجال وأنا أشرب داخل سيارتي، أطال النظر فيني بغرابة وكأني اقترفت جريمة. كبرنا على جملة عيب يعرفوا إنه عليكي الدورة، ولم نتخلص منها حتى الآن."

هذه القوانين التي لا تستثني المرأة من قانون عقوبات الإجهار، تلغي أحقيّتها الشرعية بالأكل وتترك المساحة لوضعها في منطقة مهيأة وجاهزة لإطلاق أحكام لا مخرج منها. 

أمل عيسى، 29 عاماً، مصممة جرافيك من البحرين تقول أن الحمام هو المكان الوحيد الذي تستطيع الموظفات الأكل فيه خلال العمل.

وتتابع: "نهرّب شوكولاتة وبسكويت لبعضنا دون أن يلاحظ أحد، نختبئ بالحمام لدقائق ونأكل بسرعة. كنت أتحدث مع زميلتي في العمل عن تعليقات شتمت فتاة سألت متابعيها على تويتر إن كانت المطاعم مفتوحة، فقلت لزميلتي ما الذي قد يحدث لو أكلت بسكويت أمام الجميع الآن؟ قاطعنا أحد الموظفين قائلاً، على فكرة مو لازم كلنا نعرف إنه عندك ظروف. أجبته، تقصد الدورة الشهرية؟ التفت غاضباً وذهب. بالبيت أنسى أني مفطرة وأصوم مثلهم، لكن مستحيل أربي بنتي مستقبلاً بالطريقة الي تربيت فيها. الأنظمة ذكورية لا تعترف بوجود النساء حتى المسلمة منهنّ، وأمامنا طريق طويل نسلكه لتصحيح كل المفاهيم وأخذ حقوقنا."

إعلان

في استطلاع أمريكي عن الوصمة المجتمعية المرتبطة بالدورة الشهرية ذكر أن  58% من النساء يشعرن بالإحراج خلال فترة الحيض. ووجد 51% من الرجال بأنه من غير المناسب أن تتحدث المرأة عن دوراتها الشهرية في مكان العمل. 

الوضع لا يقل سوءاً بالمجتمعات العربية التي تحرم النساء حق الاعتراف بدورتنا الشهرية منذ الصغر تحت مسمى العيب والعار، فنحن نخجل من شراء الفوط الصحية، نخفيها داخل أكياس سوداء، ونختبئ خلف أسماء ساخرة للدورة مثل:"الشوئسمو، دلال، الشهري/شهرية، سافطة السجّادة (باللهجة السعودية سافطة تعني طيّ سجادة صلاة. الجملة كناية عن عدم استعمال سجادة الصلاة لأن المرأة لا تصلي خلال الدورة الشهرية) البتاعة، أسبوع المرور، خالة وردة، بيريد وغيرها، حيث يصبح التستر وإخفاء الدورة الشهرية أحد ميزات حياء المرأة في قاموس المجتمع الذكوري وإشهارها فعل فاضح يقابَل بسخرية وتنمّر تصل إلى الاستهزاء من آلام متلازمة ما قبل الحيض بكلمات مثل: شو جاييتك؟ الهرمونات ضاربة؟ 

تختفي إيمانيات الصائمين ومزايدتهم بالأخلاق الحميدة عندما نتحدث عن المرأة التي يتضاعف عملها في رمضان، فلا أحد يعترض على ساعات العمل التي تقضيها في الأعمال المنزلية غير مدفوعة الأجر، وتُنسى المهام التي تقع على عاتقها في تحضير موائد للسحور والفطور كامل الشهر حتى وهي صائمة.

تقول أسماء: "تأتي إباحة الإفطار رأفة بالمرأة ورعاية لصحّتها خلال الدورة الشهرية، لكن بالحقيقة يتضاعف عملنا كنساء في رمضان، والوقت المستقطع من العبادة نقضيه بالعمل فلا فائدة من رخصة لا يشملها إجازة من العمل داخل المنزل وخارجه. أرفض تصنيف المجتمع للدورة الشهرية بأنها مرض مرتبط بالضعف، وطلبي لإجازة شهرية "مرضية" كعذر طبّي سوف يقابله خسارتي لميزات مهنية، أطالب جميع الجهات بمنحنا إجازة خاصة بالدورة الشهرية لا تستوجب إحضار الأعذار ولو ليوم واحد شهرياً."

تأتي المرحلة الأخيرة من مقاومة ذكورية المجتمع لحقوق المرأة المسلمة بلعب دور الضحية في الجملة المكررة "أوكي حقك تفطري بس لا تاكلي قدام الصايم وتعذبيه وتكسبي ذنب إفطاره." 

ولكن لماذا يتم تحميل الآخرين ذنب عدم تحكمّ البعض بشهواتهم وهو قد اختار الصيام عنها بملء إرادته. كما يتجاهل مرهفو الأحاسيس مشاعر صيام النساء الآتي تحضّرن طعام الفطور يومياً والفقراء ومن يعملون لساعات تحت شمس حارقة، ويخافون أن يجرح كأس مياه صيامهم.

يصوم كلاً من المسلمات في أيام قضائهنّ والمسلمين في البلاد غير الإسلامية ومن يتبعّون الحميات الغذائية بشكل طبيعي دون الدراما التي يفتعلها المجتمع المسلم تجاه النساء الحائضات سنوياً. بالمناسبة كثير من أصدقائي يستمتعون بمشاهدة فيديوهات أكل الموكبانغ على اليوتيوب لأنها تشعرهم بالشبع خلال صيامهم، ربما عليكم مشاهدتها للسيطرة على أنفسكم بدلاً من حريّات الاخرين. 

رفيف ووداد اخترن أسماء مستعارة.