صحة نفسية

هل نحن مصابون بمتلازمة المُربع المفقود؟

التركيز على المربع المفقود في حياتنا أو على بقية المربعات الموجودة لدينا هو ما يحدد شعورنا بالرضى والسعادة
آية ياسر
إعداد آية ياسر
ryoji-iwata-5siQcvSxCP8-unsplash
Photo by Ryoji Iwata on Unsplash


"إذا تواجد عدد من البشر في مكان له سقف يكون من مئة مربع، جميعهم في أماكنهم الصحيحة عدا واحد فقط مفقود، فإن ذلك سوف يجعل معظم الموجودين، إن لم يكن جميعهم، يلتفتون إلى المربع الناقص، ويُركزون أنظارهم عليه، دون أن ينتبهوا إلى بقية المربعات الـ99، مهما بلغ تنظيمها."

نحن كبشر نميل بطبيعتنا إلى التركيز على كلّ النواقص في حياتنا، ممّا يسبب لنا الشعور بالقلق وعدم الكفاية ويفقدنا سعادتنا ومتعة اللحظة الراهنة؛ حيث يصبح تفكيرنا منصبًّا دائمًا على الأمور التي لا نمتلكها بدلاً من أن نُركز تفكيرنا على الأشياء الموجودة بالفعل في حياتنا. 

إعلان

هذه هي الفكرة الأساسية في كتاب "السعادة مشكلة خطيرة: دليل إصلاح الطبيعة البشرية" الصادر عام 1998، والذي يتحدث فيه المحلل السياسي والمذيع الأمريكي دينيس براغر عما أصبح يعرف باسم متلازمة المربع المفقود The Missing Tile Syndrome.

ولكن على عكس الأسقف التي يمكن إصلاحها وجعلها مثالية فإن الحياة لا يمكن لها أن تكون مثالية أبداً؛ فرغم سعينا الدائم للحصول على جميع البلاطات المفقودة في حياتنا أو محاولاتنا المستمرة لإصلاحها أو استبدالها إلاّ أن أمر الوصول إلى الكمال والمثالية يبدو مستحيلاً، وقد يتحول الأمر كمطاردة السراب ويؤدي تركيزنا على البلاط المفقود إلى شعورنا بالتعاسة، وتظل الزجاجة بعيوننا نصف فارغة طوال الوقت.

لا يمكنك أن تكون سعيدًا إذا كانت هويتك الأساسية هي هوية الضحية

لو نظرت من حولك متأملاً فسترى بوضوح الكثير من الأمثلة على ذلك، بدءاً من علاقة الإنسان بذاته وملامحه ومظهره الخارجي، لوضعه الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي وحالته الصحية، فسترى أن وجود نقص ما أو عيب واحد في تلك الأشياء كفيل بجذب انتباه الشخص حتى لا يرى ما به مميزات أخرى. 

ينطبق ذلك أيضاً على الحياة الزوجية والعلاقات العاطفية التي يُركّز فيها كل طرف على الجزء السلبي أو المفقود في شريك حياته متجاهلاً الإيجابيات الأُخرى، وكذلك نظرة بعض الأبناء لآبائهم وأمهاتهم، أو بعض الآباء والأمهات لأبنائهم، حيث يركزون تفكيرهم على السلبيات والأشياء المفقودة ويتناسون الإيجابيات. قد تمتد هذه النظرة لتشمل علاقات الصداقة التي تنقطع بسبب قيام أحد الأصدقاء أو كليهما أصبح يُركّز على مواطن النقص في علاقة الصداقة بينهما.

إعلان

تُشكّل متلازمة المربع المفقود عائقاً أمام تحقيق السعادة، بل تجعل تحقيقها أمراً مستحيلاً لأنه سيظل هناك شيئاً ناقصاً في حياتك؛ فمثلاً حين ترى أولاد الآخرين ستظن أنك ترى مربعات مفقودة في أولادك، وستفكر قائلاً: "لماذا لا يكون ابني متفوقاً أو ذكياً مثل ابنه؟" وينطبق الأمر نفسه على علاقتنا ووظائفنا ومظهرنا ومخاوفنا.  

ويعطينا براغر مؤسس النظرية، في محاضرة له، أمثلة حيوية على صدق نظريته، مستشهداً بالرجل الأصلع الذي لا يرى في الناس سوى الشعر، بينما لا يُركز الذين لم يفقدوا شعرهم، تفكيرهم على شعر الآخرين، وكذلك المرأة التي تعتقد بأن ساقيها ليستا جميلتين فإنها تُركز النظر على السيقان المثالية لغيرها من النساء، وتلفت الحوامل نظر المرأة التي لم ترزق بأطفال فهذا هو المربع المفقود لديها. وضمن هذه الفكرة، فإن التركيز على المربع المفقود في حياتنا أو على بقية المربعات الموجودة لدينا هو ما يحدد شعورنا بالرضى والسعادة. 

بحسب براغر، يجب علينا أن ننحدد ما إذا كان الحصول على المربع المفقود سيجلب لنا السعادة حقًا ومن ثم يصبح أمامنا خيار من اثنين إما العمل للحصول عليه أو نسيانه أو استبداله. ويضيف: "كل الناس السعداء هم أناس ممتنون، ولا يمكن للشخص غير الممتن أن يكون سعيدًا، نحن نميل إلى الاعتقاد بأن عدم السعادة هو ما يدفع الناس للشكوى، لكن الأصح القول بأن الشكوى هي التي تؤدي إلى عدم سعادة الناس."

إعلان

يتطلب الأمر عملية مستمرة لتقدير ما لديك من نِعم والتخلي عن أي توقعات بأن الحياة من المفترض أن تكون رائعة

ويؤكد مكتشف النظرية أن هناك بعض القواعد الواضحة حول السعادة. الأول هو أنه "لا يمكنك أن تكون سعيدًا إذا كانت هويتك الأساسية هي هوية الضحية، فالأشخاص الذين يعتبرون أنفسهم ضحايا لا يعتبرون أنفسهم مسيطرين على حياتهم، كل ما يحدث في حياتهم يحدث لهم وليس بواسطتهم."

ويقول: "الأشخاص الذين يعتبرون أنفسهم ضحايا في المقام الأول هم أشخاص غاضبون، والتصرف الغاضب يجعل السعادة مستحيلة، لا يمكنهم السماح لأنفسهم بالاستمتاع بالحياة، لأن الاستمتاع بالحياة من شأنه أن يتحدى تصورهم عن أنفسهم كضحايا."

ويرى براغر أننا ملزمون بالفعل بأن نكون سعداء، لأن ذلك يجعلنا أشخاصًا أفضل، ولكن تحقيق هذه السعادة ليس سهلاً، يتطلب الأمر عملية مستمرة لتقدير ما لديك من نِعم والتخلي عن أي توقعات بأن الحياة من المفترض أن تكون رائعة.

"لا يمكن للحياة أن تمنحنا كل ما نرغب فيه، وفي كثير من الأحيان لا يمكنها حتى أن تعطينا ما نحتاجه. الحياة صعبة حتى عندما تكون رائعة، وبالنسبة لكثير من الناس فهي صعبة فقط وليست رائعة،" يقول براغر.

إذاً علينا أن ندرك أن السعادة لا تتحقق بحصولنا على ما لا نمتلكه بل بمعرفة قيمة ما نمتلكه وشعورنا  بالرضا والامتنان كي لا نسرق السعادة الحقيقية من أنفسنا.

إذا أردنا أن نستفيد من تلك النظرية فعلينا التعامل مع المربع المفقود في حياتنا وعلاقاتنا بشكل إيجابي، بينما نأخذ في اعتبارنا بقية المربعات الموجودة، ثم نقرر إذا كان بعض ما ينقص حياتنا يلزمه السعي كي يكتمل أو نسيانه تماماً.

مربعاتنا المفقودة ليست أقدار أو ابتلاءات ثابتة لا مفر منها. المنطقة الواقعة بين السعي والرضا هي المسؤولة عن سعادة الإنسان بحياته وقدرته على الارتقاء بها، بدلًا من أن يظل حبيساً داخل الفراغ الضيق للمربع المفقود.