سابرينا

 نيتفلكس/ABC/ أمير ضو

ثقافة

سابرينا بين زمنين: ساحرة التسعينيات تعود... بالاسم فقط

السحر هنا لا يشبه أصابيع المفرقعات المشعّة الصغيرة، نحن أمام قصّة داكنة جدًّا

لنكن صريحين: يحقّ لمن كبروا في التسعينيات ما لا يحقّ لغيرهم من النوستالجيا. أو لنقل يحقّ لنا، أكثر من غيرنا، أن تضربنا هبّات حنين إلى التلفزيون كما كان في سنوات مراهقتنا الأولى. لن أطيل في شرح المعايير التي تجعلني مؤمنة تمامًا بأحقيّتنا هذه، سأكتفي بذكر "لن أعيش في جلباب أبي"، و"رأفت الهجان" و"جميل وهناء" و"الفصول الأربعة" إلى جانب "كابتن ماجد" و"صاحب الظلّ الطويل." لا أقول إنّ هذه الأعمال وبعض ما أنتج في تلك الفترة أفضل، أقول فقط إنّها حظيت بشعبيّة كبيرة، وكانت حديثنا، وكنّا نترقّبها بشغف قبل تويتر وقبل أن تنهار الناس في تغريداتها على "لعبة العروش" والبروفيسور. لن أضيف المزيد، سأترك هنا اسمًا صغيرًا فقط: مسلسل "فريندز" تعرفونه صح؟ تسعينيات. أوكي. أطفال التسعينيات 100 والباقون جميعهم صفر.

إعلان

"وإن نسيتُ لا أنسى" (هاها) مغامرات "بافي قاتلة مصّاصي الدماء" الدمويّة، وبالطبع "سابرينا الساحرة المراهقة" (Sabrina the Teenage Witch) وقطّها الناطق سالم، وعمّتاها هيلدا وزيلدا. لم تحظَ قصّة سابرينا بشعبيّة "فريندز" ذاتها، ولكن كان لها جمهورها من فتيات يحلمن بالوقوف أمام المرآة، وبنقرة إصبع واحدة، يغيّرن ملابسهنّ خمس أو ستّ مرّات، وبأقلّ من دقيقة. لذلك لكم أن تتخيّلوا ما الذي انتابني حين سمعتُ بإعادة إطلاق سابرينا بنسخة جديدة على "نتفليكس." تراجع عمري العقليّ إلى ما كان عليه حين كنتُ في الثالثة عشر! واو! وليكتمل السيناريو إثارةً، مُنِحت كيرنان شيبكا دور البطولة، وشيبكا هي الممثلة التي أدّت دور سالي، ابنة دون درايبر، في مسلسل "ماد مان" ورأيناها تكبر، وتصير شابّة جميلة وخفيفة الظلّ وتمنح أدوار البطولة المطلقة! ياي! البنات يكبرن بسرعة. همممم. تخيّلن أنّ شيبكا من مواليد عام 1999، أيّ أنّها حين ولدت، كانت سابرينا الأصليّة في موسمها الثالث، تحاول نيل رخصة القيادة. هرمنا!

في العمل الجديد "مغامرات سابرينا المخيفة" (10 حلقات متوفّرة على نتفليكس)، هيكل القصّة الأساسيّة ذاته: سابرينا ساحرة، مولودة من أم بشريّة، وأب ساحر، تعيش تحت رعاية عمّتيها هيلدا وزيلدا. وكما في "سابرينا الساحرة المراهقة" تبدأ الأحداث في عيد ميلاد البطلة السادس عشر. سابرينا مراهقة "عاديّة" تحبّ زميلها في الثانوية هارفي كينكل، ولديها قطّ أسود اسمه سالم. باستثناء هذه التفاصيل، لا شيء في سابرينا 2018، يتوافق مع سابرينا التسعينيات. أمرٌ محبط؟ لا ليس كثيرًا في الواقع. العمل الجديد له نقاط قوّته وضعفه ويستحقّ المشاهدة. حسنًا، ربما يكون مخيّبًا بعض الشيء لمن كان يتوقّع أن يرى السحر على شكل بريق ذهبي يخرج من إصبع ساحرتنا العزيزة. لن نحرق الأحداث لمن لم يشاهده بعد، ولكن لا بدّ من خريطة مقارنة صغيرة للتخفيف من أيّ صدمات قد تطرأ. هنا أبرز الاختلافات بين العملين، كما رصدتها كاتبة هذه السطور.

إعلان

1-الضحك باي، القشعريرة هاي
تستند شخصيّة سابرينا التلفزيونيّة إلى مجموعة قصص مصوّرة صدرت عن مطبوعات "آرتشي كومكس" بعنوان "سابرينا الساحرة المراهقة" (على فترات متقطعة بين 1971 و2009)، ثمّ بعنوان "مغامرات سابرينا المخيفة" بدءًا من العام 2014. في السلسلة الأولى، تماماً كما في مسلسل التسعينيات، تنتمي القصّة إلى نوع الدعابة المتمحورة حول حياة المراهقين. هكذا، اتخذ المسلسل شكل سيتكوم بثّ على سبع مواسم بين عامي 1996 و2003، يلاحق شابة بين أروقة ثانويتها، وغرفتها، يصوّرها بطريقة طريفة، باحثةً عن الحبّ، مكتشفةً ذاتها، برعاية عمّتين غريبتي الأطوار، في جوّ عائليّ فكاهي لذيذ ولطيف، مع قطّ أليف، ومشروع "بوي فريند" ظريف.

في سلسلة الكومكس الثانية، تماماً كما في الإنتاج النتفلكسيّ الجديد، تختفي الفكاهة، لتحلّ مكانها القشعريرة. ينتمي العمل الجديد إلى نوع الرعب، حيث السحر والشعوذة والمجازر واستحضار الأرواح والشياطين وحتى أكلة لحوم البشر. والدا سابرينا، الساحر الشهير إدوارد سبلمان، والبشرية ديانا، يقتلان في حادث غامض قبل أن تبلغ عامها الأول. تكبر تحت رعاية عمّتيها في بلدة غريندايل، وسيتعيّن عليها أن تعلن انتماءها لكنيسة الشيطان يوم عيد ميلادها السادس عشر، وتنبذ حياتها البشرية بالكامل، وتنفصل عن أصدقاء طفولتها، وتنتقل إلى مدرسة خاصة بأتباع سيد الظلمات. مثل سابرينا التسعينيات، سيكون على سابرينا الجديدة إخفاء حقيقة سحرها عن البشر، ولكن من دون فكاهة هذه المرّة، بل بقدرٍ عالٍ من السوداوية. الأمر الجيّد أنّكم تشاهدون العمل على "نتفليكس" إن مرّ مشهد أعنف من أن تتحمّله القلوب الضعيفة، انقروا Stop، نفس عميق، ثمّ تابعوا.

إعلان

2- الأحمر القاني بدل البمبي
بالعودة إلى حلقات سابرينا التسعيناتية، سنلحظ أنّ الديكور والأزياء وكافة تفاصيل الصورة مأخوذة من لوحة ألوان تشبه كثيرًا بيوت الدمى الورديّة. إن أردنا اختزال المسلسل القديم ببضعة ألوان فسيكون كالتالي: وردي، بنفسجي فاتح، أصفر، ذهبي. بالمختصر، "الحياة كان لونها بمبي" في "سابرينا الساحرة المراهقة." السحر كما عرفناه في سيتكوم التسعينيات، شرارة وبريق ذهبي، شهب في السماء، بلورات، وقبعات مشعوذات شبيهة بقبعات موسم هالوين.

كلّ هذا سيختفي في العمل الجديد، لتحلّ مكان لوحة الألوان الزاهية، لوحة بالأحمر القاني والأسود والرمادي والزيتي. في "مغامرات سابرينا المخيفة" الصورة مظلمة، الأضواء خافتة، كلّ شيء يبدو كأنّه التقط على ضوء الشمعة. ستشعرين مع بداية كلّ حلقة أنّك تدخلين في مستنقع موحل يحيط به الضباب. وفي وقت كانت كلّ تفاصيل "سابرينا الساحرة المراهقة" تصرخ بوضوح معلنةً أنّ الأحداث تدور في التسعينيات، يتلاعب المسلسل الجديد بتفاصيل الديكور والأزياء بشكل يجعل الزمان مبهمًا، فتارةً نحن في الستينيات، وطورًا في السبعينيات، وحتى أنّ هناك هاتفًا محمولًا في أحد المشاهد. السحر هنا لا يشبه أصابيع المفرقعات المشعّة الصغيرة، نحن أمام قصّة داكنة جدًّا، حيث تحاصر سابرينا قوى شيطانيّة، وسيكون عليها مواجهة رواسب حرب قديمة بين جدّاتها الساحرات، وصيّادينهنّ، إذ ينطلق العمل من التذكير بمجزرة شنق 13 ساحرة على أغصان شجرة عتيقة في غابة البلدة، ثمّ إحراقهنّ.

3- أنا مش أنا ولا انتِ انتِ
باستثناء الشعر الأشقر، لا شيء يجمع بين سابرينا 2018، وسابرينا التسعينيات، والحديث هنا ليس فقط عن اختلاف تلقائي في كتابة الشخصيّة وأداء الممثلة لها تبعاً لاختلاف نوع العمل وحقبته. يعيد صنّاع العمل بنسخته الجديدة تعريف ماذا يعني أن تكوني فتاة أو مراهقة اليوم، في هذه اللحظة من التاريخ، وفي هذا الزمن، الآن هنا. ويبدو أنّ صناعة الترفيه الأميركيّة أمضت العقدين الماضيين بالتفكير فعلًا بتحديث إجابتها عن تلك "الماذا" الصعبة. في سابرينا التسعينيات، وإلى جانب تدرّجات الورديّ والبنفسجيّ، كانت البطلة مثالًا للفتاة صاحبة الهموم البسيطة، المشاغبة ولكن بحدود لا تتجاوز إيقاع نفسها في ورطات وتعقيدات هزليّة طريفة، همّها الأوحد في الحياة الفوز بقلب هارفي كينكل، وحياتها العائلية الودودة الخالية من المطبّات عنصر أساسيّ في تشكّل الأحداث من حولها.

إعلان

في سابرينا الجديدة، يبدو واضحًا تأثير صعود الخطاب النسوي في هوليوود بعد حراك "أنا أيضًا" خلال العام المنصرم، وسعي منتجي الأعمال التلفزيونيّة إلى التركيز على شخصيّات نسائيّة قويّة وملهمة في الصدارة. شخصية البطلة الجديدة متمردة، ناريّة، غير مهادنة. تطرح سابرينا أسئلة صعبة طوال الوقت، وترفض الانصياع للمصير المرسوم لها. هي فتاة "جدعة" تنتصر دومًا لصديقاتها، تحارب المتنمرين في مدرستها، تحتج على منع الكتب، تتحدّى المدير وعمّاتها، ولا تشغل بالها كثيرًا بشؤون الصبيان، ولا بألعاب الغواية. هي على علاقة بهارفي، وتحاول بناءها والحفاظ عليها. تبدو سابرينا الجديدة ناضجة عاطفيًّا أكثر بكثير من سابرينا القديمة.

الساحرة الشابة بأداء كيرنان شيبكا، واثقة من نفسها كثيرًا (وأحيانًا أكثر من اللزوم) وبخلاف سابرينا التسعينيات المحتشمة والباحثة عن هويّتها والتائهة قليلًا، فإنّ سابرينا 2018 لا تخشى خلع ملابسها إن تطلّب الأمر. طريقها في عينيها محتّم وواضح، وعنيدة، ما قد يكون السبب الأساسي في مشاكلها. معركة سابرينا 2.0 واضحة مع النظام الأبوي، من خلال استعارة مباشرة لموجة الخطاب النسوي المتصاعد حاليًا، تجعل من الشابة الممثلة لمراهقات حقبتها وجيلها، رأس حربة في المعركة ضدّ قوى الشرّ، كاستعارة عن الأبويّة. استعارة قد تبدو موفّقة أحيانًا، وشعاراتيّة في أحيان أخرى. من الجميل أن تكون هذه الساحرة المحتالة نسويّة متمرّدة، ولكن ما نفع كتابة الشخصيّة بطريقة تلقّمنا ذلك في كلّ مشهد؟

4- بكيزة وزغلول في خدمة المآتم
من ثوابت حياة سابرينا في الحقبتين، أن تتشارك عمتاها زيلدا وهيلدا رعايتها. في نسخة التسعينيات، ورغم حضورهما الوافي، تبقى شخصيّة العمّتين في خلفيّة القصّة، لا تؤثران فعليًّا في الأحداث إلا كشخصيتين مساندتين للبطلة، بعض الطرف العابرة، علاقات عاطفيّة قصيرة الأمد، ولكن معظم الوقت نتذكّرهما تعدّان خلطات سحرية في قدر كبير، ولكن بملابس حديثة، وفي مطبخ جميل ومرتّب.

إعلان

في "مغامرات سابرينا المخيفة" تحافظ العمّتان على الإطار العام لشخصيّتيهما، ولكنّهما ليستا مجرّد حليفتين للبطلة هنا، بل هما شخصيّتان رئيسيتان لكلّ منهما خطّها الدرامي وتطورّها. زيلدا هي الأخت الكبرى الصارمة، حارسة التقاليد، لا شيء يهمّها أكثر من الحفاظ على اسم عائلتها المنتمية إلى سلاسة سحرة قدماء. أما هيلدا، فتظهر بملابس صوفية بألوان تتناقض مع أناقة و"كلاس" أختها الكبرى. شخصيّتها ليّنة، عطوفة، وطريفة. تتحالف مع سابرينا على التمرّد، حتّى أنّها تنفى من كنيسة الشيطان لـ"تآمرها."

في العلاقة بين الشخصيتين، ما يذكّر بمسلسل بكيزة وزغلول، حيث زيلدا الأرستقراطية المهووسة بالمظاهر، وهيلدا العفويّة و"الشعبيّة" والعاملة كنادلة في أحد مقاهي البلدة. في سابرينا 2018، تدير الشقيقتان خدمة دفن موتى. هذه مهنتهما العلنيّة للتسترّ على مهنتهما الحقيقيّة كقابلتان خبيرتان تساعدان في توليد نساء السحرة. 5- سالم الأليف
لا بدّ من الاعتراف أنّ القطّ الناطق سالم كان بطل "سابرينا الساحرة المراهقة" الحقيقي في عيون كثر، بحسّ سخريته اللاذع. في الواقع، كان سالم أكثر شخصيّات العمل إثارةً للاهتمام، فهو ساحر عوقب وأجبر على اتخاذ هيئة قطّ أسود كردّ على مخططه للسيطرة على العالم.

أبرز ما يفتقد إليه "مغامرات سابرينا المخيفة" بنسخة 2018، هو سخرية سالم وتعليقاته اللاذعة على يوميّات آل سبلمان، وعلى حماقات سابرينا. لكنّ شخصيّة القطّ تأخذ في العمل الجديد بعدًا أكثر تعقيدًا، فهو لم يعد ساحرًا يؤدي عقوبته في منزل العائلة، بل عفريت تتخذه سابرينا أليفًا وحارسًا، يوم عيدها السادس عشر. فالعفريت الأليف في عالم السحرة كما نفهم في إنتاج "نتفليكس" هو كائن يرافق الساحر أو الساحرة، ويحميه. وللأسف لن نسمع صوت سالم إلا مرة واحدة، حين تستدعيه سابرينا، فيحضر إلى غرفتها بهيئته الأصلية، ويعلن ولاءه لها، ثمّ يتخذ شكل قطّ أسود يرافقها في كافة خطواتها.

إعلان

جزء أساسيّ من شخصيّة سالم التسعينياتيّة، هو العقوبة التي يؤديها، وسعيه لردع سابرينا عن حماقاتها. ذلك ينتقل إلى شخصية جديدة مستحدثة في المسلسل الجديد، هو أمبروز سبلمان، الساحر الشاعر الفنان، نسيب سابرينا، المحكوم بالسجن المؤبد داخل حدود ملكيّة زيلدا وهيلدا، كعقاب على مخططه لتفجير الفاتكيان. يساعد أمبروز العمتين في خدمة المآتم، ويحاول تجاوز عقوبته بالفرار خارج جسده أحيانًا.

هذه الفوارق الخمس، هي جزءٌ بسيط من الاختلافات الكثيرة بين العملين، مع دور أكبر لصديقات سابرينا اللطيفات في مدرستها البشريّة، وعدوّاتها المشعوذات في مدرسة السحر. وإلى جانب عمّاتها، تدخل حياتها شخصيّة رعائيّة طاغية، هي في الظاهر مدرّسة التاريخ في ثانويتها السيدة ماري واردويل، ولكنّها تخفي جانبًا مظلمًا سيكون له دورٌ كبير في سير الأحداث. ولكن، لن أقول المزيد هنا، كي لا أفسد المشاهدة. بانتظار الإعلان عن موسم ثانٍ من "مغامرات سابرينا المخيفة" (وعرض الحلقة الخاصة بالكريسماس في 14 ديسمبر) لا بدّ من الاعتراف أنّ حسّ الموضة لدى فتاة اليوم التي يخاطبها العمل الجديد، هو بالتأكيد أرفع من حس أناقة سابرينا التسعينياتي. معطف كيرنان شيبكا الأحمر في المسلسل، رائع، وفستان عيد ميلادها الأبيض، يخطف الأنفاس. للأسف، هرمنا، ولم أعد في السادسة عشرة كي تتسع خزانتي لملابس مماثلة. أو لم لا؟