FYI.

This story is over 5 years old.

مجتمع

قضيت يوماً بين طالبي فتوى دار الإفتاء المصرية.. وهذه قصصهم

منذ الثامنة صباحًا يقصد أساتذة جامعة الأزهر قاعات المحاضرات ومنها إلى قاعة الإفتاء
مصر

pixabay

كنا أربعة، اثنتان قدمتا للفتوى، ومعهم آخرون للفرجة، من بينهم كنت أنا. ولجنا إلى قاعة الإمام المجدد"محمد عبده" حيث اصطف الجالسون في انتظار الفتوى، الأغلبية من النساء، وثلة من الرجال القادمين مع نسائهم لأجل ضمانة الاستماع للطرفين. مجالس متباعدة داخل القاعة، لا يسمع أحد مشكلة الآخر، الجميع على رؤوسهم الطير، وفي أعناق المشايخ أمانة الفتوى، فإن صلحت صلح حال أسرة، وإن خابت؛ فهو قدر الله وماشاء قد فعل. منذ الثامنة صباحًا، يقصد أساتذة جامعة الأزهر قاعات المحاضرات، ومنها إلى قاعة الإفتاء. على مدخل القاعة لوحة مُذّهبة حملت اسم الإمام محم عبده، وبين جنباتها شهدت قصص شتى، تؤكد ذبول دعوات التجديد التى أطلقها قبل أكثر من 150 عامًا، الإمام الذي ناصر المرأة وساواها مع الرجل في حق التطليق والولاية وأجاز إباحة تشريع ينص على إلغاء تعدد الزوجات، دفعًا للفساد الجائر من الرجل في حق زوجاته، والذي نادى بعدم وقوع الطلاق إلا بثبوت رسمي أمام القاضي أو المأذون وبحضور شاهدين، أحدهما من أهل الزوج والآخر من أهل الزوجة، والاستمهال أسبوعًا قبل الحكم.

إعلان

غاب الإمام المجدد، وانحصرت دائرة الفتوى على القضايا ذاتها كل يوم، الطلاق الشفهي، وأحقية الزوجة في الخروج للدراسة أو للعمل، وحقها في أن تحظى بحريتها المنضبطة دون أن يتحكم فيها الزوج، وأحقية الزوج في السماح له بالتعدد، وحدود تدخل الأهل في العلاقة بين الزوجين، ومشروعية خلع النقاب، وحكم خلع الحجاب.

زيجة ثانية
تفرقت بهم السبل، بعد ثمانية عشر عامًا من السكن، اكتشفت الزوجة أن لا ودا بقى ولا رحمة، ذات صباح أخبرها زوجها أنه سيتزوج عليها، وأن عليها الموافقة والطاعة، وإن رفضت فسيطلقها، ويترك لها الأطفال مع نفقة تكفيهم، تلك كانت الشكوى التى جاءت بالسيدة التى تمضي في أواخر الثلاثين من عمرها إلى دار الإفتاء. وحيدة جاءت، فالزوج لا يبحث عن فتوى ترده، ومعه نص قرآنى يحميه، والأهل قد تركوها تواجه مصيرها، داعين لها بالصبر والتأسي بزوجات الرسول، أما دموعها فلم تخذلها، ولم تغادر عينيها وهي تحكي مأساتها "عمرى ما قصرت في حقه وكل طلباته مجابة، صبرت معاه أيام المر، ولما هلت بشاير العز عاوز يعز غيري". أخبرها أحد المشايخ أن قصتها متكررة، وأن العديد من الرجال يسعون للزواج ثانية ليس بسبب تقصير الأولى، لكنها الفطرة التى فطرهم الله عليها، فأجابته"واحنا ربنا فطرنا على ايه؟"، صمت الشيخ متمهلاً ثم أجابها "على الصبر والحنان، فإن لم تتحمليه بصبرك، احتملتيه بحنوك"، أتت السيدة للبحث عن فتوى تعينها على زوجها، لكنها خرجت صابرة محتسبة.

طلقة خامسة
على الأريكة المجاورة لجلستنا، جلست السيدة ومعها جارتها، تحكى عن الطلقة الخامسة التى تلقتها من زوجها، هي تعيش في الحرام منذ سنوات، هكذا قالت، فالزوج يلقي يمين الطلاق، مع كل مشكلة، حتى وإن كانت أن طعام الغداء لم يعجبه "أنا مش كل يمين هاجي هنا لوحدي وأشوفله مخرج، أنا هسيبه بقى لربنا وهو يتصرف". بلكنة شعبية، تتحدث السيدة التى يوحي مظهرها بأنها لم تصل للعقد الثالث من عمرها بعد، لكنها قررت التصرف بحكمة من تعدت الستين من العمر، "كل مرة اخترعله حجة و أقول للشيخ أصله يمين الغضب ما يقعش، أصل كان عندى عذر شرعي، أصل اليمين المشروط مايقعش..وأنا هضحك على نفسي ولا على ربنا". اقترب دورها في المثول في حضرة شيخ الإفتاء وما أن جلست حتى وصل صوت مدامعها"أنا خايفة العيال تتبهدل يا مولانا"، أظنها خرجت من القاعة بصك جديد بعدم وقوع الطلاق، فقد نفحت الحارس عشرة جنيهات كاملة"الحلاوة ليك زي كل مرة".

حقوق زوجية
بنظرة قوية متحكمة، جلست السيدة الجميلة التي دخلت للتو من باب القاعة، عدلت جلستها ثم وضعت ساقا فوق الأخرى، معها رجل بدا عليه أنه الزوج وسيدة بدا أنها أمها على الأغلب، تتعكز على عصاها بيد وبالأخرى تستند على يد الرجل، استقبلهم أحد الأساتذة ثم جلسوا في آخر القاعة، تتبعهم الجميع بنظرات الفضول، ماهى القصة، وما الفتوى التى قدموا للسؤال عنها، لكن دقائق كانت كفيلة بأن يعلو الصوت "لأ.. أنا مش عاوزة أرجع" تقول السيدة في حدة، والشيخ يخبرها أن من حق زوجها أن يراجعها دون رغبتها، لكنه جاء إلى هنا حتى يدخل من باب الرضا، تتكرر الجملة على لسانها"لا مش هرجع و بعد كام يوم تفضل المشكلة زي ماهي من غير حل، ونرجع نتخانق تانى ونطلق المرة دي من غير رجعة"، تتشبث السيدة بموقفها، بينما يصمت الزوج في محاولة لاسترضائها "أنا مش جايبك عشان نرجع لكن عشان تعرفي حقوق وواجبات الزوجة"، كان هذا هو القول الفصل فقد اختارت السيدة أن تنهى الحوار "ياريت يا مولانا تعرفه هو كمان يعني ايه زوج، وان الزواج مش تسلط و لا تحكم ولا انه يخليني خدامة بالنهار وجارية بالليل، لو كان هو ده الجواز فأنا مش هرجع ليه". يهدئ الشيخ من روعها، ويخبرها أن عليها احترام الجلسة ومن فيها من مشايخ، ثم يتحدث مع الزوج منفردًا، ثم يعود مرددًا دعوات علها تصلح بينهم، في طريقهم للخروج يستوقفه شيخ آخر بسماحة واضحة وذقن بيضاء من غير سوء "خد رقمى لو عاوزلها معالج بالقرآن".

حكم الحجاب
سيدة وابنتها، تجلسان في انتظار الدور، مناقشات حادة تدور بينهما، تتبعها غمزات من الأم للابنة بأن تصمت، لكنها تستمر في جدالها في حال عدم ثبوت فرضية الحجاب، وتؤكد عليها أنها قررت خلعه، وأن مجيئها معها لدار الفتوى، ليس سوى تحصيل حاصل "أنا ناقشت ناس كتير واقتنعت، وانا سمعت كلامك بس عشان أرضيكي، لكن مش هعمل حاجة غصب عنى". صوت الفتاة يبدو عاليًا وسط حالة الصمت، و الهمس الذي يكاد يسمع بين موائد الفتوى. توقفت الأم عن الجدال، بينما تفرغت لجذب الطرحة التى وافقت ابنتها على ارتدائها احتراما للمشايخ، لكنها أزاحتها لمنتصف رأسها، تحاول الأم جاهدة في إعادتها لكن الابنة عادت لتزحزحها من جديد، استمر الحال حتى نادى الحارس عليهما، لم يطل حديث الشيخ مع الأم وابنتها، لم يقم عليها الحجة، ولم يحذرها من عذاب جهنم، لكن الفتاة خرجت من القاعة بخطوات متثاقلة، وأمها تتبعها قائلة "الشيخ قالها حكمة..حججك اللي هتقوليهالي دلوقتي خليكي حافظاها وقوليها قدام ربنا يوم السؤال ولو عاوزة تقلعى الحجاب أنا مش همنعك".

شوفولي حل!
على مدخل القاعة وقف لاهثًا، قبل موعد الإغلاق بنص ساعة، مظهره يوحى بأصوله الريفية، ودموعه تحكى قصته التى فاض بها لسانه: "طلقتها 3 مرات يا مولانا شوفولي حل"، ضرب المشايخ كف بكف، سبق السيف كلمتهم، لكن بقى أمل وحيد، لم يخبره عن تفاصيله قبل السؤال "أين الزوجة؟ هى وحدها من تستطيع منحك صك العودة" ، يجيبهم ودموعه ما زالت تسبقه"مش عاوزة تيجي معاي، منشفة دماغها عشان عارفة انى عاشقها"، يخبره الشيخ أنه ليس بيده ما يفعله، فيخرج تسبقه خيبة الأمل. ليس على العاشق لوم، لكن للزوج ثلاث إن وقعوا فلا يلومن دار الإفتاء.