في عالم القيادة.. النساء أفضل مما تتخيل

فليكر

FYI.

This story is over 5 years old.

رأي

في عالم القيادة.. النساء أفضل مما تتخيل

في الحب والمستقبل وقيادة السيارات، لدينا قاعدة واحدة: الأمان أولاً

كم مرة سمعت أن النساء فاشلات في القيادة بالفطرة؟ بالتأكيد مرت بك آلاف الحكايات الساخرة والغاضبة من قيادة السيدات، وتحذيرات تتناقلها الأجيال ملخصها "لا تتبع سيارة تقودها امرأة" والحكم المطلق بأن قيادتنا عبء على مجتمع السائقين. عبارات كثيرة أراها - بمنتهى الصراحة - أساطير حمقاء، ولونًا آخر من عنصرية المجتمع ضدنا وانتظار أي خطأ من أي امرأة ليقلل منا، بينما يتجاهل نفس الخطأ من أي رجل لأنه لم يقصد و"معذور." لسنوات جلست جوار أصدقائي خلال القيادة، رجالًا ونساءً، وراقبت قيادة الآخرين من الجنسين، ورصدت أخطاء كارثية يرتكبها الجميع.. لكن بوجه عام رأيت أن قيادة النساء أفضل إلى حدٍ كبير، والأسباب التي تجعلها أفضل هي نفس الأسباب التي تجعل الرجال (وبعض النساء أنسفهن) يكرهون قيادتنا. تعالوا لأخبركم بها.

إعلان

القياد ة ليست إثباتًا لـ"أنوثتنا"
أفضل سمات السيدات في القيادة هي تعاملهن معها كمهارة حياتية تؤدي الغرض، وهو توصيلهن للوجهة المطلوبة بأمان، خلال هذا لا يهم من سبق من في المرور، ولا المارة الذين يتهادون في العبور أمامنا لإجبارنا على تخفيض سرعتنا. تقود النساء السيارات بهدف الوصول، ولا يتعاملن معها كمسابقة لإثبات أنوثتهن وبطولتهن، أمَّا الإخوة الرجال فيحملون نزعة تنافسية "ع الفاضي والمليان" ويأخذون على عاتقهم أن يثبتوا للعالم تفوقهم في القيادة بتهور مبالغ فيه، وكأن فشلهم فيها، أو أن يسبقهم أحد في المرور مثلًا، إهانة لرجولتهم وكرامتهم.

عاشت صديقتي موقفًا مرعبًا يثبت هذه النظرية، كانت تقود على الطريق السريع المحيط بالقاهرة "المحور"، وفي محطةٍ ما تجاوزت سيارة نقل جماعي (ميكروباص) لم يتحرك بسرعة مناسبة، ولسببٍ ما اعتبر سائق الميكروباص أن تجاوزها هذا إهانة فظيعة، فطاردها بسرعة جنونية لربع ساعة على الأقل، وهو يسبها بأعلى صوته ويحاول قطع الطريق عليها ليوقفها قسرًا! لحسن الحظ أنها كانت أمهر منه فتجاوزته في النهاية مبتعدة، لكن خلال دقائق المطاردة كان خطر اصطدام أحدهما بالسيارات الأخرى قائمًا، وهو خطر لا يبرره أبدًا أنها مرت قبله. لا يمكن لامرأة أن تفكر بهذا التهور لكن الرجال يفعلون للأسف، والمؤسف أكثر أن أغلبهم من سائقي النقل الجماعي المسؤولين عن حياة ملايين البشر يوميًّا.

نحن واعيات بكل الأخطار
من أسباب السخرية من قيادة السيدات أنهن يحسبن حساب كل حركة قبل أن يقدمن عليها، ويخفضن سرعتهن قبل الدوران لشارع جديد مثلًا. وفي الحقيقةً أنا لا أفهم وجه السخرية هنا، وكيف يكون العكس هو الصحيح. من الطبيعي أن أدرس حركتي جيدًا وأنا أقود، وأتمهل لأرى الطريق قبل أن أنطلق فيه لئلا أعرض حياة الناس وحياتي للخطر. اهتمامنا بالتفاصيل يجعلنا نهتم بالحفاظ على أنفسنا والآخرين، بعكس الرجال الذين تجرفهم نشوة التهور فتعميهم عن الرؤية. يحضرني هنا حادث وقع لي قبل سنوات، كنت أسير جوار الرصيف حين صدمتني دراجة نارية تطير بأقصى سرعة، ومع الصدمة حملتني لأمتار ثم هرستني في سيارة متوقفة. لاحقًا قال السائق إنه ضاق بسيدة تتحرك ببطء في زحام الشارع، فراوغها وانطلق بأقصى سرعة وانحرف يمينًا "ليفاجأ" بوجودي أمامه. لعامين تاليين عانيت من آثار هذا الحادث، والسبب: أحمق يتعالى على الالتزام بأبسط قواعد المرور وهي النظر أين يسير. كسيدات لدينا الكثير من هذه القصص، حوادث تعرضنا لها، أو حوادث وقع فيها إخوتنا وأزواجنا وآبائنا، ونحن نتعلم بالتجربة ونخزن في عقولنا كل الأخطار التي يمكن أن تعترضنا، لهذا نفكر قبل أن نتحرك، وهي سمة يعتبرها بعض الرجال ضعفًا وترددًا ورجولة منتقصة، لأن التهور إثبات للرجولة وقوة الشكيمة عند البعض.

إعلان

هناك سيدات لا يجدن القيادة، مثلما يوجد رجال حصلوا على رخصتهم بالواسطة، لكن يستفزني جدًّا أن يعمم الناس تجربة فاشلة لامرأة على الباقيات، بينما يلهو رجال متهورون بحياة الآخرين كل يوم دون أن يعاتبهم أحد أو ينتبه

حماية ممتلكاتنا على جدول أعمالنا
هناك عبارة شهيرة في إعلانات بيع الأشياء المستعملة هي "استخدام حريمي" وهي تشير للاستخدام الخفيف النظيف الذي لا يغير حالة السلعة عن شكلها الأصلي، ولا يستهلكها بعنف. بالطبع كل السلع التي تحمل عبارة "استخدام حريمي" تعتبر هدفًا جيدًا للمتعاملين في أسواق الـ Second hand، وإذا اشتريت سيارة استخدام حريمي ستفهم جزءًا من فلسفة السيدات في القيادة. نحن نشتري ممتلكاتنا ونستخدمها بحرص، وكثيرات منا يحببن التغيير فنستخدم سياراتنا بحذر حتى لا تفوتنا فرصة بيعها بحالة جيدة مستقبلاً. يختلف هذا بالطبع عن الرجال الذي يفرحون بسياراتهم لفترة محدودة، سواء طالت أو قصرت، ثم يبدؤون التعامل معها بلا رحمة، فيصدمون بها غيرهم، أو يردون صدمات سواهم، ويتسابقون بها، ويطيرون بلا حساب، ثم ينتبهون للكارثة حين تتحول لخردة أو تكلفهم مبلغًا رهيبًا في الصيانة. نحن لا نفعل، ونلجأ لأبسط الصيانة وأرخصها: القيادة بتعقل.

الانتحار لا يغرينا، ونعرف حدود قدراتنا
في الحب والمستقبل وقيادة السيارات، لدينا قاعدة واحدة: الأمان أولًا. مهما كانت الظروف المحيطة، مهما سيترتب على تأخرنا من عواقب، مهما كانت أخطاء الآخرين.. القاعدة الأولى هي الأمان أولًا. الأمان أولوية لأي امرأة على طول الخط، وفي القيادة خصوصًا لن تجد فتاة تتراهن مع صاحبتها على "تقفيل العداد" -الوصول لأعلى سرعة للسيارة- وهو رهان شائع بين الشباب، ولن تجد من تقود على طريقة آل باتشينو في "عطر امرأة" لتبهر الشارع أو تلفت نظر الشباب أو تغيظ الأعداء، وبالتأكيد لن تسمع سيدة تتباهى بكم مرة كادت تنزلق في المطر والظلام لكنها سبقت سائقًا استفزها! التهور بالنسبة لنا مكانه الملاهي وليس الطريق العام.

تفادي أخطاء الآخرين يطاردنا دائمًا
كنساء، المجتمع لا يتعامل معنا بموضوعية نهائيًّا، ونقاتل طوال الوقت لإثبات ذاتنا والتملص من الأحكام الجاهزة لحصارنا، وهذا يقتضي أن نتفادى أخطاء الآخرين باستمرار لننجو، وفي عالم القيادة لا يختلف الأمر كثيرًا. خلال قيادتنا نتعرض لكثير من المضايقات، البعض يغلق الطريق أمامنا عمدًا، وآخرون يتحرشون بنا، وغيرهم يتلذذون بترويعنا ومطاردتنا والتهديد بالاصطدام بنا، وإذا كنت تتعرض لهذا السيل من الاستهداف والمضايقة ستجد نفسك مجبرًا على تطوير مهاراتك في القيادة لتتفادى مضايقات الآخرين وأخطائهم. لهذا: نعم، أفضل قيادة رأيتها في حياتي كانت من النساء حصرًا، أمَّا الرجال فمهما كانت مهارتهم ففي لحظةٍ ما يتخلون عنها ويعرضون أنفسهم وغيرهم للخطر. النساء يتعرضن للخطر خلال القيادة، لكن الرجال يعرضون أنفسهم والآخرين.

في كل الأحوال القيادة مهارة مكتسبة تتطور بالممارسة وحسن التعلم، بصرف النظر عن جنس من يمارسها، هناك سيدات لا يجدن القيادة، مثلما يوجد رجال حصلوا على رخصتهم بالواسطة، لكن يستفزني جدًّا أن يعمم الناس تجربة فاشلة لامرأة على الباقيات، بينما يلهو رجال متهورون بحياة الآخرين كل يوم، دون أن يعاتبهم أحد أو ينتبه، ويتجاهل سمات القيادة النسائية القادرة على منع كثير من الحوادث.

لسنوات كان صديقي يقود كأن الحوادث خيال يستحيل أن يتحقق، وركبت معه مرة فانطلق بسرعة جنونية وسط المدينة، يراوغ السيارات بطريقة "الغُرَز" ليفلت من مساحات صغيرة جدًّا.. ركبت معه لعشر دقائق خلالها شاب شعري، ولم أكررها.. كان صديقي يرتكب كل الأخطاء الممكنة في قيادته أولها الثقة التامة بأنه لن يخطئ، وبالتأكيد نطق ببضع تعليقات لاذعة حول نساء يقدن بسرعة محدودة من حوله، كما سخر من أعصابي المهزوزة.. كان بودي أن أقول إنه محق في سخريته، لولا أننا فقدناه في حادث سيارة مروع الصيف الماضي، ورأينا مصرعه في فيديو لايف على فيسبوك لنحظى بكابوس لن ننساه أبدًا.

هذا ما أودُّ قوله في نهاية مقالي، ربما نقود بسرعة أقل أحيانًا، ونتمهل لنرى الطريق أو نسمح للآخرين بالمرور، تلك التصرفات التي ترونها -كرجال- مملة، لكنها تجعلنا نصل آمناتٍ، لا نكسر قلوب من نحب بفقدنا، ولا نعرض الآخرين للخطر وندمر حياتهم بإصابة. أتمنى من أي شخص يقود بتهور أن يعيد التفكير، ويتمسك بالأمان، لأن أيًّا كان ما يدفعك للتهور فهو لا يستحق لحظة ألم وفقد واحدة، ولا يستحق أن تفجع من يحبونك بأي أذى يصيبك.