مجتمع

تتبعنا 3 فتيات سعوديات تخرجن حديثاً وأخبرننا عن التحديات التي تواجههن

الحصول على عمل كان أسهل بشهادة الثانوية من بعد تخرجي من الجامعة
سعوديات

World Bank 

عمِلت سابقاً تحت امرأة سعودية تدُير مكتبها الخاص في العلاقات العامة بجدة، المملكة العربية السعودية. وأذكر أنه كانت لدي رغبة خفية أن أكتب عنها وعن كل ما يحدث معها في العمل. طبعاً هذا الحلم الصحفي، حلم أن أكتب عن رئيسة عملي هو الذي جعلني أتحمل البقاء معها. فمعظم محادثاتها الهاتفية والتي تقوم بها في الظهيرة لا تخلو من مشادات كلامية قد تصل لحد الصراخ. أما زميلنا الآخر في العمل فقد كانت لا تخلو يده من سيجارة يملأ بها المكتب دخانًا. العنود، 22 عاماً، كانت تعمل معنا لهدف إكمال ساعاتها التدريبية لتتخرج من جامعة أم القرى في مكة المكرمة، في السعودية بشهادة بكالوريوس في العلاقات العامة. أذكر أنها كانت من الفتيات التي شدتني حركتها الكثيرة، لديها طاقة هائلة، "بشوشة" ومحبة للعمل. بعد شهرين من تخرجها اتصلت عليها للسؤال عن حالها وعن وضعها في البحث عن عمل لتخبرني التالي: "كل من حولي يؤكد بأني سوف أمر بفترة اكتئاب البحث عن عمل. أعتقد أني الآن بدأت فيها. لطالما اعتقدت بأني إذا بحثت بجدية عن وظائف بكل تأكيد سوف أصل لمبتغاي ولكن جميع محاولاتي حتى الآن باءت بالفشل."

إعلان

العنود كانت حريصة بأن يكون لها خبرة عمل خلال الدراسة والذي ساعدها الخطة الدراسية في الجامعة، والتي تلزمها بأن تجتاز أربعة مواد تدريب عملي. ولكن لا يبدو أن هذه الخبرة كانت كافية بالنسبة لكثير من الشركات التي تركز في إعلاناتها الوظيفية على الخبرة العملية: "كل يوم تقريباً أخرج من البيت وأذهب لأماكن عمل، أتحدث مع أقسام التوظيف. أقدم لهم نفسي وسيرتي الذاتية، وأسمع الجملة التالية: "إذا في مجال نتصل عليك،" تضيف العنود. "حياتي كلها عبارة عن وظائف عمل، إيميلي الشخصي فهو مكتظ برسائل توظيف، وحساباتي الشخصية في السناب تشات وتويتر تحتوي على حسابات تعلن عن وظائف."

تجربة العنود بالبحث عن عمل تتشابه مع قصص الكثير من الخريجات الجدد في السعودية اللواتي يجدن صعوبة في الحصول على مقابلة عمل أولاً ومن ثم النجاح بمقابلة العمل. منذ عام 1955 دعمت السعودية قضية تعليم النساء ليصبح الوضع متيسراً للجميع، وكثير من النساء السعوديات وصلن لمراتب عليا في التعليم، ولكن معدل البطالة هو أيضاً الأعلى بينهن حيث يقدر بنحو 30.9% فيما ارتفع معدل البطالة للمواطنين السعوديين إلى 12.9٪، في الوقت الذي تسعى المملكة بحسب رؤية المملكة 2030، لتقليص معدل البطالة إلى 9٪ بحلول عام 2020 و لغاية 7٪ بحلول عام 2030. ولكن هذه الأهداف تبدو صعبة التحقيق الآن مع ارتفاع نسب البطالة، ووفقاً لتحليل أجراه زياد داود، الخبير الاقتصادي لشؤون الشرق الأوسط لدى بلومبرج: "ستحتاج المملكة إلى إضافة 700 ألف وظيفة بحلول عام 2020 للوصول إلى النسبة البالغة 9٪." القضية المهمة هو أن "الشباب هم أكبر تحديات المملكة حيث أنهم يشكلون 70٪ من سكان السعودية البالغ عددهم 21 مليون نسمة تقل أعمارهم عن 35 سنة. وبما أن معدل البطالة مرتفع بين النساء السعوديات، إذا التحدي الأكبر اليوم هو خفض هذه النسب حيث أن أي تحسن في جانب توظيف الإناث سيؤدي في النهاية إلى خفض معدل البطالة الكلي في المملكة.

إعلان

شعرت "بالطفش" من كثرة الوظائف التي تقدمت إليها، ولم أحصل على أي رد

أفراح، 22 عاماً، والتي تخرجت من جامعة أم القرى بتخصص موارد بشرية، تقول: "توظفت وعمري 19 ووضعت نفسي في ضغط شديد، كنت أدرس واعمل في نفس الوقت. اذهب لمحاضراتي من الساعة 7 صباحاً وبعد ذلك أتجه إلى عملي من الساعة 3 عصراً، ولا أعود للمنزل قبل الساعة 11 مساء. وضعت نفسي في هذا الضغط الدراسي والدوام العملي من أجل أن أحصل على وظيفة أفضل بعد التخرج." ومن ثم وبكل بسخرية تكمل أفراح حديثها لي:"الحصول على عمل كان أسهل بشهادة الثانوية من بعد تخرجي من الجامعة."

أما مرح، 24 عاماً، والتي تخرجت من ثلاثة أشهر من جامعة الملك عبد العزيز بجدة بتخصص أدب إنجليزي، فتقول عن تجربتها في البحث عن عمل: "في البداية لم أفكر كثيراً بعدم تلقي أي اتصال واحد من أجل مقابلة عمل لأي من الوظائف التي قدمت لها. ولكن بعد فترة شعرت "بالطفش" من كثرة الوظائف التي تقدمت إليها، ولم أحصل على أي رد." وتكمل مرح حديثها بالقول: "لم أفقد الأمل، لا أزال اقدم على وظائف ولكني الآن لا أفكر كثيرا بوظيفة تناسب تخصصي، أنا متقبلة كل الاحتمالات لأني ما زلت في بداية مشواري العملي."

قررت أن أعرف أصل المشكلة، وذهبت لمكتب يقدم خدمات توظيف بجدة، يدعى طاقات. المكتب كان مكتظ بفتيات ونساء من كل الأعمار. نساء يتحدثن مع بعضهن، وأخريات ينظرن للسقف، وبعضهن يلهو بالجوال بانتظار موعدهن. تحدثت هناك مع مسؤولة توظيف (فضلت عدم ذكر اسمها) وأخبرتني أن المتقدمة لطلب استشارة أو بحث وظيفي يجب أن تحدد ثلاثة مجالات وظيفية ترغب في العمل فيها وأن تكون مغايرة للشهادة الجامعية. سألتها عن سبب ذلك وذكرت: "لا نستطيع توفير وظائف لجميع التخصصات الجامعية، بعض المجالات (كأقسام الدراسات الشرعية والاجتماعيات) غير مرغوب فيها بسوق العمل السعودي، ويهمنا هنا أن نوفر للمتقدمات وظيفة مهما كانت، حتى لو كانت بغير تخصصها." يبدو من كلام مسؤولة التوظيف أن هناك فجوة ما بين التخصصات الجامعية وما بين التخصصات التي تبحث عنها الشركات، وهي مشكلة تعاني منها الكثير من الدول بمحاولة لتقليص هذه الفجوة من خلال تحديد التخصصات المطلوبة من السوق المحلي. هذه الفجوة كانت واضحة، عندما توجهت إلى لوحة إعلانات وظيفية في نفس المكتب لأرى إذا فيها وظائف مثيرة للانتباه، ولكن كانت غالبية الوظائف المعلن عنها لا تتطلب حتى شهادات جامعية مثل سكرتيرة، بائعة، خدمة عملاء هاتفية، وموظفة استقبال.

إعلان

تخصصاتنا الجامعية لم تفيدنا عند البحث عن عمل، لهذا من الطبيعي أن نشعر بالإحباط

أفراح تقول أنها عملت في وظيفة سكرتيرة طوال فترة دراستها في الجامعة، ولكنها قررت ترك هذا العمل بعد تخرجها من تخصص الموارد البشرية لتبحث عن فرص أفضل. تشير أفراح الى أنها لم تتوقع أبداً أن تبقى لفترة طويلة بدون عمل لأن تخصصها بحسب كلام جميع من في جامعتها مرغوب جدًا في سوق العمل: "تخصصاتنا الجامعية لم تفيدنا عند البحث عن عمل، لهذا من الطبيعي أن نشعر بالإحباط. العمل في هذه وظائف مثل سكرتيرة أو بائعة لا يحتاج الى شهادة جامعية، ولكن هذا هو المتوفر في السوق، وغالبية الفتيات المتخرجات من قسمي يعملون في وظائف مماثلة وبرواتب ضئيلة لأنه لا يوجد خيار آخر."

التحدي بالنسبة للخريجات الجدد لا يتعلق فقط بالحصول على مقابلة عمل، ولكن أيضاً النجاح في مقابلة العمل هذه. أفراح تتحدث أيضاً عن طريقة تعامل مسؤولي التوظيف معهن: "أتذكر أن مسؤولة توظيف قالت لها مرة "انتي ما عندك خبرة عمل، وهذه الخبرة التي في سيرتك الذاتية لا تتعلق بمجالك الدراسي فهي إذن لا تعتبر خبرة. الذي يحدث لنا كما أراه هو تثبيط للهمة." مرح لديها تجربة مماثلة: "ذهبت مع صديقتي لمكان عمل وكان تعامل مسؤولة التوظيف سيء جداً، سألتني "إنتي عندك خبرة؟" جاوبتها "ايوا عندي خبرة". قالت "لا ما عندك خبرة، حددي أماكن العمل" ذكرت لها جميع الأماكن التي تدربت فيها قالت "لا هذا تدريب". قلت لها "من خلال التدريب انا اكتسبت خبرة" قالت "لا." وتكمل مرح كلامها لي: "كانت مسؤولة التوظيف مصرة أن تثبت بأنه لا يوجد لدي خبرة عمل. أنا تدربت في أماكن عمل خارج الجامعة، عملت مشاريع ونظمت فعاليات ولدي خلفية في طبيعة العمل، أعتقد أن التدريب العملي يحتسب كجزء من الخبرة العملية؟"

إعلان

العنود وخلال بحثها المستمر لأكثر من شهرين، تمكنت من حضور مقابلتين عمل في مجال التسويق. تخبرني عن ذلك: "مقابلات العمل كانت صعبة، لم يسألوني عن سيرتي الذاتية، ولا أعتقد أنهم قرأوها من الأصل، كانوا يسألوني عن مهارات معينة يبحثون عنها في خارج تخصصي، وكنت أخبرهم الحقيقة وأنني سأتعلم، ولكن لا يبدو أن ذلك أعجبهم."

أغلب الوظائف الحكومية يتم التقدم إليها إلكترونياً، أما وظائف القطاع الخاص فعملية التقديم إليها مرهقة وطويلة، وفوق هذا كله ما فيها أمل

العنود تبحث في وظائف القطاع الخاص ولكنها تحلم بوظيفة حكومية، تقول: "حلمي هو أن أحصل على درجة ماجستير في مجال العلاقات الدولية ومن ثم أعمل في وزارة الخارجية." العنود ليست الوحيدة فالكثير يحبذ هذا المسار، رغم الجهود لتحفيز العمل في القطاع الخاص، حيث قال رئيس لجنة سوق العمل في القطاع الخاص المهندس منصور الشثري لصحيفة مكة: "كثير من السعوديات العاطلات عن العمل يفضلن الانتظار لسنوات في طوابير طويلة للحصول على وظيفة حكومية ولا يبحثن عن عمل في القطاع الخاص مطلقاً، لاعتقادهن أنها غير مناسبة لهن من حيث المميزات وبيئة العمل." سألت العنود عن تفضيلها للوظائف الحكومية، تقول: "سهولة التقديم، أغلب الوظائف الحكومية الآن يتم التقدم لها إلكترونياً من خلال مواقع محددة مثل "جدارة"/Users/Index.aspx). أما وظائف القطاع الخاص فعملية التقديم إليها مرهقة وطويلة، وفوق هذا كله ما فيها أمل."

يمكنني أن أفهم مشاعر الإحباط، فالكثير من الخريجات الجدد لا يعرفن ماذا يتوقعن من سوق العمل، كما تقول مرح: "في آخر سنة لي بالجامعة، سألتنا دكتورة عن خياراتنا في العمل وماذا نريد أن نفعل بعد التخرج؟ وهي ربما المحاضرة الوحيدة والتي حصل فيها أن تحدثنا عن طبيعة العمل وخياراتنا المستقبلية." المشكلة الأخرى التي تحدثت عنها الخريجات كانت طريقة تعامل الشركات مع المتدرب وعدم وجود ثقافة تدريب جدية، تساعد المتدربين على الاستفادة من التدريب ويقدم لهن نصائح وتعليمات داخل العمل. بحسب ما ذكرته لي العنود أنها في إحدى تدريباتها السابقة في شركة ما والتي انتقلت بعدها للتدريب في هيئة الإذاعة والتلفزيون بجدة وذلك بسبب أن العاملين في تلك الشركة، تقول: "ما كانوا أبدًا يعطونا عمل، ندوام من الصباح إلى العصر، ما في أي شغل." على الرغم من التحديات التي تواجه هؤلاء الخريجات وغيرهن، إلا أن الأمل لا يزال موجوداً، حتى الآن على الأقل، كما تقول العنود في آخر حديثي معها: "احنا في بداية طريقنا في هذا المجال، لدينا استعداد أن نعطي أكثر من أن نأخذ، نحن بحاجة فقط إلى شخص أو شركة تثق فينا وتعلمنا. ولكن أنا خايفة حماسي وطاقتي للعمل تروح مع الأيام."

رفضت الخريجات مشاركة صورهن معنا.