درس روسيا 2018: الجماعية تنتصر على نجوم العالم
ميسي مصدوم بعد الخروج المبكر وفي الخلفية لاعبي فرنسا يحتفلون بالفوز  - التقطت جميع الصور بواسطة أيمن عارف

FYI.

This story is over 5 years old.

كأس العالم 2018

درس روسيا 2018: الجماعية تنتصر على نجوم العالم

لم تشفع نجومية "ميسي" و"رونالدو" و"نيمار" لمنتخباتهم في مواجهة انضباط وتنظيم المنافسين؛ فخرج الأولين من دور الـ16، وودع الأخير البطولة من ربع النهائي

كأوراق شجر هزّتها رياح الخريف، تساقطت المنتخبات الكبرى واحدًا تلو الآخر من منافسات كأس العالم المقامة حاليًا في روسيا. لأول مرة في تاريخ المونديال، يشهد نصف نهائي البطولة غياب الثلاثي: ألمانيا والبرازيل والأرجنتين بعد أن كان بلوغ أحد تلك المنتخبات نصف النهائي من المسلمّات الكروية، حتى أن النسخة السابقة من البطولة شهدت تواجد الثلاثي معًا وإلى جوارهم المنتخب الهولندي.

ولا يعكس غياب تلك القوى الكبرى، كما قد يتبادر إلى الذهن، تغييرًا كبيرًا في موازين الكرة العالمية؛ فلسنا بصدد الحديث عن نهاية التفوق الألماني أو تراجع أداء البرازيل وعجزها عن المنافسة على الألقاب لسنوات قادمة، وربما أيضًا سيكون الحديث عن هيمنة بلجيكية أو كرواتية على الألقاب القارية والعالمية الفترة المقبلة أمرًا في غير محله.

إعلان

نيمار يعجز عن اختراق الدفاعات البلجيكية لإنقاذ البرازيل من الخروج - التقطت الصورة بواسطة أيمن عارف

لكننّا يمكن أن ننظر إلى هذا الغياب باعتباره انتصارًا للجماعية على الفردية؛ بمعنى أن الرباعي الذي بلغ نصف نهائي النسخة الحالية من البطولة ليس بالضرورة صاحب المجموعة الأفضل من اللاعبين على مستوى الأفراد؛ لكنّه صاحب المنظومة الأقوى القادرة على استيعاب قدرات اللاعبين على اختلافها، وتوظيف كل منهم كفرد بمهام محددة لا كنجم تعلّق عليه وحده الآمال في تحقيق الفوز والانتصار.

منذ انطلاق البطولة، ظهر لنا جليًا أن المنتخبات الكبرى ليست في مأمنٍ من التعثر والسقوط أمام منافسين ليسوا أقوياء. وظهر لنا أيضًا أن الفوارق الكبيرة يُمكن إذابتها وتقليلها إذا امتلك الطرف الأضعف من القوة والصلابة والتنظيم الجيد ما يحد به من خطورة منافسه.

يمكن مشاهدة ذلك في مباراة أيسلندا والأرجنتين، تلك التي انتهت بالتعادل الإيجابي رغم الفوارق الهائلة بين المنتخبين. ويمكن أيضًا الانتباه إليها في مباراة ألمانيا والمكسيك حيث نجح الفريق الأخير في استغلال الأخطاء التكتيكية التي ظهرت في طريقة لعب أبطال العالم وفاز بهدف نظيفٍ، وكان بإمكانه تسجيل المزيد من الأهداف.

التنظيم الجيد منح منتخبات مثل المكسيك وسويسرا واليابان بطاقة العبور إلى دور الـ16. ومنح السويد وروسيا القدرة على العبور إلى ربع النهائي على الرغم من أنهما كانتا مرشحتين لتوديع البطولة مبكرًا.

الكبار يخضعون
قد يظن البعض أن الحديث عن التنظيم الجيد والانضباط الخططي كأبرز سلاح لتحقيق الانتصارات في المونديال الحالي قاصر على المنتخبات الصغيرة التي لا تملك من النجوم الكثيرين، وهذا غير صحيح. المنتخب الفرنسي أفضل مثال على ذلك، فعلى الرغم من وفرة النجوم في كل خط من خطوطه إلا أن سلاحه الرئيس كان الانضباط والتنظيم الخططي الدقيق، وهذا وحده ما جعله مرشحًا للفوز باللقب.

إعلان

إذا تابعنا أداء الديوك في المونديال سنجد أنفسنا أمام نسختين مختلفين؛ الأولى ظهرت في مباراة واحدة أمام أستراليا في افتتاح مشوارهم بالمونديال. وخلال تلك المباراة التي فازت بها فرنسا (2-1) كان المنتخب غير متجانس. غلبت الفردية على أداء لاعبيه لذا قرر المدرب ديدييه ديشان إجراء بعض التعديلات في التشكيل وفي طريقة اللعب أيضًا.

النسخة الثانية، ظهرت أكثر تماسكًا وصلابة، حتى اللاعبين أصحاب الأسماء الرنانة والذين يصعب توظيفهم والسيطرة عليهم داخل الملعب مثل بول بوجبا كان لهم دورًا محددًا وواضحًا التزموا به. ورغم الترسانة الهجومية التي يمتلكها المنتخب الفرنسي؛ فإنه انحاز إلى التنظيم الدفاعي والاعتماد على الهجمات المرتدة السريعة المتقنة، وهو ما ساعده على عبور الأرجنتين في دور الـ 16 بنتيجة (4-3) ثم أوروجواي في ربع النهائي بنتيجة (2-0).

نهاية عصر الـ"وان مان شو"
تصدى أيضًا المونديال الحالي إلى فكرة راجت كثيرًا في السنوات الأخيرة، وهي أن بمقدور لاعب بعينه أن يحمل على كتفيه أعباء فريق بأكمله مهما كان مستوى زملائه. ويستشهد كثيرون بالأسطورة دييجو أرماندو مارادونا في هذا السياق، ويقولون إنه قاد بمفرده منتخب الأرجنتين إلى التتويج بمونديال 1986. وإذا سلّمنا بصحة هذه المقولة، فإن التطور الذي شهدته طرق اللعب في السنوات الماضية وميلها إلى التحفظ الدفاعي جعل تلك المهمة أقرب إلى المستحيل، وهو ما رأيناه في النسخة الحالية من المونديال.

ميسي بعد الهزيمة من كرواتيا - التقطت الصورة بواسطة أيمن عارف

الأعين كانت ترقب ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو ونيمار للقيام بهذا الدور؛ لكّن الأول والثاني ودعا البطولة من دور الـ16، والثالث بلغ ربع النهائي قبل أن يعود إلى دياره بعد الهزيمة من بلجيكا. مهمة ميسي مع الأرجنتين كانت معقدة في ظل الفارق الكبير بينه وبين أغلب لاعبي المنتخب، وفي ظل إصرار المدرب سامباولي على إراحة بعض اللاعبين البارزين في خط الهجوم. كذلك رونالدو، ورغم تقديمه عرضًا استثنائيًا أمام إسبانيا في المباراة الأولى، إلا أنه لم يقد بلاده أبعد من دور الـ16 حيث سقطوا أمام أوروجواي.

رونالدو في مواجهة منتخب المغرب - التقطت الصورة بواسطة أيمن عارف

في حالة نيمار اختلف الوضع قليلًا، فالمدرب البرازيلي تيتي نجح في استغلال ميل نيمار إلى الاحتفاظ بالكرة والمبالغة في الاستعراض وبنى كثيرًا من خططه الهجومية على ذلك لكنّه حين واجه خصمًا منظمًا مثل بلجيكا في ربع النهائي وكان في حاجة كبيرة إلى نيمار ليقوم بدور المنقذ لم ينجح اللاعب في ذلك، وانتهى الأمر بخروج مبكر - نسبيًا - لنجوم السامبا، أصحاب أفضل النتائج في تاريخ المونديال.

واحدة من سقطات نيمار الاستعراضية في مواجهة بلجيكا - التقطت الصورة بواسطة أيمن عارف