رصاصة واحدة على حدود قطاع غزة؛ كانت كفيلة بتحويل رداء أبيض ترتديه شابة مسعفة تنقذ حياة المصابين إلى ثوب أحمر غارق بالدم. الشهيدة المسعفة رزان النجار (21 عاماً)، والتي حالت الظروف المادية الصعبة لعائلتها دون إكمال دراسة تخصص التمريض في كلية فلسطين للتمريض بمحافظة خان يونس جنوب قطاع غزة، وجدت نفسها ومع عجز الطواقم الطبية الفلسطينية عن السيطرة على الأعداد الكبيرة من المصابين خلال المواجهات على حدود غزة، في الصفوف الأولى للمتطوعين في إنقاذ ومداواة المصابين في مناطق الاشتباك على الحدود الشرقية للقطاع. وقد جاء مقتل رزان التي أطلق عليها "شهيدة العمل الإنساني" بعد أسابيع من "مسيرات العودة الكبرى" التي شارك فيها آلاف الفلسطينيين على حدود القطاع مع إسرائيل، وقتل فيها قرابة 123 وأصيب أكثر من ألفي فلسطيني برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي.
"كانت من أنشط المسعفين والمسعفات المتطوعين لإنقاذ المصابين على حدود غزة، تحب عملها جداً وتتقنه على أكمل وجه، وكانت ملتزمة بمواعيد الدوام لا تتأخر أبداً، متعاونة مع الجميع، وعلاقتها جيدة مع كافة الفرق الطبية المتواجدة على الحدود الشرقية لمدينة خان يونس،" تقول المسعفة المتطوعة إيمان بركات (22 عاماً) زميلتها رزان.
وتضيف إيمان: "كانت تعمل رزان بهمة عالية رغم قلة الإمكانيات، وعدم توفر المستلزمات الطبية بشكل مستمر وأحياناً تستخدم معدات بدلية لإنجاز عملها، ودائما نراها متقدمة في الصفوف الأولى (خط التماس)، ونحن كنا نخشى التقدم مثلها خوفاً من التعرض للإصابة." تضيف إيمان والتي كانت تغالب دموعها ولا تزال تشعر من فقدان زميلتها بالعمل: "عصر يوم الجمعة التي أطًلق عليها الفلسطينيون اسم (جمعة من غزة إلى حيفا)، كانت تعمل رزان بهمة عالية لنقل المصابين من نقطة الصفر على الحدود، لإسعافهم داخل النقطة الطبية الميدانية القريبة من مناطق المواجهات، وقبل أذان المغرب بساعتين توجهت لإنقاذ شاب أصيب بطلق ناري بالرأس، ولكنها أصيبت بطلق ناري في الصدر أدى إلى استشهادها بعد ساعة من الإصابة."
صورة تم تبادلها في وسائل التواصل تظهر رزان وهي تتقدم لاسعاف مصاب.
وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة، أكدت في روايتها لتفاصيل استشهاد المسعفة رزان حيث أشارت الى كانت ضمن مجموعة من المسعفين تقدموا صوب الحدود رافعين أيديهم ومرتدين ملابسهم البيضاء، لمحاولة إسعاف مصابين على الحدود، قبل أن يطلق جنود الجيش الإسرائيلي النار صوبهم، فيما أكد الأخير أنه سيفتح تحقيقاً في حادثة مقتل رزان. وقد تم تشييع جثمان رزان ملفوفا بالعلم الفلسطيني يوم أمس السبت في جنازة جابت شوارع غزة، فيما وحمل والدها سترتها الطبية الملطخة بالدماء.
صابرين النجار (44 عاماً)، والدة الشهيدة رزان والتي رفضت أن تفك صيامها بعد علمها بمقتل ابنتها لم تصدق في البداية الأخبار. وفي مقابلة معها بعد الجنازة قالت الأم: "سنلجأ للمحاكم الدولية لمقاضاة إسرائيل على جريمتها، رزان كانت ترتدي كل الإشارات التي تدل على عملها كمسعفة، هذه عملية قتل متعمدة. كل الناس كانت تعرف رزان الممرضة، التي كانت دائما تساعد الناس على حدود محافظة خان يونس، ولم تتعب طوال الأيام الماضية، رغم إنها أصيبت أكثر من مرة خلال عملها في المناطق الحدودية." وتضيف: "يبدو أن الجنود الإسرائيليين كانوا مقهورين من رسالتها الإنسانية، وقتلوها بدم بارد، القناص الذي قتل رزان كان يعي أين يطلق رصاصته، أين مؤسسات حقوق الإنسان والمؤسسات الدولية من هذه الجرائم؟"
صابرين النجار في بيت العزاء، تحتضن السترة الطبية لابنتها. تصوير: عدلي أبو طه
وعلى الرغم من الصدمة الكبيرة التي تسبب بها خبر استشهاد رزان، إلا أن رفيقاتها يبدون أكثر إصراراً على مواصلة العمل في ذات المهنة التي شاركتهم إياها رزان طوال شهرين ونصف، هي عمر مسيرات العودة. وتهدف المسيرات المستمرة منذ 30 مارس الماضي إلى إنهاء الحصار الاسرائيلي على القطاع المستمر من 11عاماً وتأكيد تمسك الفلسطينيين بحقهم في العودة إلى ديارهم التي هجروا منها خلال نكبة عام 1948.
عبدالله الرقب (24 عاماً)، مسؤول فريق المتطوعين الذي كان يضم رزان، يقول إنها "بدأت عملها منذ بدء مسيرات العودة، رغم إنها لم تكن خريجة، إلا أنها شاركت في دورات إسعافات أولية، وعندما سمعت بوجود أعداد كبيرة من المصابين على طول الحدود مع قطاع غزة، طلبت من والدتها ووالدها الذهاب للميدان لإسعاف المصابين، وبعد موافقتها استمرت بالذهاب إلى المناطق الحدودية بشكل يومي حتى يوم استشهادها."
ويشير الرقب، إلى أن "العقبة الوحيدة التي كانت تواجه رزان، هي عدم إكمالها دراستها الجامعية، نتيجة الأوضاع المعيشية الصعبة التي تعاني منها عائلتها، وكان الكثير معترضاً على عملها ضمن الطواقم الطبية؛ ولكن كان لديها إصرار غريب على التطوع، تفوقت فيه على أقرانها في ميدان العمل."
"كان اللقاء الأول بيني وبين رزان، في الجمعة الثانية لمسيرات العودة والتي أُطلق عليها (جمعة الكوشوك) كانت طريقة ترحيبها بي بالانضمام إلى فريقها بطريقة جميلة، ووجهتني للعمل، وكيفية التعامل مع المصابين، ونصحتني أن أكون قوية وجريئة،" تقول زميلتها المتطوعة فريال فسفيس (21 عاماً). وتضيف: "كان خبر استشهادها صدمة لي لدرجة أني لم أصدق لهذا الوقت أنها استشهدت شعرت أني أحلم، وأنتظر انتهاء هذا الحلم، لأجد رزان بجانبنا، ونعود نتشارك في الميدان ونضحك مع بعض لكن للأسف رزان رحلت ولن تعود،" تقول فريال والدموع تخنق صوتها.