نقف كنساء من أنحاء العالم، باختلافات ثقافاتنا وأهدافنا على أعتاب لحظة تاريخية في قضايا العنف والاستغلال الجنسي للنساء. منّا مَن ينعمن بنظام قضائي عادل، وسياسات مُفعلة للقضاء على العنف، ومنّا مَن يعملنّ جاهدات لذلك. ولكننا جميعًا نشترك في الوضع السيء الذي وصلت له أوضاع النساء مجتمعيًا، متحديات بذلك ثقافات الوصم ولوم الضحية، ومحاولات الإخراس المتعمدة. في محاولات نجاتنا المتعددة، تأتي التكنولوجيا لفتح آفاق جديدة من التشبيك والتواصل بين نساء قُمن بتطويعها لخدمة قضاياهن. فكانت حركات رقمية مثل حملة #أنا أيضًا وسابقاتها في الدول العربية التي تلت موجات الاحتجاج العربي في 2011.
كصدى لحملة MeToo والتي دشنتها نسويات أمريكيات على خلفية اتهام هارفي وينستن بممارسة استغلال جنسي ضد بعض من النساء اللاتي عملن معه، ولجوء بعضهن إلى القضاء الأمريكي. قامت بعض النسويات العربيات بتعريب الحملة لـ "أنا أيضًا" والتي استخدمنها للحديث عن الانتهاكات الجنسية التي طالتهن في العمل، في الشارع، في أماكن الدراسة، وأحيانًا من أفراد عائلاتهن. تعتبر الحملة امتداد لغيرها مثل حملات ضد التحرش التي تم اطلاقها خلال أحداث ثورة يناير، وأثمرت عن قانون خاص بتجريم التحرش الجنسي عام 2014. ولعل نسويات العالم العربي عانين من العنف الجنسي المكثف وثقافة الاغتصاب قبل وبعد موجات الاحتجاج العربي، لكن قلة من المشتركات في هذه الحملات هن اللاتي قدمن أسماء واضحة للمعتدين. أما حملة أنا أيضًا، فقد انطلقت من شخص هارفي وينستن، لتشمل أسماء لرجال آخرين، مثل الأكاديمي وأستاذ الدراسات الإسلامية المعاصرة بجامعة أوكسفورد، طارق رمضان. ليبدأ فصل جديد من قضية العنف الجنسي، عنوانه أن أكثر الأماكن تحررًا وانفتاحًا، كانت كنظيراتها المحافظة والمتدينة في استغلال النساء جنسيًا، وأن "دوائر الأمان" ما هي إلا كذبة.وعلى خلفية الحديث عن "دوائر الأمان" تجتاح مواقع التواصل الاجتماعي المصرية موجة غضب نسوية على إثر رسالة إلكترونية أرسلتها إحدى العاملات السابقات بمركز حقوقي إلى صديقتها، طالبة منها تمريرها إلى أخريات. تعود الرسالة إلى نوفمبر 2017، ادعت فيها المرسلة بأن أحد زملائها السابقين بالمركز، قام بالاعتداء عليها جنسيًا، وهي غائبة عن الوعي، وطلب آخر ممارسة الجنس معها، حيث بدأ طلبه بالحديث عن نشاطها الجنسي وعلاقاتها السابقة، في محاولة للتأثير عليها بقبول طلبه. أما المهم فهو أن المُدّعى عليهما كانا أعضاء بحزب "العيش والحرية" ذو التوجه اليساري، وكان الأخير مرشح الحزب للانتخابات الرئاسية 2018. وعلى الرغم من استلام الحزب للرسالة قبل تدشين حملة الرئاسة، فقد تم استكمال الحملة دون الالتفات إلى الادعاء الموجّه للمرشح، باستغلال علاقة قوة غير متكافئة مع المُدعية لممارسة الجنس. الأمر الذي وضع الحزب في مأزق سياسي بعد تجاهل التحقيق من نوفمبر 2017 حتى إعلان انسحاب المرشح من الانتخابات في آخر يناير 2018. لتكون بذلك واقعة حيّة على تنحية قضايا النساء؛ لأهداف سياسية.
إعلان
لكن الأحداث التي تلت ذلك كانت مثيرة للاهتمام. فبعد تصاعد وتيرة الغضب في الأوساط النسوية، وصدور عدة بيانات من مجموعات نسوية غير مركزية تُدين الحزب. صدر بيانًا رسميًا من الحزب يُفيد بانتهاء التحقيق المؤسسي مع الأعضاء المُدعى عليهم. أما نتائج التحقيق ولغة البيان فلم تكُن مُرضية للرأي العام، حيث تم تبرئة وكيل مؤسسي الحزب من ادعاء استغلال موقعه الاجتماعي لطلب الجنس، والإشارة إلى إدانة العضو الآخر بممارسة "سلوك مُشين" بدلًا من الاعتداء الجنسي. كذلك، اتهم الحزب ناقديه ضمنيًا بأنهم تابعون للأمن المصري وساعين للنيل من تجربة الحزب السياسية. ليصل الغضب النسوي إلى ذروته بهذا البيان. وكل مَن التزم الصمت طوال الشهور الماضية، بدأوا في الكتابة على حساباتهم الشخصية، يُدينون الحزب بالتخاذل وبأن لغة البيان كانت أقل كثيرًا من المتوقع، وتُبرر الاعتداء الجنسي بلوم الضحية والاستناد على ثقافة الاغتصاب.ساعات قليلة فصلت الماضي عن المستقبل، بلحظة نشر بيان رسمي على الحساب الشخصي للمُرشح الرئاسي المحتمل سابقًا، ووكيل مؤسسي حزب العيش والحرية" سابقًا، خالد علي يتقدم فيه باعتذار لما بدر منه أو تم نسبه إليه، في واقعة استغلال سلطته الأدبية، ويُعلن أن نتيجة التحقيق برأته مما نُسب إليه. ثم أعلن استقالته الرسمية من وكالة مؤسسي الحزب، وكذلك منصبه كمستشار "بالمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية" وأوصى باتخاذ شكاوى النساء بجديّة، كشريكات في المجال العام.جاء البيان كسابقة من نوعها في قضايا العنف الجنسي في العالم العربي. فلأول مرة يُقدِم سياسي على تحمل مسئولية انخراطه في العمل العام والسياسة بعلانية. والأبرز في تلك الواقعة هو تناول الأسماء والذي كان سببًا رئيسيًا في توجيه النقد للحزب. إضافة إلى تسييس القضية بوقوعها في تقاطعية قضايا العنف الجنسي مع الأولويات السياسية المرحلية، والتي تمثلت في تدشين حملة ترشيح خالد علي للرئاسة، والتي فرضت مسئولية سياسية على عاتق المسئولين عن تدشينها رغم علمهم السابق بالادعاء الموجّه للمرشح المحتمل سابقًا.بهذا البيان قد يبدأ الحراك النسوي في مصر فصل جديد من نضالاته ضد العنف الجنسي. فارضًا بذلك قضايا النساء على أجندات الأحزاب والشخصيات السياسية، كما فرضها سابقًا عي أجندة الدولة. من هنا قد لا نمتلك النظام القضائي غير المُسيّس. وقد لا نملك كذلك التقنيات القانونية التي تسمع بتقديم بلاغات وقائع الاعتداء الجنسي بعد وقوعها بسنوات. لكننا نملك أداة ضغط قادرة على فرض نفسها بفاعلية وتأثير قد يُحدثا فارقاً حقيقيًا على مستوى قضايا النساء والانخراط في الشأن العام والسياسة.@GhadeerAhmedلأول مرة يُقدِم سياسي على تحمل مسئولية انخراطه في العمل العام والسياسة بعلانية. والأبرز في تلك الواقعة هو تناول الأسماء والذي كان سببًا رئيسيًا في توجيه النقد للحزب