libya

Sohail Nakhooda

FYI.

This story is over 5 years old.

سياسة

لماذا يحنّ شباب ليبيا إلى أيّام القذافي؟

من مفارقات الثورات العربيّة، أنّ أقوى نجاحاتها كان تعميق شعور الخيبة عند الكثير ممن شاركوا فيها، خصوصاً الشباب

قبل سقوط نظام معمّر القذافي، شكّل العقيد مادة للتندر في الإعلام العربي والغربي، سواء بسبب طريقة كلامه المباشرة، أو بسبب عاداته الغريبة، أو بسبب بعض مقاطع كتابه الأخضر. الانشغال بالهالة الكوميدية حول شخصه في سنوات حكمه الأخيرة، كانت تطغى على مساوئ حكمه، وبقيت عبارته "زنقة زنقة… دار دار" تتردّد على ألسنة الكثيرين حتى بعد انتشار فيديو مقتله. الغضب الشعبي على القذافي الذي ساد في العام 2011، وأدّى إلى انقلاب حكمه، لم يعد طاغياً اليوم على خطاب الشباب في ليبيا، حتى السخرية من العقيد القذافي، لم تعد نكتة محببة على قلوب كثيرين. اليوم، يتوزّع الليبيون بين من يعانون أوضاعاً صعبة في الداخل، وبين مهجرين في دول الجوار وشتى بقاع الأرض ينشدون العودة.

إعلان

في عهد القذافي كان هناك دولة قوية تفرض سلطتها بممارسة الاستبداد حيناً أو بالإغراء في الكثير من الأحيان، أما الآن فلا توجد دولة أصلاً

المجتمع الليبي، الفتي بغالبيته، المتنوّع، والثري بعوائد الثروات الطبيعية، يواجه أكثر من أي وقت مضى مخاطر التقسيم والتشتت بسبب انهيار الدولة في أعقاب سقوط نظام القذافي في أكتوبر من العام 2011. فما تبع ذلك التاريخ، من حروب ومعارك، انعكس بشكل مباشر على جيل من الشباب تحوّل أفراده إلى وقود للحرب الدائرة كمقاتلين في صفوف المجموعات المسلحة وتنظيم داعش. ومن لم ينخرط في ذلك الأتون، ولم يغادر البلاد، يعاني من سطوة تلك المجموعات، ومن متاعب لا تحصى لأجل مواصلة الدراسة أو المضي في طريق العمل والاستقرار. وقطاع عريض من ذلك الجيل، آثر مغادرة البلاد هرباً، بعدما ذهبت أحلامه بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية أدراج الرياح. انهيار الاقتصاد، وتفكك المجتمع، وانتشار السلاح، وانخراط أطراف محلية ودولية في أتون الحرب، كلّها عوامل ساهمت في تعزيز مزاج شبابي عام يحمل حنيناً لـ«جماهيرية» القذافي. VICE عربية تحدّثت إلى بعض الشباب الذين يخفون حنينهم إلى زمن العقيد.

في صدارة الدول الهشّة
"كان يمكن أن تسير الأوضاع في مسار أقل عبثاً" يقول المهندس حافظ (25 عاماً) الذي يسكن العاصمة طرابلس، متحدّثاً عمّا آلت إليه الأمور بعد سقوط النظام السابق. "في عهد القذافي كان هناك دولة قوية تفرض سلطتها بممارسة الاستبداد حيناً أو بالإغراء في الكثير من الأحيان، أما الآن فلا توجد دولة أصلاً. كان المستبد يفرض سلطته بالقوة الغاشمة التي مع مرور الوقت تكيفت معها غالبية الشعب بصورة أو بأخرى، أما الآن فالفوضى العارمة ناتجة عن التفكيك الممنهج لكل مؤسسات الدولة، حتى تلك التي تعنى بتقديم خدمات يومية وأساسية للمواطن بحجة أن من يديرها هم من أركان النظام." شهدت ليبيا في السنوات الستّ الأخيرة، تراجعاً كبيراً في مؤشرات التنمية بما فيها مؤشرات تمكين الشباب، بسبب الاضطرابات الأمنية والسياسية، إذ صنفت بين الـ 25 دولة الأكثر هشاشةً في العالم، وأكثر دولة تدهورت أوضاعها العامة خلال العقد الماضي، حسب تقرير الهشاشة الدولية لعام 2016. ذلك ما يبدو صادماً لحافظ: "شخصياً لا أرى أن المسار الذي سارت فيه الأمور بعد الثورة مبرر ولا منطقي. في عهد القذافي القريب كانت الأوضاع الاقتصادية أفضل بكثير مما هي عليه اليوم، وتزامن ذلك مع فورة أسعار النفط حينها التي تجاوزت 120 دولاراً للبرميل. نحن الآن في وضع مختلف تماماً والمقارنة قد لا تبدو سهلة ولذلك تعلو اليوم أصوات كثيرة في الشارع بين الشباب معبرة عن التحسر والخيبة وحتى الندم البواح، ويزداد ذلك مع تفاقم الأوضاع الاقتصادية والأمنية." ليس من الصعب أن تجد شباباً ليبيين لا يخفون ندمهم على المشاركة في أحداث 17 فبراير 2011، وما تبعها ضد النظام السابق. صالح (24 عاماً)، وهو شابّ من مدينة الجميل غرب ليبيا من بين هؤلاء. يقول: "لا يمكن مقارنة الوضع بين مرحلة حكم معمر القذافي وحالة ليبيا بعد الإطاحة بنظامه، فليبيا لم تعش خلال تاريخها وضعاً بائساً قاسياً مثلما هي عليه اليوم. الحالة الأمنية كانت أفضل، الحالة الاقتصاديّة كانت من أحسن ما يكون في المنطقة العربية، صورة البلاد في العالم رغم النقائص كانت أفضل من الآن. اليوم الوضع في البلاد سيء للغاية. الأمر لم يتعلق بالأشخاص، فالقذافي رحل لكن برحيله سقطت الدولة، هذه حقيقة يجب أن نواجه بها أنفسنا ونكف عن المكابرة."

إعلان

محاصصة ومغالبة وفئوية
على الرغم من خيبة الأمل المعلنة، فإن قطاعاً واسعاً من الشباب الليبي يطرح أسباب موضوعية لما آلت إليه الأوضاع بعد سقوط القذافي. يرى فتحي (29 عاماً) وهو ناشط سياسي أن "الوضع الاقتصادي تدهور بسبب زيادة انتشار الفساد أولاً وضعف السلطة السياسية وتشظيها، إضافة إلى تدني أسعار النفط، وفرض الحظر على توريد النقد الأجنبي، وتجميد الأموال بالخارج لدواعي انتشار الإرهاب، كسبب معلن من الأمم المتحدة ورغبة بعض الدول الاستفادة من الأموال الليبية في الخارج أطول وقت ممكن، إضافةً إلى ضعف الدولة عند ممارسة سيادتها على أموالها ومواردها. الوضع الأمني أيضاً متدني باستثناء بعض المناطق التي تحل فيها التنظيمات الاجتماعية القبلية محل الدولة في حل المنازعات بالطرق العرفية وهو ما انعكس على الوضع الاقتصاديّ أساساً."

ويضيف فتحي: "أما على صعيد الحريات، فحرية التنقل تواجهها كثير من الصعوبات بسبب الحرب. تبقى حرية التعبير التي تجاوزت المدى بسبب غياب التشريعات التي تحددها، أهم المكاسب لحقبة ما بعد القذافي، وكذلك على صعيد تكوين الجمعيات والتكتلات السياسية الأمر مختلف جذرياً. أما على مستوى السياسة الداخلية فتعاني بعض المناطق من التهميش عند الأخذ بالمحاصصة الجهوية في توزيع التنمية، واعتماد المغالبة كسبيل للحكم، ما حال دون الاستقرار السياسي الداخلي وأدى إلى تقهقر دور الدولة خارجياً فلم تعد حاليا ًطرف مؤثر لا عالميًا ولا إقليمياً. أما عن الوضع الاجتماعي فقد انزلقت البلاد إلى حرب أهلية عقب مرحلة تولي المؤتمر الوطني (2012) ووصلت أشدها في فترة حرب فجر ليبيا (2014) وتفتت بسببها النسيج الاجتماعي حيث صار الحوار صورياً تديره أطراف تحقق من خلاله بعض المكاسب السياسية الفئوية." ويطرح فتحي رؤية يشاركه فيها الكثير من الشباب الليبي اليوم تقوم على: "إعادة الأمن من خلال المؤسسة الأمنية القديمة داخل المدن، وإعادة انتشار الجيش على الأطراف والمواقع الاستراتيجية، والعمل على توحيد المؤسسات والسلطات من خلال إجراء انتخابات سريعة وإقرار الدستور، وتكثيف الجهد من أجل الإنعاش الاقتصادي عبر تشغيل الحقول النفطية وموانئ التصدير. وكل ذلك لا يتمّ إلا من خلال حوار وطني في الداخل بعيداً عن الفنادق والكاميرات والتصوير، تشارك فيه القيادات الاجتماعية والسياسية والعسكرية والدينية والمليشياوية كلّها من دون استثناء."

مهجّرون يحلمون بالعودة
عندما حملت عائلة أماني (20 عاماً) أمتعتها على عجل واجتازت الحدود الليبية نحو تونس في أغسطس من العام 2011، لم يكن عمرها يتجاوز الأربعة عشر عاماً. أمضت أكثر من ست سنوات بعيداً عن بلدها مع أنها لم تقترف أي جرم أو مخالفة، فقط لأن والدها كان ضابطاً في الجيش الموالي للقذافي، وأضحى مطلوباً للميليشيات الحاكمة اليوم. والآن تستعد أماني لعامها الثاني في كلية الحقوق، وتمني نفسها بحق العودة للوطن قريباً. عندما غادرت ليبيا كانت لا تفقه كثيراً في السياسة لكنها بقيت محتفظةً بصور جميلة من أيام الطفولة والمراهقة في طرابلس ومشاهد من الطبيعة الرائعة في مزرعة جدها في بادية سرت، التي تحولت إلى عاصمة لتنظيم داعش الإرهابي.

ما كان يسمى ثورة تحول إلى فيلم رعب طويل ودامي، يجب وقفه في أقرب وقت ممكن

أكرم (26 عاماً) مهجر آخر يعيش في تونس منذ العام 2014، لم يخرج من ليبيا لأنه من أنصار القذافي، بل كان مشاركاً في الثورة ضده ومسانداً للحكام الجدد في بادئ الأمر، لكن الوضع تغير بشكل جذري بعد العام 2012، وبالأخص مع بداية سيطرة الميليشيات الإسلامية المتطرفة على العاصمة طرابلس، إذ أصبح مهدداً بالقتل بسبب آرائه الليبرالية. يقول أكرم: "على الأقل كان القذافي يعاقب بالسجن من يعارضه، وخلال السنوات الأخيرة ومع بروز نجله سيف الإسلام أصبح هناك هامش حرية لا بأس به خاصة لجهة نقد مؤسسات الدولة، لكن أمراء الحرب وزعماء الميليشيات لا يفقهون إلا لغة السلاح. كل من يعارضهم يواجهونه بكاتم الصوت ويخونونه ويلاحقون عائلته. ما كان يسمى ثورة تحول إلى فيلم رعب طويل ودامي، يجب وقفه في أقرب وقت ممكن."