GettyImages-838996318
كاميرا مراقبة على برج مراقبة إسرائيلي، جدار الفصل في بيت لحم، فلسطين. تقوم إسرائيل بدمج طبيقات تقنيات التعرف على الوجوه مع شبكة الكاميرات المنتشرة على الحواجز العسكرية.  Getty Images
تقنية

كيف أصبحت التكنولوجيا لعنة على الفلسطينيين؟

يقوم الجيش الإسرائيلي بمراقبة كل الفلسطينيين بحثاً عن "نقاط ضغط" بما في ذلك معلومات عن ميولهم الجنسية أو ديونهم المالية لابتزاز الشخص وتحويله إلى متعاون

"لقد حذرت في الماضي من أن هندسة القمع أصبحت قريبة. ها قد وصلت." هكذا غرد إدوارد سنودن، المخبر الشهير الذي كان خلف فضيحة برنامج التجسس لوكالة الأمن القومي الأمريكية عام 2013 بعد الكشف عن عدة تسريبات وتقارير عن قيام إسرائيل بمراقبة الفلسطينيين الواقعين تحت احتلالها بشكل غير غير قانوني، في انتهاك مباشر للحياة الخاصة.

وتعمل إسرائيل منذ سنوات على إنشاء قاعدة بيانات رقمية تهدف إلى مضاعفة المراقبة على الفلسطينيين، فأصبح الجندي الإسرائيلي لا يقوم فقط بمداهمة البيوت والاعتقال والقتل، بل يقوم كذلك بتصوير وجوه الفلسطينيين باستخدام كاميرات وتطبيقات خاصة للملاحقة والمراقبة والرقابة والتجسس. هذه المعلومات يتم "استخدامها للقمع والاصظهاد السياسي والمحاكمات غير العادلة ولخلق انقسامات بين الفلسطينيين."

إعلان

الذئب الأزرق
كشف تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية قيام إسرائيل بمراقبة الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة من خلال نظام التعرف على الأوجه، ونقلت الصحيفة عن حركة "كسر الصمت" الإسرائيلية نقلاً عن شهادات عدد من جنود سابقين بالجيش الإسرائيلي أن مهمتهم كانت تقضي بتصوير وجوه الفلسطينيين باستخدام تطبيق خاص على الهاتف الخلوي باسم "الذئب الأزرق" Blue Wolf خلال مداهمات البيوت وتنفيذ الاعتقالات وعلى الحواجز العسكرية. هذا التطبيق يضم الصور الملتقطة إلى قاعدة بيانات تزود الجنود بمعلومات عن الفلسطيني عن بعد وقبل أن يقدم بطاقة التعريف الخاصة به إليهم. 

وذكر جندي سابق كان مركز خدمته في منطقة الخليل عام 2020، في إفادته أنه طلب من الجنود "أخذ صور عن الجميع، حتى ولو كانوا أطفالاً أو عجزة." ويضيف: "لم نكن بحاجة إلى وجود شبهات حول الأشخاص ليتم تصويرهم، بل كل المطلوب منا هو التقاط أكبر عدد ممكن من الصور، كما كان هناك نوع من المنافسة بين الوحدات." وأشار الجنود السابقون إلى وجود تسابق داخل وحدات الجيش لتصوير أكبر عدد ممكن الفلسطينيين مقابل الحصول على جوائز تشجيعية ومكافآت.

وأوضح التقرير أن الجيش الإسرائيلي قام بتركيب كاميرات مسح ضوئي للوجوه في مدينة الخليل، وأنشأ شبكة واسعة من الكاميرات بهدف مراقبة سكان المدينة، وذكر أحد الجنود السابقين إن هذه الكاميرات الحديثة من الممكن أن تراقب الفلسطينيين حتى في داخل منازلهم.

إعلان

وكانت منظمة "بتسيلم" الحقوقية الإسرائيلية نشرت في 17 نوفمبر، مقطع فيديو يوثق ترويع الجيش الإسرائيلي أطفالاً فلسطينيين، خلال مداهمة ليلية لمنازل ذويهم في مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية المحتلة. ويظهر في الفيديو قيام الجنود بإيقاظ ١٣ طفلاً ذكوراً وإناثاً، من النوم، ثم إيقافهم بجوار جدار، وتصويرهم بهاتف أحد الجنود.

المكالمات مراقبة 
كما أظهر تقرير أخير لموقع ميدل إيست آي، أن الجيش الإسرائيلي يراقب كل مكالمة هاتفية بالضفة الغربية وغزة سواء كانت أمنية أو حميمية. وأشار مصدر استخباري إسرائيلي قوله إن كل هاتف أرضي أو نقال يدخل إلى قطاع غزة عبر معبر كرم سالم –في جنوب غزة– يزرع فيه جهاز تنصت إسرائيلي، وكل من يستخدم واحدة من الشبكتين الوحيدتين العاملتين –شركتي جوال والوطنية– يتم رصده كذلك.

ويشير التقرير إلى أن مئات الجنود يستمعون إلى المحادثات التي يتم إجراؤها بين الفلسطينيين ضمن مجموعتين، الأولى تركز على الفلسطينيين النشطاء سياسياً أو الذين يمثلون "تهديداً أمنياً" من وجهة النظر الإسرائيلية. وأما المجموعة الثانية من الرصد فتستخدمه وكالة "الشين بيت، جهاز الأمن الداخلي، بحثاً عن "نقاط ضغط" داخل المجتمع الفلسطيني.

وقال عضو سابق في وحدة نخبوية تابعة للجيش الإسرائيلي اسمها وحدة الإشارة الاستخباراتية 8200: "قد يتضمن ذلك البحث عن مثليين يمكن الضغط عليهم حتى يدلوا بمعلومات عن أقاربهم، أو إيجاد رجل يخون زوجته، أو إيجاد شخص مدين لآخر بالمال، وهو ما يعني أنه يمكن لنا الاتصال به وعرض سداد ما عليه من ديون مقابل تعاونه مع المخابرات." وأضاف: "هذا عالم متكامل يمكن لجهاز "الشين بيت" من خلاله أن يكسب نفوذاً يمارسه على الفلسطينيين ليجبرهم على التعاون أو الكشف عن أمور أو عن أشخاص آخرين. كل هذا جزء من نظام السيطرة والتحكم."

إعلان

 في مقابلة مع VICE عريية يقول سامي الشيخ، خبير أمن معلومات، في شركة CYSTACK المتخصصة في تكنولوجيا المعلومات ومقرها مدينة رام الله، فلسطين: "أن وحدة 8200 لديها بروفايل كامل عن كل فلسطيني، تم جمعها من خلال رصد تحركاته والاستماع لاتصالاته، ومراقبة ما ينشره على وسائل التواصل الاجتماعي. الفلسطيني مراقب طوال الوقت، وهو بدائرة الخطر باستمرار." ويضيف: "تخيل أنك تمشي في أحد الشوارع وتتحدث بهاتفك أو حتى تمسكه بيديك، ومررت من شارع فيه إطلاق نار، لأن هاتفك مخترق، يستطيع الجهاز ببساطة تشغيل كاميرا جهازك الخارجية والتقاط أي شيء في الشارع تبعًا لمنظومة الذكاء الاصطناعي المتطورة لدى الاحتلال، وأنت غير مدرك لكل ذلك."

كاميرات في كل مكان
ويشير تقرير للمركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار" مركز مستقل متخصص بالشأن الإسرائيلي، مقره رام الله، فقد قامت إسرائيل بالتوسع باستخدام تقنيات المراقبة وزادت عدد الكاميرات على الحواجز العسكرية خلال السنوات الماضية. كما تظهر عدة كاميرات منخفضة على مداخل مدن الضفة الغربية التي تستطيع تحديد وجوه من في داخل السيارات. "وحتى حزيران 2017 تم تركيب أكثر من 1700 كاميرا في طرق الضفة الغربية المحتلة ومفارق الطرق، وترسل البيانات التي تجمعها هذه الكاميرات إلى قيادة الجيش وجهاز الأمن العام -الشاباك." كما تشمل تقنيات المراقبة كذلك بالونات مراقبة وطائرات بدون طيار.

إعلان

وبرأي التقرير فإن القدس هي "نموذج آخر مُبكر على سيطرة تقنيات الرقابة الاستعمارية على المدينة، ففي العام 2000 انطلق مشروع "مبابات 2000" الذي أشبع البلدة القديمة في القدس بـ400 كاميرا مرتبطة بمركز مراقبة يعمل فيه 12 ضابط شرطة ويتصل بـ800 عنصر من شرطة الاحتلال."

وبالإضافة إلى تحويل فلسطين إلى مختبر مراقبة كبير لاستهداف الفلسطيني وابقائه تحت الهيمنة الاستعمارية، تستخدم إسرائيل هذه التقنيات على الفلسطيني أولاً "من أجل تطوير أدوات الرقابة وترويجها من إسرائيل في العالم أجمع، باعتبارها مجربة ومختبرة، وذلك في سياق عولمة تجربتها في هذه التقنيات وإتاحتها كفرصة استثمارية تعود بالنفع الكبير" كما يشير باسل رزق الله في تقريره.

بيغاسوس والمنظمات الست
في أكتوبر، كشف باحثون بمجال الأمن الإلكتروني عن أنه تم استخدام برنامج "بيغاسوس" الذي تنتجه شركة "NSO" الإسرائيلية في التنصت على هواتف ستة نشطاء فلسطينيين يعمل نصفهم بمنظمات حقوقية اعتبرتها إسرائيل مؤخراً "منظمات إرهابية." وحسب بعض التحقيقات القضائية التي جرت في الآونة الأخيرة فقد تم فحص 75 حاسوبًا محمولاً للعاملين في منظمات ومؤسسات فلسطينية وتوصلت إلى أن ستة ناشطين تعرضوا للتجسس عبر برنامج بيغاسوس الإسرائيلي.

إعلان

ويصيب برنامج "بيغاسوس" -الذي استخدامه من قبل حكومات للتنصت على رؤساء وملوك وشخصيات سياسية بارزة في عدة دول- أجهزة أيفون وأندرويد ويسمح بالحصول على رسائل وصور ورسائل بريد إلكترونية، وتسجيل مكالمات، وتشغيل الميكروفونات والكاميرات على نحو غير ملحوظ. 

ويقول تحسين عليان، وهو باحث قانوني في مؤسسة الحق ومقرها رام الله (وهي إحدى المؤسسات التي صنفت بأنها إرهابية) لـ VICE عربية: "فيما يتعلق بعملية التجسس على الهواتف فهي انتهاك واضح لخصوصية الأفراد العاملين في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان الذين يحملون هذه الأجهزة أولاً، وانتهاك لخصوصية جميع من تم التعامل معهم عبر الهاتف الذي تم اختراقه. هؤلاء الأفراد تعرضوا لانتهاك خصوصيتهم من خلال التنصت على المكالمات واختراق أجهزتهم بشكل غير قانوني."

ويشير الشيخ إلى "أن تطبيق بيغاسوس ظهر منذ 5 سنوات، وهو يعتمد على تقنية zero touch بمعنى أنه لا حاجة لأن تفتح رابط ما حتى يتم اختراقك، فالتطبيق يستطيع اختراق الجهاز من خلال الثغرات التي يكتشفها." ويتوقع الشيخ أن يكون لدى إسرائيل "منظومة تجسس أخرى لا نعلم عنها شيئًا."

إعلان

ويركز الشيخ في حديثه حول تزامن حرق برنامج بيغاسوس مع عدم قدرة الفلسطيني على إصدار بطاقة ممغنطة أو تصريح للعمل في داخل إسرائيل إلا من خلال تحميل تطبيق المنسق والذي يعتبره تطبيق تجسس، ويضيف: "نحن نتحدث عن فئة كبيرة من العمال الفلسطينيين، تصل قرابة الـ200 ألف عامل تجبرهم منظومة الاحتلال على تحميل تطبيق المنسق على هواتفهم، وتحميل هذا التطبيق على الجهاز يعني أن الجهاز أصبح مخترقًا وتحت السيطرة الإسرائيلية."

بعد الكشف عن برنامج "بيغاسوس" تم تصنيف شركة NSO على القائمة السوداء في الولايات المتحدة، باعتبار أن هذا البرنامج "مكّن الحكومات الأجنبية من القيام بقمع عابر للحدود، وهي ممارسة الحكومات الاستبدادية التي تستهدف المنشقين والصحفيين والنشطاء." كما قامت شركة Apple برفع دعوى قضائية على الشركة الإسرائيلية بعد استهدافها لمستخدمي أجهزة آبل "لمنع مزيد من الإساءة والأذية لمستخدميها."

وقد وقعت منظمة هيومن رايتس ووتش ومنظمات أخرى على طلب دعوة يطالب الدول بتنفيذ وقف فوري لبيع ونقل واستخدام تكنولوجيا المراقبة، حتى يتم اعتماد ضمانات كافية لحقوق الإنسان. وحذرت منظمة العفو الدولية من أن النطاق الهائل للانتهاكات الحقوقية المرتكبة عبر المراقبة السيبرانية السرية قد كشف عن أزمة عالمية في مجال حقوق الإنسان. وقالت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية أنياس كالامار: "إن مجموعة NSO هي شركة واحدة فقط ضمن قطاع خطير ظل أمداً طويلاً للغاية يمارس نشاطه على هامش القانون، وهو أمر لا ينبغي السماح باستمراره. وقد أصبحنا الآن في أشد الحاجة لفرض مزيد من الضوابط والقيود المنظِّمة على قطاع المراقبة السيبرانية، ومساءلة مرتكبي انتهاكات وتجاوزات حقوق الإنسان، وإخضاع هذا القطاع المريب لمزيد من الرقابة والإشراف."

تم تعديل بعض المعلومات في التقرير بعد نشره.