ترفيه

الدراما والسينما السعودية .. احتمالات الحاضر وتنافسية المستقبل

السوق السعودي هو السوق الوحيد في العالم الذي استطاع أن يتوسع في عام الجائحة
15WADJDA2-superJumbo

لقطة من فيلم وجدة للمخرجة السعودية هيفاء المنصور

تقف "وجدة" على سطح المنزل وترى أمها حزينة بسبب زواج الأب عليها، وتخبر الأم ابنتها أنها لا تريد شيئًا من الدنيا سوى نجاح وجدة وسعادتها. تركب وجدة دراجتها في شوارع الرياض لتبدأ حكاية جديدة من الحياة في السعودية. 

هذه القصة القصيرة جدًا هي جزء من فيلم "وجدة" للمخرجة السعودية هيفاء المنصور الذي حاز إعجاب الكثيرين حول العالم، وأسمع صوت السينما السعودية لمن لم يشاهدوها يومــًا، ظنـًا منهم أن لا وجود لسينما في السعودية، وما بين ليلة وضحاها يمثل فيلم (وجدة) السعودية في الأوسكار. هل وُلدت السينما والدراما السعودية هكذا؟ بدون أي محاولات سابقة؟ 

إعلان

متى بدأت الرحلة؟
في كتابه (الفانوس السحري: قراءات في السينما) يقول الكاتب خالد ربيع السيد إن بدايات السينما السعودية كان في نهايات سبعينات القرن الماضي من خلال فيلم (اغتيال مدينة) ١٩٧٧ للمخرج عبد الله المحيسن الذي عرض في مهرجان القاهرة السينمائي الثاني. والفيلم ينتمي للنوع التسجيلي الذي حاول أن يوثق بعض من أحداث الحرب الأهلية اللبنانية التي كانت قد بدأت في منتصف السبعينات وانتهت مع اتفاقية الطائف التي توسطت فيها السعودية سنة ١٩٨٩. واستمرت المحاولات لعبد الله المحيسن فصنع أفلامـًا تسجيلية أخرى مثل (صدمة) ورصد فيه آثار حرب الخليج الثانية، حتى نجح في ٢٠٠٦ أن يقدم أول فيلم روائي طويل بعنوان (ظلال الصمت). ويرى ربيع أن أفلام المحيسن يمكن تسميتها بـ (سينما الرسالة الأيديولوجية) لأنها منشغلة بقضايا قومية ودينية تخص المنطقة. 

لكن في نفس المرحلة لم تتوقف محاولات صناع السينما الراغبين في الحديث عن الداخل السعودي ومناقشة المشاعر الإنسانية المحلية مع بداية الألفية الثالثة. بدأ اسم المخرجة هيفاء المنصور في الظهور وقدمت أربعة أفلام قصيرة. وظهرت أعمال لمخرجين آخرين في هذا العقد حتى ظهر المجهود المؤسسي في دعم الأفكار المحلية في السعودية، وأنتج فيلم (كيف الحال؟) سنة ٢٠٠٦ من قبل شركة روتانا والذي اعتبره البعض أول فيلم روائي سعودي كذلك، مما خلق معركة بين ظلال الصمت وكيف الحال. 

ويرى الناقد السينمائي السعودي أحمد العياد أن بداية السينما السعودية في النصف الثاني من القرن الماضي كانت اجتهادات لكن مع بداية الألفية الجديدة، ظهر جيل محب للسينما ومواكب للإنترنت. ويضيف قائلًا: "بدأ هذا الجيل في إنتاج أفلام بشكل مستقل، حيث لم تكن هناك جهة تنتج أفلامـًا. وكانت بعض الأندية الأدبية تقترح وجود أفلام، وظهرت مجموعات متنوعة من المجموعات السعودية التي تنتج أفلامـًا مثل مجموعة (تلاشي). كما كان للمهرجانات السينمائية في الخليج ومن بينها مهرجان الخليج في الإمارات الذي مثل دعمًا كبيرًا للكثير من المخرجين السعوديين الشباب بعرض أفلامهم مثل هيفاء المنصور وعبد الله العياف وبدر الحمود وحسام الحلو وغيرهم."

إعلان

وقد ظهر مهرجان أفلام السعودية في عام ٢٠٠٨، والذي كان نتاج تعاون بين الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون بمدينة الدمام والنادي الأدبي هناك. وحينها عُرض ما يزيد عن ٤٠ فيلمـًا في محاولة لإحياء المشهد الفني والثقافي، في وقت كان التشدد الديني يضرب بالمملكة، إذ وقعت حادثة اليمامة المشهورة في عام ٢٠٠٦، حيث قام عدد من المواطنين السعوديين ببعض أعمال الشغب أثناء عرض مسرحية في كلية اليمامة  بالرياض.

ويرى العياد أن المهرجانات السينمائية ساعدت على بزوغ نجم العديد من المخرجين السعوديين، ويعتبر مهرجان أفلام السعودية بذرة أسست لتميز العديد من المخرجين والممثلين من بينهم المخرج عبد العزيز الشلاحي والمخرج محمد الهليل والممثل خالد صقر.  

من جهته، يرى الناقد الفني المصري محمد حسين أن السعودية على المستوى الفني تمتلك كوادر حصلت على تعليم عالي الجودة في الخارج، حيث أتيحت لهم الفرص، مما فتح لهم فرصة التجريب. ويضيف: "هناك شق حِرفي ما زال المواهب الإخراجية في مرحلة التطور، ويلجأون للتقنيين والفنيين من دول أخرى مثل مصر. كما أن التجربة المجتمعية لدى عدد من المخرجين السعوديين ليست مؤثرة، قد تبدو جذابة سينمائيًا، تجريبية بحتة أو ذاتية، أو تقليد لموجة سينمائية ما. وبالتالي فهناك حاجة لابتداع سينما تجارية تنجح وتستطيع الاشتباك مع المجتمع."

السعودية أكبر بلد عربي في الأرباح السينمائية وشباك التذاكر وعدد السينمات

إعلان

ويؤكد حسين أن السعودية أكبر بلد عربي في الأرباح السينمائية وشباك التذاكر وعدد السينمات، وبعض الأفلام المصرية كانت في العام الماضي حققت أعلى الأرباح. وهذا يؤكد أن الجمهور التقليدي في السعودية مازال موجودًا بقوة، حيث يرغب في مشاهدة أفلام ترفيهية عادية من مصر مثلًا، أو أفلام هوليوودية. كما أن سعر التذكرة في المملكة مرتفع للغاية مقارنة بدول أخرى، حيث إن الجمهور يتعطش للترفيه، ويمتلكون القوة الشرائية، لكنه سيصل لدرجة متوازنة فيما بعد، عندما يصل عدد الشاشات لتناسب مع عدد الجمهور في البلاد.

التليفزيون السعودي بدأ في ستينات القرن الماضي، حيث كانت الخمسينات من القرن الماضي هي مرحلة بزوغ التليفزيون عالميـًا في المنازل والعزوف عن السينما لصالح الشاشة الفضية. وكان أول إنتاجات التليفزيون السعودي مسلسل (الفارس الحمداني) سنة ١٩٦٩. واستمرت الإنتاجات الرسمية الدرامية خلال مرحلة السبعينات وانخفضت في عقد الثمانينات ثم عادت مرة أخرى في التسعينات. ويلاحظ أن المسلسلات تنوعت في السبعينات ما بين التاريخي والاجتماعي والديني.

إعلان

ويرى العياد "أن المسلسلات التليفزيونية السعودية كانت أكثر وأنشط على المستوى الإنتاجي في الثمانينات مقارنة بالسينما، حتى جاء عام ١٩٩٣ وظهر مسلسل مهم قد لا يرى الكثيرون أثره لكن أثره كبير وهو مسلسل طاش ما طاش. وقد حصل المسلسل على دعم مباشر من وزير الإعلام وقتها. وخلق المسلسل حراكـًا مجتمعيـًا ونقدًا موجهًا لرجال الدين، وارتفع مستوى الحرية في القضايا التي يطرحها المسلسل." 

ويروي الفنان عبد الله السدحان أن هذا المسلسل كان ملكـًا للتليفزيون السعودي، وأن وزير الإعلام السعودي بشكل شخصي من السدحان وناصر القصبي بإنتاج المسلسل بشكل خاص للتليفزيون السعودي بحيث يكون السدحان وزملاؤه منتجين منفذين للعمل.  وقد ظهر الموسم الأول من مسلسل طاش ما طاش في عام ١٩٩٣ واستمر حتى عام ٢٠١١، حيث قُدم للجمهور العربي ١٨ جزءًا مثلت نقلة في المحتوى الكوميدي التليفزيوني في السعودية.

السينما والدراما في عهد محمد بن سلمان
في نهاية عام ٢٠١٧ دخلت المملكة مرحلة جديدة في علاقتها بصناعة السينما، حيث أصدرت وزارة الثقافة والإعلام السعودية قرارًا بمنح التراخيص لفتح دور السينما في المملكة وذلك بعد ما يزيد عن ثلاثة عقود من إغلاق دور السينما في السعودية وذلك بعد أن انتشرت موجات التشدد الديني في المملكة. ويرى العياد أن ما حدث في ٢٠١٧ يمثل نقلة نوعية حقيقية في صناعة السينما في السعودية خاصة "مع إنشاء هيئات دعم سينمائي وتقديم دعم مالي لأفلام سعودية وعربية على حد سواء."

إعلان

وبالعودة للأعمال التليفزيونية يعتقد العياد أن الدراما السعودية وقعت في أثر مسلسل طاش ما طاش، حيث سعى الكثيرون لإنتاج أعمال كوميدية شبيهة، لكن هذا الأسر انفك مع مسلسل سعودي اجتماعي وهو مسلسل (العاصوف) ويقول العياد "رغم كل التعليقات التي يمكن أن تقال على المسلسل إلا أنه يمثل نقلة نوعية مهمة في الدراما." 

ويحكي مسلسل (العاصوف) عُرض في عام ٢٠١٨، من تأليف الكاتب السعودي الراحل عبد الرحمن الوابلي وإخراج الفنان السوري المثنى صبح، قصة مدينة الرياض خلال نصف قرن من الزمان، والتحولات التي شهدتها وتأثرها بالأحداث الاجتماعية والسياسية. ويروي الفنان ناصر القصبي عن المسلسل أن صناع العمل كانوا يضعون في ذهنهم مسلسل (ليالي الحلمية) المصري، حيث أرادوا عمل سعودي يحكي قصة عائلة سعودية لها امتداد وأن يكون العمل ملحميًا ويكون فيه عقود زمنية تبدأ من السبعينات لثرائها الدرامي. 

ويرى العياد أن أحد التحولات الكبيرة في سوق الدراما السعودية حدث مؤخرًا مع مسلسلات المنصات، ويقول في هذا السياق "إن إنتاج مسلسلات من ٣٠ حلقة مسألة مرهقة لصناعه، وحاليًا تحاول الدراما السعودية التخلص من هذا الأمر، وإنتاج مسلسلات من ٢٠ حلقة فقط. وهذه المنصات أتاحت الفرصة لعمل مسلسلات عن شخصيات مهمة في السعودية، مثل مسلسل (رشاش) الذي قدم شخصية إرهابية ما، ونجح المسلسل نجاحًا كبيرًا. وبهذا تتيح المنصات إمكانية إنتاج مسلسلات بعيدة عن موسم رمضان، مما سيقلل الضغط المعروف في رمضان. وسوف تُعرض أعمال كثيرة من السعودية على منصات مثل شاهد وغيرها."

إعلان

ويمكن ملاحظة الانتشار المتصاعد لمنصة شاهد السعودية التابعة لمجموعة MBC ومنافستها القوية لمنصة نتفليكس، وتشير بعض الأرقام أن عدد المشتركين تزايد في منصة شاهد VIP حيث ارتفع من ١٠٠ ألف مشترك إلى حوالي مليون ونصف مشترك بعد الحملة الدعائية في ٢٠٢٠. وهناك بعض التكهنات أن منصة شاهد قد تنجح في الاستحواذ على النسبة الأكبر من الجمهور العربي في منافسة مع نتفليكس.

وقد عُرض أول مسلسل سعودي على منصة نتفليكس منذ عامين، وهو مسلسل وساوس. ومن المنتظر عرض مسلسل (الثمانية) علي منصة شاهد وكذلك قنوات MBC من كتابة وإنتاج شركة رُزام السعودية التي يروج لأعمالها رئيس الهيئة العامة للترفيه تركي آل الشيخ. كما عُرضت مجموعة من الأفلام السعودية القصيرة على منصة نتفليكس في عام ٢٠٢٠ تحت عنوان "ستة شبابيك في الصحراء."  

إعلان

هذه الأفلام القصيرة يراها العياد متماشية مع النسق السينمائي السعودي الذي اعتاد على تقديم أفلام روائية غير طويلة، لكن التحول بدأ بعد ذلك -في رأيه- مع أفلام سعودية جديدة مثل فيلم (آخر زيارة) للمخرج عبد المحسن الضبعان، الذي حاز على جائزة في مهرجان مراكش، وفيلم "حد الطار" الذي حاز على جائزة صلاح أبوسيف في مهرجان القاهرة السينمائي. ويضيف العياد أن "كثيرًا من الأفلام السعودية بدأ عرضها في السينمات السعودية مثل أربعون عامًا وليلة وشمس المعارف ومسامير. لكن معظم هذه الأفلام لم تحقق نجاحًا جماهيريًا كبيرًا عدا فيلم واحد فقط وهو (شمس المعارف) الذي حضرته أكثر من مرة وكانت القاعات ممتلئة في المرات الثلاث التي حضرتها."

ويعتقد حسين أن "دور المنصات مؤثر في الخليج، لكن مازالت نتفليكس هي المنصة الأقوى هناك، فالجمهور الخليجي معولم للغاية حاليـًا، ويمتلك تعليمًا جيدًا للغاية، وبالتالي فالنظر والتعرف على الخارج من خلال نتفليكس يظل رقم ١، حتى مع وجود منصات أخرى مثل شاهد وجوي ومنصة OSN. فالمنصات عمومــًا في العالم العربي ليست مؤثرة بقوة في الإنتاجات الأصلية وليست سينمائية في أغلب الأحيان." 

يرى الخبراء أن السوق السعودي قد يتجاوز السوق الإماراتي في جذبه للاستثمارات الخاصة بقطاع صناعة السينما

ويرى العياد أن هذا هو التحدي المهم في السينما السعودية، حيث تواجد الجمهور في صالات العرض السعودية، فمن الجيد وجود دعم حكومي للسينما، لكن الأهم -وفق العياد- هو جذب المشاهد السعودي، وهذه المعادلة لم تُكتمل بعد، حيث يحاول المخرج السعودي حتى اليوم أن يتعرف على كيفية اجتذاب الجمهور السعودي للصالات، لكن في نفس الوقت يأمل العياد أن تكون مجموعة تلفاز بداية لإنتاج أعمال سينمائية جاذبة للجمهور، فتلفاز جمهورها كبير، ويمكنها جذب الجمهور. 

وتختلف بعض الآراء مع وجهة نظر العياد، حيث يرون أن معادلة الجمهور السعودي تبدو واضحة حيث يحب الجمهور هناك الأفلام الكوميدية والأكشن مثل أفلام Fast and Furious الجزء التاسع، الذي حقق إيرادات تصل لحوالي ٨ مليون دولار أمريكي، والفيلم المصري (من أجل زيكو) الذي حقق حوالي ١١ مليون دولار أمريكي. 

إعلان

ويشير تقرير سابق لمجلة Variety الأمريكية في عام ٢٠٢٠ أن السوق السعودي هو السوق الوحيد في العالم الذي استطاع أن يتوسع في عام الجائحة، حيث زادت إيرادات شباك التذاكر في المملكة ووصلت لحوالي ٧٣ مليون دولار مقارنة بعام ٢٠١٩ الذي وصلت فيه الإيرادات لـ ٧١ مليون دولار. ويرى الخبراء أن السوق السعودي قد يتجاوز السوق الإماراتي في جذبه للاستثمارات الخاصة بقطاع صناعة السينما، حيث يُتوقع أن تكون السعودية سوقـًا يُقدر الاستثمار فيها لحوالي بليون دولار أمريكي في الفترة ما بين ٢٠٢٣و٢٠٢٥.

ويذكر أن شركة VOX أعلنت خلال الدورة الأخيرة لمهرجان البحر الأحمر السينمائي عزمها على إنتاج ٢٥ فيلمـًا عربيـًا بميزانية تقترب من الـ ١٠ مليون دولار أمريكي خلال السنوات الخمس الماضية. وشركة فوكس مملوكة لمجموعة شركات المليادير الإماراتي الراحل ماجد الفطيم. ويوجد في المملكة العربية السعودية حتى الآن أكثر من ٧٠ شاشة عرض VOX وهو رقم كبير مقارنة بعدد الشاشات الموجودة في مصر مثلًا، ٢٨ شاشة فقط، مما يشير إلى مدى الانفتاح الذي يشهده السوق السينمائي السعودي في هذه المرحلة. ووفق موقع سينما VOX تستثمر الشركة أكثر من نصف مليار دولار أمريكي لتطوير ٦٠٠ شاشة عرض سينمائي مع عام ٢٠٢٣. ويُتوقع أن تكون هذه الأفلام كوميدية، حيث يمكنها جذب الجمهور العربي الذي يحب هذه الخلطة، ويجعل الرهان مضمونـًا في قاعات سينما VOX. 

إعلان

صورة السعودية الجديدة مع ولي العهد الشاب
قد يعتقد البعض أن اهتمام المملكة بالصناعات الإبداعية وعلى رأسها السينما حاليــًا يأتي فقط لتحسين صورة المملكة التي وُجهت لها اتهامات تتعلق بحقوق الإنسان وعدم تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة، وإن كان هذا صحيحــًا في تفسير جزء من المشهد، إلا أن البعد الاقتصادي كذلك يلعب دورًا مهمـًا في تفسير ما يحدث في المملكة. فقد أوضحت تقارير سابقة في ٢٠١٤ أن نسبة كبيرة من المواطنين السعوديين -تصل لـ ٨٦٪- يشاهدون الأفلام في المنزل، كما أن الكثير من محبي السينما في السعودية يسافرون لدول عربية أخرى مثل الإمارات والبحرين لمشاهدة الأفلام في دور العرض وتصل قيمة الإنفاق على صناعات الترفيه حوالي ٣٠ بليون دولار أي حوالي ٥٪ من ناتج الدخل القومي السعودي، وبالتالي بدأ التفكير في كيفية جذب هذه الأموال للداخل السعودي بدلًا من إنفاقه في الخارج. 

وعن التأثير السياسي لشكل السلطة في السعودية على صناعة السينما، يرى حسين أهمية وجود شرطين أساسين لصناعة سينما مؤثرة، ويشرح: "أولهما المجتمع والسلطة يريدان تحقيق تغيير ما، وأن يحصل هذا التغيير على وقته للتحقق. لذا قد يرى البعض أن الطبقة الوسطى قد تكون راضية عن التغييرات التي يصنعها بن سلمان، لكن هناك طبقات مهمشة لم نسمع عنها، ولا يوجد إعلام حر أو سينما تعبر عن كل هذه الفئات، في ظل إغراق بعض منهم في السلفية والمحافظة."

ويمكن استشراف مستقبل السينما والدراما السعودية حاليــًا من خلال اجتذاب صناع السينما الأمريكية والعربية للسعودية، وجعل مواقع المملكة الجغرافية منافس قوي لمواقع تصوير عربية أخرى مثل الإمارات والأردن والمغرب. فقد قام الممثل الهوليوودي جيرارد باتلر بتصوير فيلمه الجديد (قندهار) في منطقة العلا التي أصبحت محط اهتمام من قبل وزارة الثقافة السعودية، حيث تم التعاقد مع عدد من المخرجين السعوديين والأجانب للتصوير في هذه المحافظة التاريخية. كما تم تصوير فيلم الرعب Cello بطولة النجم العالمي جيريمي أيرونز ومن تأليف تركي آل الشيخ وإخراج دارين لين بوسمان الذي أخرج عدة أجزاء من سلسلة أفلام Saw.

ومن أكبر الإنتاجات التي تتم الآن في المملكة، فيلم Desert Warrior الذي يُصور في مدينة (نيوم) وهو إنتاج سعودي (مجموعة إم بي سي) أمريكي مشترك. والفيلم الضخم من بطولة النجم العالمي بن كنجسلي وأنتوني ماكي ونجوم عرب من بينهم غسان مسعود ومن إخراج روبرت ويات مخرج فيلم Rise of the Planet of the Apes.

هذه الإنتاجات الضخمة وفرصة الإتاحة للسينما العالمية كي تتواجد في المملكة تأتي متماشية مع رؤية السعودية لعام ٢٠٣٠، وبرنامج جودة الحياة الذي يسعى لتطوير القطاع الثقافي والفني في المملكة. ودشن صندوق الاستثمار العام شركة للاستثمار في الترفيه بميزانية وصلت لحوالي ١٠ مليار ريال سعودي وذلك من أجل القيام بــ "دور استثماري فعّال في مجالات الترفيه المختلفة، وجذب شراكات استراتيجية لبناء منظومة عمل متكاملة، بالإضافة إلى توسيع نطاق خدمات الترفيه وتنوعها ورفع جودتها وفقا لأحدث المعايير العالمية."

كما تشير بعض التوقعات أن تساهم السينما السعودية بقوة في الاقتصاد السعودي، حيث قدرها البعض بحوالي ٩٠ مليار ريال سعودي، بما يصل لنسبة ٥.٣٪ من الناتج الإجمالي المحلي، كما سيوفر العمل في هذا القطاع حوالي ٣٠ ألف فرصة بدوام كامل، و١٣٠ ألف فرصة عمل بدوام جزئي.

كل هذه التكهنات على المستوى الاقتصادي ربما أغفلت الصراع المستتر على المستوى الثقافي بين السعودية من ناحية ودول عربية أخرى تعد مركزًا لصناعة السينما والدراما في المنطقة مثل الإمارات ومصر.  ويعتقد حسين أن الغرض من هذه التطورات الفنية الضخمة في المملكة هو دعائي تحسين صورتها، وإن تم الترويج لمسألة تشغيل عمالة، كما أن كثير من العاملين من الأجانب يعملون في المناصب العليا والوسطى."

وقد انطلقت الدورة الأولى من مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي نوفمبر الماضي، وقد شغل الناقد الفني الفرنسي إدوارد وينتروب منصب المدير الفني للمهرجان، والذي لم يحضر افتتاح المهرجان العام الماضي، حيث صرح لموقع Variety أنه لم يحصل على عقد سنوي، لكن عقد يتجدد كل بضعة أشهر. 

ويضيف حسين أن "السعودية لا تُصدر أفلامًا مثلًا، لكنها تعرض أفلامـًا من الخارج. كما أن الحلم هو أن تصبح السعودية هوليوود الشرق، لكن الأموال لا تصنع بلدًا رائدة سينمائيـًا في المنطقة، والدليل على ذلك، محاولات دبي كي تكون مركزًا لصناعة السينما والمنافسة الشرسة مع مهرجانات عربية أخرى، لكن التجربة لم تكتمل، كما في حالة مهرجان دبي أو أبوظبي."