بعد 20 عامًا من الغياب عن منصة التتويج، عاد الفرنسيون لاحتلال العالم كرويًا بعد فوزهم على كرواتيا (4-2) في نهائي النسخة الحالية من المونديال. بأفكار دفاعية صلبة وبلعبٍ يخلو من اللمسات الجمالية نجح الفرنسيون في الصعود إلى القمة. صاحت الديوك في سماء روسيا رافضة أن تعود إلى بلادها إلا واللقب في خزائنها. أطاحوا في طريقهم إلى اللقب بالأرجنتين وأوروجواى وبلجيكا، وأخيرًا كرواتيا.
الفوارق بين المنتخبين الفرنسي والكرواتي لا تخفى على أحد. قائمة الديوك أقوى في كل خطوط الملعب وأكثر تكاملًا وتنوعًا. والسلاح الذي تلعب به كرواتيا؛ اللعب الجماعي المنظم هو ذاته السلاح الذي يعتمد عليه الفرنسيون منذ انطلاق البطولة. لم تغيّر فرنسا أي شيء في خططها. تراجعت إلى منتصف الملعب. تركت الاستحواذ على الكرة إلى كرواتيا. حائط صد قوي وقف أمام لوكا مودريتش ورفاقه منذ انطلاق المباراة مع الاعتماد على التحوّل السريع من الدفاع إلى الهجوم أو التمريرات الطويلة إلى كيلين مبابي.
استحوذت كرواتيا دون خطورة حقيقة. الكرة بين أقدام لاعبيها يمررونها بأريحية كبيرة في منتصف الملعب وكلما اقتربوا من مرمى فرنسا زاد شراسة الديوك. عكس سير المباراة جاء الهدف الأول. حصل جريزمان على مخالفة على حدود منقطة الجزاء. نفذها بإتقان وبينما يحاول المهاجم الكرواتي ماريو ماندزوكيتش إبعادها عن منطقة الجزاء حوّلها بالخطأ داخل شباكه معلنًا تقدو فرنسا بهدف عكسي في الدقيقة 18. وبات ماندزوكيتش أول لاعب في تاريخ كأس العالم يسجل هدفًا في شباكه في المباراة النهائية.
صراع علي الكرة في وسط الملعب - التقطت الصورة بواسطة أيمن عارف
حاولت كرواتيا التعادل، ونجحت في ذلك بعد 10 دقائق فقط من هدف فرنسا. استلم المتألق بيرسيتش كرة داخل منطقة الجزاء وهيأها لنفسه بطريقة رائعة ثم أطلق قذيفة سكنت شباك هوجو لوريس. عادت المباراة إلى نقطة الصفر في كل شيء. الفريقان متعادلان. فرنسا لا تكترث بالاستحواذ وكرواتيا يتناقل لاعبوها الكرة دون خطورة. وقبل نهاية الشوط الأول بسبع دقائق احتسب الحكم ركلة جزاء للمنتخب الفرنسي بعد اللجوء إلى تقنية الفيديو. تقدم جريزمان وسدد الكرة بهدوء ليسجل الهدف الثاني لفرنسا وينتهي النصف الأول من المباراة بتقدم أصحاب القميص الأزرق.
سيطرة وانهيار
راهنت كرواتيا في هذا المونديال على قدرة لاعبيها على تحويل تأخرهم إلى فوز في الدقائق الحاسمة. وحين انطلق الشوط الثاني من المباراة كانت ذكريات المواجهتين السابقتين للمنتخب الكرواتي أمام إنجلترا وروسيا حاضرة في الأذهان، لسان حال الجميع كان: بإمكان مودريتش ورفاقه العودة واقتناص اللقب؛ لكنّ الديوك رفضت هذا السيناريو.
في الدقيقة 58، انطلق الجناح السريع مبابي من على الجبهة اليمنى ومرر عرضية وصلت جريزمان الذي هيأ الكرة لبول بوجبا الذي قرر الانطلاق للمساندة الهجومية. سدد بوجبا بيمينه لكنّ الكرة ارتدت من الدفاع لتصل أمام القدم اليسرى للاعب الأسمر الذي سددها بقوة وذكاء لتخادع الحارس وتسكن الشباك. اتسع الفارق إلى هدفين وأصبحت مهمة كرواتيا أكثر تعقيدًا وصعوبة لكنّ فرنسا لم تكتفِ بذلك. أضاف مبابي الهدف الرابع من تسديدة قوة من خارج منطقة الجزاء في الدقيقة 65 ليقتل المباراة نهائيًا.
لاعبو فرنسا يحتفلون بالهدف الثاني - التقطت الصورة بواسطة أيمن عارف
تسرّب الإحباط إلى لاعبي المنتخب الكرواتي، منحهم الحارس هوجو لوريس قبلة الحياة في الدقيقة 69 حين حاول مراوغة ماندزوكيتش لكّن الأخير انتبه إلى ذلك ولمس الكرة مسجلًا الهدف الثاني. ومنح هذا الهدف بعض الأمل للاعبي كرواتيا. كان بإمكانهم العودة خلال العشرين دقيقة المتبقية من المباراة لكنّ فرنسا لم تترك لهم مساحات في منتصف الملعب. أغلقوا المنافذ إلى المرمى واعتمدوا مجددًا على الهجمات المرتدة المتقنة وكان بإمكانهم زيادة حصيلتهم التهديفية.
انتهى الوقت الأصلي للمباراة، وانتهت أيضًا الدقائق الخمس التي احتسبها الحكم وقتًا إضافيًا دون أن تتغير النتيجة. فازت فرنسا وخسرت كرواتيا. وتعد هذه هي المرة الثانية التي تنجح فيها فرنسا في الفوز بكأس العالم بعد التتويج ببطولة 1998.
لاعبو منتخب الديوك يحتفلون بالفوز - التقطت الصورة بواسطة أيمن عارف
وعادل منتخب الديوك كلًا من أوروجواى والأرجنتين في عدد مرات الفوز بالبطولة. وأصبح مبابي أصغر رابع لاعب في التاريخ يتوّج بكأس العالم بعد بيليه مع البرازيل عام 1958، وأنطونيو مع البرازيل أيضًا عام 1970 وبيرجومي مع إيطاليا في مونديال 1982. كما أصبح ديدييه ديشان ثالث مدرب في التاريخ يتوّج بالمونديال كلاعب ومدرب بعد ماريو زاجالو وفرانس بيكنباور.
وعقب المباراة أعلن الاتحاد الدولي جوائز البطولة، وفاز لوكا مودريتش بجائزة أفضل لاعب، وبات أول كرواتي يفوز بهذه الجائزة. وذهبت، دون شك، جائزة أفضل لاعب شاب إلى مبابي نجم منتخب الديوك. وتوّج هاري كين مهاجم إنجلترا بالحذاء الذهبي بعدما تصدر ترتيب هدافي البطولة. في حين فاز ثيبو كورتوا حارس مرمى بلجيكا بالقفاز الذهبي.
مودريتش ومبابي على منصة التتويج بعد فوزهما بلقبي أفضل لاعب وأفضل لاعب شاب في المونديال - التقطت الصورة بواسطة أيمن عارف