إذا أغلقت صوت التلفاز، ولم تنظر إلى الإشارة المثبّتة أعلى يسار الشاشة حيث يكتب اسم الفريقين والنتيجة، سترى فريقًا يرتدي القميص الأحمر يضغط بقوة ويستحوذ على الكرة كيفما شاء، وآخر بالقميص الأزرق يتراجع إلى منتصف ملعبه ويُغلق المساحات ويدافع بكل ما أوتي من قوة. وإذا ابتعدت عن الشاشة قليلًا ثم عدت مع اللحظات الأخيرة من المباراة؛ ستجد لاعبي الفريق الأزرق يحتفلون بالفوز، والصعود إلى نهائي كأس العالم.
هكذا مرّت المباراة الأولى في نصف نهائي كأس العالم بين منتخبي بلجيكا وفرنسا. فريق يستحوذ وآخر يترك الكرة. فريق يهاجم وآخر يدافع؛ لكنّ النتيجة في النهاية كانت في صالح الجانب الأكثر حرصًا على نظافة شباكه؛ المنتخب الفرنسي الذي صعد إلى المحطة الأخيرة بهدف سجله المدافع أومتيتي.
الدفاع أولًا
مرة أخرى، تشتبك النسخة الحالية من المونديال مع ثنائية الهجوم والدفاع. أيهما يقود إلى الانتصارات؟ الاندفاع إلى مرمى الخصم ومحاولة حصاره وتضييق الخناق عليه لتسجيل الأهداف، أم الدفاع المحكم والاعتماد على التحول السريع إلى الهجوم. فرنسا لجأت إلى الدفاع وانتصرت به في مبارياتها السابقة من المونديال. وأمام بلجيكا أيضًا لم تغيّر من أفكارها، بل على العكس تمامًا زاد الدفاع صلابة وقوة وكان النصر حليفها.
منذ عودتها إلى ساحة التتويج قبل 20 عامًا بالتمام، قدّمت فرنسا نفسها إلى العالم باعتبارها واحدة من أنصار الكرة الهجومية. لا تفضل مطلقًا الدفاع والتحفظ. لا تتراجع كثيرًا إلى منتصف ملعبها. تستحوذ على الكرة وتحاول اقتحام دفاعات المنافسين، وقبل انطلاق النسخة الحالية من البطولة كان الفرنسيون مرشحين لحمل لواء الكرة الهجومية خاصة في ظل قوة لاعبي الهجوم والطرفين في قائمة المدرب ديدييه ديشان.
رغم ذلك، انحاز المدرب الذي فاز بالمونديال وحمل لقبه عام 1998 إلى الدفاع وتقييد لاعبيه بمهام تحد من إمكاناتهم الهجومية لكنّها أثبتت فاعليتها منذ انطلاق البطولة. نال ديشان نصيبه من الانتقادات من الصحف الفرنسية لكنّه أصرّ على قراراته ولم يكترث بشيء.
هجمة بلجيكية لم تعبر الدفاع الفرنسي خارج منطقة الجزاء - التقطت الصورة بواسطة أيمن عارف
في مباراة بلجيكا، دخل المنتخب الفرنسي بتشكيلته المعروفة دون أي تغيير، سوى عودة ماتويدي إلى مركز الجناح الأيسر بعد انتهاء الإيقاف وجلوس توليسو على مقاعد البدلاء. على الطرف الآخر، قرر روبرتو مارتينيز مدرب بلجيكا تعديل خطته ليدفع بعثمان ديمبيلي في منتصف الملعب بدلًا من الظهير الموقوف توماس مونيي.
بدت طريقة لعب بلجيكا غير معتادة. هناك 3 مدافعين أمامهم 3 لاعبين في منتصف الملعب يشاركون غالبًا كلاعبي ارتكاز ثم ثلاثي آخر بوظائف هجومية ورأس حربة. كانت طريقة اللعب أقرب إلى (3-3-3-1) وفي بعض الأوقات تتحول إلى (3-2-4-1) واللافت هنا أنه لا يوجد ظهيرين تقليديين على طرفي الملعب. الثنائي ذو النزعات الهجومية ناصر الشاذلي وإيدين هازارد يعود إلى الخلف للمساندة.
واللعب دون ظهيرين أمام فرنسا التي تمتلك أحد أسرع وأخطر الأجنحة في العالم وهو الشاب كيلين مبابي مخاطرة كبيرة. مبابي كان مصدر خطورة كبيرة على دفاعات بلجيكا، في الدقيقة الأولى والدقيقة 13 انطلق ولم يتمكن أحد من إيقافه لكنّه لم يسجل أو يصنع. في بلجيكا نشط هازارد وكان قريبًا من التسجيل في الدقيقة 15.
مبابي يقود هجمة فرنسية - التقطت الصورة بواسطة أيمن عارف
ديشان قيّد لاعبيه؛ نجولو كانتي وبول بوجبا وماتويدي قريبون للغاية من الدفاع، وكل منهم له مهام محددة وبخاصة بوجبا الذي لم يكتفِ المدرب بتوجيهه إلى مساندة الظهير الأيمن بافارد ومساعدته في رقابة هازارد، لكنّه طلب منه أيضًا أن يتولى رقابة اللاعب الطويل مروان فيلايني حين يتواجد في منطقة جزاء فرنسا بحثًا عن كرة عرضية يحولها داخل الشباك. حتى ثلاثي الهجوم مبابي وجريزمان وجيرو كانوا يتراجعون إلى منتصف ملعبهم حين يفقد الفريق الكرة. وحين تتحول فرنسا من الدفاع إلى الهجوم يبحث اللاعبون جميعهم عن جريزمان، هو نقطة التحول سواءً بلمساته السريعة المتقنة أو بانطلاقاته في عمق الملعب.
كانت بلجيكا قريبة من التسجيل في الدقيقتين 19 و21. هازارد اخترق من الجبهة اليسرى وسدد كرة قوية لكن المدافع فاران لمسها لتتحول إلى ركنية، بعد ذلك سدد المدافع ألدرفيرلد من داخل منطقة الجزاء لكنّ هوجو لوريس تألق وأنقذ مرماه. الهدف الفرنسي الأول كان قريبًا في الدقيقة 39، مبابي تسلّم الكرة وسط مجموعة من لاعبي بلجيكا بالقرب من منطقة الجزاء وبينما يراقبونه تسَلَل الظهير بافارد وانفرد بالمرمى. تلقى تمريرة مبابي وسددها لكنّ الحارس كورتوا تألق وأبعدها بقدمه.
فرنسا الأفضل
انتهى الشوط الأول سلبيًا. استغلت فرنسا سلاح الضربات الثابتة. تقدم أومتيتي في الدقيقة 51 ليحول ركلة ركنية برأسه داخل الشباك معلنًا تقدم منتخب الديوك. زادت الأمور صعوبة بالنسبة إلى المنتخب البلجيكي. بات اللاعبون مطالبين بزيارة الشباك لإدراك التعادل وهو ما بدا مستحيلًا أمام قوة وصلابة الفرنسيين. ومما عقّد مهمتهم أيضًا أن كيفين دي بروين صانع الألعاب المميّز لم يكن في أفضل حالاته خلال هذه المباراة.
حاول مارتينيز تغيير أسلحته الهجومية، دفع على الجانب الأيمن بميرتينز في الدقيقة 60 بدلًا من عثمان ديمبيلي. وطالب ميرتينز بتمرير الكرات العرضية صوب منطقة الجزاء قدر استطاعته لكنّ لوكاكو ومروان فيلايني لم يحسنا استغلالها.
مرت الدقائق وتسرب معها الملل إلى لاعبي بلجيكا الذين شعروا أنهم أمام دفاع حصين لا يمكن النفاذ منه إلى المرمى. التغييران التاليان لبلجيكا لم يشكلا إضافة حين دفع بكاراسكو وباتشواي في الدقيقتين 80 و90 بدلًا من فيلايني وناصر الشاذلي على الترتيب.
الدفاع الفرنسي يجهض هجمة بلجيكية على أطرف منطقة الجزاء - التقطت الصورة بواسطة أيمن عارف
تراجع كل الفرنسيين إلى منتصف ملعبهم، مع محاولة الاعتماد على المرتدات القاتلة التي كادت تسفر عن الهدف الثاني في الوقت بدل الضائع من البديل توليسو الذي سدد كرة أرضية قوية تصدى لها ببراعة كورتوا. مرت الدقائق الأخيرة دون أي تغيير لتنتهي المباراة بفوز فرنسا وعبورها إلى النهائي في انتظار الفائز من إنجلترا وكرواتيا.
عقب المباراة قال هازارد معلقًا على لجوء المنافس إلى الدفاع منذ أول دقيقة وحتى نهاية المباراة: "أُفضّل الهزيمة بالطريقة التي لعبنا بها على الفوز بأسلوب فرنسا".
مشجعي فرنسا يرفعون علم بلادهم في المدرجات - التقطت الصورة بواسطة أيمن عارف