مجتمع

كيف اجتاحت المخدرات المدارس العراقية؟

يُعتقد أن تزايد تعاطي الشباب في مناطق جنوب العراق للمخدرات يعود لسببين أساسيين الأول الفقر والثاني منع بيع المشروبات الكحولية

في هذا الفيديو يظهر تلميذ في إحدى مدارس العاصمة العراقية بغداد، وهو أحد "فريق المراقبين" الذي شُكّل في المدرسة من قبل إدارتها لمراقبة بعض التلاميذ الذين "يُدخنون السجائر ويتعاطون الحبوب" بحسب قوله. ويضيف الطالب الذي لم يظهر وجهه في الفيديو: "يأتي بعض التلاميذ الذين يُريدون شراء المخدرات في وقت مبكر، يُسندون ظهورهم على الحائط ثم يأتيهم البائع. هناك أيضًا من يخبئ هذه المواد في المرافق الصحية."

دخلت المخدرات بحسب قضاة وأعضاء في مجلس النواب العراقي، إلى بعض المدارس العراقية في السنوات الأربع الأخيرة عندما اجتاح تنظيم "داعش" مدينة الموصل في العاشر من يونيو 2014؛ فالعراق الذي كان شبه خاليًا منها، أو كان مجرد محطة عبور إلى بُلدان أخرى، لم يعد مستهلكاً فحسب، بل صارت المخدرات تدخل مؤسساته التعليمية بحسب مسؤولين فيه.

إعلان

وقد حصلت "Vice عربية" على معلومات حكومية رسمية تشير إلى أن عامي 2017 - 2018 شهدا إيقاف ومحاكمة 7.358 متعاط (عدا إقليم كردستان العراق) ومن بين هذا الرقم هناك 79 فتاة. وقد سجلت العاصمة بغداد النسبة الأكثر للتعاطي بعدد بلغ 3.435، ثم محافظة البصرة بـ1،452 موقوف وموقوفة، ثم محافظة الديوانية بعدد 602. وتشير الإحصائيات الرسمية التي حصلنا عليها إلى أن الفئة بين 18- 20 عاماً، هي ثانية فئة تتعاطى المخدرات في العراق، ونسبتها 35.23%.

"لديّ معلومات عن قيام أشخاص في عام 2017 بتعيين ثلاثة طلبة للترويج لبيع المخدرات في المدرسة، هؤلاء مسنودين من عصابات بحسب معلوماتنا، ولا أحد يستطيع الاقتراب منهم،" تقول مُدرّسة في مدرسة متوسطة بقضاء المدائن جنوبي بغداد لـ VICE عربية وتضيف: "هناك طلبة أبلغونا بأن زملاء لهم يتعاطون حبوبًا مخدرة في بعض الأحيان. بصراحة، نجد صعوبة وخطورة في الحديث عن الأمر. شخصيًا، أخاف الحديث عن الأمر أكثر. هناك طلبة لديهم نفوذ وينتمون لجماعات قوية في المجتمع. وصار بعض الطلبة يُجندون طلبة آخرين في مدارس أخرى. أعتقد إنهم الآن شبكة كبيرة"، تُتابع المُدرّسة.

يظهر أن خوف المُدرّسة مبرر، فقد أشار تقرير للمجلس القضاء الأعلى في العراق الى أن "أغلب تجار المخدرات هم من أصحاب النفوذ والعلاقات ويمتلكون دعمًا من قوات غير منضبطة تابعة الى جهات متنفذة (لم يسمها) وبهذه التجهيزات لا يمكن تنفيذ أغلب أوامر القبض، لاسيما الصادرة منها على التجار. في محافظة البصرة أقصى جنوب العراق حيث الإستهلاك الأكثر لمادة الكريستال الداخلة من إيران، يكشف رئيس اللجنة الأمنية في مجلس قضاء الزبير مهدي ريكان عن ضبط حالات تعاطي داخل المدارس الحكومية وللمراحل الدراسية المنتهية للذكور والاناث."

إعلان

معظم المتعاطين ليسوا من عوائل أو مناطق غنية فقط، فالإحصائيات التي صدرت عن مجلس القضاء الأعلى، تُشير إلى وجود تعاط كبير من قبل شبان من مناطق تُعتبر شعبية مثل مدينة الصدر وحي أور والزعفرانية والشعب

يُعتقد أن سبب تزايد تعاطي الشباب في مناطق جنوب العراق للمخدرات، يعود لسببين أساسيين، الأول، الفقر الذي يضرب تلك المحافظات ويصل في بعض الأحيان إلى 30% والثاني، منع بيع المشروبات الكحولية في تلك المناطق بحجة "العادات والتقاليد وقداسة المناطق" مما يضطرهم إلى اللجوء للمخدرات -بعد أن كانت الكحول في سنوات ما بعد حرب 2003 تُباع بأسعار رخيصة.

مسؤولة تربوية في محافظة البصرة، تحدثت لـ VICE عربية عن نسبة لم تحددها من المتعاطين لكنها ترى أن "مدارس البنات هن الأكثر تعاطياً للمخدرات في المحافظة، وتعزو السبب إلى أن المخدرات تروج في المحافظة بشكل كبير،" لكن معلومات لم يتم التأكد منها تُشير إلى "وجود ثلاثة آلاف طالب متعاط في محافظة البصرة، 60% منهم من الفتيات" - دون أن تذكر أسباب إقبال الطالبات عليها بشكل أكبر.

وقد كشف المفتش العام لوزارة الداخلية جمال الأسدي، أن مديرية شؤون مكافحة المخدرات بالوزارة أنه رصدوا وجود مدرسة متوسطة للبنات في العاصمة بغداد تتعاطى الغالبية العظمى من الطالبات فيها المخدرات. وقال الأسدي في تصريح صحفي، أن هذه المدرسة رصدت فيها وباغلبها إن لم تكن بكاملها حالات التعاطي. وأضاف "أن الوزارة رصدت كذلك ازدياد في نسبة تعاطي المخدرات في صفوف أبناء محافظة البصرة، ووضعت بدورها حلولاً لتلك المشكلة لكنها تحتاج إلى قرار من مجلس الوزراء."

وبحسب المعلومات الرسمية، فإن المخدرات الطبيعية الأكثر إستخداماً هي الأفيون والحشيشة (الماريجوانا) والقات والكوكايين والمورفين وجوزة الطيب. أما المخدرات الصناعية، فهي الكريستال والمهدئات والمنشطات والمهلوسات والمواد الطيارة. أسعار ما يتم شرائه يتراوح بحسب المحافظة والنوعية، لكن الأكثر رواجًا هو الكريستال، ويوضع هذا المُخدر في ورقة سجائر ملفوفة يدويًا ويُصطلح عليها محليًا بـ"الصاروخ" سعر هذا الصاروخ الذي يكون بحجم الإصبع الصغير، 25 ألف دينار عراقي (22 دولار أمريكي تقريباً)، وهو سعر قد يكون أرخص من بقية الدول. وهذا ما قد يفسر أن معظم المتعاطين ليسوا من عوائل أو مناطق غنية فقط، فالإحصائيات التي صدرت عن مجلس القضاء الأعلى، تُشير إلى وجود تعاط كبير من قبل شبان من مناطق تُعتبر شعبية مثل مدينة الصدر، وحي أور، والزعفرانية، والشعب التي تقع في جانب الرصافة من العاصمة بغداد.

إعلان

عمليات دخول هذه المخدرات إلى العراق تكون من لبنان عبر الطائرات أو عبر "المشاحيف" (الزوارق الصغيرة) من الأهوار في إيران. كما تدخل المخدرات عن طريق النعوش، حيث يتم استغلال جثث المتوفين العراقيين في بيروت لتهريب المخدرات بداخلها، وبعض الأحيان، فإن هذه النعوش تكون من غير جثث، بل تحتوي على كميات كبيرة من المخدرات، وفقاً لمصدر أمني في مطار بغداد الدولي تحدث لـ "VICE عربية".

يُكلف الغرام الواحد من مادة الكريستال الذي يدخل من إيران عشرة آلاف دينار عراقي (8 دولار تقريباً)، ثم يُسوّق إلى المحافظات بخمسة عشر ألف، وفي العاصمة بغداد يُباع بستين ألف دينار، أي ستة أضعاف سعره الذي يدخل من إيران. تُنقل المخدرات وفقًا لشهادات تُجارها "عبر سائقي التاكسي بين المحافظات، وبائعات الهوى، والكوفيهات، ومراكز المساجات التي تكون بعضها في الظاهر من أجل العلاج الطبيعي، لكن داخلها "يُمارس الجنس وتعاطي المخدرات" بحسب ما أظهرت تقارير لوزارة الداخلية العراقية.

القصة تبدأ من الأركيلة عندما توضع فيها هذه المادة حتى يصلون مرحلة الإدمان ثم يُصارحهم بأن المادة مخدرة

وبحسب معلومات حصلت عليها Vice عربية من صاحب كوفي شوب في بغداد يسمعها من زبائنه، فإن البيع يكون عبر أطراف عديدة موزعة على شكل تنظيم شبكي، وعلى الأغلب الأموال لا تُدفع من قبل البائع إلى التاجر الكبير، بل تُحول إلى حسابات مصرفية داخل العراق: "البائعون الفرعيون لا يعرفون من هو التاجر الحقيقي ومن هو الرأس الكبير،" ويضيف: "يتم الاعتماد على طلبة متوسطة وإعدادية من عوائل فقيرة أو أطفال معروفين بشغبهم بالمدارس ولديهم علاقات واسعة مع الطلبة للعمل كمروجين، والصفة الأبرز، هي أن يكون هذا الطالب مُهاباً من قبل الآخرين. والقصة تبدأ من الأركيلة عندما توضع فيها هذه المادة حتى يصلون مرحلة الإدمان ثم يُصارحهم بأن المادة مخدرة."

إعلان

"بالصدفة دلني صديقي على إحدى الكوفيهات التي تُقدم أركيلة مميزة، ذهبت إليها فإعجبتني الأركيلة. كنت أشعر بشيء من الراحة لم أشعر به من قبل. رغم إن هذا الكوفي بعيد عن منطقتنا، إلا أنني واظبت على الذهاب إليه يوميًا، كان يُقدمها بسعرها الطبيعي 7 آلاف دينار (5 دولار تقريباً). في يوم من الأيام وجدت الأركيلة ليست مثلما كانت، فسألت صاحب الكوفي، فقال لي انتهت تلك الخلطة،" ينقل ضابط تحقيق عن متعاط مخدرات عمره 22 عاماً. ويضيف الضابط لـ "VICE" عربية نقلاً عن المتعاط.: "انقطعت عني هذه الخلطة لمدة أسبوع تقريبًا. بقيت ألح يوميًا للحصول عليها، فأبلغني صاحب الكوفي بأن سعرها ارتفع لأن فيها مواد عالية التكلفة، فتحول المبلغ من سبعة آلاف دينار إلى 20 ألف. كان يرفع سعرها كلما زاد إصراري للحصول عليها، حتى وصلت لخمس وثلاثين ألف دينار عراقي. لمدة ثلاثة أشهر كان كل ما أحصل عليه من عملي يذهب على الأركيلة حتى أدمنت عليها."

وقد شرّع البرلمان العراقي عام 2017 قانون المخدرات والمؤثرات العقلية، والذي يُعاقب بـ"الحبس الشديد وبغرامة لا تقل عن خمسة ملايين دينار (4 آلاف دولار أميركي) خمسة ملايين دينار ولا يزيد عن عشرة ملايين دينار كل من، حاز أو احرز اشترى أو باع أو تملك مواداً مخدرة أو مؤثرات عقلية أو نباتًا من النباتات التي تنتج عنها مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية أو سلمها أو تسلمها أو نقلها تنازل عنها أو تبادل فيها أو صرفها باية صفة كانت أو توسط في شيء من ذلك بقصد الاتجار فيها بأية صورة."

وجه وزير التربية العراقي محمد إقبال الصيدلي بتشكيل لجنة الوقاية والمتابعة في كل مدرسة ضد ظاهرة تعاطي المخدرات، لكن اللجنة لم تكشف عن أية معلومات حتى الآن رغم مرور سنة تقريباً على تأسيسها

وتقول عضو لجنة الأسرة والطفل في مجلس النواب العراقي السابق، ريزان الشيخ: "بعض تجار المخدرات بدأوا منذ عامين باستهداف المدارس العراقية كمحطات ترويج لبضائعهم، لكنني أعتقد أن الغاية التي تُريدها الأطراف السياسية وغير السياسية (لم تسمها) التي تُتاجر بالمخدرات، هي الفتك بالشباب العراقي، فضلاً عن تدعيم نفوذها السياسي والإقتصادي في البلاد من خلال الأرباح التي تجنيها." قبل إنتهاء عمر الحكومة الماضية قبل أقل من عام، وجه وزير التربية العراقي محمد إقبال الصيدلي بتشكيل لجنة الوقاية والمتابعة في كل مدرسة ضد ظاهرة تعاطي المخدرات، لكن اللجنة لم تكشف عن أية معلومات حتى الآن رغم مرور سنة تقريباً على تأسيسها.

ودعا قاضي تحقيق المحكمة المركزية المختص بقضايا المخدرات في الرصافة، عقيل ناظم، تعديل قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم 20 لسنة 2017 لتشديد العقوبات لاسيما أن البعض من مروجي المخدرات سبق وان أفرج عنهم بموجب قانون العفو ثم عادوا مجدداً للتعاطي او الترويج والمتاجرة كما دعا الى تشديد عقوبة المتاجرين والمروجين للمخدرات لتصل الى الإعدام.