ما إن تصل الفتاة إلى سن البلوغ حتى تحاصرها التوجسات المنبعثة من بيئتها المحيطة. البت كبرت. والجميع خائف. الخوف هنا مرتبط بحدثين يعتبرهما المجتمع جللين: الأول: أن تفقد الفتاة عذريتها وتجلب على أسرتها "العار" والشنار، ويضطر الأب آسفًا لقتلها، وشغلانة بقى وأقسام ونيابة ومحاكم. والثاني: أن تتزوج الفتاة ولا تتمكن من الإنجاب، فيضطر زوجها "آسفًا" برضه، إلى الزواج عليها أو تطليقها. فتعود لبيت أهلها بعد أن "تخلصوا" منها بالزواج.
حتى تنتهي معركة مكافحة هذه العادات بأي النتائج، إما بهزيمة العادات والأفكار أو هزيمة المحاربين لها بالهجرة من هذه المنطقة، علينا أن نوضح بعض الأمور التي تحيل حياة الفتاة المراهقة إلى جحيم بسبب المفاهيم الخاطئة، وتزيد من توترها والضغط عليها. هناك مفاهيم خاطئة بشأن الدورة الشهرية، يدور جلها حول رهاب عدم الإنجاب، تماما كالمفاهيم الخاطئة حول غشاء البكارة والذي يحمل وحده شرف الفتاة ومن خلفها الأسرة والعائلة والقبيلة والمحافظة وضواحيها.
1- الدورة الشهرية هي دم فاسد يتخلص منه الجسم:
يشاع أن تأخر الدورة الشهرية بدون حمل يُسمم الجسم لاحتفاظه بالدماء الفاسدة. والحقيقة أن ما يحصل في الدورة الشهرية هو تخلص الرحم من الغشاء المبطن له في حال عدم تلقيح البويضة التي تخرج إلى الرحم بمعدل مرة في الشهر، وهذا الجدار المبطن للرحم يتجدد في دورة هرمونية شهرية، تتراوح ما بين 21 إلى 35 يومًا. لا دم فاسد ولا غيره.
2- ممنوع الاستحمام أثناء الدورة الشهرية:
يشاع أن الاستحمام أثناء الدورة الشهرية يسبب العقم للمرأة. هذا خطأ جسيم، فالحقيقة أن الاهتمام بالنظافة الشخصية أمر هام، وخاصة في فترة الدورة الشهرية، ويجب على المرأة الاستحمام بشكل دوري في هذه الفترة حماية لها صحياً ولتعزيز نشاطها.
3- السباحة ممنوعة:
هذا أيضا خطأ شائع، ويدعي التراث الشعبي المتداول أن السباحة أثناء الدورة الشهرية تسبب العقم. هناك أسباب عديدة للعقم أو تأخر الإنجاب ليس من بينها السباحة أثناء الدورة الشهرية. يمكنك تأمين نفسك ووضع فوطة صحية نظيفة والسباحة كما تشائين مع تغيير الفوطة الصحية بمجرد خروجك من البحر أو المسبح.
4- لا تمارسي الرياضة:
على العكس تمامًا؛ فالرياضة مفيدة بشكل عام، ومفيدة لك أثناء الدورة الشهرية. إلا أن بعض النساء يعانين من الإرهاق وتدفق الدماء الغزير في اليوم الأول من الدورة الشهرية، لذلك يمكنك الاستراحة من الرياضة في اليوم الأول وذلك بسبب الإرهاق، لا لإن الرياضة تسبب العقم كما يدعي التراث الشعبي.
5- مدة الدورة الشهرية:
يعتقد البعض أن المدة الطبيعية التي تحدث فيها الدورة الشهرية هو كل 28 يومًا، وأنها يجب أن تستمر لمدة أسبوع. ويظن البعض أنه إذا حدثت الدورة الشهرية في فترة تقل أو تزيد عن 28 وأن مدتها إذا زادت أو قلت عن أسبوع فهناك خلل هرموني أو أنها إشارة إلى أن الفتاة أو السيدة تعاني من عقم. وهذا كلام غير علمي بالمرة. فقط 13% من النساء تأتيهم الدورة الشهرية كل 28 يومًا، وهناك العديد من النساء اللاتي تأتيهن الدورة الشهرية ما بين 21 إلى 35 يومًا، وتتراوح مدة الدورة الشهرية ما بين يومين إلى عشرة أيام. وكل هذا أمور طبيعية لا تحتاج إلى زيارة طبيب.
معلومات خاطئة عن غشاء البكارة:
توضع الفتاة، في المجتمعات الشرقية، منذ نعومة أظافرها، تحت ضغط الحفاظ على غشاء البكارة، لإنه "شرفها وشرف العائلة". وتحرم من كثير من الممارسات ومتع الحياة حفاظًا على هذا الجزء الصغير من الجسم الذي قد يودي فقدانه بحياتها في كثير من المجتمعات.
ما هو غشاء البكارة؟
هو عادة، غشاء رقيق يغلق فتحة المهبل لدى الفتيات البكر، وبه فتحة صغيرة جدًا تسمح بخروج دم الحيض. وهناك أنواع كثيرة من غشاء البكارة، فهناك الغشاء النمطي الهلالي الرقيق، والغشاء المسنن، وهناك الغشاء المطاطي السميك، وهو صعب الفض، حتى عبر العلاقة الزوجية، وهناك الغشاء الغربالي، والذي يوجد به فتحات صغيرة كثيرة، وهناك الغشاء المسدود الذي يمنع نزول دم الحيض ويتطلب تدخل جراحي، وهناك من تولد بلا غشاء بكارة البتة.
هل غشاء البكارة يدل على عفة الفتاة؟
بالطبع لا، هذه أسطورة ليس لها أدنى علاقة بالواقع، فكما ذكرت آنفًا، هناك من تولد بلا غشاء بكارة، وهناك من تولد بغشاء مطاطي يسمح لها بممارسة الجنس مع عدم تمزق الغشاء. وبالأخير، فإن تعليق "شرف" الفتاة ومن خلفها الأسرة، بطريقة تصرف الفتاة في جسدها أمر تجاوزته الأمم المتحضرة. وكما ترتبط الدورة الشهرية بالعديد من المعلومات المغلوطة، يرتبط غشاء البكارة كذلك بمعلومات مغلوطة وخاطئة.
1- لا تركبي الدراجات أو الخيل:
ليس هناك أدنى علاقة بين ركوب الخيل والدراجات وتمزق غشاء البكارة. فغشاء البكارة النمطي لا يتمزق إلا بالعلاقة الجنسية أو بإدخال جسم إلى المهبل بعمق يصل إلى 3 سم على الأقل.
2- لا تلعبي الجمباز والباليه:
أسطورة أخرى، تحرم الفتاة من ممارسة هواياتها وليس لها أي أساس علمي. بالطبع لا يمكن ممارسة بالباليه أو الجمباز إلا في سن صغير، لذلك، فنحن ننصح الأم أن تلحق ابنتها بالجمباز والباليه في سن صغير، فهما رياضتان جميلتان وصحيتان ومفيدتان، ولا تخشى من تمزق غشاء البكارة، فهذا لن يحدث.
3- لا تقفزي:
يشاع أن القفز يمزق غشاء البكارة لدى الفتيات، وهذا غير صحيح بالمرة. اقفزي براحتك.
4- لا تنظفي الأجزاء الداخلية للمهبل:
بالطبع أنت لن تدخلي جسمًا حادًا إلى المهبل، لكنك ستنظفين هذه المنطقة منعًا لحدوث التهابات وانتشار الميكروبات والفطريات، وهذا لن يمزق غشاء البكارة.
5- الشطاف يمزق غشاء البكارة:
لا حول ولا قوة إلا بالله.. بالطبع لا. عليك استخدام الشطاف والحفاظ على نظافتك الشخصية بشكل منتظم دون الخوف من تمزق غشاء البكارة.
الحقيقة أن العقم مشكلة طبية، لا يتم اكتشافها إلا بالفحص الطبي، وليس للفتاة أي ذنب فيها، هذا هو حظها من الطبيعة، والتي تعاني من العقم، لم تقترف حماقة أو تمارس ممارسة خاطئة أدت إلى عقمها، فجسم الإنسان ليس آلة إلكترونية حين يقع في الماء يعطب. وتحميل الفتاة مسؤولية العقم الذي اختارته لها الطبيعة ضغط عصبي عليها، وحرمان لها من ممارسة حياتها كما ترغب. كما أن هناك تطور كبير في مجال الطب يسمح بعلاج أغلب حالات العقم.
أما غشاء البكارة، فهو أسطورة الشرف التي تعيشها المجتمعات المتخلفة. ولا يليق بالعائلة الكبيرة المحترمة، والقبيلة ذات الصيت والنفوذ، أن تربط مصيرها بجزء صغير لا يتجاوز الـ2 سم يقع أسفل جسد الفتاة. فهذا أيضًا تحميل وعبء كبير على كاهل فتاة، خلقها الله إنسان، وتريد أن تحيا حياة الإنسان، وتمارس نشاطات الإنسان، وألا تدور حياتها في فلك هذا الجزء الصغير للحفاظ عليه. فهي طفلة تريد أن تلعب، وصبية تريد أن تمارس الرياضة، وشابة تريد أن تتحرك وتبني مستقبلها وتطارد طموحها العلمي والمهني، وتلخيصها في هذا الجزء الصغير من الجسد أمر مهين ومرهق.
وقيمة الفتاة لا تتلخص في إنجاب الأطفال والحفاظ على غشاء بكارتها. هذه ثقافة بادت منذ قرون، وقت أن كان الناس يحتاجون إلى عدد كبير من الأبناء للإغارة على القبائل أو حماية أنفسهم من القبائل الأخرى، ووقت أن كان الناس يخشون على نسائهم من السبي. فكما أقلع الرجل عن الإغارة على القبائل، فلماذا لا تقلعون عن مطاردة المرأة بتلك الأفكار القديمة منتهية الصلاحية.