الجزائر
سياسة

"يتنحاو قاع" الحراك الشعبي الجزائري مستمر منذ تسعة أشهر ومطالبات بتنحي وجوه النظام السابق

الإسراع في إجراء انتخابات رئاسية تشرف عليها وجوه النظام السابق هو دليل قاطع عن عدم استماع السلطة لمطالب الشارع

محسن، 28 عاماً، شاب جزائري حاول أكثر من أربع مرات استعمال قوارب الموت في محاولة للهجرة بطريقة غير شرعية إلى أوروبا، ولكن جميع محاولاته باءت بالفشل. محسن، من ولاية مستغانم، شمال غربي الجزائر، يعيش في بيت عائلي من 3 غرف يضم إخوته الخمسة ووالديه لم تنصفه الحياة حسب قوله في إيجاد عمل يستطيع ورغم شهادته الجامعية في الميكانيك الصناعية أن يوفر لنفسه حياة كريمة حسب قوله. محسن وبعد فقدانه الأمل لسنوات يرى اخيراً بصيص أمل في غدٍ افضل له ولعائلته، حيث أكد أنه لا ينوي الهجرة من الجزائر وهو متمسك في حقه كمواطن في دولة تكفل له متطلبات العيش الكريم من عمل، وصحة وتعليم وعدالة اجتماعية: "لا أفكر حالياً في ترك الجزائر، وأنا باق فيها لأن الآن هو الوقت الذي يجب أن نتكاتف فيه كجزائريين، لكي لا تضيع الجزائر مرة أخرى. أنا لا أفكر في مستقبلي فقط، بل في مستقبل الأجيال القادمة، ولهذا من المهم بالنسبة لي المشاركة في هذا الحراك وعدم السماح للنظام القديم بالعودة بطريقة جديدة."

إعلان

لا يزال الحراك الشعبي مستمر في الجزائر منذ 36 اسبوعاً. الحراك السلمي الذي بدأ في 22 فبراير الماضي لا يزال يطالب بدولة مدنية، وبرحيل كل رموز النظام القديم واستقالة حكومة رئيس الحكومة نور الدين بدوي وعبد القادر بن صالح رئيس الدولة الحالي من منصبهما، وعدم مشاركتهما في الإنتخابات القادمة بسبب علاقتهما بالنظام السابق. فلا يبدو أن شباب الحراك يمكنهم التغاضي عن حقيقة أن بن صالح كان من الأوائل الذين دعوا الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة للترشح لولاية خامسة.

الكثير من الشباب الجزائري كان ولمدة طويلة خارج الحسابات السياسية، حتى أن الكثير لم يكن يعطي اهمية لما كان يحدث في الساحة. ويرى خبراء أن "استقالة" الشباب من المشهد السياسي الجزائري هي نتيجة لمخلفات الحزب الواحد (جبهة التحرير الوطني الذي ترأسه بوتفليقة). كما لا ننسى الحرب الأهلية التي شهدتها الجزائر في سنوات التسعينات والتي اعتبرت من أحلك الفترات التي مرة على تاريخ الجزائر بعد الإحتلال الفرنسي، والتي تسببت في مقتل أكثر من 200 ألف جزائري.

إلا أن حراك 22 فبراير غير كل تلك التصورات والأهم كسر هاجس الصمت والخوف، ليخرج ملايين الجزائريين للساحات في 48 ولاية رافضين ترشح عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة، ورافضين أي انتخابات تشارك فيها "العصابة" كما يسميهم الجزائريون أي الذين عملوا تحت الحكم البوتفليقي.

1572334917086-DSC_3680

من مظاهرات أبريل 2019 -جميع الصور من تصوير: هشام. م

المادة 7 و 8 من الدستور والتي تقول أن "الشعب هو مصدر السلطة" لا يزال هو الشعار الوحيد الذي يطالب به الكثير من الجزائريين. هذا الحراك الشعبي الثوري نجح بإعطاء أمل جديد للشباب الجزائري في دولة يكون الكل فيها متساوياً أمام القانون، وهو ما جعل الكثير من الشباب يتغاضى عن فكرة الهجرة والبحث عن حياة أفضل خارج الجزائر. ويعيش أكثر من سبعة مليون جزائري في الخارج، أي حوالي 18% من عدد سكان الجزائر البالغ 43 مليون.

إعلان

حجم الفساد الذي عرفته الجزائر خلال حكم بوتفليقة أثر بشكل كبير على الاقتصاد الوطني، فقد كان ينخر أجهزة الدولة ومؤسساتها، مما جعل المحسوبية فوق كل شهادة علمية ونفى أي إمكانية للشباب الطامح في العمل و تقديم شيء لنفسه أو لبلده. لو كانت الفرص عادلة لما هاجرت الادمغة الشابة والطموحة للخارج

يشير محسن أنه كما غيره من الشباب أنه شعر بشيء لم يعهده في وطنه وهو الأمل: "لم أكن أتوقع في حياتي أن يأتي يوم من الأيام يذهب فيه بوتفليقة وعصابته، لكن تنحيه عن الحكم والقبض على رؤوس الفساد أعطاني بصيص أمل ولو بسيط في إمكانية حدوث تغيير فعلي في الجزائر."

التحولات الكثيرة التي شهدتها الجزائر خلال الأشهر السابقة، هي بمثابة ثورة شعبية كاملة. فلم يتوقف الجزائريون عند الوعود بالتغيير، بل أرادوا أن يقودوا هذا التغيير سواء على المستوى السياسي أو الإجتماعي. وكان كان مطلب محاربة الفساد واحد من أهم هذه من المطالب التي لم يتنازل عنها الجزائريون المتظاهرون في الشوارع في شعاراتهم مثل "كليتو البلاد يا السراقين" مما استدعى من السلطات العليا للبلد التحرك وإلقاء القبض على عدد من رجال أعمال ومسؤولين شغلوا مناصب سياسية وأمنية تمهيدًا لمحاكمتهم.

1572334941763-B02

أمين، 24 عاماً، متدرب في مجال الصيدلة، من ولاية سطيف في شرق شمال الجزائر، ومن المشاركين في الحراك، يرى أن التصدي للفساد لوحده ومحاكمة "العصابة" خطوة كبيرة للجزائر من أجل العمل بشكل حقيقي لتطوير البلد: "حجم الفساد الذي عرفته الجزائر خلال حكم بوتفليقة أثر بشكل كبير على الاقتصاد الوطني، فقد كان ينخر أجهزة الدولة ومؤسساتها، مما جعل المحسوبية فوق كل شهادة علمية ونفى أي إمكانية للشباب الطامح في العمل و تقديم شيء لنفسه أو لبلده،" يقول أمين ويضيف: "لو كانت الفرص عادلة لما هاجرت الادمغة الشابة والطموحة للخارج."

إعلان
1572335129740-DSC_3795-1

ومن المقرر أن تجري الانتخابات الرئاسية القادمة في 12 ديسمبر، وقد أشارت هيئة الانتخابات الجزائرية إلى أن 22 مرشحا قد تأهلوا للمشاركة. وعلى الرغم من أن من بين المرشحين وزراء سابقون أو قادة أحزاب سياسية مثل رئيس الوزراء السابق علي بن فليس، إلا أن كثير من الجزائريين يضعون آمالهم على رئيس بإمكانه وضع الجزائر على السكة الصحيح. ولكن هناك من يتخوف من عودة النظام السابق بهيئة أخرى. وقد شارك آلاف الجزائريين يوم الجمعة في مظاهرات حاشدة رفضاً لإجراء الانتخابات الرئاسية، مع مرشحين من رموز النظام السابق. كما طالب المحتجون أيضا بالإفراج عن "مئة سجين رأي" من متظاهرين وناشطين وصحافيين تم توقيفهم منذ يونيو لوقائع على صلة بالاحتجاج. بالإضافة إلى ذلك، بدأ القضاة والنواب العامون في الجزائر يوم الأحد إضراباً "غير محدود" للمطالبة باستقلالية القضاء وإلغاء قرارات تقضي بنقل ثلاثة آلاف قاض.

طيب، 33 عاماً، صاحب محل نجارة و تأثيث من ولاية البليدة، يعتبر ما يحدث الآن في الجزائر سيناريو آخر من النظام القديم للحفاظ على كرسي السلطة: "الإسراع في إجراء انتخابات رئاسية تشرف عليها وجوه النظام السابق هو دليل قاطع عن عدم استماع السلطة لمطالب الشارع والحراك،" يقول طيب ويضيف: "بقاء رموز الفساد وعدم استقالتهم يعتبر دليلاً قاطعًا على تعنت السلطة في بقاء النظام القديم، والذهاب للانتخابات دون تحقيق كل المطالب هو غير سليم."

"لا انتخابات مع العصابة" هذا ما ردده طيب في المظاهرات برفقة الكثير من الشباب. المطالب حسب قول طيب كانت ولا تزال هي بذهاب العصابة كاملة ومحاسبتهم تحت شعار "يتنحاو قاع" أي يذهبوا كلهم (وهو ما يتقاطع مع الشعارات في المظاهرات اللبنانية كلن يعني كلن) بما في ذلك رئيس الحكومة والرئيس المؤقت. طيب يرى أن مطالب الحراك لم تتحقق وهناك مطالب كثيرة تم تجاهلها كإطلاق سراح سجناء الرأي ومطلب استقالة الحكومة الحالية، وايضاً تشكيل حكومة انتقالية ترأسها شخصيات وطنية توافقية: "ما قام به قائد الأركان ووزير العدل في القبض على رؤوس الفساد يعتبر انجازاً، إلا أن بقاء عدد منهم في السلطة هو ما يعيق التحرك نحو جزائر جديدة يطمح لها الكثير من الشباب."

1572334956684-B01

على الرغم من أن الشارع الجزائري لا يزال يتخبط بين أراء وأفكار شبابه إلا أن مشاهد السلمية والتحضر لا تزال تسيطر على المشهد العام للمظاهرات التي لم تسجل خلال الـ 36 اسبوعاً أي اعمال عنف أو خسائر بشرية. الجزائر تصنع مساراً جديداً للتظاهر السلمي الذي أعطى صورة مغايرة عن وعي وتلاحم الجزائريين، عكس ما كان يصور من عنف وعصبية كانت تطغى على الصورة النمطية للجزائر. يبدو أن حراك 22 فبراير لم يحرر فقط الشعب الجزائري من النظام المستبد، بل حرر معه وجوه وأصوات جديدة لم تسنح لها الفرصة قبل ذلك بأن تساهم في بناء الجزائر من قبل.