Getty Images
"نمت ساعة لقيت التايملاين كله حرب عالمية ثالثة." هذه واحدة من الكثير من التغريدات التي انتشرت خلال الأربعة وعشرين ساعة تحت هاشتاغ #حرب_عالمية_ثالثة بعد مقتل قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، في غارة جوية على مطار بغداد في وقت مبكر من يوم الجمعة بأمر من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
التوقعات بحرب عالمية ثالثة، لها مبرراتها، فالكثير يتوقع رداً ايرانياً قاسياً على مقتل قاسمي، الذي يعتبر ثاني أقوى رجل في إيران بحسب البعض. فقد توعد المرشد الاعلى للثورة آية الله علي خامنئي بأن "انتقامًا شديدًا ينتظر الذين تلطخت أيديهم بدماء سليماني في الزمان والمكان المناسبين." فيما أعلنت الولايات المتحدة عن إرسال 3,500 جندي إضافي إلى الشرق الأوسط "كإجراء احترازي." كما دعت السفارة الأمريكية في بغداد كافة رعاياها، من ضمنهم العمال في الشركات الأمريكية مغادرة البلاد "على الفور."
في العراق، التي تشهد منذ أكتوبر تظاهرات ضد الطبقة السياسية الحاكمة والفساد وأيضًا ضد النفوذ الإيراني في هذا البلد، تلقى المتظاهرون خبر مقتل سليماني بشكل متفاوت ما بين من اعتبر مقتله انتهاكاً لسيادة العراق، وما بين من رآى أنه نال ما يستحقه. ولكن الأكثرية عبرت عن تخوفها من أن يكون العراق ساحة الحرب القادمة، كما يقول العراقي محمد قاسم، 24 عامًا في حديثه مع VICE عربية من البصرة: "مقتل قاسم سليماني يُعد إنتصاراً بالنسبة لي، في الحقيقة لقد فرحِت عند سماع خبرِ مقتله، فرح لا يعلو على فرحِ خبر مقتل أبو بكر البغدادي قبل أشهر، كلاهما (البغدادي وسليماني) تسببوا بقتل الآلاف من العراقيين، جميعهم مُجرمون. أتمنى أن يكون مقتل سليماني سببًا لكبح التواجد الإيراني في العراق منذ عام 2003 بعد الاحتلال الأمريكي لبلدي. لكنني أخشى مما تخبئه لنا الأيام، لا نريد أن يكون العراق ساحة لتصفية الحسابات لأي دولة كانت."
فليعلم الجميع أن العراق للعراقيين فقط، وأقول لهم (أمريكا وإيران)، من يريد الحرب، عليه أن يغادر البلاد ويحارب خارجه
ويأتي مقتل سليماني، بحسب خبراء، رداً على هجوم قام به متظاهرون وأنصار للحشد الشعبي (المدعوم من إيران) على مبنى السفارة الأمريكية قبل أيام ببغداد، في ردٍ على الغارات الجوية التي شنها الجيش الأمريكي يوم الأحد الماضي على قاعدة عسكرية تابعة إلى كتائب حزب الله العراقية (أحد فصائل الحشد الشعبي) أسفرت عن سقوط 25 قتيلًا. وقد قُتل في الغارة الأمريكية يوم الجمعة بالإضافة إلى سليماني كل من أبو مهدي المهندس، نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي، إضافة إلى مسؤول التشريفات في الحشد الشعبي، رضا محمد الجابري، إضافة إلى 8 أشخاص كانوا برفقتهما. وقد قاد سليماني، 62 عامًا، فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني العمليات العسكرية الإيرانية في الشرق الأوسط، بما في ذلك سوريا والعراق. وقد كان لسليماني، وقوات الحشد الشعبي، التي تم دمجها في قوات الأمن العراقية، دوراً كبيراً في القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وغيرهم من الحركات الإرهابية كالنُصرة والقاعدة في العراق وسوريا.
"وجود قاسم سليماني في العراق قانوني حاله حال الخبراء الأجانب الموجودين في العراق سواء أمريكيين (وهم الأغلبية) أو غيرهم ضمن التحالف الدولي لمحاربة داعش وهذا شيء مُسلم به،" يقول علي عبد السلام، 28 عامًا، ويضيف: "هذا الإعتداء الغاشم لسليماني هو انتهاك لسيادة العراق، وأمر مخالف لكل القوانين الدولية وكذلك الاتفاقية الأمنية بين العراق والولايات المتحدة." ويضيف عبد السلام: "مقتل سليماني يعني مزيد من التصعيد والتعقيد ليس فقط في العراق وحسب، وإنما في المنطقة بأكملها، وهذا كله بسبب سياسة أمريكا الرعناء المتمثلة في ترامب، وعليه، أصبحت إزالة الوجود الأمريكي ضرورة ملحة، لأنها لا تحترم سيادة العراق وهذا واحد من أهم المطالب بالنسبة لنا كمتظاهرين."
يتفق المحامي حميد الشبلاوي، 36 عاماً، من النجف، مع عبد السلام: "مقتل سليماني في غارة أمريكية مرفوضة وانتهاك لسيادة العراق. نحن لا نقبل بأي تدخل في العراق، سواء من قبل الولايات المتحدة أو إيران، فليعلم الجميع أن العراق للعراقيين فقط، وأقول لهم (أمريكا وإيران)، من يريد الحرب، عليه أن يغادر البلاد ويحارب خارجه."
أما عن تأثير مقتل سليماني على زخم المظاهرات في العراق، يشير منتظر مهدي، 35 عامًا، متظاهر من محافظة ميسان لكنه يتظاهر في بغداد منذ إنطلاق التظاهرات في ساحة التحرير: "مقتل سليماني الذي كان يصفنا بأننا "مخربين" لن يؤثر على مستقبل الحراك الشعبي، بل على العكس سنستمر في التظاهر والمطالبة بحقوقنا."
من جهته، يقول أحمد الخطيب، 26 عامًا، ناشط مدني من مدينة الناصرية (جنوب العراق): "مقتل سليماني أدى إلى إنشقاق في الرأي بين صفوف المتظاهرين، بين من يؤيد مقتله، والآخر يرفضه. الذين يؤيدون مقتله يرون في ذلك خطوة لإنهاء النفوذ الإيراني في العراق، والذين يرفضون قتله، يرونه رمزاً شيعياً شارك في تحرير بعض الأراضي العراقية من تنظيم داعش." ويضيف: "لا شك أن مقتل سليماني ضعّف من أوج التظاهرات نسبياً، على الأقل الآن."
حيدر الشامي، 31 عامًا، هو واحد من المتظاهرين الذي عبر عن حزنه بمقتل أبو مهدي المهندس: "سليماني قد "يستاهل القتل" لكن لا يجب في أي حالة من الأحوال قتله على الأراضي العراقية. لكنني حزنت على مقتل المهندس، كان شخصية عظيمة وله دور مهم ومواقف مشهودة في تحرير مناطق عراقية عدة من تنظيم داعش الإرهابي. هناك فرق بين المليشيات التي تسلقت للسلطة من أجل قتل العراقيين وبين من ضحى وقاتل من أجل البلاد."
لا أعتقد سيكون هناك حرب عالمية ثالثة، القوات الأمريكية لا تريد خوض حرب مع إيران في الوقت الحالي، وإنما تقليم أظافر وقصقصة أجنحة إيران. قاسم سليماني هو عبارة عن صفحة في التاريخ، وطويت
موسى، 28 عاماً، طالب ماجستير، يرى أن طريقة قتل سليماني هي صورة لعالم مجنون لم تعد تحكمه المواثيق الدولية التي تم وضعها بعد الحرب العالمية الثانية: "طريقة قتل سليماني في طريقه من المطار في بلد له سيادة -من المفترض- هو أولاً أمر لا أخلاقي ولا قانوني ومخيف في عالم يَحكمه رجل مجنون كترامب. سليماني هو شخصية مختلف عليها في العراق وخارجها، بين من يراه ممثلاً لسيطرة إيران على المنطقة وبين من يراه مقاتلاً ضد داعش والحركات الإرهابية ورداعًا للنفوذ الأمريكي. ما بين إيران وأمريكا، أنا طبعاً ضد أمريكا أولاً وأخيراً، الاجتياح الأمريكي هو أصل كل الشرور في العراق، ولا يمكنك إصلاح كل ما أفسدته أمريكا قبل خروجها من العراق بشكل كامل وللأبد."
وعن تداعيات مقتل سليماني على العراق والمنطقة يقول المحلل السياسي العراقي غانم العابد: "ستكون تداعيات مقتل سليماني كبيرة جدًا على العراق، ولو أردت أن أعطي وصف لسليماني، فهو القائد العام لكل الميليشيات في المنطقة، وهي ميليشيات مرتبطة ارتباطًا عقائدياً به. كما أن إيران ترى العراق كعمق إستراتيجي لها، وخصوصًا مع وجود عدد كبير من القوات الأمريكية."
وحول رد إيران المتوقع على الولايات المتحدة، يقول العابد أن المستقبل يبدو غامضًا، ولكنه لا يتوقع حرباً شاملة في منطقة الخليج: "لا أعتقد سيكون هناك حرب عالمية ثالثة، القوات الأمريكية لا تريد خوض حرب مع إيران في الوقت الحالي، وإنما تقليم أظافر وقصقصة أجنحة إيران ومن يواليهم في العراق والمنطقة. قاسم سليماني هو عبارة عن صفحة في التاريخ، وطويت."
علي كريم، 24 عامًا، من محافظة البصرة يتخوف من أن الصراع الحالي بين إيران والولايات المتحدة قد يؤدي إلى فرض عقوبات إقتصادية على العراق: "فُرض عقوبات اقتصادية على العراق سيؤدي لعجز كبير في الميزانية العامة، وسيؤدي بنا إلى حال اسوأ من الحصار الذي مره به العراق في السنوات الماضية. في السابق، كان العراق يعتمد على الزراعة والصناعة، أما اليوم فالعراق يعتمد تماماً على النفط، وهذه مشكلة كبيرة بحد ذاتها."
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد هدد بفرض عقوبات على بغداد بعد أن صوت البرلمان العراقي على العمل لإنهاء وجود أي قوات أجنبية، بما فيها الأمريكية، في البلاد. وقال ترامب إنه إذا طلب العراق من القوات الأمريكية الرحيل: "سنفرض عليهم عقوبات لم يروا مثلها من قبل. ستكون العقوبات على إيران شيئا صغيرًا بالمقارنة."
ويضيف كريم: "تصوّيت البرلمان العراقي على إنهاء وجود القوات الأمريكية من العراق، وهو تصرف غبي لأنه جاء كرد فعل بعد مقتل سليماني، وليس بناءً على قرار سياسي عراقي مستقل، أو حتى استجابة لمطلب الجماهير،" ويكمل: "نحن لا نقف مع إيران ولا مع أمريكا، نحن نريد أن نكون أصدقاء مع الجميع، بما يخدم مصلحة العراق وليس على حساب الشعب وأرواح الناس."