Vice - April 2021 - Kibok - Alexandra Helou
تحقيقات

في العراق، شركات سفر تبيع فحوص PCR مزورة للمسافرين

تشكل الفحوص المزيفة مشكلة كبيرة جداً قد تعطل كل الجهود للسيطرة على الإصابات

بعد ظهور جائحة فيروس كورونا أصبحت جميع تنقلاتنا تعتمد على فحص الـ PCR، فهو مطلوب عند زيارة الوزارات والمقار الحكومية، والتنقل من مدينة إلى أخرى في نفس البلد، وطبعاً عند السفر. عليك الحصول على نتيجة هذا التقرير قبل 72 ساعة للرحلات الطويلة وقبل 48 ساعة للرحلات القصيرة، وبدون الحصول على نتيجة سلبية، لن تستطيع الذهاب لأي مكان، وستنتهي طبعاً بالحجر الصحي.

تطلب البلدان في جميع أنحاء العالم الآن من الركاب تقديم دليل على اختبار السلبي قبل السفر، الشهادات المزيفة تقوض جهود القطاع للحد من انتشار المرض وفتح السفر الجوي. في العديد من الدول انتشرت تقارير عن قيام أشخاص بتزوير مستند الفحص ببرنامج فوتوشوب أو Microsoft Paint لضمان عدم إلغاء رحلاتهم أو لتجنب الحجر في حال جاءت نتيجة الفحص إيجابية.

إعلان

وتم القبض على رجل في مطار لندن لوتون للاشتباه في بيعه شهادات مزورة. وفي باريس، اعتقلت السلطات الفرنسية أشخاصاً في مطار شارل ديغول يُزعم أنهم كانوا يحملون 200 اختباراً مزيفاً. الاختبارات المزيفة هي مجرد مثال واحد على مجموعة من الأنشطة الاحتيالية التي ظهرت أثناء الوباء، حيث تم بيع دم المتعافين من الفيروس على الدارك ويب، وبيع أدوات اختبار فيروس كورونا مزيفة كذلك.

في العراق لا يحتاج المسافر إلى استخدام برامج التعديل أو ما شابه لتزوير التقرير، فمن خلال استقصائي للموضوع، تبين أن هناك شركات سفر تقوم بالتنسيق مع العاملين في مراكز فحص المسافرين لإصدار فحوصات غير قانونية بنتيجة سالبة (negative). رسوم الفحص التي حددتها وزارة الصحة 50 ألف دينار عراقي، أي ما يقارب 40 دولار مقابل الفحص. ولكن سعر تقرير الفحص المزيف يصل لحوالي 100 دولار، والطلب على هذه التقارير المزيفة في ارتفاع.

تحدثت مع عدد من المسافرين جميعم أكدوا لي حصولهم على فحوصات مزورة. عمر، 35 عاماً، رفض أن يذكر اسمه الكامل ومحل إقامته، يقول أنه قرر شراء فحص مزور خوفاً من اضطراره لإلغاء رحلته إلى تركيا، بعد أن ظهرت نتيجة فحصه إيجابية: "قمت بالتواصل مع شركة السفر لإلغاء رحلتي، ولكن كان لديهم الحل بعد سؤالي "هل لديك أعراض أو حرارة مرتفعة" أجبتهم لا، وعندها أخبروني أنه يمكنني أن أحصل على فحص كورونا بنتيجة مختلفة مقابل 100 دولار. ترددت في البداية، ولكن عندما فكرت بكل الحجوزات والمال الذي دفعته للسفر وافقت. في المطار كنت خائفاً من أن يظهر الفحص مزيفاً، ولكن عند قيام الموظف بفحص"QR" الموجود بالفحص تبين أنه صالح، وسافرت بدون مشاكل."

إعلان

أحمد، 30 عاماً، موظف حكومي، قام هو أيضاً بشراء الفحص للسفر ويشدد على "أن الفحص قانوني ويحتوي على رمز QR مرتبط بمؤسسات وزارة الصحة العراقية، ولا يمكن لأي شخص الطعن بالفحص على إنه مزور إلا أصحابه." ويضيف: "قمت بشراء الفحص المزيف لأنني لا أشعر بالأمان عند دخول مراكز فحص المسافرين، فقد تلتقط الفيروس في هذه المراكز، بسبب عدم اتباع إجراءات الوقاية الصحية اللازمة. دفع ١٠٠ دولار أو أكثر لقاء فحص مزور أفضل من الذهاب إلى مراكز الفحص."

سألت أحمد عن أماكن شراء مثل هذه الفحوص المزورة وأجاب: "معظم شركات السفر البرية والجوية تصدر لك فحص PCR من أجل بيع تذاكرها. تصدر نتيجة فحص سلبية خلال 60 دقيقة عن طريق إرسال صورة جوازك على واتس آب لمركز الفحص الذي يتعامل معهم. يعني يمكن القول أن مراكز الفحص هي المسؤولة عن جريمة التزوير وليس الأشخاص المستفيدين منها." للتأكد من صحة هذه المعلومات، راسلت واحدة من شركات السفر المعروفة في البصرة عبر واتس آب، وأخبرني بها أحد المتحدثين أنه سيوفر لي فحص بنتيجة سلبية عند شراء التذكرة، بدون أن أذهب لمركز الفحص.

اثبات تواصل مع شركة سفر.PNG

ولكن لماذا تقوم شركات السفر بذلك وتعرض نفسها لخطر الإغلاق والسجن والغرامة، حيث تنص المادة 289 من قانون العقوبات العراقي على "يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على 15 عاماً، كل من ارتكب أو حمل تزويرًا في محرر رسمي (وثيقة رسمية)."

تواصلت مع أحد مدراء شركة السفر، الذي وافق على الحديث معي بدون الكشف عن اسمه، وهو يرى أن الطلب من الزبائن هو الذي يحدد وجود الخدمة من عدمها ويضيف: "نحن نوصي المسافرين بالذهاب للمركز الصحي والحصول على الفحص بشكل فردي، ولكن هناك كثير من المسافرين الذين يطلبون الفحص بطريقة غير قانونية لأسباب تتعلق بالخوف من نتيجة الفحص أو من أجل أنجاز أوراقهم بسرعة. جميع شركات السفر لديها جهات يمكنها إصدار الفحص من مراكز الفحص في العراق بدون أخذ مسحة الأنف من المسافر نفسه. نحن لدينا التزامات مالية وضرائب، إذا لم نقم بتوفير هذه الفحوص، سيذهب المسافر إلى شركة سفر أخرى. الخيارات محدودة والجميع مسؤول."

إعلان

لا يبدو أن العقوبة كافية لمنع استمرار هذه الممارسات، على العكس تماماً، هناك "اتفاق عام" للتغطية عليها، بحسب البعض.

حامد، اسم مستعار، مصمم في شركة طباعة واعلان، أخبرني أن شركته تطلب منه تزوير بعض الأختام الحكومية الخاصة بالفحوص: "يتم الطلب مني تزوير صورة الختم الأصلي لوزارة الصحة على بعض فحوص الـ PCR. كموظف، ليس لدي أي خيار ولا أستطيع رفض مثل هذه الطلبات، الموضوع أكبر مني." يشير حامد أنه في حال فكر بالتبليغ عن هذه الحوادث في شركته، فسيتم كشفه وطرده وقد يتعرض هو نفسه للسجن "سأكون كبش الفداء ولا أحد سيقف معي."

أستمارة فحص مزوة يستخدمها أصحاب الشركات (1).jpg

استمارة فحص مزوة حصلت عليها من أحد شركات السفر. وصدرت الاستمارة من مختبر فحص في البصرة وتحمل الختم الرسمي من مدير المختبر وكذلك رمز الـ QR.

يضيف حامد أن الأشخاص الذين يطلبون تزوير الأختام هم بالعادة أصحاب شركات السفر وأصحاب المشاريع الصغيرة والكبيرة، ويشير حامد أنه من السهل كشف التزوير في الأوراق الحكومية، ولكن لا أحد يريد ذلك حسب ادعائه: "الجهات الحكومية والرقابية تستطيع كشف ومنع استنساخ الأختام والمستندات الحكومية، ولكن لا أحد يرغب في ذلك ضمن مبدأ (فيد واستفيد بالعراقي). الجميع مستفيد، المطابع وشركات الدعاية والتصميم وشركات السفر وبعض الجهات الحكومية. برأيي، هذه شراكة بجريمة كبرى، وهذا مؤشر على مستوى الفساد الإداري في العراق."

في محاولة لاتباع مصدر هذه الفحوص المزيفة، تواصلت مع الدكتور علي الجزائري، مدير مستشفى الزبير العام في البصرة والمسؤول عن مركز فحص المسافرين والأجانب، والذي أخبرني أنه على علم بوجود فحوص مزورة ويضيف: "هناك شركات سفر تحصل على فحوص سلبية وتقوم بتغيير اسم المسافر ورقم الجواز لتمكنه من السفر. قمنا بتبليغ دائرة الصحة ومدير التفتيش بحصول حوادث مشابهة، ولكن هناك تقصير من قبل الجهات الأمنية للحد من هذه الظاهرة. منذ بدء الجائحة إلى اليوم، لم يتم القبض على أي مكتب خاص بالسفر يعمل بآلية التزوير ليكون عِبرة لغيره. الفحوص المزورة يمكن أن تؤدي لخسارة ثقة الدول المجاورة لنا، وقد يشددون إجراءات السفر مع العراق بسبب عمليات التلاعب بالفحوصات."

إعلان

تزوير الفحوص كما يشير الدكتور الجزائري قد يكون بسيطاً من خلال بتغيير اسم ورقم جواز المسافر على تقرير الفحص، وهو غالباً ما يتم كشفه بسهولة. ولكن هناك طرق تزوير أكثر تطوراً وهي تستخدم رمز الـ QR، حيث تخضع هذه الرموز لعملية تسمى "attagging" أو "cloning" ويتم استبدال الرمز الأصلي بالرمز المستنسخ، والذي يقوم بعد ذلك بإعادة توجيه الشخص الذي يمسح هذا الرمز إلى موقع ويب مشابه يمكن اعتراض البيانات الشخصية وخرقها. في الهند وحدها، يقال أن هناك أكثر من مليار معاملة مالية احتيالية كل يوم باستخدام رمز QR

ولكن هل المطارات مؤهلة لكشف هذه الفحوص المزورة؟ سمير يونس، مدير مطار البصرة الدولي، يخبرني في مقابلة أن جميع الوثائق في المطار تفحص من قبل مختصين بنظام خاص من وزارة الصحة يؤكد خضوع المسافر للفحص، ويؤكد أنه لم يتم كشف أي حوادث تزوير، ويضيف: "ولكن في حال كان هناك تلاعب في نتائج الفحوص، فإن دائرة الصحة هي من تتحمل ذلك وليس المطار، لأن الوثيقة التي يأتي بها المسافر تصدر من مركز الفحص. أما في حال اكتشفنا فحص مزيف، طبعاً يمنع حامله من السفر لمدة ويتم اتخاذ الإجراء القانوني بحقه." مجدداً، كل جهة تلوم الجهة الأخرى.

نائل، اسم مستعار، 27 عاماً، يدعي عكس ذلك، ويقول أن أحد العاملين في أحد المنافذ الحدودية اكتشف أن فحصه مزيف ولكنه لم يتخذ ضده أي إجراء قانوني: "طبعاً مُنعت من السفر، وطلب مني الموظف التبليغ عن الشركة التي اشتريت منها الفحص. هذا هو الإجراء الوحيد الذي تم اتخاذه."

بشكل عام، هناك عدة طرق لتقديم أدلة كافية على أن نتيجة الفحص سلبية من خلال ارسالها كـ مستند مطبوع وبريد إلكتروني ورسالة نصية. ويجب أن يتضمن الدليل البيانات الشخصية وتاريخ إجراء الاختبار واسم مقدم الاختبار وتفاصيل الاتصال الخاصة به. هاواي مثلاً جعلت من الصعب على المسافرين الدخول بنتائج مزيفة. للدخول إلى البلد، يجب على الزوار تحميل نتائج الفحوص رقميًا من خلال موقع اختبار معتمد. ولا يتم قبول النسخ الورقية، كما في حالة العراق.

في الوقت الذي يتم الحديث عن جوازات سفر إلزامية للتطعيم ضد فيروس كورونا كوسيلة لتمكين الأشخاص من التنقل الآمن أثناء مكافحة الوباء، يتخوف الجزائري من إمكانية تزوير هذه عن الوثيقة الصحية (جواز اللقاح) بسبب عدم وجود نظام الكتروني وأمني يستطيع السيطرة على التزوير والتلاعب بالوثائق الرسمية، ويضيف: "الحل أن يتم فحص المسافر أما في المطار قبل الرحلة أو عن طريق آلية ضمان وصول المسافر إلى مركز الفحص عبر تطبيقات إلكترونية تستخدم في الكثير من الدول المتقدمة ذلك سيوقف عملية التزوير بنسبة عالية جداً."

عندما يتعلق الأمر بالسفر، فهذه الفحوص هي الطريقة المثلى لضمان السيطرة على الفيروس وعدم انتشاره وفي نفس الوقت السماح بعودة الحياة إلى طبيعتها، ولهذا تشكل الفحوص المزيفة مشكلة كبيرة جداً قد تعطل كل الجهود للسيطرة على الإصابات. يسجل العراق يومياً من 5،000 إلى 7،000 إصابة وأكثر من 15 الف وفاة منذ بدأ جائحة كورونا، وقد تكون هذه الأعداد ليست بحقيقية في ظل التلاعب الموجود بالفحوصات التي من المرجح أن تؤدي إلى زيادة الإصابات وفقدان السيطرة على الوضع الصحي. وكما أشار مختصون أن هذا التزوير قد يفرض على العراق قيوداً مشددة على السفر والأهم يخاطر بحياة العراقيين أنفسهم.