صحة نفسية

دراسة: خلال الأزمات يثق الناس في مشاعرهم أكثر من الحقيقة

نحن منطقيين عند قيامنا بالاختيار للآخرين، ولكننا نصبح غير عقلانيين عندما يتعلق الأمر بخياراتنا
mehrnegar-dolatmand-Kz8bzx_J7NQ-unsplash

قد تتساءل لماذا لا يزال هناك أشخاص لا يلتزمون بالتعليمات الوقائية المتعلقة بفيروس كورونا على الرغم من وجود أدلة علمية تؤكد على أن ارتداء الكمامة أو التباعد الاجتماعي لهما دور في الحماية من الفيروس.

من الناحية النظرية، يجب أن يكون التعامل مع هذه التعليمات سهلاً نسبيًا: ما عليك سوى تقديم دليل علمي قوي ومن المفترض أن يقتنع الناس. لكن الأمور لا تسير على هذا النحو عندما يكون هناك تهديد شخصي أو صحي خطير حيث يتم تتغلب المشاعر على  المعلومات والحقائق.

إعلان

فقد أظهرت دراسة أجراها أستاذان مساعدان في جامعة تكساس في أرلينغتون أن الناس يميلون أكثر إلى اتخاذ قراراتهم على أساس المعلومات من أشخاص مروا بالتجربة بدلاً من الحقائق عندما يشعرون بالقلق والضعف.

ويقول تراسي  فريلينج، مؤلف الدراسة "وجدنا أن الناس أكثر ميلًا إلى التفكير في الحكايات الشخصية بدلاً من المعلومات المستندة إلى الحقائق، خاصة عندما تتعامل مع حالات الطوارئ الطبية." ويضيف: "على وجه التحديد، عندما تكون هناك مشكلة تتعلق بالصحة، أو ذات صلة شخصية أو شديدة الخطورة، فإن الناس يميلون إلى الاعتماد على الحكايات أو القصص الشخصية."

والمثير للاهتمام أن ردة فعلنا وخياراتنا تتغير في حال كان التهديد منخفض أو أنها قضية غير صحية، في هذه الحالة يقول فريلينج، "يميل الناس إلى أخذ الحقائق القاسية والباردة في الاعتبار بدلاً من الروايات والقصص الشخصية." 

توصل فريلينج وزميله الباحث ريتيش سايني إلى استنتاجاتهم بعد تحليل 61 دراسة قامت بقياس تأثير الأدلة على الإقناع. ووجدوا أن أحد العوامل الأساسية وراء هذه السلوكيات هو الارتباط العاطفي. وتبين أن الأشخاص الذين يشعرون بالضعف أو القلق هم أكثر عرضة لتجاهل الأدلة القائمة على الحقائق والتمسك باتباع حدسهم. يبدو أن هذا ينطبق بشكل خاص على المواقف التي تكون فيها صحة الشخص في خطر.

في حين أن النتائج تنطبق بالتأكيد على العديد من القرارات التي يتم اتخاذها أثناء تفشي فيروس كورونا الحالي، يقول الباحثون إن هناك مجالات من الحياة يتم فيها الاعتماد على الحقائق بشكل أكبر، حيث لاحظ سايني، إلى أن الناس يتخذون "قرارات استنادًا إلى الحقائق عند اختيارهم للآخرين، ولكن بشكل مفاجئ يصبحون غير عقلانيين عند اختيارهم لأنفسهم."

إعلان

وفي حين يتم وصف الإنسان "كحيوان عقلاني" ولكن بعد خمسين عامًا من دراسة كيفية اتخاذ القرار، نعلم الآن أن خياراتنا ليست عقلانيًة كما قد يتوقعه المرء. في عدد من السياقات، تميل القرارات البشرية إلى الانحراف بشكل منهجي عما تتوقعه نماذج الاختيار العقلاني نتيجة للتحيزات غير المنطقية، وهو ما يفسر عدم قيامنا بتطبيق الكثير من الإجراءات الوقائية أو إتخاذ أكثر القرارات منطقية.

تقديم المزيد من الحقائق لا يغير بالضرورة من قناعاتنا، بحسب الكثير من الدراسات، نحن نقتنع بالمعلومات التي تؤكد وجهة نظرنا بينما نتجاهل أو نرفض المعلومات التي تشكك بها. وهذا يبدو واضحاً في دراسة قامت بها أخصائية علم النفس زيفا كوندا، فعندما عرضت على عدد من الأشخاص مقالًا يوضح الدليل على أن القهوة أو غيرها من مصادر الكافيين يمكن أن تزيد من خطر إصابة النساء بـ تكيسات الثدي. وجد معظم الناس المقال مقنعًا جدًا. أما النساء اللواتي كن يشربن الكثير من القهوة، فلم يقتنعن به.

غالبًا ما نجد طرقًا لرفض الأدلة التي لا نريد تصديقها. والعكس صحيح أيضًا: عندما يبدو أن الأدلة تدعم تصوراتنا المسبقة، فمن غير المرجح أن ننظر عن كثب إلى مشاكلها. العاطفة قد تتغلب على الدليل الإحصائي أو العلمي. نحن قادرون على إقناع أنفسنا بتصديق أشياء غريبة، والشك في أدلة قوية، لرغبتنا في مواصلة شرب القهوة أو عدم رغبتنا في مواجهة حقيقة أننا قد نصاب بفيروس كورونا.

الخوف كذلك له تأثير فوري، فقد أثبتت الدراسات أن الخوف أو الشعور بالتهديد قد يغير مواقف الناس السياسية والاجتماعية لتصبح أكثر تحفظًا -ولو لفترة مؤقتة. وهو ما يستغله السياسيون خلال الدعايات الانتخابية، بهدف إثارة مخاوف الناخبين من الهجرة مثلاً. في إحدى الدراسات، أثناء وباء إنفلونزا الخنازير، قام الباحثون بتذكير الناس بمخاطر فيروس الأنفلونزا ثم سألوهم عن مواقفهم تجاه الهجرة، وبعد ذلك تم سؤالهم إذا تغير موقفهم في حال تم تطعيمهم ضد الأنفلونزا. أولئك الذين لم يتلقوا اللقاح المضاد للإنفلونزا كانوا أكثر عرضة لمناهضة الهجرة من أولئك الذين شعروا بتهديد أقل.

باختصار، القضايا التي تشكل تهديداً شخصياً أو صحياً تعزز الخيارات القائمة على المشاعر والتي تشعرنا بالراحة النفسية أكثر من المعلومات الإحصائية. ويشير إلتن بريجز، رئيس قسم التسويق في جامعة تكساس في أرلينغتون، إن هذا البحث "يوفر إرشادات حول كيفية صياغة رسائل أكثر تأثيرًا خلال مثل هذه الأوقات، عندما يرتفع مستوى القلق لدى الكثير من الناس."