هل تعلمون أن التضخم المالي هذا العام وصل إلى نسبة ٩.١٪، في أعلى رقم يصله منذ أربعين سنة. إذا لم يجعل هذا الرقم شعر أبدانكم يقف لثانية، دعوني أخبركم أن أرباح الشركات ارتفعت أيضًا في نفس الفترة بنسبة ٢٥٪. والأجور؟ لا تغيير، بقيت ثابتة.
لا داعي للتفكير المعمق من أجل فهم ما يحدث. في ظل ارتفاع أسعار كل ما تقع عليه أعيننا والأزمة الاقتصادية الحالية التي تتوسع في معظم الدول العربية، نجد أنفسنا مضطرين لبذل جهد مضاعف في العمل خوفًا من الفصل والجلوس بدون راتب. وفي أحيان عديدة، قد نشتغل في أكثر من وظيفة.
المضحك في الأمر هو أن خبراء الاقتصاد يلومون جيل الألفية على هذه الأزمة ويرون أنهم السبب الرئيسي وراد التضخم المالي الحالي. ويفسرون ذلك بسبب أن هذا الجيل كان يدخر أمواله طيلة الفترة بعد تخرجه وقرر أخيرًا استثمار ما جناه في قطاعات رئيسية مثل العقار والسيارات.. وهذا ما أدى إلى تزايد النشاط الاقتصادي مقابل اضطراب في سلاسل الإمداد وارتفاع حاد في أسعار السلع الأساسية.
هل حقًا نحن السبب وراء هذا التضخم المالي، أم أننا ضحايا للأوبئة الصحية ولمخلفات الحروب ولفشل السياسات الاقتصادية؟ سألت شبابًا عرب عن تأثير غلاء الأسعار الحالي على حياتهم، وكيف غير ذلك من تفاصيل روتينهم اليومي.
الراتب الشهري لا يكفي
"لم يعد الراتب الشهري يكفي لآخر الشهر، كانت هذه الحالة تحدث معي في شهور معنية وبسبب ظروف خارجة عن إرادتي، ولكن الآن، أصبح هذا هو الوضع الطبيعي، ينتهي راتب الشهر قبل وصول منتصف الشهر، واضطر للإستدانة من أصدقائي وأهلي وزملائي بالعمل لدفع فاتورة الكهرباء أو الهاتف طوال الوقت. لدي ديون كثيرة تراكمت منذ بداية العام، ولا أعرف كيف سأقوم بسدادها، خاصة أن من استدنت منهم يعانون من صعوبات اقتصادية مثلي تماماً. الحياة صعبة بشكل غير معقول، ارتفاع الأسعار يدفع الناس نحو الهاوية، وأكثر ما يشعرني بالقهر هو أن هناك أشخاص وشركات لا يزالون يكسبون المال على حسابنا." -راجي علي، ٢٩ عاماً، رام الله.
أشعر بالذنب بعد صرف مبالغ كبيرة على الأكل في الخارج
"بحكم أنني أشتغل عن بعد مع شركات أغلبها في خارج مصر، فإن راتبي يصلني بالدولار إلى حسابي. في الأيام العادية، كنت أحس بوفرة في النقود وكنت أشتري كل ما أريد نفسي دون التفكير في المصاريف. لكن بسبب الأزمة المالية وارتفاع الأسعار، وبالتالي ارتفاع قيمة الدولار، تأثرت مداخيلي بشكل كبير. أصبحت أقوم بالحساب قبل كل عملية شراء. في العام الماضي، تمكنت من دفع نصف مبلغ سفرية المصيف للعائلة بأكملها، لكنني حاليًا غير قادرة على القيام بأمر مماثل، وحتى لو قمت به فإنني سأشعر بثقل تبعاته على جيبي. لقد أصبحت أحس بالثقل والعبء المادي من جهة معارفي، يعني لم أعد أسمح لأحد أن يدفع مكاني أو يعزمني خارجًا، بل قد أشفق على أحدهم فعلًا لو كانت حالته المادية صعبة. أصبحت أشعر بالذنب بعد صرف مبالغ كبيرة على الأكل في الخارج، لم أعد حتى استمتع بالخروج كالسابق. الجانب الإيجابي الوحيد في موجة الغلاء هذه، هو التقليل من أكل المطاعم، وهذا ما ساعدني على خسارة الوزن." - وفاء خيري، ٢٦ عامًا، القاهرة.
اضطررت لاستخدام إكسل
"لأول مرة في حياتي أقوم بفتح excel sheet لحساب مصاريفي الشهرية. لم أكن في السابق أهتم بما صرفت، المهم أن يأتي آخر الشهر وأنا لدي بعض المال. أصبحت الآن أركز في الفاتورة، وأتأكد من كل الأسعار، واختار الذهاب لمحلات البقالة المعروفة ببضائعها الأقل سعراً وأشتري الأساسيات فقط، وقللت من الذهاب للصالون. الآن أوفر تكاليف سعر الأظافر من خلال شراءها أونلاين وأقوم بتركيبها في المنزل، وبدأت بصبغ شعري لوحدي- على الرغم من أنها ليست فكرة جيدة." -مريم *، ٢٤ عامًا، الشارقة.
شراء دواء والدتي أصبح أمرًا مستحيلًا
"كل شيء هنا يزداد غلاءً يومًا بعد يوم بدون سابق إنذار. سعر الصرف يلعب بشكل مهول وهذا ما يؤثر سلبًا على قدرتنا الشرائية. مثلاً إذا اشتريت اليوم علبة جبنة ب٨٠ ألف ليرة، فإنني سأجدها غذًا ب٩٠ ألف، وهكذا. على المستوى الشخصي، تقلص عدد الطلعات مع الأصدقاء من مرتين بالأسبوع إلى مرة بالشهر على أقصى تقدير. في السابق، كانت٤٠ ألف ليرة تملأ طاولتك بكل ما لذ وطاب، أصبحت الآن ٥٠٠ ألف ليرة لا تكفي سوى لشراء برغر واحد. سعر البنزين أصبح بالدولار وفي ارتفاع صاروخي كل يوم، وهذا ما جعلني أتنازل عن المشاوير الطويلة ولا أستعمل سيارتي إلّا عند الضرورة القصوى. في بعض الأحيان قد تتشارك مجموعة من الأفراد في سيارة واحدة. هناك شح في الأدوية وحتى إن وُجِدت فإن سعرها يكون خيالياً. هناك دواء أشتريه لوالدتي يبلغ ثمنه ٤ ملايين ونصف ليرة، كان يعادل ثلاثة ألف دولار، أمّا الآن فهو يقارب قيمة مئة دولار. الطريقة الوحيدة للحصول عليه الآن هي عن طريق السفر إلى إسطنبول، لكن معاشي لا يسمح لي بالقيام بهذا الأمر بشكل مستمر." - كارل*، ٣٢ عامًا، بيروت.
قلت وداعًا لأحلامي الدراسية
"موجة ارتفاع الأسعار الحالية حدت من خياراتي وطموحاتي المستقبلية بشكل جدي. أصبح جل تركيزي الآن منصبًا على تلبية حاجياتي الأساسية من مأكل ومسكن ولباس، وصارت الأنشطة الثانوية مثل السفر أو شراء سيارة أو إكمال تعليمي تتذيل قائمة أمنياتي الحالية. قبل بضع سنوات، كنت أنوي تطوير شهادتي في الصيدلة لتعادل البكالوريس، وبعدها التخصص في ماجستير الكيمياء، لكن كل أحلامي ضربت عرض الحائط، فتكاليف الدراسة ارتفعت بشكل مهول لم يسايرها دخلي الوظيفي." - سلمى*، ٣١ عامًا، إربد.
راتبان من أجل توفير المال
"بعدما كنت أستمتع بحياتي من خروجات وسفريات وإنفاق راتبي الشهري يمنةً ويسرى، أصبحت أكثر حرصًا على تحليل مصير كل مليم يخرج من جيبي، بمجرد ما بدأت الأمور تتأزم ماليًا بالبلد. الحمد لله لا زلت أعيش مع والدي، لذلك فإن راتبي الشهري يذهب في أشياء قد تبدو ثانوية لمن تأثرت حياتهم بالفعل بموجة ارتفاع الأسعار، مثل شراء ملابس جديدة، والأكل في المطاعم، والقيام بأنشطة مع الأصدقاء. لكن من جهة أخرى، اضطررت إلى البحث على عمل إضافي بدوام جزئي حتى أتمكن من توفير المال للكماليات التي كانت سابقًا في متناول اليد، وخصوصًا وضع بعض المال جانبًا من أجل إكمال دراستي للحصول على شهادة الماجسيتر." ـ تسنيم عزام، ٢٣ عامًا، حيفا.
لا زواج في ظل غلاء الأسعار
"كنت ضد فكرة الزواج لفترة طويلة. لكن عندما وجدت نصفي الثاني واقتنعت أخيرًا بفكرة الاستقرار وتكوين أسرة، جاءت الأزمة المالية لتصفعني بضربة موجعة. المهر في السعودية مرتفع جدًا كذلك مصاريف حفل الزفاف وشهر العسل وكل التفاصيل الأخرى تجعل كلفة الزواج عالية جداً. صحيح أن لدي مدخرات، لكنها لا تكفي اليوم سوى لحفلة صغيرة تضم أقارب لا يتجاوز عددهم أصابع اليد. كل شيء ازداد ثمنه: الذهب، الأكل، الفرقة الموسيقية، قاعة الحفلات. اقترح والدي مساعدتي ماديًا ولكني رفضت الأمر، فأنا لا أريد الدخول إلى هذه الحياة الجديدة بدَين على عاتقي. قررت تأجيل حفل الزواج حالياً، حتى أتمكن من توفير ما أقدر عليه من أجل إهداء خطيبتي حفلًا في مستوى يرقى إلى تطلعاتها." ـ أحمد*، ٣١ عامًا، الدمام.
أجلت الدراسة أنا وأخي واتجهنا إلى يوتيوب
"في ظل الوضع الاقتصادي الصعب، قررت أنا وأخي التوأم عدم التسجيل بالجامعات المتواجدة في مدينتنا والمتخصصة في مجال الهندسة الزراعية. جميع الاختيارات التي كانت متاحة أمامنا تجاوزت حدود مسقط رأسنا بأميال وأميال، وكلفة تدريس طالبين في مدينة بعيدة وتأمين مسكنهم وتكاليف دراستهم يفوق قدرة والدينا المادية. هذا ما جعلنا ننتظر عامًا كاملًا قبل إرسال طلباتنا من جديد إلى الجامعات. الحمد لله في هذه الفترة تمكنا من إطلاق برنامجنا الخاص على قناة يوتيوب، ولنا قاعدة متابعين من جميع أنحاء الوطن العربي. ونطمح إلى تطوير محتوانا وتحقيق مدخول جيد يسمح لنا بالاستقلال ماديًا عن والدينا من أجل التخفيف عنهم من مصاريف دراستنا." - مهدي*، ٢٠ عامًا، أكادير.
*أسماء مستعارة استخدمت تحت طلب أصحابها.