مصر

من مظاهرات ذكرى ثورة يناير في مصر في 2014. تصوير: أحمد إيمان زكريا 

ثورة

في ذكرى ثورة يناير، ماذا يقول المصريون للثوار في لبنان والعراق

يجب عدم التنازل عن محاسبة المسؤولين عن العنف ضد الحراك، يجب أن يكون خط الدفاع الأساسي حتى وإن ظل المطلب الوحيد

"نسلك طريق مالهش راجع .. والنصر قرب من عينينا" تلك الجملة الشهيرة من أغنية شيد قصورك من غناء وألحان الشيخ إمام وكلمات أحمد فؤاد نجم، كانت من بين أغانٍ عديدة كنا نرددها في ميدان التحرير عندما بدأت ثورة الخامس والعشرين من يناير. ويمر اليوم تسع سنوات على ذكرى واحد من أهم الأحداث في تاريخ مصر المعاصر. لقد سلك المصريون الطريق في هذا اليوم، 25 يناير 2011 ومازال نضالهم مستمرًا حتى اليوم، ولو كانت الإخفاقات والإحباطات والهزائم هي التي تبدو طافية على السطح، إلا أن كل التضحيات التي يقدمها المصريون المؤمنون بهذه الثورة وأهدافها لم تتوقف. ولعل ما يحدث الآن في دول عربية أخرى مثل لبنان والعراق والسودان والجزائر، يعيد لنا الأمل ويربت على أكتاف كل من ثار من أجل الحرية والعدالة والمساواة. وفي هذه الذكرى حاولت أن أسأل عددًا من المصريين والمصريات عن أفكار يشاركونها مع أشقائهم في بيروت وبغداد والخرطوم والجزائر.

إعلان

وكانت أول الآراء غير مفاجئة لي، سامي * 32 عامًا، طبيب، يقول أنه لم يعد يؤمن بالثورات عمومًا، وأن التركيز على المستقبل والحياة الشخصية أهم من النزول للشارع والتظاهر لأن الثورة إن فشلت سيصابون بإحباط شديد قد يستمر معهم للأبد. ولكن عندما سألته إن كان لديه نصيحة للثوار في المدن العربية أجاب: "لا تأمنوا للإسلاميين والليبراليين والعسكر."

الأهم هو إجبار النظام على تكبد خسائر فادحة تجبره على الدخول في مفاوضات جادة لتسليم السلطة للعناصر الثورية أو لعناصر محايدة، أكثر انضباطا

أما دعاء، 25 عامًا، منتجة فنية، فتقول "لا تثقوا في جميع من يدعي أنه مع الثورة، ولا تتخذونه مثالًا أو قدوة، فمن المؤكد أن بين هؤلاء الأشخاص من يحمل أجندة قد تكون معادية لأهداف الثورة، فيجب أن تعرفوا جيدًا مع من معكم، ومن ستمنحنونهم أصواتكم." وترى دعاء، أن تكوين تنظيم يجمع كيانات الثورة أمر ضروري لاستمرار الثورة: "لابد من وجود كيان توافقي يجمع الأحزاب والكيانات الثورية، فتشرذم الأحزاب والجماعات السياسية وصراعها لن يتقدم بالثورة، على أن تكون الثورة وأهدافها الشيء الذي يجمعهم وليس الأهداف السياسية أو المطامع الحزبية. الأمر الأخير هو ألا تسمحوا لأي كيانات خارجية أن تقوم بالتخريب في البلاد باسم حماية الثورة أو دعمها."

هدير، 32 عامًا، مديرة مشروع، تقترب في رؤيتها إلى حد من رؤية سامي، وتقول "تكلفة الثورات فادحة لأبعد حد، والنظام العالمي بشكله الحالي لديه تحديات أخطر بكثير من التحول الديموقراطي داخل دول تتصارع منذ 1400 سنة حول خلافة أولاد علي أو أولاد معاوية." تتخوف هدير من عدم تحقيق أهداف الثورات الحالية كما حدث في 2011 وفشلها في مصر وسوريا (على عكس تونس التي نجحت ثورتها في بناء نظام ديمقراطي). هدير تدعو الثوار إلى الانتباه إلى نموذجين مهمين جداً، الأول: النموذج المصري الذي فشل فشل ذريعًا بسبب التدخل العسكري + المثالية الثورية المبالغ فيها، والتدخلات الإقليمية لدعم أجنحة معينة من أجل تولي السلطة. أما النموذج الثاني الذي يجب الاحتراس من الوقوع فيه، فهو النموذج السوري الذي تحول لحرب أهلية شاملة. وتضيف: "الأهم هو إجبار النظام على تكبد خسائر فادحة تجبره على الدخول في مفاوضات جادة لتسليم السلطة للعناصر الثورية أو لعناصر محايدة، أكثر انضباطا."

إعلان

إما الآن أو أبدًا -هو شعار مضلل ولن يحقق شيء، لأن التغيير يتم عن طريق محطات وجولات لا تستلزم النجاح فى كل مراحلها

على الجانب الآخر، يرى طارق، 27 عامًا، باحث، أن ما يحدث في لبنان والعراق شيء مذهل ويدعو للإعجاب والاحترام خاصة فى ظل الاستقطاب والانقسام الطائفي الراسخ والمستقر فى البلدين مما يجعل قراءة المشهد معقدة مقارنة بباقي الدول فى المنطقة. ويضيف: "على الرغم من الصدق والحماس في أحداث الثورات في لبنان والعراق ومن قبلها السودان والجزائر، إلا أن عدم وجود قادة للحراك يمثل إحدى نقاط الضعف الموجودة. وأعتقد أنه يجب عدم التنازل عن محاسبة المسؤولين عن العنف ضد الحراك، يجب أن يكون خط الدفاع الأساسي، حتى وإن ظل المطلب الوحيد، فهو مؤشر كافي جدًا، ويعتبر المقياس الحقيقي للحراك."

ويضيف: "التوحد الوجداني مع الحراك والرغبة فى التغيير شيء صادق وبريء، لكنه مدمر في نفس الوقت؛ لانه يعيد سردية سحق الأفراد وأحلامهم المنفردة فى صالح الخلاص الجماعي المأمول والمستحق. تكمن خطورة هذا التوجه فى وضع الأمور في قالب (إما الآن أو أبدًا)، وهو شعار مضلل ولن يحقق شيء، لأن التغيير يتم عن طريق محطات وجولات لا تستلزم النجاح فى كل مراحلها. لكن الهدف الأساسي هو الحفاظ على الأمل والقدرة على الحلم للأفراد أولاً ومن ثم المجموع."

تقول دينا، 35 عامًا، كاتبة، أن عدم وجود رؤية وخطة واضحة للثوار في مصر سبب الفشل الرئيسي للثورة، "الأمر الذي أتاح لأي كيان لديه خطة سابقة أو غير مفيدة للوضع في البلاد التواجد على الساحة، وصار هو الكيان الوحيد الممكن اختياره في ظل عدم وجود كيانات بديلة،" كما تقول وتشدد على أن وجود خطة ومنهج ورؤية للثورة أمر لا بديل عنه: "لابد أن يكون للثوار في الشارع كيان جامع لأفكارهم من أجل مواجهة الأحزاب التي نجحت لعقود أن تبني لنفسها نفوذًا سرطانيًا لا يتقدم بالبلاد خطوة واحدة للأمام."

إعلان

وتؤكد دنيا على دور الإعلام واستخدامه في الثورة: "لابد أن يؤسس الثوار كيان إعلامي يعبر عن أفكارهم من أجل توصيلها للعالم. فالإعلام تسيطر عليه الكيانات الأقوى، وهذه الكيانات ستستخدم الثوار حسب مصالحها، وبالتالي يجب عليهم الاستعداد لذلك ومواجهته، والوصول لمثل هذه الكيانات الإعلامية الضخمة واستخدامها من أجل توصيل أصوات الثوار للعالم."

أما علي، 31 عامًا، مدير مشروع، فيشير إلى أن عدم وجود قيادة للثورة في العراق ولبنان هو شيء جيد يجب الحفاظ عليه: "خلال الشهور الماضية لم يظهر على السطح أي قيادة سياسية لعبت دورًا في تفكيك الثورة وشق الصف، وهذا أمر يحُسب للثوار. ولكن لابد من الاستمرارية والتواجد في الشارع. لكن يجب الوعي بأن الاستمرارية بالتظاهر، قد تكون سلبية حال لم تكن مطالب الثوار مسموعة، وبالتالي يجب الوصول لطرق ضغط على السلطة من أجل تقديم تنازلات."

لا يمكن في النهاية أن نقارن الثورات ببعضها البعض، فلكل ثورة خصوصية في الظروف التي صنعتها، وفي أحداثها وتبعاتها. وفي مصر، يبدو أن هناك شعور عام بفقدان الأمل، لهذا لم يرغب الشباب الذين تحدثت معهم بـ "إسداء النصيحة" بقدر ما حاولوا مشاركة بعض الأمور التي يجب أن ينتبه إليها الثوار العرب. وقد عبر معظمهم عن شعور بالمرارة والألم تجاه ما حدث في ثورة مصر، وعندما سألتهم عن نصيحتهم للثوار، كان رد الفعل المتكرر: كنا نفعنا نفسنا الأول.

*الأسماء الموجودة هنا غير حقيقية حفاظـًا على أمن الأشخاص الذين شاركوا في المقابلات.

-الصورة من مظاهرات ذكرى ثورة يناير في مصر في 2014. تصوير: أحمد إيمان زكريا