بدأت العديد من المنظمات العالمية والمؤسسات الدولية الاهتمام بالبيئة وشئون المناخ في السنوات الأخيرة الماضي مع زيادة آثار التغير المناخي على الإنسان والبيئة، فالتغير المناخي لا يتعلق فقط بدرجات الحرارة المرتفعة، بل يشمل أيضًا أحداث الطقس الشديدة، وارتفاع مستويات البحار، وإلحاق الضرر بالمحاصيل أو حدوث فيضانات أو حرائق. كل عام خلال أيام البيئة والمناخ، تظهر دراسات أو تغطيات متنوعة عن أحدث التطورات أو الدراسات المتعلقة بالتأثيرات السلبية لتغير المناخ، ولكن لم يتحدث أحد عن المرأة بشكل جوهري وضروري، كأحد المتأثرين من تغيرات المناخ أو الأضرار البيئية بشكل عام.
ربما لا يعرف الكثيرين أن هناك حركة "النسوية البيئية" تهتم فعليًا بهذا الشأن. وتعتبر النسوية الفرنسية "فرنسواز دوبون" أول من أطلق مصطلح النسوية البيئية عام 1974، والنسوية البيئية بحسب تعريف ويكي الجندر، "هي فلسفة تركز على القضايا البيئية وعلاقتها بالنسوية وتقاطعات الأهداف بينهما والحديث عن أشكال القهر التي تحدث للبيئة والنساء كنتيجة لهيمنة النظام الأبوي والنظام الرأسمالي." هناك عدة مدارس وفلسفات مختلفة للفكر النسوي البيئي، كما هو الحال مع الفكر النسوي عامًة، فهناك النسوية البيئية الاشتراكية والاجتماعية والروحية والثقافية وغيرها. بدأت هذه المدرسة بالتشكل بالقرن الماضي، وكان لها دور مهم في بلدان مختلفة، مثل حركة "شيبكو" في الهند التي بدأت في السبعينات وهدفت ونجحت في منع قطع الأشجار.
في العالم العربي، وربما لأن مطالب النسويات العرب تتناول موضوعات ومطالب أكثر أإلحاحًا، لا يوجد لدينا فكر نسوي بيئي معروف حتى، ولهذا عندما فكرت في الحديث عن هذا الموضوع، بدأت رحلة البحث عن ناشطات نسويات بيئيات، وكان الأمر وكأنني أبحث عن إبره في كوم قش حرفيًا، حتى تمكنت من التواصل مع الدكتورة ديما قائدبية الناشطة النسوية البيئية من لبنان والتي تعني بالنسوية البيئية والكويرية وتاريخ الحركات النسوية، والتي هي إحدى المؤسسات لـ ورشة المعارف في لبنان التي تعني بجمع وتوثيق قصص النساء وإتاحة موارد نسوية. تحدثت معها عن التأثيرات المباشرة لتغير المناخ على المرأة.
Vice عربية: مرحبًا ديما، اشرحي لنا قليلاً عن التقاطع بين حماية البيئة والنسوية؟
ديما قائدبيه: هناك نظريات تعقد مقارنات بين وضع النساء ووضع الطبيعة في النظام الأبوي الرأسمالي، من حيث الاستغلال والعنف، ولكن النسوية تضفي إطارًا مهمًا للحركة البيئية، من حيث النظر في تقاطع القضايا، وأخذ الاعتبار بالحياة والتجارب اليومية إلى جانب نقد الأنظمة السياسية والاقتصادية، لذا قد يتناول منظور "النسوي-البيئي" كل شيء، من علاقتنا بأنفسنا وبكل ما حولنا، وبالأرض والبيئة التي نعيش عليها، إلى كيف يؤثر النظم الحالية على جودة حياتنا وتلوّث مياهنا والهواء والطعام، وكيف يقمع ويستغل النظام الاقتصادي الأشخاص ولا سيما النساء من خلال حركة تنقّل الطعام أو المنتوجات عبر الحدود، إلى كيف تستولي الطبقة الحاكمة أو الاستعمار على الأراضي وطرد السكان منها؛ لهذا أرى أن النسوية البيئوية تتقاطع مع كل القضايا.
هل بدأت المشكلة مع الأبوية وهيمنتها على البيئة، أم العكس؟
لا أعرف ما الذي بدأ أولاً، الهيمنة على النساء، أم على الهيمنة على الطبيعة، ولكن ترى العديد من النسويات أن النظام الأبوي قد تطور بمرور الوقت ليستغل كل ما يمكن استغلاله، باعتبار أن الطبيعة مجرد مورد قابل للاستغلال، وليس مجموعة من الكائنات الحية التي نحيا معها في مكان واحد. إن أردنا التحدث عما إذا كان سينعكس التحسن البيئي على المرأة أو العكس سيكون من البديهي القول بأن تمكين ووجود المزيد من النساء في مناصب السلطة واتخاذ القرارات، مثلًا، سيساهم في تسليط الضوء بشكل أكبر على القضايا البيئية وسيساهم بطرح حلول أفضل للجميع. ولهذا تحاول النسوية أن تعمل على تغيير المواقف والممارسات التي تُشرعن وتطبع العنف؛ فلطالما كان النظام الأبوي متورطًا في الاستغلال والعنف، وهناك صلة بين ما يحدث مع البيئة ومع النساء.
وهذا مرتبط بحق النساء بالعيش في عالم أفضل، سواء كنا نتحدث عن الوضع السياسي أو الاجتماعي أو البيئي؟
قضايا المرأة والقضايا البيئية مترابطين بشكل كبير، ولا يتعين علينا انتظار تحقيق جميع قضايا المرأة للبدء في التفكير في حماية البيئة، أو العكس. وهذه مساهمة مهمة أخرى من الفكر النسوي الذي بُنيت عليه النسوية البيئية: أنه لا توجد أولوية للقضايا، حيث يتعلق الأمر بتقدير كل أشكال الحياة، وحصول كل شخص على الموارد التي يحتاجها، بما فيها توفر أماكن عامة آمنة غير ملوثة، ووصول للمياه والشواطئ والهواء النظيف والطعام الصحي، هذه قضايا جوهرية.
بالنسبة لي، ليس من الممكن الاهتمام بالنسوية وعدم الاهتمام بالبيئة أو حتى الاهتمام بقضايا العنصرية مثلًا، أو الاستغلال الاقتصادي فقط أو التهجير القسري، بدون النظر إلى البيئة. مثلًا لا يتم منح النساء فرصاً للوصول إلى الموارد البيئية اللاتي يحتجنها، أو حتى وصولهن إلى أقل ما يحتجن إليه لمحاربة أولئك الذين يحاولون السيطرة على أراضيهم أو مصادر رزقهم، ولذلك علينا القول بأنه لا تتعلق حماية البيئة بالأشجار والنباتات فحسب، بل تتعلق أيضًا بعدة أمور مترابطة، مثل رؤية كيف يمكن للأثرياء الوصول إلى المساحات الصحية النظيفة بينما ينحصر الفقراء أو اللاجئين في المساحات الغير صحية بيئيًا أو مهملة أو بها سوء إدارة، أو كيف تساهم الدول الغنية في معظم انبعاثات الكربون في العالم. النسوية لا يمكن أن تدور حول النساء فقط، دون رؤية النضالات التي تخوضها العديد من النساء حول أراضيهن، والوصول إلى الموارد البيئية؛ إذن فالبيئة والنسوية مترابطان.
ما هي أبرز مطالب الحركة النسوية البيئية؟
هناك عدة مدارس وتوجهات مختلفة في النسوية البيئية، لكن أبرز مطالبها مثلًا: حق السكان الأصليين بالعيش على أرضهم وعدم التعرّض لهم من سلطات استعمار أو شركات أو طبقة سياسية-اقتصادية تستغل وتقضي على مواردهم. مجابهة تلوّث المياه والهواء والأرض، والحق في الحصول على الرعاية الصحية الجسدية والنفسية للجميع. الحق للجميع بالموارد الطبيعية كالمياه النظيفة والطعام الصحي بشكل عادل. هذه فقط بعض القضايا، والتي قد تتغيّر من سياق إلى آخر.
كنساء وكنسويات، كيف نساهم برفع مستوى الوعي بعلاقة النسوية بالبيئة في العالم العربي؟
أعتقد أنه علينا أن نبلور خطابات وممارسات تتخذ كافة الصراعات والقضايا بالحسبان وتعكس الواقع الذي نعيشه، ومن ضمنها الصراع من أجل الأرض والحياة والصحة للجميع، ونخص النساء بذلك، لأنهن في النظام الأبوي هن اللواتي يختبرن عنفًا أكبر وفرص وصول أقل الى الموارد، أعتقد أننا نستطيع تسليط الضوء أكثر على هذه القضايا من خلال وسائل التواصل والمقالات والمقابلات، بطرق تعكس النضالات اليومية التي نعيشها.