مقابلة

المخرجة الفلسطينية مي المصري: السينما سلاحنا الفني للمقاومة

أجد أفضل من السينما وسيلة للتعبير عن شعبي وقضيته الإنسانية العادلة
Fig

جميع الصور مقدمة من المخرجة مي المصري

اختارت إدارة مهرجان الجونة السينمائي الدولي المخرجة الفلسطينية مي المصري لمنحها جائزة الإنجاز الإبداعي تكريمًا لمسيرتها السينمائية الطويلة كإحدي رائدات صناعة الأفلام في العالم العربي، وذلك خلال فعاليات الدورة الثالثة للمهرجان المقرر اجراؤها في الفترة ( 19- 27 سبتمبر الجاري).

مي المصري (60 عامًا) مخرجة فلسطينية، تخرجت من جامعة سان فرانسيسكو عام 1981م، بعد ذلك عادت إلى بيروت وبدأت في إخراج الأفلام التي تركز على القضية الفلسطينية والمعاناة تحت الاحتلال، تزوجت من المخرج اللبناني جان شمعون عام 1982م، وكونا ثنائيًا فنيًا بإخراج العديد من الأفلام التي توثق الحرب الأهلية اللبنانية والاجتياحات الإسرائيلية لبيروت .

إعلان

تضم المسيرة السينمائية لـ"المصري" أكثر من عشرة أفلام تسجيلية وفيلم روائي فقط هو "3000 ليلة". وفازت خلال مسيرتها الوطيلة بالعديد من الجوائز في مهرجانات السينما من مختلف أنحاء العالم ومنها جائزة Trailblazer في مهرجان Cannes MIPDoc الدولي عام 2011، وحصد فيلمها "3000 ليلة" أكثر من 24 جائزة وتكريم من أنحاء العالم.

VICE عربية: فلنبدأ بحصولك على جائزة الإنجاز الإبداعي من مهرجان الجونة السينمائي.. كيف تلقيت الخبر؟
مي المصري: كنت سعيدة جدًا، فهذا التكريم يُشجعني ويُعطينى دفعة للأمام، خاصة أنه قادم من بلد السينما "مصر"، فهو مِثل شهادة كتير تعنيني وتبسطني.

ولكن ماذا يمثل لكِ اختيار المهرجان غير المُتخصص بسينما المرأة لمُخرجة عربية، جرت العادة تكريمهن في مهرجانات نوعية؟
في رأيي هو يُمثل اعتراف مُضاعف بالمستوى المتطور التي وصلت له المرأة العربية صانعة الأفلام، وأن تقييم العمل ليس من زاوية نوع مخرجها امرأة/ رجل، ولكن بجودة العمل الفني. عندما بدأت إنتاج الأفلام كنت من السيدات القلائل اللاتي خضن هذا المجال وقتها، وأصبحت أول مخرجة فلسطينية، ولكن هلا صار المجال يزخر بأعداد هائلة من المخرجات الفلسطينيات وصلن لنسبة 50% تقريبًا من المخرجين الفلسطينيين، ومن ثم اعتبره ليس تكريم لـ"مي المصري" فقط، ولكن لمسيرة ومشوار طويل حفرته المُخرجات العربيات وحقَقن إنجازات كبرى خلاله.

ما هي التحديات التي واجهتك لدخول عالم السينما كأول مخرجة امرأة فلسطينية؟
كانت تحديات كبيرة، ليس فقط لكوني امرأة، ولكن كصناعة سينما مستقلة آنذاك حيث بلشت من اللاشىء في ظل الإمكانيات الضعيفة جدًا. كنت محظوظة لمقابلتي للمخرج السينمائي الراحل "جان شمعون" ثم زواجنا فيما بعد، والعمل معه كانت بداية هامة جدًا لي، حيث عملنا في فترة تاريخية شديدة الصعوبة بـ"بيروت"؛ الاجتياحات الإسرائيلية، والحرب الأهلية، وكانت كل أفلامنا على الجبهة من قلب الحدث حيث الدمار والقتل، ركزنا فيها دائمًا على الجانب الإنساني في الحكاية ، وواجهنا سويًا تحديات مثل العمل بمعدات ضخمة مثل كاميرات أفلام، والقيام بكل شىء بمفردنا من تصوير وإخراج وغيره. ماكان في صناعة سينمائية اصًلا بالثمانينيات في لبنان، وكنا نشق طريق من البداية.. تضحك (الواحد اندعك). ولكن رغم كل ذلك، فخورة ممحاولتي إثبات قدرة المرأة على حمل كاميرا، لأكون بذلك من أوائل النساء العربيات في الإخراج والتصوير على الجبهة في ظل ظروف خطرة ، صحيح درست الإخراج بأمريكا ولكن كان العمل على أرض الواقع في هذه الفترة ليس سهلاً، ومن كل فيلم تعلمت شيئًا كسينمائية وكإنسانة، وهذه أهمية الأفلام التسجيلية "تُعلِمك الحياة".

إعلان

نعود لمشروعك .. ولدت لأب فلسطينى وأم أمريكية، وأكلمت دراستك للسينما بأمريكا .. ولكن كل أعمالك تتناول الجُرح الفلسطيني سينمائيًا .. كيف تشكلت هذه الهوية الفنية؟
من الظروف التي عشتها، خِلقت بعمَان ورِبيت في بيروت بالسبعينات، وكانت فترة صعود وطني وسياسي وارتفاع وتيرة المقاومة الفلسطينية الموجودة في لبنان، وانتشار المخيمات الفلسطينية؛ بالإضافة إلى نشأتي في بيت وطني يُرسخ في ذهني ووجداني حب الوطن. ساعدني كل ذلك في الانخراط كطالبة بالتطوع في العمل الوطني الإنساني، ومن ثم تكوين الوعي بالهوية السياسية الذي بَلش لدي من قبل مااحمل كاميرا، ويمكن كوني رِبيت برات فلسطين ترك أثر زيادة عليَ للتمسك أكثر بالهوية.

هل كانت السينما لكِ بمثابة سلاح للمقاومة فنيَا؟
صحيح، عندما سافرت إلى أمريكا وعمري 17 سنة، انفتحت عيوني على عالم كبير بعمر صغير، ولكن كان لدي هاجس، "شو بِدي أعمل بحياتي" وذلك قبل ما أقرر أعمل أفلام، لأنه لم يكن عاديًا قرار فتاة العمل بالسينما، كانت شَغلة كتير غريبة ونادرة خاصة للمرأة، سواء على مستوى العائلة أو النظرة بالعالم العربي، ولكنني لم أجد أفضل من السينما كوسيلة للتعبير عن نفسي وشعبي وقضيته الانسانية العادلة ، لما تصنعه من تأثير وتغيير كبير.

هل بالضرورة المخرج يكون صاحب موقف سياسي يظهر في العمل الفني؟
المخرج لابد أن يكون لديه موقف إنساني وليس بالضرورة "سياسي"، عليه فقط أن يمتلك وجهة نظر واضحة إنسانية وبلاشك انحياز للناس، وهذه هي السينما وخاصة عندما تصنع أفلامًا تسجيلية؛ حيث العمل في الواقع مع الناس، يجعلك تنقل همومهم وقضاياهم الاجتماعية، الإنسانية والسياسية. بالنسبة إليّ الموقف السياسي كان خيار شخصي، كوني فلسطينية أكيد بِدى أحمل قضيتي، و"فلسطين" هي قضية سياسية إنسانية.

إعلان

حدثيني أكثر عن "3000 ليلة" خاصة أنه يتناول معاناة المرأة الفلسطينية تحت الاحتلال؟
هو مستوحى من قصة حقيقية لسيدة فلسطينية مناضلة، قابلتها أثناء تصوير فيلمي عن الانتفاضة الأولى بمدينتى نابلس، وروت لي قصة إنجابها طفله داخل أحد السجون الإسرائيلية، وما عانته، حيث أجبروها على الولادة وهي مقيدة بالأغلال، ثم قابلت بعدها العديد من السجينات الفلسطينيات واستمعت لحكاياتهن ومعاناتهن داخل سجون الاحتلال ومعاملة السجينات الاسرائيليات الجنائيات لهن، وظلت الفكرة مدونة حتى نفذتها في 3000 ليلة.

ثلُاثية أفلامك (أطفال جبل النار- أطفال شاتيلا- أحلام المنفى) استخدمت الطفل باعتباره ذاكرة الوطن وشاهدًا على مايحدث به.. هل كان ذلك مقصودًا؟
نعم.. السينما نوع من كتابة التاريخ الشفهي وتوثيق حقيقي لذاكرة الشعوب عكس كتب التاريخ التي يسجلها المنتصر دائمًا. ومع مرور الزمن نتأكد أن الأفلام تحفظ ذاكرة الوطن، ويظل الطفل من أهم عناصره، وكل أفلامي تركز علي المرأة والطفل، واعترف أن العمل مع الأطفال حقق لي نقلة نوعية جدًا في طريقة العمل السينمائي، لأنه فيه تركيز على الخيال والإبداع والعفوية الموجودة لدى الأطفال. بدأت بـ"أطفال جبل النار"، ووثقت فيه علاقة الأطفال بالانتفاضة الأولي عام 1990 ، ثم "أطفال شاتيلا" عام 1998 عن حياة الأطفال بمخيم شاتيلا بلبنان، و"أحلام المنفي" عام 2001 الذي جمع أطفال المخيمين "شاتيلا" في لبنان و"الدهيشة" في فلسطين وذلك من خلال الإنترنت. وكان اللقاء الواقعي على الحدود اللبنانية الفلسطينية برغم الأسلاك الشائكة الفاصلة. وهذه الثلاثية من أحَب أفلامي، نجحت فيها ببناء علاقة كتير قوية ومميزة مع هؤلاء الأطفال جعلتنا نتواصل حتى بعد مرور 30 سنة، ومازالت متابعة لأخبارهم عن كثب وماتركته التجربة من أثر فيهم.

إعلان
1568540644870-Screen-Shot-2019-09-15-at-14327-PM

هل صار أحدهم على دربك في الاخراج السينمائي بعدما حملوا الكاميرا بأفلامك؟
لن تصدقي أن هذا ماحدث، هناك الطفلة "تمارا أبو لبن" من فيلم " أحلام المنفي" أصبحت مخرجة الآن بالتليفزيون الفلسطيني، وأكثر من طفل تركت تجربة التصوير تأثير كبير في حياتهن وعلى خياراتهم، كانت أشبه بلحظة مفصلية للأطفال ولي على المستوى الفني والإنساني، دائما هيك بنحكي كأنه بَعدنا بهذه اللحظة الذهبية الذي وقف التاريخ عندها، صار فيهم الطبيبة مُنى، ومنار الحاصلة على الدكتوراه. حقيقي برفع راسي فيهن هاذوك أطفال المخيمات، رغم المعاناه والظروف الصعبة نجحوا في بناء ذاتهم .

كيف تابعتِ قضية مقتل الفتاة الفلسطينية إسراء الغريب على يد عائلتها؟
انزعجت جدًا، للأسف ليست حادث فردى بل منتشر، وظاهرة العنف ضد المرأة منتشرة في فلسطين، ولكن شاهدات المظاهرات والحراك الرافض لهذه الجريمة، يجعلني أتفاءل كثيرًا بالجيل الجديد ودوره في خلق وعي اجتماعي مناهض للعنف الأسري ويطالب بحقوق المرأة؛ فالمرأة الفلسطينية تعاني سواءًا من الاحتلال والعقلية الذكورية، لذا علينا أن نستمر في الكفاح سينمائيًا، سلاحنا هو السينما نتناول فيها هذه القضايا المختلفة من أجل الوصول لصميم عقل ووجدان المشاهد ومن ثم صنع التغيير.

بمناسبة دور السينما في التغيير، إلى أى مدى نجحت الأفلام الفلسطينية في الدفاع عن القضية وخلق رأي عام دولي يُدرك ما يفعله الاحتلال الإسرائيلي؟
بلاشك الصورة لعبت دور رئيس في التاريخ الفلسطيني وكان لها تأثير كبير على الرأي العام، خاصة أيام الإنتفاضة الأولى عندما تناقلت وكالات الأنباء صورها، وساعد ذلك في تغيير الصورة النمطية المأخوذة عن الفلسطيني العربي بالإرهابي، ثم عندما صار لدينا أفلام نوعية يصنعها مخرجين فلسطينين تجوب المهرجانات العالمية الكبرى. كان للسينما فضل كبير في التأثير على الرأى العام الدولي، خاصة أن صناعها نجحوا في أنسنة القضية، بعيدًا عن النقل الخطابي المباشر، ولكن سيظل هذا التأثير جزئي وغير كاف في ظل وجود أجهزة وأبواق ضخمة تمتلك المال وتنتشر اللوبيات اليهودية في هوليوود تعمل ضد وتقدم الفلسطينى في صورة بشعة، من مسلسلات أمريكية وإسرائيلية، ومن ثم سيظل الصراع على الحكاية قائم ومن يمتلك الأدوات لتقديمها بصورة مختلفة عن الآخر.

هل تعرضت هجوم أثناء عرض أفلامك المنحازة للقضية بالمهرجانات الدولية من مشاهدين يهود أو مناصريهم؟
بالتأكيدو دائمًا الأفلام تفتح حوارًا، ولأنها تحكي الواقع بطريقة إنسانية مافي مجال للاحتكاك، ولكن عادة يسكتوا أو إذا تحدثوا، يتولي الجمهور بالقاعه الدفاع عن فلسطين ومرات يحدث تأثير إيجابي على هذا الطرف الأخر( الصهيوني) وهو مالمسته أكثر من مرة، عندما يأتيني أحدهم بعد العرض يحكي معي بخجل شديد مما يصنعه الاحتلال (وكأن انهد كيانهم بعد المشاهدة). كما صارت محاولات لمنع أفلامي في مهرجانات بفرنسا وإيطاليا من جهات نافذة إسرائيلية، ولكنهم فشلوا فشل في ذلك، حيث صارت حملات دعم للأفلام وندوات صحفية وتم عرضها في النهاية، لأن المسالة تتعلق بحرية التعبير، لقضية إنسانية ماحدا يقدر يقول إنها قضية غير عادلة، حتى الصهاينة أنفسهم اذا واجهتم ماعندهم حُجه يقولوها. لذا كمخرجين علينا مسؤولية كبيرة لنبحث كِيف نروي حكايتنا سينمائيًا وكِيف توصل لجمهور عالمي وليس محلي عربي فقط.

1568540710430-Screen-Shot-2019-09-15-at-14440-PM

كونتِ مع زوجك الراحل المخرج جان شمعون ثنائي سينمائي يشكل الذاكرة البصرية لبيروت في فترة تاريخية حرجة.. كيف كانت التجربة على المستوى الإنساني؟
في لحظة ما بتحسي إنه إشىء غريب، لأن هذا الواقع وبِدك تتعاملى معه، ولكن الكاميرا هذه الوسيلة الإبداعية تعطيك قوة ودفع وكأنها نوع من الحماية وتتحول الكاميرا مثل السلاح الفعال، والقصص وين ماكان وهون مع كل الحرب والضرب وكل البشاعات كان هناك شىء جميل هو الإنسان؛ فالبشاعة والحرب تطلع الجمال وتخرج أحلي مافي الإنسان أيضًا مثل التضامن والتضحية والحب. بيظلك تنقبي كمخرجة على هذه الجواهر الإنسانية المعجونة بدماء الحرب. هذه الأجواء ساعدتنا كثنائي أنا وجان على الاستمرار، الله يرحمه كان لديه موهبة تواصل كبيرة مع الناس، وهو ماجعلنا نخلق هالثقة معهم، فأهم إشي عندما تصور الناس أن تخلقي علاقة حميمة، حتى ينفتحوا لك ويعبروا ويحكوا عن حياتهم ومشاعرهم. كنا نتعلم ونجرب ماقلدنا حدا وماكان في قوالب جاهزة بل بدأنا الطريق من الصفر وكانت تجربة إنسانية وسينمائية ثرية.