"إنه عمل شاق مضنٍ أحياناً، لكنه ممتع في نفس الوقت." هكذا وصفت الدكتورة ريم طارق المتولي قيامها بإطلاق أول أرشيف رقمي في المنطقة يوثق تاريخ الملابس التقليدية في العالم العربي والإسلامي ضمن مبادرة زي. هذه المبادرة غير الربحية تضم حوالي 800 قطعة من الأزياء التقليدية المدهشة بتفاصيلها من عدة بلدان كالإمارات وفلسطين وليبيا والبحرين والعراق وغيرها. وقد تم تصنيف الأرشيف الرقمي بشكل مفصل حسب الدولة والتاريخ واسم القطعة، ومعلومات عنها باللغتين العربية والإنجليزية، إضافة لمدونة شهرية متخصصة بعالم الأزياء والأكسسوارات، وأدوات الزينة.
المتولي، والتي تصف نفسها بأنها "عراقية الميلاد، غَربية التعليم والتنشئة، عَربية الروح وإماراتية الشغف،" انتقلت وعائلتها للعيش في الإمارات عام 1968 عندما كانت في الخامسة من عمرها، حيث بدأ والدها العمل كمستشار اقتصادي لولي العهد (في ذلك الوقت) سمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان. بدأ شغف المتولي بالمنسوجات والملابس وخاصة الأثواب والعبايات الإماراتية في سن مبكرة. بعد انهائها دراستها الجامعية في التصميم الداخلي والفنون الجميلة في الولايات المتحدة الأمريكية، عادت المتولي إلى الإمارات وانضمت للمجمع الثقافي في أبوظبي كنائب رئيس قسم الفنون والمعارض. في تلك الفترة، بدأت المتولي بجمع ملابس النساء التقليدية الإماراتية وتوسعت مجموعتها تدريجياً لتضم بلداناً أخرى. لمعرفة المزيد عن هذه المبادرة، والقطع المميزة التي يحويها هذا الأرشيف، تواصلنا مع الدكتورة ريم المتولي عبر الإيميل.
الدكتورة ريم المتولي - الصورة مقدمة منها.
VICE عربية: هل يمكنك أن تعطينا لمحة عامة عن مبادرة زي، وماذا تعني لك بشكل شخصي.
ريم المتولي: زيّ Zay هي مبادرة فردية غير ربحية، أطلقتها في لندن عام 2018 نظراً لوجودي فيها معظم الوقت. أردت الاحتفاء بالتراث العربي والإسلامي بطريقتي، بكل ما في هذا التراث من أزياء وأدوات وإكسسوارات مرتبطة بها، والتي أجمعها من عدة مصادر، وأوثقها للحفاظ عليها وعلى تاريخها. من خلال هذه المبادرة، أشارك أيضاً بصورة خلاقة في دعم تمكين المرأة من خلال تسجيل صوتها عبر إرث زيها وما يكمن فيه من رموز وحكايات. كما أهدف من وراء تلك المبادرة إلى تعزيز الفهم العام لتطور ثقافة وتراث المنطقتين العربية والإسلامية، وبناء الوعي الجمعي لتقدير هذا النوع من التراث الإنساني الفريد. ذلك بالإضافة إلى دعم إنشاء مبادرات مشابهة في الهدف والمسعى، وإعارة المعارض والعروض الوطنية والإقليمية والعالمية قطعاً من مجموعة (زيّ) للترويج للتاريخ العربي-الإسلامي بشكل حضاري وخلّاق، وبما يحقق المنفعة المتبادلة والتعاون بين المبادرة وجهات أخرى.
من مجموعة سلطاني. تصوير وليد شاه
أتوقع أن جمع كل تلك الملابس والأثواب من بلدان وتواريخ مختلفة لم يكن سهلاً.
بالتأكيد الأمر ليس بالسهولة المتوقعة، إنه عمل شاق مضنٍ أحياناً، لكنه ممتع بنفس الوقت. البحث عن القطع التي تمثل مراحل زمنية قديمة معينة تستلزم مني بحثاً طويلاً إلى أن أصل إلى ما أريد، سواء عند مالك القطعة أو البائع الذي يهتم بالأزياء. حتى الآن يوجد في (مجموعة زيّ) أكثر من 800 قطعة مَتحفية من سوريا، لبنان، فلسطين، العراق، مصر، السودان، المغرب، تونس، ليبيا، اليمن، البحرين، الكويت، قطر، عمان، السعودية، الإمارات، أفغانستان، اليابان، وغيرها من الدول قيد النشر. وسيبقى الأرشيف الرقمي في حالة تطور بناءً على تطور المبادرة ذاتها، وعلى ما سيُضاف إليها من قطعٍ ودراسات وبحوث وأوراق عمل متخصصة في المجال تفيد الباحثين والأكاديميين والدارسين، بالإضافة للمصممين والمبدعين.
كل بلد لها ثقافتها التي تظهر في أثوابها التفليدية، ولكن ما هو الأمر المشترك الذي تتشابه فيه هذه البلدان حين نتحدث عن تطور الموضة؟
ما يمكنني قوله إن تراث الشعوب مترابط بطريقة عجيبة. فثمة أزياء تراثية موجودة في المشرق أو المغرب لكن أصولها وجذورها تعود إلى أقصى الشرق، وبالتالي لا يمكننا الفصل بين شعب وآخر، أو حضارة وأخرى. عملية التواصل والتأثر بين الناس مستمر منذ أقدم الحضارات، وهو ما يمكن ملاحظته في موقع المبادرة التي تتضمن أرشيفاً رقمياً فريداً يسمح لجميع القراء والمتخصصين من الاطلاع بسهولة على صورة كل قطعة متحفية، ووصفها، ومعلومات عنها، ومنشئها، وتاريخها، ومالكها، ومكان وجودها، بالإضافة إلى ما يمكن أن يتوافر عنها من قصص وحكايات. وأخيراً أقول إن كل ما في الموقع يبرز مشتركات عديدة بين الشعوب، وهو ما يمكن أن يلاحظه الزائر العادي والمتخصص.
من مجموعة سلطاني. تصوير وليد شاه
الأثواب الإماراتية التي في المجموعة رائعة. ما هي التفاصيل التي تعجبك بشكل خاص بالملابس التراثية التقليدية؟
عشت معظم سنوات عمري في الإمارات وارتبطت بها ارتباطاً عميقاً كما لو أنها وطني، لهذا جعلت الملابس الإماراتية هي نواة مجموعة زيّ التي يوجد فيها حتى اليوم ما يزيد عن 300 قطعة فريدة، بعضها قديم يعود إلى ما قبل مرحلة النفط، وبعضها الآخر حديث لكنه يحمل روح الماضي. أطلقت على هذه المجموعة اسم "سلطاني"وهو اسم نوع من قماش أطلس الحرير، وتحوي هذه المجموعة كل القطع التي بدأت بجمعها منذ سنوات طويلة، وبما صممته شخصياً ونفذته في ورشة الأزياء التي أملكها وأديرها، وكذلك بما يتم إهداؤه لي من قبل الأشخاص الذين يملكون قطعاً نادراً لا يمكن أن نجد لها مثيلاً على الإطلاق. الملابس الإماراتية تعجبني كثبراً في مختلف تفاصيلها لدرجة أنني أرتديها باستمرار لأنها تعكس جانباً من جوانب شخصيتي.
من مجموعة سلطاني. تصوير وليد شاه
من مجموعة سلطاني.
من خلال النظر إلى هذه القطع كمرجع تاريخي، ما هي أبرز التغييرات في المجال الثقافي والاجتماعي الذي شهدته البلدان التي مررت عليها ضمن المجموعة، وكيف انعكست هذه التغييرات على الملابس؟
من المؤكد أن العلاقات الثقافية والجغرافية والاقتصادية والسياسية تخلق علاقات إنسانية جميلة وعميقة بين الشعوب تقوم على أساس التبادل والتواصل المعرفي والثقافي، ونتيجة تلك العلاقات يتكوّن لدينا ناتج تراثي يمكن أن يتطور وتصبح له هوية وشخصية أخرى، كما الحال في الأزياء. ومن هنا أقول إن المشتركات بين الشعوب كثيرة، وهو ما ينعكس على الملابس والإكسسوات بأشكال مختلفة. لكنني أقول أيضاً إن لكل بلد أو شعب أو مجموعة بشرية هوية خاصة.
مزيد من الصور من الأرشيف الرقمي
العين، الإمارات العربية المتحدة، حوالي عام 1968
زي القبائل العربية في جنوب إيران حوالي عام 1960
العراق، حوالي 1950
الكويت، حوالي 1975
اليمن، حوالي 1940
عُمان، حوالي 2000