GettyImages-1241849667

Ahmed Gomaa/Xinhua عبر Getty Images

صحة

هل تُعرض الأنماط الجندرية التقليدية "الرجال" لخطر الإصابة بسرطان الجلد؟

ضرورة تغيير منظور الذكور إلى منتجات الحماية من الشمس من كونها "منتجات تجميلية" إلى اعتبارها ضرورة طبية

عادة ما يختار معاذ، ٢٢ عامًا، المشي للوصول إلى جامعته في محافظة المنيا بمصر حيث يدرس الفنون الجميلة. فلا يبعد منزله إلا أمتارًا قليلة عن جامعته، يقضيها مستمعًا إلى موسيقاه المفضلة قبل يومه المزدحم بالمحاضرات. تصعب حرارة الشمس خلال فصل الصيف والتي تصل ل 40 درجة مئوية رحلة ذهابه وعودته، وهو عادة ما يرتدي قبعته، وفي مرات نادرة يضع كريما واقياً من الشمس. يوضح معاذ في حديثه لـ Vice عربية أن والده عادة ما يوبخه عند شراء كريمات الحماية من الشمس، لأنه يعتقد أنها لا تناسب "الرجال" بل الفتيات فقط، وهو اعتقاد يؤمن به أيضًا أصدقاء معاذ من الذكور في جامعته.

عثمان، 32 عاماً، وهو شاب سوداني يعمل في مجال الصيدلة بالسودان يقول أن استخدام مستحضرات الحماية من الشمس مستهجن بين الشباب في السودان، ويستطرد في حديثه لـ Vice عربية:"عندما لاحظت أنا وأصدقائي أن صديقنا العائد من خارج البلاد يستخدم كريمات للحماية من الشمس، لم يلق منا إلا السخرية على هذا السلوك غير المعتاد."

إعلان

قصة معاذ وعثمان هي نمط متكرر بين الشباب العربي، حيث تبين الاستبيانات والدراسات التي أجريت في عدة دول بالمنطقة منها  الأردن  وفلسطين والسعودية والإمارات والمغرب والعراق أن الذكور أقل استخدامًا لمنتجات الوقاية من الشمس مقارنة بالإناث.

وتبين نتائج استبانة من عام ٢٠١٧ ضمت قرابة 700 مشارك و أجراها باحثون بمستشفى الحسن الثاني بمدينة فاس المغربية أن خمس المشاركين لم يسمعوا من قبل بسرطان الجلد، بينما كان لقرابة الثلث معرفة محدودة بالمرض، وأعتقد 15% بفكرة خاطئة وهي أن سرطان الجلد قد يكون معديًا.

نتائج مشابهة تحصلت عليها دراسة واسعة ضمت قرابة 2،600 مشارك من المملكة العربية السعودية (٢٠١٦) حيث كان لقرابة نصفهم معرفة محدودة بالمرض، بينما استخدم أقل من ربعهم مستحضرات حماية من الشمس، ولم يسمع بها قرابة خمس المشاركين. بالنتيجة، كان معدل انتشار الاستخدام المنتظم لواقي الشمس بين المشاركين في الدراسة 23.7٪ فقط، فيما تضمنت الدراسة شباباً وشابات، كانت النساء والموظفات أكثر عرضة لاستخدام واقي الشمس، فيما اعتبر حوالي ٩٠٪ من المشاركين أن الملابس الواقية هي الإجراء الأكثر استخدامًا للحماية من الشمس وفقًا لما ذكره أكثر من 90٪ من المشاركين.

نفس النتائج ظهرت في فلسطين، حيث أكدت الدراسة أن الإناث كانت أكثر استخدامًا للواقيات من الشمس مقارنة بالذكور، وأن خطر التعرض لأشعة الشمس غير معترف به بين الذكور نتيجة لعدم وجود معلومات كاملة حول تدابير الحماية لهم. في دراسة أخرى في الإمارات (٢٠١٩) وجد أن الإناث يستخدمن واقي الشمس ويستهلكن مكملات الفيتامينات وخاصة فيتامين D بشكل ملحوظ أكثر من نظرائهن الذكور.

تؤكد هذه الدراسات على وجود تفاوت واضح بين الجندرين في كم المعرفة بأهمية مستحضرات الوقاية والأمراض المترتبة على التعرض للشمس، حيث كانت الإناث أكثر معرفة والتزامًا من الذكور. ويشير خبراء إلى أن هذا الإحجام بين الرجال ببساطة عن وضع حاجز بين بشرتهم والشمس ربما يرجع إلى "المعايير الجندرية" وهذا ما يجعلهم أكثر عرضة من النساء للإصابة والوفاة بسرطان الجلد. يقلل الاستخدام المنتظم للواقي من الشمس من خطر الإصابة بسرطان الجلد بنسبة تصل إلى 50 بالمئة، كما أنه يساعد على تقليل التجاعيد والبقع الداكنة.

يشير الدكتور فراس أحمد، أستاذ الأمراض الجلدية بجامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية في حديثه لـ Vice عربية إلى ضرورة تغيير منظور الذكور إلى منتجات الحماية من الشمس من كونها "منتجات تجميلية" إلى اعتبارها ذات ضرورة طبية. ويضيف: "الذكور في العادة أكثر تعرضًا للشمس، ولكنهم الأقل في وضع مستحضرات الحماية من الشمس ونتيجة لذلك فهم الأعلى في معدلات الإصابة بسرطانات الجلد. الإناث لديهن معرفة أكبر بأساليب الوقاية من الشمس، وهن أكثر زيارة لأطباء الجلدية."

أغلب مستهلكي تلك المستحضرات حتى الآن هم من الإناث وبالتالي أغلب الإعلانات مستحضرات الحماية من الشمس تكون موجهة نحوهن

إعلان

ويرجع تاريخ استخدام المستحضرات والأساليب الوقائية من الشمس في المنطقة إلى آلاف السنين، حيث ابتكر المصريون القدماء خليطًا من نخالة الأرز والياسمين ونبات الترمس لحماية البشرة من الشمس بحسب ما تبينه البرديات، وتكشف النقوش القديمة وجود المظلات في بلاد الرافدين، بينما اعتادت القبائل العربية ارتداء الجلابيب الطويلة، ويغطى أمازيغ شمال أفريقيا وجوههم بأوشحة زرقاء.

أما تاريخها الحديث فقد نمى مع إنتاج أول مستحضر تجاري للوقاية من الشمس أوائل القرن العشرين اعتمادًا على سلسلة من الأبحاث التي كشفت أن الأشعة فوق البنفسجية من ضوء الشمس لا الحرارة هي المسؤولة عن الحروق الشمسية. ومع ازدياد معرفتنا بمخاطر التعرض لأشعة الشمس التي تشمل الحروق والبقع الداكنة والجلد الجاف وسرطانات الجلد، ازدهرت صناعة مستحضرات الوقاية من الشمس، حيث قدرت قيمة سوق مستحضرات الحماية من الشمس عام 2020 بأكثر من 10 مليارات دولار أمريكي.

أغلب مستهلكي تلك المستحضرات حتى الآن هم من الإناث وبالتالي أغلب الإعلانات مستحضرات الحماية من الشمس تكون موجهة نحوهن، وهو عامل إضافي قد يؤدي إلى زيادة الفجوة الجندرية في سلوكيات الحماية من الشمس على حد قول الدكتورة ريما المقاطي، طبيبة الأمراض الجلدية بمستشفى الملك عبد العزيز بمدينة جدة خلال حديثها مع Vice عربية. وتشير المقاطي لنتائج دراستين  أمريكيتين نشرت أولهما عام 2006 والأخرى عام 2019 أن معظم إعلانات مستحضرات الوقاية من الشمس يتم عرضها في المجلات النسائية، بينما يندر أو ينعدم وجودها في المجلات العامة أو الموجهة للرجال منها.  

"الفروق الجندرية في استخدام مستحضرات الوقاية لها أسباب تتعلق بالثقافة الشعبية السائدة. في المجتمعات الشرقية، عادة ما ينظر إلى ممارسات العناية بالبشرة على أنها سلوك أنثوي، مما يثني الرجال عن الاهتمام والعناية ببشرتهم بما في ذلك الإجراءات الوقائية مثل استخدام مستحضرات الحماية من الشمس،" تضيف الدكتورة المقاطي، التي شاركت في دراسة بينت معرفة واسعة بسرطان الجلد وعلاقته بالتعرض للشمس بين 500 طالبة بجامعة الملك عبد العزيز بمدينة جدة السعودية. وتكمل: "بينت الدراسة أن أسباب التفاوت المعرفي بالمرض بين الذكور والإناث يرجع لاهتمام الإناث بصحة بشرتهم لذلك هم أكثر سعيًا لتثقيف أنفسهم عن مخاطر التعرض للشمس."

إعلان

ولا تعد الاختلافات الجندرية في سلوكيات الالتزام بالوقاية من الشمس قاصرة على منطقتنا، حيث تظهر الدراسات التي أجريت في الصين وأستراليا والولايات المتحدة التزامًا أعلى بين الإناث مقارنة بالذكور. مع ذلك تؤكد روبال كوندو، أستاذة علم الأمراض الجلدية بجامعة نورث ويسترن الأمريكية ومؤسسة مركز نورثويسترن لعلاج أمراض الشعر والجلد بين الأقليات الإثنية على ضرورة أن تفهم تلك الاختلافات في إطارها الثقافي والاجتماعي الخاص. وتوضح في حديثها لـ Vice عربية:" تختلف مفاهيم الجمال والمفاهيم النمطية للذكورة بين ثقافة وأخرى، كما تختلف عدد الساعات المشمسة بين المناطق الجغرافية، وتتباين قابلية الإصابة بالحروق الشمسية وسرطان الجلد باختلاف نوع ولون البشرة، وفوق كل ذلك هناك عامل توافر وتكلفة مستحضرات الحماية من الشمس، والمعرفة بأهميتها."

نتيجة التنوع الإثني في المنطقة تتنوع الوان البشرة بين سكانها. ويعد ذوي البشرة البيضاء عمومًا أكثر عرضة للإصابة بسرطانات الجلد مقارنة بذوي البشرة الداكنة بسبب النقص النسبي في تصبغ جلودهم. رغم ذلك فإن معدلات الوفيات نتيجة الإصابة بسرطان الجلد مرتفعة لدى ذوي البشرة الداكنة مقارنة بغيرهم، يعود ذلك في الأغلب إلى أن معظم الحالات يتم تشخيصها في مراحل متأخرة، مما يقلل احتمالية نجاح الاستراتيجيات العلاجية.

لا أعتقد أن كريمات الوقاية من الشمس هي منتج أنثوي، للرجال والنساء نفس الجلد

يحكي شهاب، 33 عاماً، وهو شاب يمني يعمل في المجال الإنساني أنه أصيب بحروق على جلده بسبب التعرض للشمس لفترة طويلة خلال رحلته إلى مدينة حبابة التاريخية قرب العاصمة اليمنية صنعاء، فتوجه إلى أقرب صيدلية ليشتري أحد مستحضرات الوقاية من الشمس، فلم يجد إلا كريمات واقية مخلوطة بمستحضرات تجميلية (كريمات أساس). ويقول في حديثه لـ Vice عربية: "لم انظر لتلك المنتجات على إنها أنثوية، الشركات هي من اختارت تسويقها بهذا الشكل. ولكني لا أعتقد أنه من اللائق أن أقوم بوضع كريمات الوقاية من الشمس في الأماكن العامة، أو أن أساعد صديق على وضعها في مواقع جسده التي لا يستطيع الوصول لها بنفسه."

إعلان

أما حمزة، 31 عاماً، الذي يعمل في مجال صناعة المحتوى ويهوى المشي أسبوعيًا في طرقات وأحياء مدينة الدار البيضاء على الساحل المغربي فيقول لـ Vice عربية:" لا أعتقد أن كريمات الوقاية من الشمس هي منتج أنثوي، للرجال والنساء نفس الجلد، لكني أهاب وضع الكيماويات على جلدي، أشعر دائمًا أن بها شيء مضر."

تظهر هذه الشهادات بأن الوعي بأشعة الشمس والحماية منها غير كافيين بشكل عام، ولكن يميل الرجال إلى أن يكونوا أقل وعيًا من النساء بشأن مخاطر التعرض لأشعة الشمس، كما أن لبعض الآخر يراه كمنتج تجميل "أنثوي" حيث وجدت إحدى الدراسات الاستقصائية أن ما يقرب من ثلثي الرجال يعتقدون أن بشرة النساء أكثر حساسية للأشعة فوق البنفسجية. ولكن في الواقع، جلد الرجال أكثر عرضة للمرض بسبب الأشعة فوق البنفسجية من جلد النساء. 

قد يعزى نقص المعرفة بسرطان الجلد بين الشباب العربي إلى ندرة الحملات التوعوية والتثقيفية عن المرض. يشدد الخبراء في حديثهم لـ Vice عربية على أن دعم الحملات التوعوية بسرطان الجلد وسبل الوقاية منه، بل ودمجها في المواد الدراسية من مراحل عمرية مبكرة هي خطوة أساسية نحو تعزيز السلوكيات الصحية، وتغيير الأنماط الضارة منها بهدف خفض معدل الإصابات بالمرض.

وتشير عواطف كيلاتي، الأستاذ المساعد بقسم علم الأمراض الجلدية بجامعة محمد السادس المغربية في حديثها لـ Vice عربية إلى ندرة الدراسات التي بحثت سرطان الجلد في المنطقة، وتؤكد "على ضرورة تكثيف الدراسات حول المرض لزيادة فهمه، وتفصيل أسباب الاختلافات الجندرية في معدلات الإصابة."

لحسن الحظ، من الممكن تجنب أغلب وفيات جراء الإصابة بسرطانات الجلد من خلال تعزيز الإجراءات الوقائية مثل استخدام  مستحضرات الوقاية من الشمس، والتوعية بأهمية الفحص الذاتي الذي قد يؤدي إلى التشخيص مبكر حيث يكون علاج المرض أكثر فاعلية. وبحسب ما تبينه الدراسات، يعد نقص المعرفة بسرطانات الجلد، والرابط بينها وبين التعرض للشمس وأهمية الإجراءات الوقائية، وانتشار المعلومات المغلوطة عاملًا مؤثرًا على السلوكيات الوقائية الخاص بالتعرض للشمس بين الشباب في المنطقة، خاصة الذكور منهم.

نسب قليلة تعرف ضرورة استخدام مستحضرات الوقاية في مختلف الفصول

نقص المعرفة يؤثر أيضًا على الفئات الملتزمة بالوقاية من الشمس، فحتى بين المستخدمين للمستحضرات تغيب المعرفة الكافية بالإرشادات الضرورية لتحقيق حماية كافية، حيث تظهر الدراسات التي أجريت في المنطقة  أن نسب قليلة تعرف ضرورة استخدام مستحضرات الوقاية في مختلف الفصول، وأهمية إعادة وضعها بعد النشاطات التي قد تزيلها مثل السباحة، وكذلك وجوب وضعها على الجلد الجاف في فترة لا تقل عن ربع ساعة قبل التعرض للشمس، والاهتمام بوضعها على جلد الأذن والرقبة، وأن يتم إعادة وضعها ثلاث مرات على الأقل خلال اليوم.

توصي الدكتورة المقاطي بأن تستخدم المنصات والمساحات التي ينشط عليها الشباب مثل مواقع التواصل الاجتماعي لنشر الرسائل التوعوية حول أساليب الوقاية من الشمس وأهميتها لكلا الجندرين. أما الدكتورة إلهام الخطيب، عميدة البحث العلمي في جامعة القدس في فلسطين في حديثها لـ Vice عربية فتؤكد على ضرورة أن لا نكتفي بحملات توعوية عامة، بل أن يتم تصميم حملات تستهدف الفئات الأكثر ضررًا، وتفرق بين الفئات التي تختلف سلوكياتها الصحية أو موانع التزامها، كالفروق المبنية على الجندر في حالة سرطانات الجلد. 

يتمثل أحد الحلول الأخرى في التوعية بالملابس الواقية من الأشعة فوق البنفسجية، وهي ملابس تنسج بشكل مختلف بحيث تكون قادرة على منع مرور أشعة الشمس إلى الجلد. وتشير جميعات صحية إلى أنها قد توفر حماية جيدة من الشمس، كما أنها توفر على مستخدميها الحاجة إلى وضع كريمات الوقاية كل ساعتين للحصول على الحماية المطلوبة.

يتفق الدكتور أحمد أن الملابس الواقية من الأشعة البنفسجية قد توفر حماية جيدة، ولكنها ليست كافية ويقول: "بل بسبب عادة ارتداء الملابس الطويلة لدى المجتمعات العربية والتي يُعتقد أنها كافية للحماية، بدأت تظهر بعض سرطانات الجلد في المواقع الظاهرة من الجسم خاصة جلد الوجه. ولذلك أوصي بأن يتم استخدام كريمات الوقاية إلى جانب الملابس الطويلة."

الفروق الجندرية والإعلانات الموجهة، أعطت صورة خاطئة للرجال عن مستحضرات الحماية من الشمس ومستحضرات البشرة بشكل عام. تسويق هذه المنتجات باعتبارها "أنثوية" بدلاً من تأطيرها كضرورة طبية للحماية من السرطان، جعل الرجال أقل وعياً بفوائد استخدام هذا الواقي من جهة، واعتباره يتعارض مع "ذكوريتهم" مع جهة أخرى. هذه الفروقات والصور النمطية تسببت بالكثير من الضرر للرجال، وحان الوقت لتطبيع استخدام الواقيات من الشمس من قبل الجميع.

-فضل الشباب الذين تحدثنا معهم عدم ذكر الاسم الكامل لأسباب خاصة.