العالم يحترق. نعم، تستمر البشرية في تدمير الكوكب وها نحن نرى آثار حماقاتنا على الأرض تتضح أكثر فأكثر. تعد الحرائق المروعة في سوريا ولبنان أحدث حلقة في سلسلة من الكوارث الطبيعية المتعلقة بتغير المناخ. طبعاً وجودها في الشرق الأوسط يدفع الجميع لتسييسها كلٌ بما يناسب توجهاته ونظرياته وقد يكون في ذلك جزء من الحقيقة ولكنني أرى بأن هذا أمر ثانوي في كل حال. سواء حصلت هذه الكوارث بمحركات سياسية أو عوامل بيئية من صنع البشر، هما وجهان لعملة واحدة بالنسبة لي. الإنسان يفتعل الدمار في نفسه وفي بيئته. أرى أن هذا الأمر غريب جداً وينافي الطبيعة حيث لا تقوم الكائنات بالأذى عامةً إلا للغذاء أو حماية النفس. ولكن شهية الإنسان للتدمير شيء مختلف تماماً. وهي تثير خوفي واهتمامي في نفس الوقت.
إعلان
دارت هذه الأفكار في رأسي في سبتمبر ٢٠٢٠ عند اندلاع أكبر حريق بري في تاريخ كاليفورنيا. كنت حينها في مدينة فانكوفر الكندية التي تقع شمال الولاية وقد وصل دخان حرائق الغابات إلينا وطغى فوق المدينة كالضباب لعدة أيام. لم نرى الشمس لأربعة أيام بسبب حريق يحدث في دولة مجاورة، وتم إصدار إشعار ينصح بالبقاء في المنزل لأن درجة تلوث الهواء كانت ذات خطورة عالية. كان الأمر شديد الغرابة وصعب التصديق. في يوم مشمس بدت الشمس كقرص برتقالي مبهم خلف الدخان الذي كان يحجب أشعتها تماماً. كانت التجربة بمثابة جرس إنذار يشير لضرورة تغيير جذري في طريقة تفاعلنا مع محيطنا.
قد يثير الحديث عن البيئة شيئ من السخرية أو اللامبالاة عند البعض. ولكن برأيي أن هذه المشاكل البيئية لا تتجزأ عن جذرها وهو النظام الاقتصادي العالمي غير المستدام. هذا النظام القائم على الجشع والذي يؤدي إلى هوة كبيرة وتزداد اتساعاً بين طبقات المجتمع هو نفسه سبب الاختلال في التوازن البيئي. عندما يكون الربح هو القيمة العليا كما في الرأسمالية، سيكون ذلك على حساب الطبيعة والبشر. عالمنا مترابط بشكل كبير ويزداد اشتباكًا، وإن لم نجد طريقة للتعايش مع بعضنا ومحيطنا باتزان، ونستوعب آثار أفعالنا على الكوكب في الوقت المناسب، قد تصبح الأرض غير صالحة للحياة البشرية.يذهلني أنه مع كل التقدم العلمي والتكنولوجي المتواجد في هذا العصر، لازلنا كبشر نجد أنفسنا في مأزق كبير وبدون أي خارطة أو دليل إلى الطريق الذي يجب اتباعه لإنقاذ أنفسنا. ربما وصلنا إلى ثراء علمي ولكننا حقاً مفلسون أخلاقياً. العالم الآن يمر بجائحة، بانهيار اقتصادي وفساد سياسي، حرائق غير مسبوقة الحجم، احتجاجات عالمية، استقطاب حاد في الولايات المتحدة الأمريكية ـ أكبر دولة عظمى، وما قد يتحول لحرب أهلية متأججة. هذا عدا عن الحال المثير للحزن والغضب لتلك الشعوب التي مازالت تعاني من الفساد والجهل والاستبداد الناتج عن سنين من القمع الداخلي والخارجي.
إعلان