death
10 اسئلة

عشرة أسئلة لطالما أردت طرحها على مغسلة موتى

طلبت ابنة إحدى المتوفيات أن أدعها تشرب من ماء الغسل حتى تقوى على فراق والدتها

يعتبر الخوف من الموت والجثث غريزة كامنة في النفس الإنسانية، وقد يصل أحيانًا إلى درجة الـ"ثاناتوفوبيا" أو الشعور بالقلق الشديد الدائم من الموت. لكن في المقابل، هناك من يضطرهم عملهم للتعامل مع الموت بشكل يومي. آمنة ديران، سيدة خمسينية، اعتادت منذ ثمان سنوات أن تتعامل مع الموتى، وتكون أقرب من غيرها إلى العالم الآخر. هذه التجربة، مكّنتها من مواجهة مخاوفها واكتشاف ذاتها وإعادة بناء علاقتها ونظرتها للحياة والموت، وقد ينطبق عليها ما قاله الروائي الروسي، ليو تولستوي، في روايته "الحرب والسلام": "لا يمكن للإنسان امتلاك أي شيء طالما يخاف الموت." Vice عربية حاورت آمنة التي تحدّثت لنا عن صفات وشروط مغسلي الموتى، خوفها من الجثث وعن أغرب المواقف التي تعرضت لها.

إعلان
1580807894146-

آمنة ديران.

VICE عربية: كيف بدأت مهنة تغسيل الموتى؟
آمنة ديران: بدأ اهتمامي بتغسيل الموتى منذ سنّ مبكرة، 15 سنة، وكنت دائما أبدي إعجابي بالنساء اللواتي كنّ يغسّلن قريباتي، بل أصررت في ذلك الوقت على المشاركة شخصيًا في تغسيل جدتي وعمتي. بعد مرور سنوات طويلة، راودتني هذه الرغبة من جديد. بدأت بتغسيل الموتى بشكل رسمي، منذ ثمان سنوات في مدينتي كلميم (جنوب المغرب). دفعني حبي لهذا العمل للانخراط في جمعية خيرية محلية (مغسلة الرحمة)، تهتم بتجهيز الموتى وتكفينهم ودفنهم في المدينة، حتى يكون عملي في إطار قانوني ورسمي.

هل تحصلين على أجر جيد؟
إن ما أقدمه هو خدمة تطوعية مجانية فأنا أعمل في جمعية غير ربحية. أقوم في العادة بتغسيل الأموات في المنازل، ويتم استدعائي لتغسيل بعضهم داخل مستشفيات حكومية أيضًا، بطلب من أهاليهم. وبالنسبة للأجر، فهنالك من يتلقّى من أهل البيت مبلغًا نظير عمله، قد يصل إلى عشرين أو ثلاثين دولارًا في المتوسط، دون اشتراط من طرف المغسل طبعًا. أما أنا، فأقوم به مجانًا وأرفض أن أتقاضى عنه شيًئا.

ما هي الشروط الأساسية التي يشترط توفرها في مغسل الموتى؟
من أهم شروط تغسيل الميت أن يكون الشخص صالحًا وملتزًما بالعبادات وعارفًا بأحكام وطريقة الغسل الصحيحة، أضف إلى ذلك أن يكون قوي القلب والإيمان، أمينًا وكتومًا وصبورًا يحافظ على حرمة الميت ويؤمن منه الإخلال بحقوقه، إذ لا يجوز له إذا رأى من الميت شيئا مما يكره أن يذكره ويخبر به الناس.

كيف تقومين بتغسيل الموتى؟
في البداية، نقوم بتمديد الميت على سرير الغُسل، ونجرّده من ثيابه، ونضع قطعة قماش سميكة ساترة لعورته. بعد ذلك، يتمّ غسل جسد الميت كلّه وتنظيف مخارجه، لإزالة النجاسة إن وُجدت، ثمّ نوضّئه الوضوء الأكبر، مع الحرص على عدم دخول الماء إلى أنفه وفمه. بعد هذه المرحلة، يبدأ المغسّل بتغسيل عموم جسد الميت بالماء، ثمّ يغسّل شقّه الأيمن كلّه، يليه الشق الأيسر، ويكون هذا الغُسل بالماء والسّدر والصابون والكافور. أقوم بتغسيل النساء والأطفال فقط، لأن الأصل في الإسلام في غسل الميت أن يغسل الرجال الرجال والنساء النساء، ولا يجوز للمرأة أن تغسل الرجل وتكشف عن عورته، حتى ولو كان الميت كبيراً في السن ومن المحارم، ويستثنى في هذه الحالة الزوجان طبًعا.

إعلان

ماذا عن الأطفال؟ هل تغسيلهم أصعب بالنسبة لك؟
صحيح أن الأطفال وهم في سنّ مبكرة، يكون تغسيل جسدهم الغض أمرًا صعبًا إلى حدّ ما، ولكن أجد أنه من الأصعب تغسيل الأشخاص الأكبر سناً، ففراقهم أقسى، حيث أن معرفتك السابقة بهم ومعاشرتك لهم تجعل الأمر معقدًا نوعًا ما.

ألا يتملككِ الخوف والرهبة من الجثث؟
أكيد أن الأمر كان كذلك في البداية ولا يزال، لكن بحدّة أقل. بعد عودتي إلى المنزل كلّ ليلة وقبل أن أنام، تتردّد أصوات البكاء والنحيب على سمعي، وتعود إلى ذهني صورة الجثة وهي ممددة أمامي، أتذّكر كيف كان ذلك الشخص يعيش بيننا وها هو الآن بين يديّ جثة هامدة بلا روح. أتأثر أكثر عندما أستحضر بعض الحالات المؤلمة لضحايا الحوادث المرورية والحرائق، إنها الأقسى بلا شكّ. أما الآن، فقد اعتدت على الأمر قليلاً بحكم تجربتي وتعاملي اليومي مع الجثامين، إذ تفرض عليّ ضرورة عملي، كمغسّلة، أن أتمتع بشخصية قوية هادئة، وأكتم مشاعري مهما حدث، خصوصا أثناء حضور أهل الميت لعملية الغُسل والتكفين، والتي غالبًا ما تكون ذات وقع كبير عليهم.

كيف تغلبت على هذا الخوف وعوّدتِ نفسك على التعامل مع الموتى؟
يظن الكثيرون أن الذين يغسلوا الموتى، أشخاص قساة ومتبلّدو المشاعر، لا نخاف الموت ولا الجثث، وفي الواقع، تجدنا متأثرين من الداخل من هيبة الموت. وفي النهاية، أنا كغيري من الناس، لديّ مشاعر وغرائز إنسانية، منها الخوف طبعًا، لكنها تبقى مسألة قدرة على التحمل، ضبط النفس والسيطرة على الأعصاب، إنها مسألة تعوّد ليست إلا.

ما الذي يجب تفاديه أثناء تغسيل الموتى؟
ما أحرص عليه عند عملية الغُسل هو ألا أنسى أيّ ركن منه، وأنتبه في نفس الوقت ممن تشاركني التغسيل أو من أي شخص يدخل إلى الغرفة، تفاديا لوقوع أعمال السحر والشعوذة. الكثير من أصحاب النوايا السيئة يتسللون إلى غرفة التغسيل أو يدّعون المساعدة طلبًا للأجر والثواب. لكنهم في الواقع، يرغبون في الحصول على ماء الغُسل أو قطعة من القماش التي وضعت على الجثة، أو بقايا الصابون، من أجل القيام بأعمال شيطانية مؤذية (السحر الأسود)، فيقال إن ماء الغسل إذا ما تمّ رشه على الفتيات العازبات فإنه يعطّل زواجهن، كما أنه يستعمل في تفريق الزوجين وتشتيت شمل الأسرة.

أحرص أيضا بعد انتهاء عملية التغسيل، أن أوصي أهل الميتة بملازمة جثتها قبل الدفن، فهناك من يقوم بحشو تعاويذ وطلاسم سحرية في فم الميت أو يربطها بأحد أطرافه، حتى يُدفن السحر معه إلى الأبد، كما أنصحهم برمي ماء الميت في أقرب مجرى مائي أو في الحمام، مع الحرص على صب مسحوق الصابون فوقه لقطع الطريق أمام ضعاف النفوس، ودفن أدوات التغسيل أو الحفاظ بها في مكان آمن بعيدًا عن أعينهم.

هل تلقيت يوما طلبًا غريبًا من إحدى العائلات؟
نعم، أتذكر مرّة كيف أن ابنة إحدى المتوفيات -كانت في حالة بكاء وانهيار شديدين- طلبت مني أن أدعها تشرب من ماء الغسل حتى تقوى على الصبر على فراق والدتها. رفضت طلبها طبعًا رغم إلحاحها المتكرّر، فالأمر يدخل في باب الخرافة. كما أنه من الشائع أن تظهر بعض علامات الصلاح على جسد الميت، فالميت صاحب الخاتمة الحسنة، والله أعلم، يكون في العادة خفيف الجسد، أبيض البشرة، كأنه نائم فقط، كما أن نعشه يكون خفيفًا يتسابق به المشيعون إلى المقبرة. وفي حالات أخرى يكون العكس، يكون النعش ثقيلاً حتى وإن كان صاحبها نحيلاً وضئيل البنية.

كيف أثر هذا العمل على نظرتك للحياة والموت؟
في كلّ مرة أدخل فيها غرفة التغسيل أتصور نفسي مكان الميّتة، ويغمرني شعور بالرهبة واستصغار الدنيا وعدم الاغترار بها. أتخيّل نفسي، في أي لحظة، وهم يجهزونني ليُصلّى علي وأدفن، ويدفعني ذلك إلى استغلال الوقت والاستعداد لهذه اللحظة. عملي هذا جعلني أرى أننا، بنو البشر، مجرّد عابري سبيل، فالدنيا ما هي إلا لحظات زائلة، والموت حقيقة راسخة ماضون إليها لا محالة.