من الصعب تخيل جريمة أكثر فظاعة من قتل أطفالك، ولسوء الحظ فإن القاتل من تلك النوعية ليس جديدًا؛ فالتاريخ القديم والحديث على حد سواء يخبرنا بذلك، حتى أن أرسطو دعا إلى التخلص من الأطفال المعاقين والأطفال الرضع المشوهين، قائلاً: "يجب أن يكون هناك قانون حتى لا تعيش الأطفال المشوهة".
وقتل الأطفال هو أيضًا جريمة أكثر شيوعًا مما يدركه الكثيرون، وأحدث البيانات في أستراليا، والمستمدة من البرنامج الوطني لرصد جرائم القتل AIC، رصدت حوالي 30 حالة بين يوليو 2012 وحتى يونيو 2014، ووجدت أنه من بين 32 طفلًا ضحية، هناك ستة منهم أعمارهم تصل إلى 18 سنة فما فوق.
وتبين من تحليل دراسات الحالة أن الأطفال المقتولين، يتم اتهام آباءهم في المقام الأول بقتلهم، حيث يكون لديهم مشاكل تتعلق بالمخدرات وإدمان شرب الكحوليات، في حين كانت دوافع "الإيثار والأنانية" و"الإهمال" و"مشاكل الصحة العقلية" هي أكثر الأسباب التي تدفع الأمهات لارتكاب جرائم قتل أطفالهن. وفي الوقت نفسه، وفي الولايات المتحدة، وفي دراسة نُشرت من قبل جامعة براون في عام 2014 تم تحليل بيانات في خلال فترة امتدت إلى 32 عامًا، استنتجت أن الآباء الأمريكيين قاموا بارتكاب جريمة قتل أبناءهم حوالي 500 مرة في السنة.
الدكتور شيريل ماير، أستاذة علم النفس في جامعة رايت ستيت في أوهايو، وأحد أبرز خبراء مكافحة جرائم الأمهات في العالم، أجرت مقابلات مع عشرات النساء اللواتي قمن بقتل أطفالهن، في محاولة لفهم دوافعهن حول القيام بهذه الجرائم. من جانبها قامت VICE بالاتصال بالدكتور شيريل ماير عبر برنامج سكايب، وسألتها عن رأيها حول كيفية قيام بعض النساء بقتل أطفالهن، وإذا كانوا هم حقا أنواعًا مختلفة عن البشر.
وفيما يلي تفاصيل المقابلة:
VICE: بدأتِ في عملية جمع البيانات عن النساء اللاتي قتلن أطفالهن في الولايات المتحدة، ووجدتِ أن هناك ألف حالة مماثلة على مدى 10 سنوات، أي تقريبا طفل واحد مقتول كل ثلاثة أيام. كيف أقدمتِ بعد ذلك على مقابلة بعض من هؤلاء النساء؟
شيريل ماير: ذهبنا إلى مركز أوهايو الإصلاحي للمرأة وسألنا: "كم عدد السجناء اللاتي تم إدانتهن بقتل أطفالهن؟" كان العدد الإجمالي للنساء اللاتي يتواجدن في المركز 1800 امرأة، من بينهن 80 متهمات بقتل أطفالهن، وهو ما دفعني للكتابة عن هؤلاء النساء.
وبشكل عام، فقد أجرينا مقابلات مع 40 أم، أما الـ 40 الأخريات فلم يشاركن - كانوا إما على وشك الإفراج عنهن أو في مرحلة الاستئناف، كما نفى عدد قليل منهن ارتكابه لتلك الجريمة، بينما العدد الأكبر اعترف بارتكابه جريمة قتل أطفاله.
خلال المقابلات حاولنا رسم صورة واضحة لهذه البيانات، وكان التركيز على ما هو أبعد من ذلك، حيث حاولنا التوغل بشكل أكثر عمقًا للتعرف على كيف وصلت هذه الأمهات إلى هذه المرحلة التي ارتكبن فيها جريمة قتل أطفالهن، فهل على سبيل المثال لم يكن لديهن طفولة صحية أو نموذجية، هل عانين في طفولتهن وقد ترك ذلك أثراً كبيراً في نفوسهن أدى إلى قيامهن بقتل أطفالهن.
ماذا عرفت عن هؤلاء النساء، كشخص وليس كباحث؟ وهل بالفعل كنّ يظهرنّ بشكل متوحش كما كنت تتوقع؟
هذا هو أول شيء أود أن أتحدث عنه، فقبل أن نذهب إلى هناك كان تفكيرنا، مثل أغلب الناس، في أن هؤلاء النساء يجب أن يكونوا منبوذات ومتوحشات، ولكنهن لم يكنّ كذلك على الإطلاق، فبعد المقابلة الأولى، حمدت الله على أنه ألهمني للحديث إلى هؤلاء السيدات.
وكانت المقابلة الأولى مع امرأة في مثل عمري، وكانت صريحة جدًا، نشأت في عائلة من الطبقة المتوسطة، كانت ذكية جدًا، وكانت تهتم بتعليمها مثل الكثيرين في العائلات الراقية.
وفي السادسة عشرة من عمرها دخلت في علاقة مع رجل يكبرها بضعف عمرها، وحملت منه وتزوجا، بعد ذلك أصبح لديها ثلاثة أطفال في غضون عامين، وكان زوجها يتنقل كل عام بين عمل وآخر.
وكونها في التاسعة عشر من عمرها، ولديها ثلاثة أطفال وزوجها كان سيء في معاملته لها، وكانوا يسافرون بشكل دوري من مكان لآخر، قالت إنها لم تتمكن من تكوين علاقة اجتماعية مع أصدقاء أو أقارب في أي منطقة أقامت فيها، كما أنها تناولت الكثير من المخدرات، وسقطت في شبكة لتبادل الزوجات، ولكنها في نهاية المطاف رغبت في أن تعود إلى حياتها الطبيعية، وبالفعل عادت إلى منزلها مع أطفالها، بل أنها بدأت استكمال دراستها في المرحلة الثانوية، وحصلت على وظيفة، وعاشت هي وأطفالها الثالثة في منزلها.
ولكن لم تنته الأمور على ما يرام بالنسبة لها، حيث بدأت تواعد أحد الرجال، وفي يوم من الأيام انتظرته لكي تقابله في منزلها، ولكن من حضر هو شقيقه الأصغر، الذي أخرج مسدسًا، وهددها بإقامة علاقة معه وإلا سوف يقتل أطفالها الثلاثة أمامها، وقالت: لقد اغتصبني وهددني أني لو كشفت هذا الأمر فسيقول للجميع بأن هذا الأمر تم برضائي ولم أكن مجبرة على فعل ذلك.
وتحدثت هذه المرأة قائلة: لقد شعرت بأن ما حدث أمر مُهين ومُذل، وقررت أن الحياة لا تستحق كل هذا العناء.
وبالفعل جاءت هذه المرأة بخطة لقتل أطفالها وقتل نفسها أيضَا، ونجحت بالفعل خطتها في قتل أطفالها، إلا أن محاولة قتل نفسها لم تنجح، وحصلت على ثلاثة أحكام بالسجن مدى الحياة.
قالت لي: "عندما فكرت في الموت، لم أستطع أن أتصور نفسي في الموت بدون أطفالي، فالموت دون أطفالك مثل أنك تموت بدون ذراعك أو أحد أعضاء جسدك.. فأولادك هم امتداد لك.. لذلك كان عليّ قتلهم".
وأكدت لي إنها لو كانت قد قامت بالانتحار وتركت أولادها، فإنهم سوف يعيشون مع أب سيء يعذبهم ويضربهم، لذلك جلست وفكرت واتخذت هذا القرار.
هل فكّرت ولو لحظة خلال المقابلات في أنك قد تكونين يومًا ما في نفس موقفهم ؟
نعم، حتى لو لم تكن طفولتهن مثل طفولتي، كنت أشعر بالشكر لله بأن طفولتي كانت طبيعية، ولكن هؤلاء الأطفال حصلوا على والدين سيئين.
فالسؤال الأول الذي سألناه كان "ماذا كانت طفولتك؟"، فكانوا يقولون أشياء مثل "طفولة جيدة، طبيعية جدًا، عادية مثل أي شخص آخر"، ولكن البعض قد يكون تعرض لاعتداء جنسي وهو طفل ثم ترك منزله، ولكن بخلاف ذلك فإن طفولة كل من قابلناهم كانت طبيعية.
ولكن كانت رؤيتهم للأمور مختلفة جدا عن نظرتنا، ولا نعلم، هل نحن محظوظون بأنه لم يكن لدينا نفس حياتهم؟ ولو كان لدينا حياتهم، فكيف كانت ستكون ظروفنا في هذه اللحظة.
هل قام الكثير من الأمهات بإبداء الندم على ما فعلن؟
نعم الكثيرات منهن أبدين ندمهن، ولكن البعض منهن لم يكن لديه أي شعور واضح بالندم، فالغالبية العظمى منهن كان شعور الندم يطغى عليهن، وكنّ يحاولن التكفير عما اقترفن بأي شكل من الأشكال.
فالمرأة الأولى التي تحدثت إليها، اقتبست من حديثها بعض الكلمات ووضعتها في نهاية كتابي، هذه الكلمات هي: "أعتقد أنني حاولت بشدة أن أقمع الجوانب السيئة لدي، حتى وصلت لدرجة انني لست بحاجة إلى أن أكره نفسي، لا يوجد شيء جيد بشكل كامل، كما لا يوجد شيء سي بشكل كامل، أما عن نفسي فأنا بخير، أكره ما فعلته حقًا، ولدي قناعة كاملة بأني لا استطيع تغيير ما حدث، أحاول أن استمر، وأتمنى ألا يتم السخرية من كلامي أو مما فعلت."
وفي هذا المكان كانت النساء على مستويات مختلفة من التوفيق بين أفعالهن وأنفسهن، فقد وصلن إلى مرحلة متقدمة جدًا في كيفية التعامل النفسي، ولكن بعض النساء ما زالن تحت تأثير الصدمة، وهو أمر يسير وفق مراحل، فيمكنك أن تَراهن ينتقلن من حالة إلى أخرى في وقت قصير.
هل يكون ذلك بسبب مرور وقت طويل على وقوع الجريمة؟
نعم، إحداهن قضت 25 عامًا داخل المركز، قالت إنه في فترة ما بعد الجريمة بقليل، كانت تحاول الخروج من المشكلة، أو تنكرها، بل أنها حاولت الهروب مرتين، ولكن بعد ذلك أصبح السجن كأنه منزلها، وعرفت أنها لن تغادره أبدًا.
ما هي أنماط الشخصية التي لاحظتها في النساء اللاتي ارتكبن الجريمة مؤخرًا؟
اتذكر هذه المرأة التي ربما كانت في العشرينات من عمرها، كانت تبكي طيلة المقابلة، كانت حزينة جدًا، ومستاءة مما فعلت، لم تنكر أنها فعلت ذلك، ولكنها قالت إنها حزينة لأنها لن تشاهد ابنها مرة أخرى.
ولكن هناك أنماط أخرى أيضًا، فهناك نساء كنّ يشعرن بالغضب من محاكمتهن ويلومن نظام المحاكمة، ولا يركزن حقيقة في أنهن قد فعلن شيئًا مجرمًا في أولادهن.
وهناك نمط آخر قد يبدو من نوع السخرية الحزينة، فالنساء اللواتي مات أطفالهن نتيجة اهمال أو اعتداء، كنّ يضربن رأس أطفالهن على جدار مما يؤدي إلى كسر جمجمتهم ويموتوا، فهؤلاء معدلات الندم لديهن أقل، حيث أنهن لا يشعرن بمسئوليتهن عما حدث ويعتبرونه حادث عرضي، فقد قمن بتأديب أطفالهن ولكن حدث ما حدث.
تتحدث عن الندم، فماذا عن الحزن؟
أعتقد أن حالة الحزن كانت مسيطرة على تلك السيدة التي قضت 25 عامًا من حياتها داخل المركز، ولكنها الآن تحاول أن تتوائم مع واقعها، حيث قالت لي "انتظر رؤية طفلتي مرة أخرى عندما أموت."
كانت نادمة لأنها فعلت ذلك، ولكن لا أعتقد أنها كانت حزينة حقًا، لذلك أود أن أقول بالتأكيد أن الحزن ربما يأتي أولًا، فهن يكون لديهن شعور بالحزن في البداية ولكن يأتي بعد ذلك شعور الندم، وكان هذين الشعورين منفصلين جدًا بالنسبة لها.
أتصور أن معظم الناس يفترضون أن الأمهات اللواتي يقتلن أطفالهن شخصيات معتلة اجتماعيًا، ولكن هذا ليس صحيحا إذا كنّ يُشعرن بكثير من الحزن أو الندم الحقيقي.
كان أكبر مجموعتين لدينا من الأمهات اللواتي قتلن عن عمد ثم الأمهات اللاتي قتلن عن طريق الإهمال، ومن الواضح أن الأم التي قتلت طفلها عن طريق الإهمال لم تكن تنوي القيام بذلك، فهذه أم بالغة من العمر 25 عامًا، لم تنهي تعليمها الثانوي، وقالت إنها لم تتعلم كيف تكون أم جيدة، وأكدت أنها لم تتلق تربية جيدة من والديها، ولم يقدم لها والدها أي دعم، وفي أحد الأيام، اعتمدت الأم على الطفل الأكبر لكي يقوم برعاية شقيقه الصغير، وذهبت هي للرد على الهاتف، لتعود وتجد طفلها الصغير غريقًا في حوض الاستحمام.
أما الأمهات اللواتي قتلن عن عمد، كنّ في كثير من الأحيان يعانين من مرض عقلي، حتى إنهن لا يستطعن تذكر ما فعلوه من جرم، إنهن مريضات عقليات بشكل تام، ففي بعض الأحيان يكون المرض العقلي حدث مؤقت أو عابر، وأحيانا ليس كذلك، فإذا كان القتل تم في مرحلة ما بعد الولادة فهنا يمكن القول إنها حالة مؤقتة، أما إذا كانت عملية القتل بعد ذلك، فيتم ملاحظة أن هؤلاء النساء يشعرن بالأسف الشديد والحزن لما اقترفوه، ولكنهنّ لم يكنّ نادمات لحظة وقوع الجريمة، لأنه عندما قتلن أطفالهن، كانوا يعتقدن أن الطفل هو الشيطان.
فالنساء اللواتي يقتلن عن عمد يختلفن جدًا عن المجموعات الأخرى، ويميلنّ إلى أن يكنّ أكبر سنًا، بل ذهب البعض منهن إلى أبعد من ذلك بكثير حيث فكّرن في التبني أو إنجاب أطفال آخرين، فهن غالبًا ما يصفن أنفسهن بأنهن أمهات مثاليات وأنهن دائمًا رائعات، ولكن كيف حدث هذا؟ إن كل أم من هؤلاء تقول لمن تقابله "لا أستطيع أن أصدق أني قتلت طفلي، لقد كنت أم جيدة."
وفقًا للمقابلات التي قمت بإجرائها، فإن الأمهات اللواتي قتلن بقصد يعتبرن أنفسهن أمهات مثاليات في كثير من الأحيان في كثير من الأحيان، ألا يبدو وكأنه وضع مقلوب؟
نعم وهؤلاء النساء لا يميلنّ إلى قتل طفل واحد فقط، بل يقتلون كل أطفالهم جميعًا، كما أنهن لا يميلن إلى استخدام البنادق أو السكاكين، ويستخدمن طرق أخرى مثل الخنق أو الغرق أو وضع السم في الطعام أو شيء من هذا القبيل، أحيانًا أرى نماذج قامت الأم فيها باستخدام سكين أو مسدس لقتل طفلها، ولكن حقيقة هذه الأمور غير شائعة.
وهناك الكثير من الأمهات من الفئة التي تعمدت قتل أطفالهن لديهن مرض عقلي، فهذه سوزان سميث، التي أغرقت طفلها في بركة ماء، لم تسعى إلى العلاج، ولكن لديها تاريخ طويل من المشاكل الصحية العقلية الخطيرة، مثل الاكتئاب ومحاولات الانتحار وكذلك الاعتداء الجنسي حينما كانت طفلة.
وأندريا ييتس، الحالة الأكثر شهرة لقتل الأطفال، في الولايات المتحدة، كان من الواضح أنها مريضة عقليًا، كانت لديها سجلات طبية أكدت إنها كانت تعاني من مرض الذهان أو البارانويا، وتم وصفها من البعض بأنها كانت حقًا أم رائعة وكانت تكرس حياتها دائمًا لأطفالها، ثم فوجئ الجميع بما فعلته بعد ذلك.