فيلم

جيمس بوند ورامي مالك - من جامايكا مع الحب

​إختيار مالك، الأمريكي من أصول مصرية، للعب دور الشرير لا يتعلق فقط بالموهبة

"لم أتخيل حدوث كل هذه الأمور خلال العامين الماضيين. ولكن أظن أن المشاركة في جيمس بوند هو خطوة عظيمة بعد فيلم بوهيميان رابسودي." هذا ما قاله رامي مالك في أحد اللقاءات التليفزيونية بعد اختياره للعب دور الشرير في فيلم جيمس بوند الجديد. حيث أعلنت شركات مترو جولدوين ماير، إي أو إن مند عدة أيام عن مشاركة رامي مالك في الفيلم الخامس والعشرين من سلسلة أفلام جيمس بوند من خلال حساب الفيلم على موقع تويتر. وعلق مالك على الفيديو قائلاً: "أعدكم جميعاً ألا يحظى السيد بوند بمهمة سهلة في نزهته الخامسة والعشرين."

إعلان

إختيار مالك، الأمريكي من أصول مصرية، للعب دور الشرير لا يتعلق فقط بموهبة هذا الممثل الشاب. بشكل عام، الأشرار في عالم جيمس بوند ليسوا بريطانيين، وإن كانوا كذلك فهم ينتمون لكيانات مارقة سواء كانوا يؤمنون بأفكار فاشية نازية مثلًا أو يؤمنون بالأفكار الشيوعية السوفيتية. الأمر ببساطة ثنائية الشر والخير، الخير الغربي (بريطاني أمريكي)، والشر الآخر (أيًا كانت جنسية هذا الآخر).

إذا تتبعنا غالبية جنسيات الممثلين الذين قاموا بدور الشرير سنجد أنهم لا يكونوا بالعادة بريطانيين أو أمريكيين. مثلاً هناك الممثل النمساوي الألماني (كريستوف والتز) الإسباني (هافيير باردم)، الفرنسي (دومينيك جرين)، والدنماركي (مادس ميكلسن). هناك بالطبع ممثلين بريطانيين شاركوا في دور الشرير مثل شون بن، وجوناثان برايس، وروبرت كارلايل، إلا أنهم ليسوا النسبة الغالبة، وليسوا الشخصيات الأيقونية الشريرة التي تبقى في ذاكرتك.

أعداء بوند متقدمين تكنولوجياً، وهو بالنسبة لهم متأخر معرفياً لكنه ذكي جدًا فيمكنه التعامل مع أي وسائل تكنولوجية من المرة الأولى مثل المحترفين

الأشرار في أفلام جيمس بوند يريدون تهديد الأمن والسلام العالمي "المفترص" وطبعاً، محاولة القضاء على "العالم الحر" المتمثل في بريطانيا أو حليفتها الولايات المتحدة. هذا هو ما أسس له الفيلم على مدار تاريخه، فالولايات المتحدة قد تكون داعمة لبريطانيا ولكنها ليست فاعل أو لاعب رئيسي في محاولة إنقاذ العالم. وهذا طرح سينمائي بريطاني يقدم بديلًا للسينما الأمريكية المتفردة في إنقاذ العالم على طريقة بوند، عمل واحد فقط تتجسد فيه القيم والأيديولوجيا الفردية في مواجهة الأفكار الجماعية والشمولية التي يعبر عن الاتحاد السوفيتي.

إعلان

ما يجمع الأشرار في أفلام جيمس بوند أنهم أشرار منظمون جدًا وبيروقراطيون في أفكارهم الشريرة، في حين أن بوند هو النقيض تماماً، فهو عميل بكاريزما عالية، فوضوي في كثير من الأحيان يقاوم ويهدم هذه البيروقراطية المنظمة. الشرير دائماً يضع بوند في معضلة اللحظات الأخيرة، سواء من خلال قنبلة يجب إيقافها أو إشعاع ذري سيدمر الأرض في ثوان معدودة. أعداء بوند متقدمين تكنولوجياً، وهو بالنسبة لهم متأخر معرفياً لكنه ذكي جدًا فيمكنه التعامل مع أي وسائل تكنولوجية من المرة الأولى مثل المحترفين.

لإظهار الفرق بين الشر والخير حسب بوند، قام الأديب والمفكر الإيطالي أومبرتو إيكو بتقديم مجموعة من الثنائيات خلال تحليله للشخصيات والقيم داخل الفيلم، لتوضيح الاختلافات والتناقضات بين ثنائية بوند-الشرير. أولاً، يمثل بوند صورة الرجل الذكوري القوي ذي الملامح الوسيمة، القادر جنسياً والمغرم بالنساء. في المقابل، يبدو الشرير قبيحاً وعاجز جنسياً أو له ميول جنسية مختلفة -مثلًا الشرير في The World Is Not Enough، رينار، فقد كل حواسه بسبب إصابة في رأسه، مما جعله لا يشعر بأي رغبة جنسية.

الأمر لا ينطبق على الأشرار من الرجال فقط، ولكن أيضاً النساء اللواتي واجهن بوند، فقد ظهرن منذ البدايات الأولى للسلسلة من خلال فيلم From Russia With Love. ما يجمع هؤلاء النساء (بحسب وصف إيكو) هو "القبح" في الشكل، أو الممارسات الجنسية التي تبدو غير مألوفة، كذلك فأدوارهن في مواجهة بوند يمكن اعتبارها صغيرة مقارنة بأدوار الأشرار الذكور. وأيضاً، عقاب النساء الأشرار يكون حاسماً، فلا يوجد امرأة واحدة واجهت بوند دون أن يكون الموت مصيرها -في حين أن الذكور الأشرار إستطاع بعضهم أن يعيش لأكثر من فيلم مثل بلوفيلد. (طبعاً صورة النساء ككل في أفلام جيمس بوند هي قضية كبيرة أيضاً تم الحديث عنها).

إعلان

هذه اللوحة المرسومة للشرير/ة توضح كيف رأى إيان فليمنغ، كاتب سلسلة جيمس بوند، العالم. في عام 1953 نشر فليمنغ ضابط البحرية والصحفي البريطاني، أولى رواياته عن العميل المخابراتي 007، جيمس بوند من جامايكا. ثم في عام 1962 عُرض أول أفلام السلسلة، Dr. No، والذي وقعت أحداثه وتم تصويره في الجزيرة الكاريبية -في مارس 2019 بدأ تصوير الفيلم الخامس والعشرين في سلسلة الأفلام الأطول في تاريخ السينما على شواطىء نفس الجزيرة.

فليمنغ رأى العالم من خلال زاوية الحربين العالمية الأولى والثانية، العالم الحر في مواجهة الشيوعية

فليمنغ رأى العالم من خلال زاوية الحربين العالمية الأولى والثانية، "العالم الحر في مواجهة الشيوعية واليهود والأوروبيين الأقل درجة من الإنجليز." إذ رسم في رواياته صراعاً دولياً تقوده كيانات دولية تحاول القضاء على العالم بتكنولوجيا سابقة للعصر، ولا يستطيع ردع هذه الكيانات/المنظمات (SMERSH ،SPECTRE) أو هذه الشخصيات الشريرة (بلوفيلد، لو شيفر، جولدفينغر، دكتور نو) سوى عميل مخابراتي حاد الذكاء، ذكوري، براغماتي، عنيف، النساء بالنسبة له مجرد أداة، والقتل لديه عبارة عن نزهة… 007.

يشير البعض إلى أن إيان فليمنغ رأى نفسه في جيمس بوند، ضابط رفيع المستوى لم يكن في مقدرته أن يشارك في العمليات الاستخباراتية بنفسه. فليمنغ كان محباً للسفر، والغطس تحت الماء، وكان مهووساً بقيادة السيارات، كان يحب الحياة الرغدة التي يمكن أن نشاهدها بكل تفاصيلها مع جيمس الذي يحب السيارات الحديثة، ومولع بنوع معين من الفودكا- Martini shaken not stirred -هذه الصورة جعلت من بوند أيقونة ثقافية لفئات عمرية مختلفة ترغب في أن تصبح مثله. أصبح بوند بطل الحرب الباردة وتفاصيلها غير المرئية للعامة، فهو نجم المملكة التي توارت عنها الشمس بعد الحرب العالمية الثانية، إذا أعادت روايات فليمنغ لأذهان العالم صورة بريطانيا العظمى في شخص لا يُقهَر، جيمس..جيمس بوند.

إعلان

في كتابه "ظاهرة جيمس بوند: قراءة نقدية" يقول كريستوف ليندنر "تحبه أو تبغضه، جيمس بوند صُنع ليبقى. فإلى جانب شيرلوك هومز، ميكي ماوس وسوبر مان، يبقى بوند واحدًا من أشهر الشخصيات الخيالية والأيقونات الثقافية في العالم." وهذا يبدو صحيحاً، فبعد مرور ما يقرب من ستة عقود على نشأة السلسلة، ما زال النجاح يلاحق أفلام جيمس بوند على الرغم من بساطة عناصر الحكاية وتوقع النهاية -والكثير من الذكورية والعنصرية. ولكن لا تزال هذه الأفلام تجذب الجمهور حول العالم خاصة مع تنوع أماكن تصوير الأفلام، فمن المستحيل أن تشاهد فيلماً للعميل البريطاني دون أن تتجول معه حول العالم، من جامايكا إلى اليابان، ومن قلب أفريقيا إلى جليد الألب. تكرار عناصر القصة كل مرة حولها لنوع من الإدمان. ففي كل فيلم ننتظر لقاء جيمس بـ Q الذي يقوم بتصنيع أحدث المعدات والأسلحة لتزويد بوند بها. ننتظر تلك الموسيقى الملحمية الممتلئة بالتستوستيرون، وعندما تختفي نصاب بالإحباط. نتوق لرؤية امرأة فاتنة من إحدى بقاع العالم تقع بين يدي جيمس، لنرى تفاصيل جسدها وإغرائها الذي يُذهب العقول.

لا نعلم الكثير عن قصة الفيلم الجديد أو عن طبيعة الدور الذي سيقوم به رامي مالك، لكننا نعلم أن أحداث الفيلم ستقع في جامايكا حيث يستجم بوند، إلا أن رامي يكدر صفو هذا الاستجمام

لا شك أن اختيار رامي مالك للقيام بدور الشرير ذكي جدًا، فهو استمرار لاختيار ممثلين نالوا الإشادة النقدية حول العالم بعد أدوار متنوعة حازت على الأوسكار، فهافيير باردم تم اختياره للعب دور الشرير في فيلم Skyfall بعد أن برع في أداء دور أنتون شيجور في فيلم No Country for Old Men، ثم بعد ذلك حصل كريستوف والتز على دور الشرير في فيلم Spectre، بعد براعته في القيام بدور الكولونيل هانز لاندا في فيلم Inglourious Basterds.

لا نعلم الكثير عن قصة الفيلم الجديد أو عن طبيعة الدور الذي سيقوم به رامي مالك، لكننا نعلم أن أحداث الفيلم ستقع في جاميكا حيث يستجم بوند، إلا أن رامي يكدر صفو هذا الاستجمام. المتابع للسلسلة يعرف جيدًا أن عدد القصص قد انتهى وأن الأفلام الجديدة يتم إعادة إنتاجها من خلال مزج مجموعة الخيوط الرئيسية لأحد الروايات بالواقع الحالي.

بعد عام من الآن، سوف يتم طرح الفيلم الجديد لجيمس بوند مع وجود توقعات أن يكون آخر أفلام دانيل كريج في السلسلة قوياً في وجود رامي مالك. مع كل التحفظات، لا أخفيكم سرًا أنني متحمس للغاية لمشاهدة شخصية مالك في دور الشرير فملامحه الحادة قد تجعل منه Villain غير اعتيادي، خاصة بعد لعبه دور الهاكر إليوت أندرسون في مسلسل Mr. Robot.