Netflix
المخيف في الفيلم ليس ما يقدمه من معلومات تتردد على مسامعنا كل يوم حول عدم احترام هذه الشركات لسرية معلومات مستخدميها، بل المخيف هنا يتعلق بالتفاصيل التي لا نهتم بها نحن -عملاء الموقع- فالمعلومات الخاصة بنا نعطيها بكامل حريتنا دون دراية منا بالعادة، ثم يُعاد تدويرها وإرسالها لنا في شكل إعلانات تستهدف تغيير سلوكياتنا تجاه قضايا جذرية تمس حياتنا اليومية. ليست المعضلة في إعلان شراء منتج أو متابعة صفحة فنان مشهور، إنما في تحول منصة مثل فيسبوك من مجرد شبكة تواصل وربط بين البشر إلى آلة قتل تفرق بين البشر وتمزقهم من أجل المال.كيف بدأت اللعبة؟المخيف هنا يتعلق بالتفاصيل التي لا نهتم بها نحن -عملاء الموقع- فالمعلومات التي نعطيها بكامل حريتنا بدون دراية منا، يُعاد تدويرها وإرسالها لنا في شكل إعلانات تستهدف تغيير سلوكياتنا تجاه قضايا جذرية تمس حياتنا اليومية
حاول الفيلم تفكيك عمليات تغيير السلوك الجماعي من خلال حملات الإعلام الممنهج الذي قامت به شركات متخصصة مثل شركة كامبريدج أناليتيكا (Cambridge Analytica) وشركة إس سي إل (Strategic Communication Laboratories) التي استخدمت بعض الاختبارات والأساليب النفسية في التعامل مع الأشخاص المنتمين لعدد من الكيانات المعادية للغرب أثناء حروب أفغانستان 2001 والعراق 2003.شركة إس سي إل شاركت في دراسة السلوك الجماعي (mass behavior) بشكل أكاديمي واستخدامه بعد ذلك سياسيـًا لخدمة أغراض الانتخابات أو التغيير السياسي. فقد شاركت سي إس إل في أكثر من 100 حملة دعاية انتخابية في دول نامية مثل إندونيسيا، وقامت بعمل استفتاءات في دول مثل إيران واليمن وتقديم خدمات سياسية في دول منطقة جزر الكاريبي وبعض دول أفريقيا وحصلت الشركة على حق الحملات الدعائية الانتخابية في دول مثل غانا وكينيا عام 2012.
حصلت كامبريدج أناليتيكا في نهاية 2015 على معلومات تخص حوالي 50 مليون مستخدم تم تجميعها "بدون علم فيسبوك" ولم يحاول الموقع الأكثر شهرة حينها أن يحمي معلومات مستخدميه أو يستعيدها أو على الأقل يقوم بإعلامهم بما وقع
نجمة الوثائقي كانت بريتاني كايزر التي إذا بحثتم عنها على الانترنت لن تجدوا بيانات كثيرة عنها قبل عرض الفيلم، فمثلًا لن تجد معلومات عن تاريخ ميلادها، وكل المعلومات المتاحة حاليـًا معتمدة بالأساس على ماذكرته كايزر عن نفسها خلال أحداث الفيلم. تحول هذه الفتاة الداعمة لحقوق الإنسان والمشاركة في حملة انتخابات الرئاسة للمرشح الفائز باراك أوباما عام 2012 إلى العمل في شركة كامبريدج أناليتيكا، سببه البسيط المال وفق روايتها في الفيلم، حيث فقدت عائلتها المنزل الذي كانوا يعيشون فيه عام 2014 وذلك بعد التأثير الاقتصادي الكبير على حياتهم جراء الأزمة الاقتصادية في عام 2008.
بريتاني كانت عضوًا في المطبخ الداخلي لكامبريدج أناليتيكا، فقد تواصلت مع حملة دونالد ترامب من أجل التعاون معها، وظلت جزءًا من الشركة حتى بداية عام 2018. البعض يعتبر كايزر بطلة نادمة قررت العودة للطريق الصحيح وكشف أسرار شركة فاسدة، وهناك بعض آخر لا يرى في كايزر البطولة بأي حال لأنها عادت لصوابها بعد فوات الأوان. محاولات إظهارها الندم على الشاشة لم تكن حقيقية في ظني، لم أصدقها، لم أشعر أنها أحست بالندم وهي تسبح في أحد حمامات السباحة في تايلاند. شعرتُ أنها حاولت الهروب من السفينة بعد أن تم خرقها، لتتحول من متهمة لشاهدة إثبات، بل تتحول لبطلة مزيفة وتطلق حملة بعنوان Own Your Data التي تهدف لجعل البيانات الشخصية لا تقل في أهميتها عن حقوق الإنسان.محاولات بريتاني كايزر إظهار الندم على الشاشة لم تكن حقيقية في ظني، لم أصدقها، لم أشعر أنها أحست بالندم وهي تسبح في أحد حمامات السباحة في تايلاند. شعرتُ أنها حاولت الهروب من السفينة بعد أن تم خرقها، لتتحول من متهمة لشاهدة إثبات
في إحدى اللقاءات عندما سُئل عن مدى قدرتنا -نحن البشر- على السيطرة على حياتنا في ظل سيطرة التكنولوجيا الرقمية، أجاب الفيلسوف السلوفيني المعاصر سلافوي جيجك "التناقض الذي أراه أنه يتم التعامل معنا أننا أحرار، نملك الخيار الحر وكل شيء يعتمد علينا، ولكن في الوقت نفسه، حياتنا تتحدد من خلال الأبعاد الاقتصادية والعسكرية التي لا نعرف عنها شيئاً." وأوضح جيجك أن المعضلة أحياناً تكمن في صدمة البشر عندما يعرفون أنه يتم السيطرة والتلاعب بهم، فهم لا يريدون أن يعرفوا ذلك.
ضمن هذا الإطار، الفيلم نجح في طرح الكثير من الأسئلة المتعلقة بوهم الخصوصية الذي رسمته شركات التكنولوجيا الكبرى، ومدى التلاعب بالمواطنين في دول العالم المختلفة حتى المتقدمة التي يعتقد مواطنوها أن الشفافية تحكم المؤسسات. كذلك نجح الفيلم أن يضع بين قوسين خطورة استخدام البيانات وأنها لا تقل في خطرها السلاح، وأن الفساد الحاكم لشركات كبرى لا يختلف عن فساد المؤسسات الحكومية، الفارق أنه فساد هادف للربح من خلال تحويل المستخدمين لسلع.إجمالًا، الفيلم رغم طول مدته، ساعتان، إلا أنه كان مزدحماً بالأحداث والدراما المكثقة. وماجعل الفيلم جيدًا أنه اعتمد على أبطال الأحداث أنفسهم دون أن يلجأ لشهادات أشخاص بعيدين عن الكواليس. المجهود الإنتاجي في العمل بدا كبيرًا سواء على مستوى الأرشيف المستخدم، أو التصوير في دول مختلفة مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وتايلاند، كذلك فأعمال الجرافيك في الفيلم كانت أحد العناصر القوية التي جعلت دراما الفيلم أكثر تشويقاً.أظن أن الفيلم سيكون له نصيب في ترشيحات الأوسكار خلال الشهور القادمة، خاصة في ظل اقتراب الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة 2020. الفيلم قد يستخدم سياسيـًا في محاولة كبح جماح حملة ترامب الرئاسية، ومساعدة من لم يعرف كواليس حملة ترامب 2016 أن يفهم التكتيكات المستخدمة في الحملة الجديدة لتفتيت الأصوات الخاصة بالمواطنين الأمريكيين الذين لم يقرروا بعد من يكون رئيسهم القادم.نجح الفيلم في طرح الكثير من الأسئلة المتعلقة بوهم الخصوصية الذي رسمته شركات التكنولوجيا الكبرى، ومدى التلاعب بالمواطنين في دول العالم المختلفة حتى المتقدمة التي يعتقد مواطنوها أن الشفافية تحكم المؤسسات