على أبواب الذكرى السابعة لثورة 17 فبراير التي أطاحت بـ 40 سنة من حكم معمّر القذافي يجد الليبيون أنفسهم ضمن معادلة سياسية واقتصادية غاية في التعقيد، فعلى الصعيد السياسي لديهم حكومتين: الحكومة الليبية المؤقتة برئاسة عبدالله الثني في الشرق، والمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني برئاسة فائز السراج في الغرب. وبرلمانين: مجلس النواب برئاسة "عقيلة صالح" والمجلس الأعلى للدولة برئاسة عبدالرحمن السويحلي. هذا الانقسام السياسي ترتب عليه انقسام المؤسسة الأمنية، خاصة المؤسسة العسكرية، إلى جيش في الشرق وجيش في الغرب، وعلى الرغم من الانتصارات التي حققتها قوات كل من المؤسستين العسكرتيين ضد تنظيم داعش في بنغازي وسرت، إلا أن الإرهاب لا زال يطل برأسه بين الفينة والأخرى في كافة ربوع ليبيا، في مسعاه للسيطرة على البلاد ومقدراتها.
ولا ننسى، أن المؤسستين الاقتصادتين الأهم في ليبيا، المصرف الليبي المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط، منقسمة هي أيضًا إلى شرقية وغربية، وهو ما تسبب في حالة من شيوع الفساد، ونقص في السيولة النقدية أسفر عن طبع العملة الوطنية الليبية في مطبعتين، واحدة في موسكو وأخرى في لندن. كما أن انعدام الأمن، وعدم وجود سياسي موحد، أضعف من فاعلية انتاج النفط حتى أصبحت حقول البترول هدفًا للتنظيمات الإرهابية، والميليشيات المسلحة التي تسعى إلى المتاجرة بالنفط الليبي خارج جسم الدولة.
نوستالجيا الاستبداد
كل هذه الظروف وتداعياتها، دفعت طيفًا من الشعب الليبي إلى "الحنين لزمن "القذافي" فالليبي الذي تعد دولته واحدة من أغنى دول العالم في الثروات، يجد نفسه مفلسًا ويقف في طوابير أمام المصارف للحصول على دنانير معدودة لا تكفي معيشته، كما أنه أصبح على موعد مع موت محتمل في أي لحظة، سواء بتفجير سيارة مفخخة أو أن يسقط ضحية إحدى مسلسلات الاشتباكات المسلحة بين الميليشيات. بدورهم، بدأ أنصار النظام القديم يعزفون على وتر "الأمن والأمان" عبر صفحات على وسائل التواصل الاجتماعي تشجع على انتخاب سيف الإسلام القذافي (46 سنة) لقيادة دفة البلاد، وهو أمر أصبح ممكنًا بالنسبة إليهم، خاصة عقب إطلاق سراحه في يونيو 2017، وإعلان كتيبة "أبو بكر الصديق" التي كانت تحتجزه إلى مغادرة "سيف الإسلام" مدينة الزنتان إلى وجهة غير معلومة تحت سماء ليبيا.
التجربة الانتخابية في ليبيا بعد ثورة 17 فبراير، أثبت أن لا حل في ليبيا إلا من خلال تأسيس الأحزاب السياسية وإقرار نظام انتخابي نسبي
عودة الإبن الضال
لكن ما هو رأي الليبيين المناصرين لثورة 17 فبراير في احتمالية "عودة شبح النظام السباق" ممثلًا بالابن البكر لمعمّر، للترشح في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في عام 2018 الجاري؟ وهل يعتبر ترشحه أو التفكير بترشيحه خطوة للوراء في مشوار 17 فبراير؟ يقول تامر الهدّار، شاب ليبي (35 عامًا) ويكمل دراساته العليا في العلاقات الدولية: "شخصيًا، لا اعتبر ترشح سيف الإسلام القذافي للرئاسة خطوة للوراء في مشوار ثورة 17 فبراير، فهو في نهاية المطاف مواطن ليبي له الحق في ممارسة حقوقه السياسية والمدنية كاملة، ما لم يكون هناك معوّق قانوني يحول دون ذلك" في إشارة لمطالبة المحكمة الجنائية به سنة 2011، لاتهامه بارتكاب جرائم ضد الإنسانية ضد المشاركين في الثورة ضد نظام أبيه. ويوضح الهدّار :"ثورة 17 فبراير انطلقت لتأسيس دولة مدنية، لا يتم فيها إقصاء أي طيف سياسي في الدولة الليبية، فنحن، دعاة التيار المدني، نرحب بأنصار النظام السابق وبعودته إلى الحاضنة السياسية لكن عن طريق النهج السلمي المتمثل بصندوق الاقتراع." لكن الشاب الليبي الذي يؤمن بالمدنية طريقًا لبناء ليبيا، يخشى من استغلال النظام القديم لصناديق الاقتراع للوصول إلى السلطة لإحكام قبضته عليها مجددًا، مستشهدًا بتجربة التيارات الإسلامية في محاولة الاستحواذ على السلطة، وهو ما يحتّم عدم تنظيم انتخابات إلى حين إقرار الدستور الليبي والاستفتاء عليه.
سيناريو المحاصصة
ويشير الهدّار إلى أن "التجربة الانتخابية في ليبيا بعد ثورة 17 فبراير، أثبت أن لا حل في ليبيا إلا من خلال تأسيس الأحزاب السياسية وإقرار نظام انتخابي نسبي، الأمر الذي يشكل فرصة لأنصار النظام القديم لتنظيم أنفسهم في حزب يشارك في الانتخابات إلى جانب الأطياف السياسية الأخرى. ويستعرض الهدار تجربة المؤتمر الوطني العام سنة 2012، التي كانت خليطًا بين النسبي والمستقل، فيما كانت الانتخابات البرلمانية لسنة 2014، انتخابات للمستقلين، وهي "أكبر خدعة تكرّس التفتت الاجتماعي والمحاصصة القبلية والفساد" وحذر من تكرار تجربة العراق في ليبيا، من خلال خلق برلمان قائم على المحاصصة القبلية التي تُجذّر الفساد في الدولة ولا تمنحها أي فرصة في تأسيس الدولة المدنية المرجوة."
القذافي التائب
بدورها، تقول الصحفية والناشطة رويدة بالجاج: "أنا لا أعارض مطالبة بعض أطياف الشعب الليبي بترشح سيف الإسلام لرئاسة البلاد، فأنا أؤمن بمبادئ الدولة المدنية، وبما أن سيف الإسلام مواطن ليبي، فله كامل الأحقية لترشيح نفسه شرط استفائه الشروط، على رأسها براءته من التهم الموجهة إليه بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وأيضًا أن تكون ذمته المالية بيضاء." لا تخفي بالحاج أمنيتها الشخصية في أن "يتغير النظام كليًا وأن لا يعود النظام السابق ممثلًا بترشيح سيف الإسلام،" لكنها تضيف أنه في حال فاز في الانتخابات – فرضًا- فستكون سعيدة بذلك: "يشرفني انضمامه إلى ثورة فبراير، لأنه سيفوز بصندوق الاقتراع أهم مطالب الثورة، وكان بإمكانه أن يؤمن بهذا الصندوق دون حرب ولا دماء، فأنصار النظام القديم باحتكامهم للصندوق، سيكون أول مؤشر بقبولهم الثورة أمرًا واقعًا، وسيكونون مع 17 فبراير التي طالما كانوا ضدها، وهذا أمر مفرح حتى لو أفضى ذلك لأن يحكم سيف الإسلام، الذي أقف ضده."
ترشح سيف الإسلام يعد مخالفة صريحة لمفاهيم الثورة، خاصة فيما يتعلق بمستقبل الدولة المدنية التي يناضل الليبيون منذ 7 سنوات لتأسيسها
حجر عثرة
يختلف مع الرأيين السابقين، الحقوقي الليبي الدكتور سامي الأطرش والذي يرى انه "في حال ترشح سيف القذافي إلى الانتخابات، فإن ملفه في المحكمة الجنائية الدولية سيكون عقبة في طريقه بكل تأكيد، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية فإن الشعب الليبي نفسه لن يقبل بترشحه بعد التغيير السياسي الذي حصل في البلاد بعد 17 فبراير." ويضيف الأطرش أن ترشح سيف الإسلام يعد "مخالفة صريحة لمفاهيم الثورة، خاصة فيما يتعلق بمستقبل الدولة المدنية التي يناضل الليبيون منذ 7 سنوات لتأسيسها. فإذا أصر أنصار النظام القديم على ترشيح نجل معمّر، فإن ذلك سيكون له تبعات على ليبيا ككل أمام المجتمع الدولي، فليبيا تعترف بالقانون الدولي وبالمنظمات الدولية التي تنفذ هذا القانون، والمحكمة الجنائية الدولية تطالب من سنوات تسليمها سيف القذافي لمحاكمته على الجرائم التي ارتكبها أثناء الثورة." ويضيف: "ترشح سيف الإسلام للرئاسة يُعد خرقًا للقانون الدولي، وأنا أعتقد أن الانتخابات في ليبيا يجب أن تنظم عقب إقرار الدستور الليبي، والاستفتاء عليه، فالدستور هو الذي ينظم جوانب السياسية في البلاد، فوجود الدستور هو الذي يحدد المفاهيم السياسية ويعرّف شكل الدولة ويحدد دور الرئيس ومجلس النواب وتنظيم قانون الانتخابات ، باختصار لا يجب أن يسمى المولود قبل أن يولد ، الدستور أولا ثم الانتخابات".
زلّة لسان
في نهاية ديسمبر 2017، صرّح المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا غسان سلامة لإحدى وسائل الإعلام إلى أنه "لن يقابل سيف الإسلام القذافي لأنه ملاحق من قبل محكمة الجنايات الدولية،" وهو أمر اعتبره كثيرون – خاصة من هم محسوبون على النظام القديم- أنه رسالة غير مباشرة من الأمم المتحدة على رفض أن يكون جزءًا من مستقبل ليبيا. لكن البعثة الأممية في ليبيا أصدرت بيانًا عقب ذلك، قالت فيه أن "الأمم المتحدة تحترم سيادة الدول ولا تتدخل بما يمس هذه السيادة، وحق الترشح في الانتخابات شأن داخلي يحدده قانون انتخابات نافذ." الأمر الذي اعتبره البعض "ضوءًا أخضر" من الأمم المتحدة لسيف الإسلام بالتقدم للانتخابات الرئاسية. فهل يركب سيف الإسلام الموجة السياسية الراهنة، أم ينتظر بضع سنين أخرى حتى تأتي الريح بما تشتهي سفينته؟