ما زالت السوشيال ميديا مشتعلة بمباراة لاعبة التنس الأمريكية سيرينا ويليامز، والتي بررت خسارتها بعنصرية الحكم ضدها، وخصمه نقاطًا منها دون وجه حق. وأصبحنا أمام قضية "تفرقة على أساس الجنس" تضاربت أمامها الآراء والرؤى. لست متابعة شغوفًا لرياضة التنس، لهذا لم أهتم بمشاجرة النقاط التي خسرتها سيرينا، لكنني انتبهت بشدة لردود الفعل العالمية على شعورها بالظلم وتعرضها للتفرقة على أساس جنسها، وتعمد الحكم إيقاع عقوبة عليها لم يكن ليوقعها على لاعب رجل بتلك البساطة. لا يعنيني الفعل الأساسي، تعنيني مشاعر سيرينا ولماذا تصرفت بهذا الشكل المتهور، ويعنيني أكثر الهجوم الشديد الذي طالها من الجميع. هناك نمطٌ معين من التعامل مع قضايا النساء وشعورهن بالاضطهاد، أغلب الناس يستنكرون صراخ المرأة التي تشعر بالظلم، ويريدون منها أن تتأدب في الاعتراض، وإلا اتخذوا من انفعالها مبررًا للتسفيه من قضيتها، واتهامها بـ"الأفورة" وتحويل قضيتها لمادة كوميدية. في هذا المقال أرصد بعض أساليب العنصرية ضد النساء حتى وإن بدت في الظاهر عقلانية وداعمة.
السخرية من موقف مؤذي نفسيًّا هي أسوأ أشكال العنصرية. تأملوا معي ما حدث بعد مباراة سيرينا ويليامز، والجريدة الاسترالية التي رسمت لها كاريكاتيرًا يقطر تمييزًا ووقاحة، ويصورها كطفلة غاضبة تحطم مضربها جوار (لهَّاية) أطفال، بينما يسأل المدرب منافستها "هل يمكنك تركها تكسب؟" هذه واحدة من أساليب الرد على أي امرأة تشعر بتعرضها للظلم.. اخسري بصمتٍ وإلا أصبحتِ طفلةً في نظرنا نسخر منها ونُسفه من ردود فعلها، بل ونتهم من يرفض تعسفنا ضدك بأنه جاهل وعاطفي، وأقصى إنسانية نُظهرها نحوك هي أن نسأل من ظلمك أن يسامحك أو يتغاضى عن صراخك.
ماذا لو تعرضت لظلمٍ كبير وانفلتت أعصابكم في المطالبة بحقك؟ خطوة طبيعية جدًّا ومن حق أي إنسان، ولكن إذا تعلق الأمر بامرأة تختلف ردود الفعل كثيرًا. إذا شعرت كرجل بأن مديرك يظلمك فبإمكانك الصراخ والشكوى، بل بإمكانك الاشتباك معه لفظيًّا وإيقافه عند حده وتهديده بسلطة القانون مثلًا، عندها سيساندك زملاؤك ويشجعونك على نيل حقك، أو يقفون على الحياد ليؤكدوا دعمهم لأي تحقيق قانوني يكشف المخطئ. أمَّا إذا كنت امرأة فسوف يتدخل الجميع للفصل بينك وبين المدير، سوف يؤكدون لك أنك تختلق الأمر وأنها أوهام برأسك، وستتلقى الكثير من التعنيف لأنك انفعلت ورفعت صوتك أو بدا غضبك مبالغًا لمشاعرهم الرقيقة. غضبك مزعج، لكن ما دفعك للغضب ليس كذلك.قضيتك ليست حقيقية كما تتخيلين
هناك صنف من البشر يكره التحدث عن العنصرية والإشارة للاضطهاد الذي تعانيه بعض الفئات (النساء، الملونين، المثليين.. إلخ)، وعندما يتعلق الأمر بالنساء يتغاضون عن الجريمة ويتبنون خطابًا ساخرًا من مناهضيها، بل يرددون بأن الممارسات المؤذية الحقيقية أشد حدة من القضايا المطروحة، وبالتالي فتلك لا تستحق التعاطف. هؤلاء الأشخاص أصنفهم كعنصريين خفيين مهما ادعوا الحياد والأناقة. في ردود فعل مواقع التواصل الإجتماعي على اللاعبة ونقد سلوكها، تصدى البعض للتأكيد على أن العنصرية الحقيقية تتضمن أشكالًا فادحة من الإهانة لا مجرد خصم نقطة في مباراة. وفي عالمنا العربي الجميل سخر البعض من امرأة قلبت الدنيا لأجل مباراة بينما آخرون يواجهون أشكالًا أفدح من الظلم. في أي كارثة تحل بالنساء ستجد دومًا هؤلاء الأشخاص الذين يؤكدون أن مصيبتنا أقل من الآخرين، ولا داعي لاعتبارها أولوية. تعرضتِ للتمييز في مكان العمل؟ هناك من يتعرضن للتحرش. تعرضتِ للتحرش؟ هناك نساء تعرضن للاغتصاب. تعرضتِ للاغتصاب؟ هناك نساء تعرضن للقتل. تعرضتِ للقتل؟ كيف تعترضين على القتل والأقصى أسير. وهكذا دواليك.. أي هراء والسلام.
من التعليقات التي لفتت نظري على مباراة سيرينا، هي أنها كان يجب أن تتصرف بذكاء أكبر. عندما أنذرها الحكم ثم خصم منها نقطة، كان عليها أن تصمت، لأن ما سبب المشكلة هو تعنتها في المطالبة بحقها، وهكذا عاقبها الحكم بخسارة شوط كامل لأنها تجاوزت في معارضة قراره. ما قيل لسيرينا عن تلك اللحظة تسمعه كل امرأة يوميًّا، نحن مطالبات دومًا بأن نكون عاقلات غير عاطفيات، وإذا تعرضنا لأي أزمة علينا التحول لجبل جليد كي لا نخسر تعاطف الآخرين، وكي لا نضيع حقنا بالثورة على فقدانه. للأسف فإن هذا حق، فرغم أن فكرة العدالة تقول إن للمرء أن يثور على ظلمه ويعترض بأي طريقة، فإن الحياة تثبت أننا بحاجة للتلاعب بالآخرين كي ننال أبسط حقوقنا، ولكن على الجانب الآخر فهذا غير متاح دائمًا. أحيانًا نفقد تعقلنا وصبرنا لكثرة ما نمر به من ظلم، ثم تأتي القشة التي تقسم ظهر البعير فلا نستطيع ابتلاع المزيد من المرارة، نفقد أعصابنا وينتهي بنا الحال إلى مشهد دامي نصرخ فيه ونحطم ما حولنا.. ساعتها لا يرى الآخرون ما نعانيه، وإنما يرون امرأة مجنونة منفعلة بلا سبب، تستحق السخرية واللوم ثم العقاب.الهستيريا.. أسوأ وصمة في حياة النساء
"كل لاعب معرض للعقوبة من الحكم، لكن ليس كل لاعب يتهم الحكم باضطهاده على أساس النوع الاجتماعي.. هذه هستيريا من اللاعبة سيرينا ويليامز مثل كل مجنونات النسوية،" بهذه العبارة نصل إلى أسوأ وصمة تلاحق النساء، وهي الهستيريا.. هل تعدى عليكِ شخص فانفعلتِ؟ أنتِ هستيرية. هل تعرضتِ للظلم فصرختِ اعتراضًا؟ هذه هستيريا. هل يطاردك رئيسك بتلميحات مريبة ويتعمد ملامستك بشكل مزعج فاعترضتِ على أسلوبه؟ أنتِ هستيرية وهو لا يقصد شيئًا بالتأكيد، أنتِ مريضة.تهمة الهستيريا تطارد النساء منذ قرون، وقد حوَّلها بعض المتعصبين الجهلة من أطباء العصور الوسطى إلى تشخيص طبي يقتضي علاجه حبس المصابة في مصحات نفسية وتكسير أسنانها واستئصال الرحم. في العصر الحديث ما زالت الهستيريا تُلصق بالنساء، و"تُعالج" بالابتزاز العاطفي والضغط النفسي، والطعن في سلامتنا العقلية وحريتنا في الحكم على أمورنا بأنفسنا. قبل أسابيع صوَّرت فتاة مصرية رجلًا يطاردها ليدعوها لكوب قهوة، ونشرت الفيديو على فيسبوك. تجاهل الجميع الرعب الذي نعيشه كنساء طوال الوقت بسبب التحرش الوبائي، وشعور الفتاة الطبيعي بالهلع من شخص يطاردها بسيارته ثم يتعقبها حيث وقفت بعيدًا على الرصيف، واتهموها بهستيريا الشهرة، وسعيها لتدمير حياة شخص "مهذب" لم يلمسها أو يتعرض لها بأذى جسدي -وكأن الطبيعي أن نُضرب ليصبح من حقنا الشكوى، وكأن من الطبيعي أن يحدد لنا الآخرون ما يصلح لنخاف منه ونتأذى وإلا أصبحنا هستيريات، ونسويات مجنونات.ليس لدي موقف حاسم من واقعة سيرينا ويليامز حتى الآن، ربما هي اللاعبة الكبيرة التي تجر خلفها تاريخًا وإرثًا رياضيًّا تستميت للمحافظة عليه بنصرٍ رياضي جديد، وفقدت أعصابها عندما لاحت الخسارة فانفعلت بشكلٍ مبالغ فيه. ربما هي المرأة الملونة المعرضة للاضطهاد باستمرار لهذا أصبحت تستشفه بسهولة. لا أعرف أي موقف أتبنى من سيرينا، لكني واثقة تمامًا أن كل تعليق انتقد تصرفها ومزقها تمزيقًا عبَّر عن موقف الناس من قضية النسوية، والاحترام الذي يدين به العالم لكل امرأة كما يدين به لأي إنسان في العموم. هذه قضية شائكة لا تستوعبها كثير من صاحباتها ناهيك بالجمهور. ما أعرفه أن التنمر الذي مورس عليها وواجهته، والعبارات التي لاحقتها في أي يوم، تُعاد وتُردد في كل لحظة بأكثر من تنويعة تصب في بحر واسع من التمييز، بحر أمامنا الكثير جدًّا لنقلص مساحته.
لا تكوني طفلة واخسري بصمت
السخرية من موقف مؤذي نفسيًّا هي أسوأ أشكال العنصرية. تأملوا معي ما حدث بعد مباراة سيرينا ويليامز، والجريدة الاسترالية التي رسمت لها كاريكاتيرًا يقطر تمييزًا ووقاحة، ويصورها كطفلة غاضبة تحطم مضربها جوار (لهَّاية) أطفال، بينما يسأل المدرب منافستها "هل يمكنك تركها تكسب؟" هذه واحدة من أساليب الرد على أي امرأة تشعر بتعرضها للظلم.. اخسري بصمتٍ وإلا أصبحتِ طفلةً في نظرنا نسخر منها ونُسفه من ردود فعلها، بل ونتهم من يرفض تعسفنا ضدك بأنه جاهل وعاطفي، وأقصى إنسانية نُظهرها نحوك هي أن نسأل من ظلمك أن يسامحك أو يتغاضى عن صراخك.
توسلي من أجل حقوقك
ماذا لو تعرضت لظلمٍ كبير وانفلتت أعصابكم في المطالبة بحقك؟ خطوة طبيعية جدًّا ومن حق أي إنسان، ولكن إذا تعلق الأمر بامرأة تختلف ردود الفعل كثيرًا. إذا شعرت كرجل بأن مديرك يظلمك فبإمكانك الصراخ والشكوى، بل بإمكانك الاشتباك معه لفظيًّا وإيقافه عند حده وتهديده بسلطة القانون مثلًا، عندها سيساندك زملاؤك ويشجعونك على نيل حقك، أو يقفون على الحياد ليؤكدوا دعمهم لأي تحقيق قانوني يكشف المخطئ. أمَّا إذا كنت امرأة فسوف يتدخل الجميع للفصل بينك وبين المدير، سوف يؤكدون لك أنك تختلق الأمر وأنها أوهام برأسك، وستتلقى الكثير من التعنيف لأنك انفعلت ورفعت صوتك أو بدا غضبك مبالغًا لمشاعرهم الرقيقة. غضبك مزعج، لكن ما دفعك للغضب ليس كذلك.
بعد هذا سيحاول الكل إثناءك عن المطالبة بحقك لأن الانفعال والغضب أضعفا موقفك، سيؤكدون لك أن "أخد الحق حرفة" وهذه الحرفة تقتضي الصمت والصبر على الإساءات، والتصرف بلطف مبالغ فيه لتكسب التعاطف وتستطيع إقناع الآخرين بعدالة موقفك. لاقت سيرينا تعنيفًا كبيرًا من الجميع على تصرفها في المباراة، وهو أمر أتفهمه لإيماني بالأخلاق الرياضية، لكنني توقفت طويلًا عند عبارات مختلفة ملخصها "حتى لو تعرضت للتمييز فعلًا فلا يحق لها التصرف هكذا." لا أستطيع أن أرى هذا مطلبًا عادلًا تحت أي ظرف، وأنا واثقة أنه ما كان ليُوجه لرجل. يتخيل البعض أن التصرف بعاطفة عند تعرضنا كنساء للاضطهاد يضرب قضية النسوية في مقتل، وهو ما أراه شيئًا مضحكًا وظالمًا في آنٍ واحد.. نحن نتعرض لظلم إنساني ونصرخ، فبأي عقلٍ -وعدل- يعتبر صراخنا تشويهًا لنا؟يتخيل البعض أن التصرف بعاطفة عند تعرضنا كنساء للاضطهاد يضرب قضية النسوية في مقتل، وهو ما أراه شيئًا مضحكًا وظالمًا في آنٍ واحد.. نحن نتعرض لظلم إنساني ونصرخ، فبأي عقلٍ -وعدل- يعتبر صراخنا تشويهًا لنا؟
إعلان
هناك صنف من البشر يكره التحدث عن العنصرية والإشارة للاضطهاد الذي تعانيه بعض الفئات (النساء، الملونين، المثليين.. إلخ)، وعندما يتعلق الأمر بالنساء يتغاضون عن الجريمة ويتبنون خطابًا ساخرًا من مناهضيها، بل يرددون بأن الممارسات المؤذية الحقيقية أشد حدة من القضايا المطروحة، وبالتالي فتلك لا تستحق التعاطف. هؤلاء الأشخاص أصنفهم كعنصريين خفيين مهما ادعوا الحياد والأناقة. في ردود فعل مواقع التواصل الإجتماعي على اللاعبة ونقد سلوكها، تصدى البعض للتأكيد على أن العنصرية الحقيقية تتضمن أشكالًا فادحة من الإهانة لا مجرد خصم نقطة في مباراة. وفي عالمنا العربي الجميل سخر البعض من امرأة قلبت الدنيا لأجل مباراة بينما آخرون يواجهون أشكالًا أفدح من الظلم. في أي كارثة تحل بالنساء ستجد دومًا هؤلاء الأشخاص الذين يؤكدون أن مصيبتنا أقل من الآخرين، ولا داعي لاعتبارها أولوية. تعرضتِ للتمييز في مكان العمل؟ هناك من يتعرضن للتحرش. تعرضتِ للتحرش؟ هناك نساء تعرضن للاغتصاب. تعرضتِ للاغتصاب؟ هناك نساء تعرضن للقتل. تعرضتِ للقتل؟ كيف تعترضين على القتل والأقصى أسير. وهكذا دواليك.. أي هراء والسلام.
تصرفي بذكاء مهما أصابك من ظلم
من التعليقات التي لفتت نظري على مباراة سيرينا، هي أنها كان يجب أن تتصرف بذكاء أكبر. عندما أنذرها الحكم ثم خصم منها نقطة، كان عليها أن تصمت، لأن ما سبب المشكلة هو تعنتها في المطالبة بحقها، وهكذا عاقبها الحكم بخسارة شوط كامل لأنها تجاوزت في معارضة قراره. ما قيل لسيرينا عن تلك اللحظة تسمعه كل امرأة يوميًّا، نحن مطالبات دومًا بأن نكون عاقلات غير عاطفيات، وإذا تعرضنا لأي أزمة علينا التحول لجبل جليد كي لا نخسر تعاطف الآخرين، وكي لا نضيع حقنا بالثورة على فقدانه. للأسف فإن هذا حق، فرغم أن فكرة العدالة تقول إن للمرء أن يثور على ظلمه ويعترض بأي طريقة، فإن الحياة تثبت أننا بحاجة للتلاعب بالآخرين كي ننال أبسط حقوقنا، ولكن على الجانب الآخر فهذا غير متاح دائمًا. أحيانًا نفقد تعقلنا وصبرنا لكثرة ما نمر به من ظلم، ثم تأتي القشة التي تقسم ظهر البعير فلا نستطيع ابتلاع المزيد من المرارة، نفقد أعصابنا وينتهي بنا الحال إلى مشهد دامي نصرخ فيه ونحطم ما حولنا.. ساعتها لا يرى الآخرون ما نعانيه، وإنما يرون امرأة مجنونة منفعلة بلا سبب، تستحق السخرية واللوم ثم العقاب.الهستيريا.. أسوأ وصمة في حياة النساء
"كل لاعب معرض للعقوبة من الحكم، لكن ليس كل لاعب يتهم الحكم باضطهاده على أساس النوع الاجتماعي.. هذه هستيريا من اللاعبة سيرينا ويليامز مثل كل مجنونات النسوية،" بهذه العبارة نصل إلى أسوأ وصمة تلاحق النساء، وهي الهستيريا.. هل تعدى عليكِ شخص فانفعلتِ؟ أنتِ هستيرية. هل تعرضتِ للظلم فصرختِ اعتراضًا؟ هذه هستيريا. هل يطاردك رئيسك بتلميحات مريبة ويتعمد ملامستك بشكل مزعج فاعترضتِ على أسلوبه؟ أنتِ هستيرية وهو لا يقصد شيئًا بالتأكيد، أنتِ مريضة.تهمة الهستيريا تطارد النساء منذ قرون، وقد حوَّلها بعض المتعصبين الجهلة من أطباء العصور الوسطى إلى تشخيص طبي يقتضي علاجه حبس المصابة في مصحات نفسية وتكسير أسنانها واستئصال الرحم. في العصر الحديث ما زالت الهستيريا تُلصق بالنساء، و"تُعالج" بالابتزاز العاطفي والضغط النفسي، والطعن في سلامتنا العقلية وحريتنا في الحكم على أمورنا بأنفسنا. قبل أسابيع صوَّرت فتاة مصرية رجلًا يطاردها ليدعوها لكوب قهوة، ونشرت الفيديو على فيسبوك. تجاهل الجميع الرعب الذي نعيشه كنساء طوال الوقت بسبب التحرش الوبائي، وشعور الفتاة الطبيعي بالهلع من شخص يطاردها بسيارته ثم يتعقبها حيث وقفت بعيدًا على الرصيف، واتهموها بهستيريا الشهرة، وسعيها لتدمير حياة شخص "مهذب" لم يلمسها أو يتعرض لها بأذى جسدي -وكأن الطبيعي أن نُضرب ليصبح من حقنا الشكوى، وكأن من الطبيعي أن يحدد لنا الآخرون ما يصلح لنخاف منه ونتأذى وإلا أصبحنا هستيريات، ونسويات مجنونات.ليس لدي موقف حاسم من واقعة سيرينا ويليامز حتى الآن، ربما هي اللاعبة الكبيرة التي تجر خلفها تاريخًا وإرثًا رياضيًّا تستميت للمحافظة عليه بنصرٍ رياضي جديد، وفقدت أعصابها عندما لاحت الخسارة فانفعلت بشكلٍ مبالغ فيه. ربما هي المرأة الملونة المعرضة للاضطهاد باستمرار لهذا أصبحت تستشفه بسهولة. لا أعرف أي موقف أتبنى من سيرينا، لكني واثقة تمامًا أن كل تعليق انتقد تصرفها ومزقها تمزيقًا عبَّر عن موقف الناس من قضية النسوية، والاحترام الذي يدين به العالم لكل امرأة كما يدين به لأي إنسان في العموم. هذه قضية شائكة لا تستوعبها كثير من صاحباتها ناهيك بالجمهور. ما أعرفه أن التنمر الذي مورس عليها وواجهته، والعبارات التي لاحقتها في أي يوم، تُعاد وتُردد في كل لحظة بأكثر من تنويعة تصب في بحر واسع من التمييز، بحر أمامنا الكثير جدًّا لنقلص مساحته.