smilie-3441012_1280

FYI.

This story is over 5 years old.

صحة نفسية

ماذا تعرف عن الاكتئاب المبتسم؟

هذا الاكتئاب ليس مزحة، بل هو مرض أخطر حتى من الاكتئاب النمطي لأنه غير واضح ويعتقد البعض أنه لا يحتاج لتدخل طبي نفسي
ربيع دمج
إعداد ربيع دمج

يتقنون دور الشخصية السعيدة حرصاً منهم على الصورة الإيجابية أمام الأهل والأصدقاء وليتجنبوا الإنتقادات اللاذعة أو وصفهم بالمتذمرين، كل شيء على ما يرام أمام المجتمع وحين يختلون مع ذاتهم تبدأ الأفكار السوداء تؤرق مضاجعهم، حياة مزدوجة يعيشونها بكل المقاييس، لا يفهمون أنفسهم وما يريدون، بالمقابل لا أحد يفهمهم. يختار البعض عيش هذه الحياة المزدوجة والتي يطلق عليها "الاكتئاب المبتسم" Smiling Depression كطريقة لإخفاء مشاعرهم، مما يجعل من الصعب التعامل مع حالتهم النفسية، حيث يظهرون وكأنهم لا يعانون من أي سبب للحزن، فلديهم وظائف ومنازل وربما أطفال وشركاء وحياة اجتماعية نشطة، بينما يشعرون في الداخل باليأس والحزن، وفي بعض الأحيان تراودهم أفكار بإنهاء حياتهم. وبحسب أوليفيا ريميز، طالبة دكتوراه في جامعة كامبريدج، الى أن "الاكتئاب المبتسم" ليس مصطلحا تقنياً يستخدمه علماء النفس، بل إنه أقرب تسمية علمية لمن يصاب بالاكتئاب وينجح في إخفاء الأعراض.

إعلان

"راودتني فكرة الإنتحار في سنوات المراهقة ومنذ فترة قريبة، لكن تعلقي بالحياة والأصدقاء كان سبباً في الكف عن هذا التفكير، فالحياة أجمل من التفكير للتخلّص منها، رغم نظرتي السوداوية نحوها، لا أفهم حقاً نفسي وما أريد وما يؤلمني، هناك مجموعة أفكار سوداوية تضج داخل عقلي ولا أستطيع السيطرة عليها،" بهذه العبارات يصف حسن الحاج، 34 عاماً، شقائه النفسي الذي يمرّ به.

ويضيف: "أعشق المسرح وأتمنى أن أصبح نجماً مسرحياً معروفاً، حققت جزءاً من هذا الطموح، لكن لا يمنع ذلك أني تعيس جداً في عملي الحالي الذي أمارسه بالإكراه." يقول الشاب الذي تخرج من كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية أنه لم يكن يدرك شيئاً عن هذا المرض النفسي أو عن مصطلح "الاكتئاب المبتسم" إلا منذ أشهر حين قرأ صدفة مقالاً عن الموضوع فدخل للبحث عن عشرات المقالات المشابهة ويكتشف بنفسه أنه من أصحاب هذا المرض العصري وفق كلامه.

يخجل كثيرون من الإعتراف بأن لديهم مشاكل النفسية، فهذا الموضوع لا يزال تابوهاً في العالم العربي بشكل خاص. يحاول حسن الظهور بشخصية الشاب السعيد أمام أهله ووالدته بشكل خاص، تجنباً لإثارة قلقها، في الوقت ذاته يعيش تناقضاً مع ذاته ومع عواطفه فهو على سبيل المثال يحب والدته بجنون، لكنه ينزعج من إهتمامها به، ثم يعود ويشكو من إهمال والده وشقيقته له. ينتقد نفسه بجدّية حين يتحدث عن الموضوع، لا يفهم إختلاط مشاعره، حتى مع أصدقائه ينتابه هذا الشعور، فتارة يتمنى تمضية ساعات طويلة معهم، لكن فجأة يملّ منهم وينسحب، قد يجرح صديق طلب منه مقابلته، لكنه يندم لاحقاً على تصرفه.

أحاول العيش بقناع الفرح أمام المجتمع فأنا أحب السهر والسفر والخروج مع الأصدقاء لكن في الوقت عينه مزاجية، وكثيراً ما تتحول هذه اللقاءات إلى غم وهم، حين انسحب فجأة وأعود إلى غرفتي باكية

إعلان

يقول حسن إلى أن طفولته المقلقة والشرخ العائلي الذي أحدثه والده أسباب رئيسية لتعاسته اليوم، فوالده كان متلسطاً مع الأم وصارماً مع اولاده، ووقف بوجه عريس شقيقته التي صبت غضبها على حسن الذي كان مقرباً منها. وزاد معاناته رفض والده دراسته التمثيل والإخراج كونا الإختصاص لا يليق بعائلة محافظة تعيش في إحدى القرى اللبنانية. "بالنسبة لهم، الفنّ لا يؤمن مستقبلاً ولا يعطي قيمة، هذا الرفض ادخلني في صراع نفسي جديد، واضطررت الى الانصياع لأوامر الوالد ودرست الحقوق، ولكني لم أستطع إيجاد أي وظيفة بعد التخرج، وعملت كسائق توصيل، اذهب يومياً للمعتقل (كما يصف عمله) مكرهاً وبحالة نفسية مدمرة. المسرح هو الشيء الوحيد الجيد بحياتي." وصف حسن يتطابق تماماً مع وضع نادين حمزة، 31 عاماً، الشابة السورية التي عاشت في بيروت فترة طويلة قبل أن تنتقل إلى إمارة الشارقة منذ شهر واحد للعمل في شركة إعلانات. تعترف نادين بأنها مزاجية جداً لدرجة إنصرف عنها أصدقائها ولم يبق لها سوى صديقين: "احاول العيش بقناع الفرح أمام المجتمع فأنا أحب السهر والسفر والخروج مع الأصدقاء لكن في الوقت عينه مزاجية وكثيراً ما تتحول هذه اللقاءات إلى غم وهم، حين انسحب فجأة وأعود إلى غرفتي باكية."

ما بين 20 إلى 45% من المصابين بالأمراض النفسية حول العالم مصابون بالاكتئاب المبتسم، التي تظهر عوارضه على شكل سرعة تقلب المزاج

نادين تتلذذ "بالمشهدية المسرحية" كما تصفها، حتى في عملها، فهي لا تثبت أكثر من 6 أشهر تقرر فجأة وفي صباح اليوم ذاته ترك العمل والبحث عن عمل آخر رغم عدم وجود سبب مقنع لذلك، فقط لأن مزاجها طلب ذلك. وعن تجربة الإنتحار، تقول نادين أنها جربت ذلك 3 مرات ولكنها كانت تخاف من اللحظة الحاسمة فتتصل بأصدقائها لإسعافها في اللحظة الأخيرة.

إعلان

يُحذر إستشاري الطب النفسي الدكتور عامر سعد الدين بجدية من التقليل من أهمية التعامل مع هذه الحالة النفسية ويقول: "الإكتئاب المبتسم ليس مزحة، بل هو مرض أخطر حتى من الإكتئاب النمطي لأنه غير واضح ويعتقد البعض أنه لا يحتاج لتدخل طبي نفسي." ويشير الدكتور عامر في حديثي معه أنّ ما بين 20 إلى 45 % من المصابين بالأمراض النفسية حول العالم مصابون بالاكتئاب المبتسم، التي تظهر عوارضه على شكل سرعة تقلب المزاج، فخلال ساعة يمكن أن يكون الشخص حزيناً جداً، أو قلقاً فجأة ينقلب مزاجه ويصبح ممتازاً جراء رسالة عاطفية أو دعوة خروج إلى السينما أو سهرة، ثم بعد ساعة يعودون فجأة للحزن.

هذه الحياة المزدوجة التي لا يعرف عنها أحد هي حالة جدية ومخيفة وقد تؤدي للإنتحار فجأة، فيمكن أن يكون الشخص جالساً في النهار يستمتع مع أصدقائه وبعد ساعتين يرمي نفسه من الشرفة

ويضيف الدكتور عامر أن من الأعراض الأخرى لهذه الحالة المرضية، الإفراط في الأكل، والشعور بالثقل في منطقة الساقين والذراعين، والسلبية الكبيرة عند تلقي أي انتقاد أو رفض. وأكثر فئة عمرية معرّضة للإصابة ومن ثم الإنتحار المفاجئ هي بين الـ18 إلى الـ45 عاماً. "عادة ما يظهر المصابين وكأنهم لا يعانون من أي سبب للحزن، فلديهم حياة طبيعية ويتفاعلون مع الناس ويحبون الجلسات واللهو على عكس تماماً من الأمراض النفسية الأخرى. حتى أنهم يمتلكون حس الفكاهة والإهتمام بالناس،" يقول الدكتور عامر:"هذه الحياة المزدوجة التي لا يعرف عنها أحد هي حالة جدية ومخيفة وقد تؤدي للإنتحار فجأة، فيمكن أن يكون الشخص جالساً في النهار يستمتع مع أصدقائه وبعد ساعتين يرمي نفسه من الشرفة أو يطلق النار."

ولهذا المرض طرق علاج بحسب الدكتور عامر، أبرزها علاجات نفسية، وعلاجات سلوكية معرفية تتعلق بتغيير أنماط التفكير السلبي ثم الانتقال للعلاج الدوائي في حال تطلب الأمر ذلك، والمرحلة الثالثة تغيير نمط الحياة وممارسة رياضة التأمل والجري. الأهم هو أن لا نتجاهل أعراض الاكتئاب سواء النمطية أو غير النمطية، حيث أظهرت دراسة دولية دعمتها منظمة الصحة العالمية، أن الغالبية العظمى ممن يعانون من الاكتئاب والذين يقدر عددهم بنحو 350 مليون شخص على مستوى العالم، لا يتلقون الحد الأدنى من العلاج المناسب، وهذا يجب أن يتغير، لأجلنا ولأجل من نحب.

اتصل بخط مساعدة إذا احتجت إلى الدعم النفسي لنفسك أو لدعم صديق. عالميًا -الخط الساخن "Befrienders" للوقاية من الانتحار. لبنان
Embrace
1564 (من 12 م إلى 2 ظهراً)
941 341 1 961+ (رقم دولي)
info@embracelebanon.org

مصر
الخط الساخن للخدمات الصحية والنفسية في وزارة الصحة
08008880700
02-20816831