مقال رأي

ذكرياتي مع شريهان التي صنعت بهجتنا في رمضان

عادت إلينا من جديد دون أن تفقد هذه الروح الطفلة التي رافقتها في كل حياتنا على التليفزيون 
Screen Shot 2021-04-18 at 12

مشهد ١:  داخلي ١٩٩٣ ..  نجلس أمام التليفزيون بعد أذان المغرب، زئردة المعروفة بشريهان تقدم استعراضاتها المبهرة في فوازير حاجات ومحتاجات وتغني قائلة على أنغام مودي الإمام: الكوووورة دي فيها ما فيها، والمولى ولانا عليها، بالعلم نكشف خوافيها، بالعقل العقل ايدنا تحليها."

مشهد ٢: داخلي ٢٠٢١ ..  ماتت الفوازير وأصبحت الإعلانات هي لغة العصر. وعلى صوت موسيقى شهر زاد الشهيرة تقف امرأة نشاهد شعرها المنسدل على ظهرها، وبعدها بلحظات تظهر أمامنا فنانة افتقدناها لحوالي عقدين على الشاشة .. شريهان الشلقاني أو شهرزاد السينما والتليفزيون والمسرح.   

إعلان

من بستان وجناين الأحلام .. من ياما كان وكان يا سادتي يا كرام، حكايات لا يمكن نسيانها وحنين غرقنا في كل تفاصيله بمجرد رؤية شريهان على الشاشة بعد أن صارت صورتها على الشاشة مجرد ذكريات طفولة يستحيل أن نعيشها من جديد. جيل الثمانينات  كان يجلس أمام فوازير شريهان ومسرحياتها مع عمو فؤاد ومغامراتها، ومسلسل ألف ليلة وليلة - فاطيمة وكريمة وحليمة. 

رحلة بدأتها شريهان مع النجومية منذ بداية الثمانينات، عندما شاهدتها في فيلم "العذراء والشعر الأبيض" تلك الفتاة اللعوب المرتبكة التي كنت أشعر تجاهها بالغضب والتعاطف في نفس الوقت؛ لأنها في مرحلة المراهقة وتفتقد الأب في حياتها. في كل مرة أشاهد الفيلم تصيبني نفس المشاعر المختلطة تجاه شريهان أو بثينة. 

وكيف يمكننا تخطي شخصيتها سوسو مع والدها الدكتور رأفت (فؤاد المهندس) وهي تقول له في مسرحية سُك على بناتك: العوالم جُم العوالم جُم، فيرد عليها بغضب: "اكتمي .. أيه الزيطة اللي انتي عاملاها دي؟ إيه يعني لما العوالم جم؟ بتقولي العوالم جم؟" ثم يخرج في ابتهاج لمشاهدة العوالم. 

مع شريهان تشكل وعي جيل كامل كان التليفزيون يمثل بالنسبة له مصدرًا أساسياً للمعرفة والثقافة، فكان كل الأطفال في عمري يجلسون أمام نفس القناة ويحفظون نفس الأغاني والاستعراضات التي تقدمها شابة خفيفة الظل، رُوحها قادرة أن تقترب منك دومـًا، في رقصة أو غنوة أو فيلم مُكدَس بالأحداث المأساوية. في كل عمل فني لا تستطيع سوى أن تحبها وتتعاطف معها، سواء في جنونها مع عادل إمام في فيلم "خلي بالك من عقلك" أو مأساتها وهي امرأة صعيدية في فيلم "الطوق والإسورة."

هذا الجيل الذي كبر مع شريهان كان لا يخاف اللعب في الشارع طوال ليل رمضان. ومع كل مسلسل أو فزورة نجتمع مع الأهل والأقارب والجيران للمشاهدة والسمر حتى وقت السحور. هذا هو نفس الجيل الذي كان ينتظر رمضان كل عام من أجل تعليق الزينة في الشوارع وفرقعة الديناميت والبُمب مع لحظة أذان المغرب، والتركيز مع صوت مدفع الإفطار، والمسحراتي الذي يسير في الشارع وينادي على أسمائنا كي نصحو ونتناول السحور. كل هذا أصبح تاريخـًا نتذكره مع ألف ليلة وليلة صنعتها لنا شهرزاد.

إعلان

شريهان تشبه كثير من المصريين في بساطتها وابتعادها عن التكلف، فكان ظهورها دائمًا محببًا للقلب. جمعت بين براءة الطفلة ونضج المرأة فدخلت كل بيت مصري وعربي ليشاهدها الأطفال والكبار على حد سواء. قاوم جسدها الصغير النحيف الذي صال وجال على شاشة التليفزيون والسينما والمسرح، المرض والموت والحياة أيضًا. فعادت إلينا من جديد دون أن تفقد هذه الروح الطفلة التي رافقتها في كل حياتنا على التليفزيون.  

في إعلان فودافون أطلت علينا شريهان لمدة أربعة دقائق تحكي لنا رحلتها على مدار السنوات، لتجعلنا جالسين أمام الشاشة في اندهاش وابتسامة عريضة تكسو وجوهنا. هذه الرغبة في مشاهدة الإعلان وجمال شريهان الذي لا ينضب ربما تأثر عندي بسبب كثرة عرض الإعلان على الشاشة، ومازلت لا أفهم لماذا تصر الشركات على عرض إعلانات بهذه الكثافة، هل سأشتري المنتج إذا أذيع الإعلان أكثر من ٣٦٥ مرة في اليوم؟ لكن لا مشكلة، علشان خاطر عيون شريهان نستحمل شركات التليفونات. 

تحكي شريهان في أحد البرامج عن صناعة الفوازير في التليفزيون، وأهمية وجود كافة عناصر العمل الفنية؛ كي ينجح العمل ويصل بجودة متميزة للمتفرج كما يتوقع. وقالت "لازم أقدم للمتفرج فكر جديد، لازم أعرف أقعده، ماينفعش بعد أول يوم يشوف ويقفل وينزل ويقول سجلوهالي. أنا ممكن أقتل نفسي لو متفرج سجل حلقة ورجع بالليل شافها، أموت نفسي." هذا الالتزام الفني هو الذي جعل وجود شريهان على الشاشة مبهرًا لنا منذ الطفولة، وهو ذلك الاحترام للمشاهد الذي جعلها في إعلان هذا العام تشبه السحر الذي غاب لسنوات لتذكرنا بكل الماضي اللي كان.