CRISIS_01
صحة نفسية

كيف تتعايش مع القلق الوجودي

علينا أن نكون أكثر تصالحًا مع عدم قدرتنا على إيجاد أجوبة للكثير من الأسئلة

الجميع يتحدث عن الأزمة الوجودية، من أحاديث الأصدقاء إلى هاشتاغات تويتر، أو الميمز الساخرة التي نتشاركها على انستغرام. وأنا أتحدث عن التساؤلات الوجودية الكبرى من نوعية هل أنا المتحكم الوحيد في مسرى حياتي؟ هل هناك أي معنى للحياة، هل هناك أمل بغد أفضل؟ والكثير الكثير من التساؤلات.

تسببت جائحة كورونا، كما في أي أزمة عالمية، في إعادة التفكير بكل هذه الأسئلة والتشكيك في أفعالنا وخياراتنا، وإن كان هناك أي معنى للحياة في الوقت الذي يحيط بنا الموت من كل جهة، في الوقت الذي يبدو أن فقدان الوظائف والمدخرات والمنازل والأصدقاء والعائلة أمراً لا قدرة لنا على التحكم به.

إعلان

"في الأزمات يدرك الناس أن الحياة قصيرة، وهم عادة ما يعيدون ترتيب أولوياتهم،" تقول جاكلين جولان، أستاذة الطب النفسي في كلية فينبرغ للطب بجامعة نورث وسترن.

هذا الشعور بأن علينا إعادة ترتيب حياتنا مرتبط بما يُسمى بأزمة الوجودية  existential crisis أو القلق الوجودي، والذي يظهر في التحولات الكبيرة في العالم، وغالبًا ما يكون مرتبطًا بفقدان الأمان والأمن وعدم القدرة على الإمساك بزمام الأمور.

الفكرة الأساسية وراء الوجودية هي أن العالم لا معنى له بطبيعته، وأن الأمر متروك للفرد لخلق إحساسه الخاص بالمعنى والهدف. قام الكثير من الفلاسفة من بينهم فريدريك نيتشه بنشر أعمال يعتبرها العلماء وجودية، ولكن كان جان بول سارتر هو الذي جعل مصطلح "الوجودية" أكثر شعبية في الأربعينيات من القرن الماضي.

تشير الدراسات إلى أن الكوارث الطبيعية وغيرها من الأحداث الصادمة يمكن أن تدفع الناس إلى اتخاذ قرارات كبيرة، وقد يميل البعض إلى أن يصبحوا أكثر تديناً. تقول أماندا جيسلمان، المديرة المساعدة للأبحاث في معهد كينزي، وهو مركز أبحاث يركز على الجنس والعلاقات، أن العلاقات غالبًا ما تكون أول شيء يقوم الناس بإحداث تغيير فيه عندما يلقون نظرة فاحصة على حياتهم.

يُظهر بحث جيسلمان أن العديد من الشباب في العشرينيات والثلاثينيات من العمر، أصبحوا يقضون وقتًا أطول من المعتاد على تطبيقات المواعدة أثناء الوباء، ويجرون محادثات أكثر عمقاً مع الأشخاص الذين يواعدونهم هناك مقارنة بما قبل الوباء.

إعلان

البحث عن مغزى وهدف لحياتك هو أمر طبيعي وصحي، لكن قد تتحول الأزمة الوجودية إلى مشكلة في حال فشلنا في إيجاد إجابات مقنعة ومرضية، انعدام الإجابات الواضحة يخلق لدى البعض صراعًا داخليًّا، ما يؤدي إلى الشعور بالإحباط والغضب وخسارة السلام الداخلي.

لا يوجد دليل يخبرنا بما يجب القيام به في هذه الحياة.

لأن مصيرنا النهائي هو الموت، فيمكن أن تبدو "أفعالنا بلا معنى عند النظر إلى الصورة الأكبر." وبنفس الوقت يمكن أن تؤدي الحرية المرتبطة بفكرة أنه "لا يوجد معنى للحياة" إلى الشعور باليأس والضياع والقلق من أننا لم نحقق ما نريد، بأننا أضعنا سنوات عمرنا في وظيفة لا تمثلنا، أو في علاقة مع شخص لا نحبه، أو وافقنا على أمور نحن بداخلنا ضدها.

ولكن في حين أننا نرغب في إقناع أنفسنا أن تصرفاتنا وخياراتنا كان من الممكن أن تكون أفضل، إلا أن فلاسفة الوجودية يرون أنه لا يوجد طريق "واحد" لما يجب أن تكون حياتنا، ولا يوجد "دليل حياتي" يخبرنا بما يجب القيام به، لأننا نعيش الحياة مرة واحدة فقط. يقول الدكتور النفسي الأمريكي موري جوزيف: "لقد ولدنا في عالم من الأشياء المجهولة، ولكننا لا نحب أن نتصالح مع هذه الحقيقة."

جميعنا قد نشعر بثقل الأفكار الوجودية، وقد نحاول تجاهلها أو التخلص منها بطرق غير صحية كالكحول والمخدرات والدخول بعلاقات سامة، لكن لا داعي لمحاولة ايقاف هذا القلق، بحسب الخبراء، الحل هو أن تتعايش معه، لأنه ليس هناك طريقة للتأكد من أن خياراتنا -في حال كان لدينا أكثر من خيار أصلاً - هي صحيحة.

إعلان

هناك مراحل مختلفة من الحياة قد تخلق لدينا أزمة وجودية، قد يكون له علاقة بمن نحن والنسخة الحقيقية التي نظهرها من أنفسنا، أو بتقدمنا بالعمر والخوف من المرض والموت.

المعنى
ربما يكون السؤال المركزي المحيط بأزمة وجودية هو ما إذا كان لحياة الشخص، أو الحياة نفسها، أي معنى. الحياة التي لا معنى لها لا تروق للكثيرين، لذلك يميل البشر إلى خلق معنى إذا لم يتمكنوا من العثور عليه. عدم ايجاد المعنى قد يسبب شعوراً بأزمة وجودية.

الأصالة
قد يشعر الشخص أنه ليس صادقًا أو أصيلاً مع نفسه أو أنه ليس صادقًا مع هويته -بسبب الظروف العائلية أو الاجتماعية أو السياسية- وأنهم لا يتصرفون بشكل حقيقي يعكس من منهم في مواقف معنية وقد يشعرون بالذنب لذلك، وهو ما قد يسبب قلقًا كبيرًا وأزمة وجود في مرحلة ما.

العمر والموت
العثور على أول شعرة بيضاء أو ظهور بعض التجاعيد، يمكن أن يجعلنا ندرك أننا نكبر في العمر، وقد نسأل أنفسنا إذا كنا قد أنجزنا ما نريده في هذه الحياة. فقدان شخص قريب قد يجعلك مجدداً تشكك بوجود أي معنى لهذه الحياة. فقدان أحد الأحباء أو انتهاء علاقة أو الشعور بالنبذ - كلها أمور قد تجعلنا نتساءل عن معنى حياتنا.

وهناك جانب آخر مشترك بين الأزمات الوجودية وهي الحرية، أن تكون حراً يعني أن تتمتع بحرية اتخاذ خياراتك لوحدك، وهذا يعني أيضًا أن تكون مسؤولاً عن نتيجة تلك الخيارات. يمكن أن يسبب عدم اليقين والخوف من عدم اتخاذ المسار الصحيح بخلق أزمة وجودية.

جميع هذه الأسئلة والمشاعر المتضاربة وعدم اليقين هي جزء من الطبيعة البشرية وكل شخص يمر بها. المعاناة من أزمة وجودية لا تعني تلقائيًا أن الشخص يعاني من مشكلة تتعلق بالصحة النفسية. في الواقع، يمكن أن يكون شيئًا إيجابيًا. التشكيك في حياتنا والهدف منها هو أمر صحي، ويمكن أن يساعد في تحقيق الذات بشكل أفضل.

إعلان

تصالح مع عدم وجود أجوبة.

على الرغم من أن الشعور العام بالقلق بسبب عدم القدرة على توقع ما يحمله اليوم أو الشهر التالي في ظل الأوضاع الحالية، فإن علينا أن نكون أكثر تصالحًا مع عدم قدرتنا على إيجاد أجوبة للكثير من الأسئلة. شعورك بأن عليك أن تعرف كل الأجوبة في هذه الحياة، سيولد لديك قلقاً من الانتظار لمعرفة الجواب.

من الجيد التفكير في أسئلة عميقة من وقت لآخر، ولكن عندما تظهر أفكار مظلمة ومربكة، عليك أن لا تبقي هذه الأفكار لنفسك، حاول التواصل مع الأشخاص الذين تثق بهم، يمكن أن تساعدك رؤيتهم في الحصول على منظور جديد أو مختلف للأمور.

عليك أن تتفهم كذلك فكرة بقاء بعض الأسئلة من دون إجابة، أو القبول بإجابات صغيرة ومرتبطة بزمن معين، ليس عليك أن تبحث عن إجابات لأمور لم تحدث بعد، أو ستحدث لاحقاً.

عند البحث عن المعنى، لا توجد إجابات أفضل من تلك التي تجدها بنفسك، أفضل طريقة لإيجاد معنى للحياة هو "من خلال خلق المعنى الخاص بك" من خلال القيام بأشياء تجلب لك السلام الداخلي. المعنى هو أنت، وأنت من تصنع المعنى.

إذا لم تكن قادراً على السيطرة على شعورك بالقلق الوجودي، فقد يكون الوقت قد حان للتواصل مع معالج نفسي للحصول على الدعم.